أفلام تناولت قضايا فلسفية جدلية على مر التاريخ

عرض ترومان 1998
فيلم "عرض ترومان" يتقاطع مع فكرة المراقبة الإلهية، وأفكار سارتر الوجودية، ومعنى الأخلاق لدى ديكارت وشوبنهاور (مواقع التواصل)

سارة عابدين

ظهرت الفلسفة منذ فجر الحضارات القديمة في الشرق والغرب، لكن يعتبر القرن الخامس قبل الميلاد هو العصر الذهبي للفلسفة، عندما انتشرت أعمال سقراط وأفلاطون وأرسطو الفلسفية بشكل كبير، وأصبحت أثينا مركزا للفكر والسياسة في الحضارة اليونانية.

ثم عادت الفلسفة الغربية للظهور من جديد في القرن الثامن عشر فيما يعرف بعصر النهضة، وبدأت تساؤلات جديدة حول نظرية المعرفة.

بحلول القرن التاسع عشر احتلت مسائل اللغة والمنطق مركز الصدارة في الأفكار الفلسفية، ثم انطلقت في القرن العشرين أكبر مجموعة من التساؤلات الفلسفية التي لم يسبق لها مثيل.

ويحتفل العالم في الحادي والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام باليوم العالمي للفلسفة، وفي هذه المناسبة نلقي نظرة على بعض الأفلام التي تناولت قضايا فلسفية جدلية على مر التاريخ.

الختم السابع 1948
يعتبر الفيلم أحد أهم أفلام المخرج السويدي إنغمار برغمان. وتدور أحداثه في القرون الوسطى، حول الشاب أنطونيوس الذي يعود إلى بلاده من الحروب الصليبية، فيجد وباء منتشرا في بلده، ويجد ملك الموت متجسدا في انتظاره ليقبض روحه.

يحاول الشاب الهرب من مصيره، عن طريق مباراة شطرنج مع ملك الموت، بحيث يتركه ملك الموت للحياة حال فوز الشاب عليه. ويسلط  الفيلم الضوء -من خلال الحكاية- على التفسيرات الفلسفية المختلفة للوجود الإنساني، والمعاناة البشرية من عدم اليقين، وعلى ماهية الخوف الذي يمنع الناس من ارتكاب الشرور، وهل هو خوف أخلاقي أو خوف إيماني؟

الحبل 1948
الفيلم واحد من أفلام المخرج الإنجليزي ألفريد هيتشكوك وعلى عادة أفلامه يقوم الفيلم على التشويق والإثارة إلى جانب الفكرة الفلسفية التي بني عليها الحدث الرئيسي.

يدور الفيلم حول اثنين من الأصدقاء، يقرران قتل زميلهما خنقا لإثبات قدرتهما الفكرية على القيام بالجريمة الكاملة، باعتبارهما متفوقين فكريا، ويمكنهما التخلص من الصديق الغبي أو الأقل في المرتبة الإنسانية، وهو تصنيف قائم على فكرة نيتشه الفلسفية عن الإنسان الخارق أو السوبر مان، بالإضافة إلى فكرته عن القتل بوصفه فنا يجب أن يكون متكاملا دون أي أخطاء.

يقوم كل من براندون وفيليب بقتل صديقهما ديفيد، باستخدام حبل، ويضعان جثته بصندوق، ثم يقيمان حفل عشاء يدعوان فيه أقارب وأصدقاء ديفيد، ويستخدمان التابوت طاولة لتقديم طعام العشاء.

من ضمن المدعوين للعشاء مدرسهما الذي قام بدوره جيمس ستيوارت، والذي حدثهما من قبل أثناء الدراسة عن فكرة نيتشه الفلسفية، ومع تطور الأحداث يعرف ستيوارت أنهما استخدما كلامه عن أفكار نيتشه لتبرير قيامهما بجريمة القتل الكاملة أو المثالية، ويطلق ستيوارت عدة رصاصات من النافذة لجذب انتباه الشرطة، وينتهي الفيلم، لكن بجريمة غير كاملة.

