"يا ساقي وادينا الحياة".. النيل في السينما والأغاني المصرية

Sailing teams train in the River Nile near the Sixth of October Bridge in Cairo July 21, 2014. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh (EGYPT - Tags: SOCIETY CITYSCAPE ENVIRONMENT SPORT MARITIME)
وفر النيل لسكان مصر مهربا من صحراء ممتدة على جانبيه الشرقي والغربي (رويترز)

حسام فهمي-القاهرة 

"مصر هبة النيل"، قالها المؤرخ اليوناني هيرودوت قبل مئات السنين. قد تكون جملة مكررة، لكنها تظل معبرة بشكل كبير عن حقيقة مصر، إحدى أقدم الدول التي عرفها التاريخ، الدولة التي وفر النيل لسكانها مهربا من صحراء ممتدة على جانبيه الشرقي والغربي.

هذا الأثر العظيم أدى بشكل مباشر إلى تقديس قدماء المصريين للنيل، وامتد هذا التقديس عبر أجيال وأجيال حتى ظهر أثره على الثقافة الشعبية والفنية المصرية، هكذا نصحبكم اليوم في رحلة فنية عن قيمة الأرض والنيل في السينما المصرية، قيمة قد يكون المصريون في أشد الحاجة للتذكير بها هذه الأيام.

الأرض والماء والكرامة
الفيلم الأبرز بالطبع في قائمتنا اليوم هو فيلم "الأرض" الذي تم عرضه للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 1970، وهو من إخراج يوسف شاهين عن قصة الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي وسيناريو حسن فؤاد، ومن بطولة نخبة من أفضل ممثلي مصر، في مقدمتهم: محمود المليجي ويحيى شاهين وعزت العلايلي.

في الأرض نرى القيمة الحقيقية لمياه النيل، مصدر الحياة الذي لولاه تبور أراضي القرية. والأرض في الريف المصري ليست مصدرا للغذاء وحسب، لكنها أيضا مظهر الكرامة الأبرز، وفي القرية المصرية من يفقد أرضه يفقد شرفه.

هنا نتابع صراع أهالي القرية مع الإقطاع ومع الاحتلال البريطاني، يفقدون المياه في النهاية ولكنهم لا يستسلمون، تستمر الحرب وتروي الدماء الأرض حتى يستعيد الفلاحون حقهم، لتنتهي حكاية محمد أبو سويلم بالأغنية الشهيرة "الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا"، والتي أصبحت عقب ذلك أغنية خالدة حتى يومنا هذا عن قيمة الأرض والماء بالنسبة للمصريين.

الجدير بالذكر أن فيلم الأرض يحتل حتى الآن المرتبة الثانية في قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية.

الكوميديا والقداسة
الفيلم الثاني على قائمتنا هو "عروس النيل"، وهو أحد أشهر الأفلام الكوميدية المصرية في فترة الستينيات، وعُرض بالتحديد في عام 1963، من إخراج المبدع فطين عبد الوهاب وسيناريو الكاتب كامل يوسف، وبطولة كل من لبنى عبد العزيز ورشدي أباظة وشويكار.

في هذا الفيلم نعود لنعاين تقديس قدماء المصريين للنيل، لدرجة تخصيصهم يوما لتقديم القرابين له. في الفيلم نرى هذا القربان في صورة فتاة جميلة، في حين تشير العديد من المصادر التاريخية أن القرابين اقتصرت على تماثيل لفتيات جميلات.

على أي حال ينجح فطين عبد الوهاب هنا في استخدام المفارقة، وظهور شخصيات تنتمي لعصر الفراعنة في مصر الستينيات، لتقديم جرعة مكثفة من كوميديا الموقف التي تنجح في النهاية في غرس حب النيل وقيمته في الأبطال وبالتالي في المشاهدين.

ثرثرة ومهرب
قد يبدو للوهلة الأولى اختيار فيلم "ثرثرة فوق النيل" بعيدا عن قيمة النيل، لكننا إن دققنا النظر قليلا فسنجد أن الفيلم قد خصص مساحة كبيرة لتقدير قيمة النيل كمهرب المصريين الوحيد من "فساد وزحام القاهرة".

هنا فيلم المخرج حسين كمال المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، يتابع مجموعة من الأصدقاء الهاربين من القاهرة بكل ما فيها من بؤس وقبح، في الفترة التي تلت هزيمة 1967، إذ لم يجدوا مهربا ومكانا للثرثرة سوى في عوامة نيلية.

النيل هنا ليس مصدر الحياة وحسب، لكنه المكان الذي يلجأ إليه المصريون بالفطرة لنسيان همومهم، ولا داعي للتعجب في ذلك، فالنهر هو مصدر الحضارة والترفيه الوحيد في بلد صحراوي كمصر، إلا إذا كنت من سكان السواحل.

يا حلو يا أسمر
أما على مستوى الغناء، فقد غنى المصريون للنيل كما لم يغنوا لغيره، نرى هذا منذ الأناشيد المصرية القديمة على جدران المعابد، مرورا بأغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب المهداة لنهر النيل بعنوان "مسافر زاده الخيال"، وأيضا أغنية كوكب الشرق أم كلثوم للنيل والتي كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم وبدأت كلماتها "سلاما شباب النيل".

وصولا عقب ذلك إلى الأغنية التي بدأ العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مشواره بها في الإذاعة المصرية، والتي مثلت جواز مروره إلى آذان وقلوب الجمهور المصري، وهي الأغنية التي يتغزل فيها بالنيل بعنوان "يا حلو يا أسمر"، من كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجي، وتبدأ بكلمات "يا تبر ساير بين شطين، يا حلو يا أسمر".

وفي الختام نذكر بالتأكيد واحدة من أشهر الأغاني المصرية الوطنية في السنوات الأخيرة، وهي أغنية "مشربتش من نيلها" للمطربة المصرية شيرين عبد الوهاب، وهي الأغنية التي تثبت لنا أن المصريين حتى في أصعب اللحظات، وفي أشد مراحل عدم رضاهم عن حال مصر، ما زالوا يشعرون بالتواصل مع النيل والانتماء له.

المصدر : الجزيرة