يوجين ديلاكروا.. فنان العنف والمأساة

(Original Caption) Portrait of Ferdinand Victor Eugene Delcroix (1798-1863) French painter. Photogrpah ca. 1859 by Nadar.
تمر هذا العام 221 سنة على ميلاد الفنان الفرنسي ديلاكروا الذي ولد عام 1798 (غيتي)

سارة عابدين          

تمر هذا العام 221 سنة على ميلاد الفنان الفرنسي يوجين ديلاكروا الذي ولد في 26 أبريل/نيسان 1798 في فرنسا لعائلة فنية.

بدأ ديلاكروا دراسة الفن في سن 17 على يد الرسام الأكاديمي البارون بيير نارسيس غيرين، وتأثر بمايكل آنجلو، وكذلك بيتر بول روبينز كما ظهر في عمله "دانتي وفيرجيل في الجحيم" الذي عرض بصالون عام 1822 الفني.

وفي صالون 1824 عرض لوحته التي تصور هزيمة اليونانيين على يد الأتراك، وتمثل مرحلة نضجه الفني.

‪كان لديلاكروا تأثير كبير على الحركة الانطباعية وما بعدها‬ (مواقع التواصل)
‪كان لديلاكروا تأثير كبير على الحركة الانطباعية وما بعدها‬ (مواقع التواصل)

تأثير على الحركة الرومانسية
كان لديلاكروا تأثير عميق على الحركة الرومانسية، وعرف بأنه "سيد اللون" نظرا لاهتمامه بتصوير المناظر الطبيعية، واستخدامه للألوان بنهج فريد، يصنع تجربة مشاهدة متفجرة للمتفرج أمام اللوحة، بالإضافة إلى تأثيره على الحركة الانطباعية وما بعدها، نظرا لإعجاب الانطباعيين بالحركة والطاقة الكبيرة المتمثلة في لوحاته، وبراعة ألوانه التي توافق أفكارهم عن أهمية اللون.

ينظر مؤرخو الفن أحيانا إلى المدرسة الرومانسية على أنها رد فعل على الحركة الكلاسيكية الجديدة التي سبقتها، نظرا لأن الفنانين الكلاسيكيين الجدد ركزوا على توثيق التاريخ بشكل صحيح، من خلال الاهتمام الدقيق بالتفاصيل، بينما ركز الرومانسيون على موضوعات تمجيد الذات، وعلاقة الإنسان بالطبيعة، بشكل أكثر عاطفية، ليأتي الخلاص والسلام نابعا من الفرد نفسه بعيدا عن الحركات والأحزاب السياسية.

تؤكد المدرسة الرومانسية على الشعور الفردي، والإبداع والخيال الشخصي، وكان الفن الرومانسي جزءا من حركة فلسفية أكثر تعددية تشمل الفنون الأدبية والبصرية والفكرية.

ودمج ديلاكروا بين المفاهيم الرومانسية، مع التقنيات والتأثيرات الخاصة بالفنانين الكبار، حتى طور أسلوبه الشخصي الذي اهتم فيه بإظهار الألم والمعاناة من خلال الألوان الزاهية القوية، مثل لوحة انتهاء اليونان على أنقاض ميسولونغي.

لذلك مثل ديلاكروا عنصرا مهما من عناصر تقدم المدرسة الرومانسية، وكان معظم الفنانين الرومانسيين أتباعا له بشكل أو بآخر.

‪لوحة الاستيلاء على القسطنطينية من قبل الصليبيين‬ (مواقع التواصل)
‪لوحة الاستيلاء على القسطنطينية من قبل الصليبيين‬ (مواقع التواصل)

فترة النضج
في عمر 27، سافر ديلاكروا إلى لندن، انطلاقا من إعجابه برسامي المناظر الطبيعية الإنجليز.

كان لألوان تيرنر اللامعة النابضة بالحيوية تأثير كبير على ديلاكروا، وكذلك أعمال الفنان سير توماس لورانس. وبدأت مهاراته الفنية في التطور بشكل كبير ذلك الوقت.

في لوحته "الحرية تقود الشعوب" التي رسمها ديلاكروا احتفاء بالثورة الفرنسية، حدث تغير كبير في أسلوبه، وأصبحت الخطوط أكثر هدوءا، واستعماله للون أصبح أكثر نضجا وفخامة. 

لم يتغير أسلوبه مع تقدمه في العمر، لكنه بدأ العمل على نطاق أوسع، ولوحات أكبر حجما، بالإضافة إلى تكليفه برسم جداريات على جدران وأسقف العديد من المباني الحكومية، كما رسم لوحة معركة تايللبورغ ولوحة الاستيلاء على القسطنطينية من قبل الصليبيين واللتين تمثلان الأكبر في حياته الفنية.

تأثر بالثقافة العربية
بعد رحلة واحدة إلى المغرب تغيرت طريقة ديلاكروا في العمل على اللون بشكل كبير، بعدما تأثر بثقافة مختلفة تماما عن الفرنسية. 

الأزياء الملونة الزاهية بالملابس العربية، شكل النساء العربيات، الخيول والمباني، كل ذلك أثر في ديلاكروا، وعبر عن تلك الموضوعات بمجموعة لوحات تحمل مشاهد من الشرق ومنها:

نساء الجزائر في بيتهن 1834

‪تقع اللوحة بمساحة 180X299 سم وتوجد حاليا بمتحف اللوفر بفرنسا‬ (مواقع التواصل)
‪تقع اللوحة بمساحة 180X299 سم وتوجد حاليا بمتحف اللوفر بفرنسا‬ (مواقع التواصل)

تتميز اللوحة بألوان وطرق إضاءة مختلفة عن طرقه المعتادة، بالإضافة إلى تغييره طريقة ضربات فرشاته لتصبح أكثر ملاءمة للموضوع الأكثر حداثة من موضوعاته السابقة.

أما بالنسبة للتكوين الخاص باللوحة، فالنشاط الرئيس فيها يقع أسفل وسط اللوحة، وفي الزاوية اليسرى، بشكل يجعل انتباه المشاهد ينتقل من امرأة إلى أخرى، بدءا من المرأة على اليسار، ثم إلى مركز اللوحة متمثلا في المرأة ذات الرداء الأبيض، ثم إلى السمراء التي تتحرك في يمين اللوحة.

وتعمل الإضاءة في اللوحة على إظهار قوة الألوان خاصة مع الخلفية الداكنة التي يفضلها الفنان دائما، وتخلق تأثيرا حسيا على جلسات النساء، ويعطي المشهد حالة من الاسترخاء والهدوء المرتبط في عقل ديلاكروا بنساء الشرق.

ويبقى ديلاكروا واحدا من أهم الفنانين الكلاسيكيين الذين حظوا بتقدير النقاد والفنانين المعاصرين، لأنه كان رائدا في الابتكارات التقنية الجريئة التي مازالت تستكشف حتى اليوم.

ساعد التعبير غير المقيد عن الطاقة والحركة في أعماله، وسحره، بالعنف والدمار والجوانب الأكثر مأساوية في الحياة، بالإضافة إلى البراعة الحسية في ألوانه، إلى اعتباره أحد أكثر الفنانين تأثيرا في القرن 19.

المصدر : الجزيرة