عشائي مع أندريه 1981
عنوان الفيلم بمثابة ملخص للقصة، حيث يلتقي الكاتب المسرحي والاس شون مع مخرج مسرحي مشهور هو أندريه جريجوري، ويتدفق الكلام بينهما ليبدو للمشاهد الاختلاف الجوهري الكبير بينهما في الأفكار والحياة.

تظهر رؤية أندريه الروحانية المثالية للعالم والبشر التي تتناقض مع رؤية والاس البراجماتية الواقعية للعالم، من خلال حديثهما عن الموت والحياة والحب والصداقة والمال. ويحتل الحديث عن دور المسرح وعلاقته بالجماهير مساحة كبيرة من الحوار بينهما استنادا إلى معرفتهما به.

الفيلم من إخراج لويس مال، وبالرغم من أنه صنع في قالب كوميدي فإنه لا يناسب سوى جماهير انتقائية مهتمة بالقضايا الفلسفية وتطبيقاتها على الحياة.

الإدمان 1995
الفيلم من إخراج المخرج الأميركي أبيل فيرارا الذي عرف بأفلامه المثيرة للجدل، وبالرغم من تصنيفه بصفته فيلم رعب، فإنه يقدم الرعب في إطار فلسفي عقلي. يدور الفيلم حول الفتاة كاترين التي تدرس الفلسفة ولا تشعر بأهميتها، وتقابل أثناء تجوالها مصاصة دماء، وبدلا من أن تحاول الهرب منها، تقرر التحول إلى مصاصة دماء هي الأخرى.

وتستمر كاترين في دراسة الفلسفة، ومهاجمة ضحاياها، ثم تقابل أحد مصاصي الدماء الذي استطاع التغلب على إدمانه للدم البشري، ويحاول مساعدتها واستضافتها في منزله، لكنها تعود من جديد لمهاجمة الضحايا.

يرتبط مصاص الدماء في الخيال الجمعي التاريخي بالرغبة الجنسية، وشهوة الدماء هي الموازي لشهوة الجنس وكل الشهوات التي يفكر فيها الإنسان، لذا يحلل الفيلم بشكل عميق قدرة الإنسان على التحكم برغباته، واختياراته التي تشكل حياته من بعد. وفي تشابك الأحداث وتتابعها تظهر وجهة نظر كاترين عن الفلسفة كونها دون أهمية في التاريخ البشري الطويل المليء بالفوضى والحضارات التي قامت على الجثث التي بددتها الحروب.

عرض ترومان 1998
بالرغم أنه فيلم حديث نسبيا فإنه أصبح من علامات السينما. والفيلم من إخراج بيتر وير وبطولة جيم كاري في أهم أفلامه البعيدة تماما عن الكوميديا التي اعتادها.

يعيش ترومان حياة عادية، ليكتشف فجأة أن حياته بالكامل مجرد عرض يشاهده الجمهور ويتحكم به مخرج العرض، الذي يحرك كل الشخوص والتفاصيل من حوله، ويصور حياته بالكامل بشكل مفصل منذ لحظة ميلاده.

يقف ترومان في ذروة الحبكة بين اختيارين، إما أن يكمل حياته التي يعرفها والتي يسيرها المخرج بطريقته الخاصة، أو يختار الحياة الحقيقية التي تعتبر مجهولة تماما بالنسبه له.

الفيلم يتقاطع مع فكرة المراقبة الإلهية، وأفكار سارتر الوجودية، ومعنى الأخلاق لدى رينيه ديكارت (ت: 1650م) وأرتور شوبنهاور (ت: 1860م)، والأفكار الفلسفية التي تقدم تفسيرات مختلفة للوجود، وهل هو وجود حقيقي أو مجرد خدعة في عقول البشر؟!

المصدر : الجزيرة