الغارات الإسرائيلية على منازل الفلسطينيين.. إرهاب منهجي ومتكرر

كل ليلة تقريبًا، بين منتصف الليل والخامسة صباحًا، يقتحم الجيش الإسرائيلي منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

يأتي الجنود المدججون بالسلاح، وغالبا ما يكونون ملثمين، في مجموعات يتراوح عددها بين 10 و100 جندي. يدخلون المنازل، ويفجرون أبوابها في بعض الأحيان.

يتم إيقاظ أفراد الأسرة جميعا، من الأطفال إلى المسنين، ويصار إلى احتجازهم تحت تهديد السلاح، في حين يقوم الجنود بتدمير مقتنيات المنزل وتفتيش أصحابه، واستجوابهم وضربهم وتصويرهم في بعض الحالات.

وخلال هذه الغارات الليلية قتل وجرح فلسطينيون كثر، إلى جانب ترويع العائلات وخصوصا الأطفال.

عن تجربتهم مع اقتحامات المنازل والاعتقال، تحدث إلى الجزيرة 4 فلسطينيين من هؤلاء الضحايا:

اعتقله جنود الاحتلال 6 مرات

video4 - في جوف الليل (الجزيرة)

محمد أبو مارية-الخليل:
محمد أبو مارية فلسطيني عمره 27 عامًا يعيش مع عائلته في قرية بيت أمر بالضواحي الشمالية لمدينة الخليل الواقعة جنوب الضفة الغربية المحتلة.
يقول للجزيرة إن الجيش الإسرائيلي اقتحم منزله بين 15 و20 مرة، واعتدى على أسرته التي جرح بعض أفرادها خلال هذه المداهمات.
اعتقل محمد 6 مرات وأمضى 5 سنوات في السجون الإسرائيلية. وكان أول اعتقال له عام 2010، عندما كان في سن 14 من عمره.

" كانوا يوقظوننا إما بأرجلهم أو بأيديهم أو ببنادقهم "

المداهمات الإسرائيلية الليلية تهدف بالأساس لاعتقال الفلسطينيين، لكنها تنفذ أيضا لأسباب أخرى.

تظهر شهادات وثقها فلسطينيون وجماعات حقوقية محلية ودولية، وحتى جنود إسرائيليون سابقون، أن الجيش يستخدم المداهمات لبث الخوف والضغط النفسي على السكان المحتلين لتحقيق "الردع".

ويقوم هؤلاء الجنود بمداهمة المنازل في جوف الليل لمجرد "تحديد" الأسر وتصوير أفرادها ومنزلهم لاستخدامها في "جمع المعلومات" و "رسم الخرائط" أو استخدام المنازل نقطة إطلاق نار أو نقطة مراقبة أثناء التوغلات العسكرية.

ويمكن لعملية المداهمة الواحدة أن تستمر ما بين 15 دقيقة و4 ساعات، وغالبا ما تنطوي على عنف جسدي ونفسي فضلا عن تدمير المقتنيات والممتلكات.

"المجندات طلبن من أمي أن تخلع سروالها، وأن ترفع أختي قميصها"

كل ليلة.. 10 غارات

Israeli police raid Jerusalem's Al-Aqsa Mosque compound (وكالة الأناضول)

لا يحتاج هؤلاء الجنود تصاريح تتيح لهم مداهمة منازل الفلسطينيين.

فالأوامر العسكرية تجيز لهم "الدخول في أي وقت وإلى أي مكان" وتفتيشه وتفتيش أي شخص "موضع شبهة بأنه مضر للسلامة العامة والأمن (الإسرائيلي) أو للقوات المسؤولة عن حفظ النظام أو لأغراض الانتفاضة، والتمرد والشغب".

وسط سيل من اللكم والصراخ

Israeli security forces detain a Palestinian in east Jerusalem's Shuafat refugee camp on January 28, 2023 as Israelis protest following two attacks carried out by Palestinians. - Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu vowed to take forceful and timely measures following two attacks in annexed east Jerusalem carried out by Palestinians, one of which killed seven Israelis. The attacks came after one of the deadliest army raids in the occupied West Bank in two decades, rocket fire from militants in the Gaza Strip and retaliatory Israeli air strikes. (Photo by AHMAD GHARABLI / AFP) (الفرنسية)

أسماء منصور-جنين
الساعة الثانية من فجر 9 أبريل/نيسان 2021، داهم عشرات الجنود الإسرائيليين منزلها واختطفوا ابنها محمد البالغ من العمر 17 عامًا والذي احتُجز في "الاعتقال الإداري" -دون توجيه اتهامات إليه أو السماح له بالمثول أمام المحكمة- لمدة عام وشهرين. وأطلق سراحه في 6 يونيو/حزيران 2022.

