ألفونسو كوارون.. المكسيكي صانع الذكريات وصائد الجوائز

Mexican director Alfonso Cuaron poses for a portrait during the 91st Oscar Nominees Luncheon in Beverly Hills, California, U.S., February 4, 2019. REUTERS/Mario Anzuoni
نقطة البداية التي جذبت الأنظار لكوارون عالميا كانت فيلمه "أطفال الرجال" عام 2006 (رويترز)

حسام فهمي  

في فبراير/شباط 2014 فاز المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون بجائزة الأوسكار في فئة أفضل مخرج عن فيلمه "جاذبية" (Gravity). وبهذا الفوز سجل كوارون اسمه تاريخيا كأول مخرج مكسيكي بل ولاتيني عموما يفوز بهذه الجائزة.

يبدو اليوم الأمر مغايراً تماما، فكوارون الآن يبدو المرشح الأكبر للفوز بالأوسكار عام 2019 عن فيلم "روما" (Roma) الناطق بلغته الأصلية، والمأخوذ عن ذكرياته الشخصية في مدينة مكسيكو سيتي خلال فترة السبعينيات.

وعن هذه السنوات الخمس التي مرت منذ فوزه الأول، السؤال الأهم الذي نحاول اليوم الإجابة عنه هو كيف تطور أسلوب كوارون الإخراجي وكيف نقل برؤيته المختلفة للسينما آمال البشر وأحلامهم ومعاناتهم لتصبح أفلامه بهذا النجاح النقدي والجماهيري.

‪كوارون الآن يبدو المرشح الأكبر للفوز بأوسكار 2019‬ كوارون الآن يبدو المرشح الأكبر للفوز بأوسكار 2019 (رويترز)
‪كوارون الآن يبدو المرشح الأكبر للفوز بأوسكار 2019‬ كوارون الآن يبدو المرشح الأكبر للفوز بأوسكار 2019 (رويترز)

الخيال العلمي وغريزة البقاء
ولد كوارون لأب عمل كعالم بالفيزياء النووية، كما شغل منصبا مهما في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأعوام طويلة، هكذا يمكننا تفهم ولع كوارون بالعلم منذ الطفولة، والذي اقترن بدراسة الفلسفة جنبا إلى جنب مع صناعة السينما أثناء فترة الجامعة في المكسيك، ومن خليط لكل هذا تشكلت رؤية كوارون التي رأيناها واضحة في مجموعة من أبرز أفلام الخيال العلمي الفلسفي.

نقطة البداية التي جذبت الأنظار لكوارون على المستوى العالمي كانت فيلمه "أطفال الرجال" (Children of men) عام 2006 الذي ترشح لجائزتي أوسكار في فئتي السيناريو والإنتاج.

تدور القصة حول عالم ينهار في المستقبل، حيث يتوقف جميع البشر عن الإنجاب، ولا يبقى أي أمل للبشرية للهرب من الفناء سوى ظهور فتاة قادرة على الإنجاب من بين اللاجئين غير النظاميين المطاردين.

عاد كوارون بعد غياب زاد على سبع سنوات بفيلم "جاذبية" في فئة الخيال العلمي الفلسفي أيضا، وتدور أحداثه بعيدا في الفضاء، لكنه يظل محافظا على سمات رؤيته كوارون، ومرة أخرى نشاهد غريزة البقاء والتشبث بالحياة، من خلال رائدة فضاء وحيدة تكافح وسط حطام سفن الفضاء المحطمة، وتحاول بكل ما فيها من قوة للوصول إلى طريقة للعودة إلى الأرض والتواصل مع أي كائن بشري، بينما يبدو الفضاء مخيفا وشاسعا وبلا رحمة.

رائدة الفضاء في "جاذبية" لا تملك سببا واضحا للعودة للأرض أيضا، تبدو حياتها مليئة بالأسى والحزن، لكن الحياة تستحق المحاولة برغم كل ما فيها، ونجحت رؤية كوارون الفلسفية في ضمان سبع جوائز أوسكار لهذا الفيلم نهاية العام، فاز من بينها بجائزتين فرديتين في فئتي المونتاج والإخراج.

من المكسيك لكل الدنيا
ورغم بداية كوارون بالتلفزيون المكسيكي، فإنه حقق نجاحا عالميا بشكل مبكر، فبعد إخراجه لفيلمه الطويل الأول بالمكسيك "فقط مع شريكك" (Sólo con Tu Pareja) انتقل بشكل سريع لصناعة أفلام كبيرة في هوليود مبنية على روايات شهيرة، نذكر منها فيلمه "توقعات عظيمة" (Great Espevtations) عام 1998 والمأخوذ عن رواية الكاتب البريطاني تشارلز ديكنز.

لكن كوارون رغم هذا ظل وفيا لثقافته وذكرياته، فاستمر حتى اليوم في صناعة أفلام مصنوعة بالكامل في المكسيك، ونجح من خلالها أيضا في جذب انتباه العالم وحصد الجوائز، لأن الأمر بالنسبة له في الأصل مرتبط برؤية إنسانية واسعة يمكنها تتبعها في كافة أفلامه بغض النظر عن لغتها أو مكان وقوع أحداثها.

فخلال هذه الحقبة صنع كوارون فيلمين من أبرز أفلامه في المكسيك، وهما "وأمك أيضا" (Y Tu Mamá También) عام 2001، و "روما" عام 2018، وفي الفيلمين ورغم اتساع المدة الزمنية بينهما يمكننا تتبع حرص كوارون على صناعة سينما معبرة عن وطنه.

ففي "وأمك أيضا" الذي رُشح من خلاله كوارون لجائزة الأوسكار في فئة أفضل سيناريو، تدور الأحداث حول رحلة تجمع شابين مكسيكيين وامرأة جميلة تكبرهما سنا، وفي خلفية المشاهد الرومانسية الكوميدية يعرض كوارون التغييرات السياسية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع المكسيكي.

استعاد كوارون هذا الحس العائلي مرة أخرى عقب 17 عاما وصنع فيلم "روما" المأخوذ بالكامل عن ذكريات عائلته، والمُهدى بشكل خاص إلى خادمتهم ومربيتهم الحنونة، في روما يهتم المخرج أيضا وبشكل خاص برصد التغييرات السياسية والاقتصادية التي عانى منها المكسيكيون زمن الحكم العسكري، لكنه أيضا يضع العلاقات الإنسانية في بؤرة الأحداث.

شريطه السينمائي المصنوع بالكامل بالأبيض والأسود ضمن له الفوز بجائزة غولدن غلوب في فئة أفضل مخرج، لكن الأهم أن الفيلم منح صوتا للفقراء والكادحين ليعبروا عن معاناتهم في عالم رأسمالي لا يرحم، وقد ظهر هذا جليا في دور الخادمة التي جسدتها ممثلة من السكان الأصليين بدورها الأول على الشاشة وهي "ياليتزا أبريكيو" ليثبت كوارون أن ما ينادى به في أفلامه حقيقة يطبقها وينفذها في حياته واختياراته.

يُذكر أن فيلم "روما" مرشح لعشر جوائز أوسكار هذا العام، من أبرزها أفضل فيلم وأفضل مخرج لكوارون.

المصدر : الجزيرة