بيتر دينكلاج.. المنبوذ الذي أصبح بطلا

Peter Dinkalge
تجسيد "تيريون لانستر" في مسلسل "صراع العروش" ضمن لبيتر دينكلاج شعبية هائلة (مواقع التواصل)

حسام فهمي

الكل يعرفه الآن باسم "تيريون"، وهو اسم شخصيته الشهيرة في المسلسل الأميركي "صراع العروش"، تلك الشخصية التي أجمع متابعو المسلسل على حبها، لما تحمله من حب للعدالة مختلط بروح فكاهة لا تتوقف عن مفاجئتك؛ لكن الحقيقة أن هذا الرجل الذي يحمل في حصيلته حاليا ثلاث جوائز إيمي وجائزة غولدن غلوب، قد كافح طوال حياته -وبالتحديد حتى عام 2011- ليحصل على فرصة واحدة لتقديم نفسه ممثلا، ممثلا حقيقيا وليس مجرد قزم يتم استغلاله لإثارة الضحك.

اليوم نتتبع معكم الرحلة الملهمة للممثل الأميركي بيتر دينكلاج، من العمل مدخل بيانات إلى بطولة أحد أهم المسلسلات في تاريخ التلفزيون الأميركي.

البداية.. جني كوميدي أم قزم غاضب
ما لا يعرفه كثيرون أن بيتر دينكلاج قد درس الدراما في "برينغتون كوليدج" في ولاية فيرمونت بالولايات المتحدة الأميركية، وطوال الفترة التي تلت تخرجه عمل هذا الشاب الموهوب في المسرح، فقام بأدوار لأبرز الإنتاجات الأدبية والمسرحية، فجسد أعمال شكسبير وأنطون تشيخوف، لكنه عقب ذلك فوجئ بالصورة النمطية لقصار القامة في هوليود، فلم يكن أمامه إلا أن يجسد أدوارا كوميدية لأقزام خياليين في أفلام سطحية المحتوى. ولذا ومنذ البداية رفض دينكلاج تماما أن يقوم بهذه الأدوار، حتى لو كلفه هذا التخلي عن حلم التمثيل.

يقول دينكلاج في أحد لقاءاته "لقد كنت قاسيا على نفسي فيما يخص اختيار الأدوار، القيام بأدوار الأقزام الكوميديين الخياليين كان دائما خارج تفكيري، لقد عرفت منذ البداية الأشياء التي تشعرني بعدم الراحة، وقد قررت ألا أضع نفسي في هذا الموقف، يوجد الكثير من الوظائف التي يمكنني العمل بها لتسديد إيجار منزلي، والتمثيل لم يكن أبدا واحدا من هذه الوظائف".

وهكذا عمل بيتر دينكلاج ولمدة ست سنوات مدخل بيانات، وهي وظيفة لا علاقة لها بتاتا بشغفه وموهبته في التمثيل.

الانطلاق.. لا تنازل
في عام 1995 حظى دينكلاج أخيرا بفرصة لتأدية دور سينمائي يوافق معاييره، حيث اختاره المخرج الأميركي "توم ديكلو" لأداء دور في الفيلم الأميركي المستقل "الحياة في الوهم" (Living in Oblivion)، حيث جسد دينكلاج دورا قريبا جدا من شخصيته، وهو دور ممثل شاب قصير القامة يعاني من عدم وجود فرص عمل له، ومن حصر المنتجين والمخرجين له في أدوار نمطية لقصار القامة، ورغم أن الدور كان صغيرا، فإن دينكلاج جذب الأنظار وحقق الكثير من الإشادات النقدية.

عقب ذلك بعدة سنوات، قام دينكلاج أخيرا ببطولته السينمائية الأولى، وذلك في الفيلم الذي كتبه وأخرجه صديقه "توم ماكارثي"، وهو الفيلم الذي حمل عنوان "عامل المحطة" (The station agent)، والذي جسد فيه دينكلاج دور رجل فقد صديقه الوحيد، فقرر الذهاب لمنطقة نائية، ليتعرف هناك على صديقين يشاطرانه أحزانه ووحدته.

في نهاية العام فاز "توم ماكارثي" بجائزة البافتا في فئة أفضل سيناريو، أما دينكلاج فقد تم ترشيحه لجائزة "نقابة الممثلين" في فئة أفضل ممثل، ومن هنا بدأت مرحلة الانطلاق في مسيرته المهنية والشخصية.

الوصول للقمة.. صراع العروش
عقب ذلك بعدة سنوات، حصل بيتر دينكلاج على الفرصة التي ستخلد اسمه -وليس هذا مبالغة- في سجل أهم ممثلي التلفزيون، وذلك حينما اختاره صناع مسلسل "صراع العروش" لأداء دور "تيريون لانستر" -أحد أبناء عائلة لانستر- الذي سنكتشف بعد ذلك أنه أحد أهم شخصيات المسلسل، وذلك طوال فترة أحداثه التي امتدت منذ عام 2011 وحتى منتصف عام 2019.

تسعة أعوام تابع فيها الملايين حول العالم أحداث المسلسل، وارتبطوا بشخوصه، وانتظروا حلقاته الأسبوعية، ليكتشفوا في النهاية أن "تيريون" هو الشخصية الوحيدة تقريبا التي حظيت بتفاعل مستمر مع كافة أبطال المسلسل، منذ البداية وحتى مشهد النهاية.

الغريب أن بيتر دينكلاج قد صرّح أنه فكر في رفض الدور في البداية، وذلك خوفا من التجسيد النمطي للأقزام في القصص الخيالية، لكنه في النهاية وافق عقب إعجابه الشديد بقصص جورج أر. أر. مارتن، والتي ظهر فيها "تيريون" كإنسان من لحم ودم ومشاعر، إنسان يحمل رحلة من المعاناة لإثبات نفسه ولتحقيق العدالة التي حُرمت منها "ويستروس" طوال سنوات.

تجسيد "تيريون لانستر" ضمن لبيتر دينكلاج شعبية هائلة، فتحول في النهاية من مدخل بيانات مغمور إلى أحد أشهر الممثلين في العالم حاليا، كما أنه ضمن له الصعود لاقتناص جوائز الإيمي والغولدن غلوب.

أما عن القادم، فبيتر دينكلاج الآن من بين أكثر النجوم المطلوبين في هوليود، فهو يقوم حاليا بالأداء الصوتي للأجزاء القادمة من أفلام "الطيور الغاضبة" و"ذا كرودز"، بالإضافة لعمله على مشروع قادم للمخرج "براد أندرسون" الذي اشتهر بفيلمه "الميكانيكي" (The machinist)، حيث يقوم دينكلاج بدور قزم ميكافيلي يتلاعب بالأمير الذي يعمل لصالحه ويدفعه لهدم مملكته، وذلك في فيلم سيحمل اسم "القزم" (The Dwarf).

هكذا بدأت رحلة بيتر دينكلاج، رحلة سنتذكرها كثيرا في المستقبل، كمثال واضح على أن الأحلام يمكن أن تتحقق.

المصدر : الجزيرة