"لم أعرف أو أسمع أي شيء عن ابني خلال الأشهر الأربعة الأولى لاعتقاله"

آلاف الأطفال تعرضوا للاعتقال

A medic carries an injured man to safety during clashes between Israeli forces and Palestinians following an Israeli army raid in the occupied West Bank city of Nablus on May 4, 2023. (Photo by Zain Jaafar / AFP) (AFP)

إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي لديها نظام محاكم عسكرية للأحداث. يُحاكم ما بين 500 إلى 700 طفل فلسطيني بالمحاكم العسكرية للاحتلال كل عام. منذ عام 2000، قام الجيش الإسرائيلي باحتجاز واستجواب ومحاكمة وسجن ما لا يقل عن 13 ألف طفل فلسطيني، وفقًا لمنظمة الدفاع عن الأطفال الدولية-فلسطين. وعام 2016، كان هناك 343 طفلا فلسطينيا بالسجون الإسرائيلية.

وتحتجز إسرائيل كل عام مئات الفلسطينيين تحت مسمى "الاعتقال الإداري" ويسمح ذلك لسلطاتها باحتجاز الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى بناء على "أدلة سرية". علما بأن السجناء أنفسهم لا يعرفون بالتهم الموجهة إليهم ولا يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم في المحكمة. وعام 2022، وضعت إسرائيل 820 فلسطينيًا في الاعتقال الإداري.

غارات متكررة منذ عقود

Israeli soldiers detain an injured Palestinian during clashes following a deadly Israeli raid in Nablus, in Hebron in the Israeli-occupied West Bank October 25, 2022. REUTERS/Mussa Qawasma (رويترز)

ليلى وطارق العيساوي- العيساوية

ستة من أطفالهم السبعة، بينهم ابنة واحدة، كانوا محتجزين بالسجون الإسرائيلية في وقت ما. ابنهما الأسير سامر حطم الرقم القياسي لأطول إضراب فلسطيني عن الطعام عام 2013 عندما رفض الطعام لمدة 266 يومًا قبل أن تطلق سلطات الاحتلال سراحه. وعام 1994، قتل جنود إسرائيليون بالرصاص ابنهم فادي البالغ 16 عامًا أثناء مشاركته في مظاهرة ضد مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل.

" هذا هو الاحتلال، ليس لدينا القدرة على حماية أطفالنا من آثاره"

وكثيرا ما اضطهدت هذه العائلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وقد تحدث طارق العيساوي عن تاريخ الغارات الإسرائيلية على منازل الفلسطينيين عبر السنين.

 "كانوا يخرجون الجميع: كبار السن، الشباب، المرضى، لا يهمهم أحد".

يقول طارق: كلما مر الوقت تصير الغارات الليلية أسوأ.

" هم ليسوا محتلين فحسب، إنما غزاة يدمرون منازلنا".

مرحلة ما بعد الاعتقال

epa07450114 An Israeli soldier arrests a Palestinian during demolishing of housing in the village of Tuba near the West Bank city of Yatta, south of Hebron, 20 March 2019. The Israeli army demolished houses of Palestinians who do not have the Israeli needed permits to build housing or infrastructure in Area C of the occupied West Bank. EPA-EFE/ABED AL HASHLAMOUN (وكالة الأنباء الأوروبية)

بالنسبة للمعتقل الفلسطيني، الأصعب يأتي بعد المداهمة، حيث يتم إحضاره للاستجواب الذي قد يستمر 75 يومًا. وهناك يتعرض بشكل روتيني للتعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الضرب والتقييد والحرمان من النوم. ونتيجة للتعذيب أثناء الاستجواب استشهد أكثر من 70 فلسطينيا منذ عام 1976. ويتذكر محمد أبو ماريا عذاب ليلة واحدة خلال استجوابه الذي دام 50 يومًا.

 " أمضيت 22 يوما جالسا على كرسي مقيد اليدين والقدمين"

بعد الاستجواب، أطلق سراح البعض بينما اتهم آخرون بارتكاب جرائم بموجب أوامر عسكرية إسرائيلية غامضة الصياغة. على سبيل المثال، يقول الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 101 الصادر بعد شهرين من احتلال الضفة في أغسطس/آب 1967، إن الفلسطينيين يمكن أن يواجهوا 10 سنوات بالسجن لمشاركتهم في تجمع من 10 أشخاص أو أكثر دون موافقة الجيش الإسرائيلي، بشأن قضايا "يمكن أن تكون تفسر على أنها سياسية ". وتنطبق نفس العقوبة البالغة 10 سنوات على أولئك الذين "يحملون أعلامًا أو رموزًا سياسية أو يلوحون بها أو يرفعونها أو يلصقونها" من بين انتهاكات أخرى.

وبموجب هذه الأوامر، يخضع المتهمون للمحاكمة وفق نظام محكمة عسكرية يديره عسكريون -من الحارس وحتى القاضي- حيث تحصل الإدانة في أكثر من 99% من الحالات. وتعج السجون الإسرائيلية بآلاف الأسرى الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال. ففي عام 2017، كان هناك 7 آلاف أسير فلسطيني، بينهم 400 طفل و64 امرأة.

تعد المداهمات لمنازل الفلسطينيين واعتقالهم تعسفيا واحتجازهم عنصرًا رئيسيًا في قمع إسرائيل لهم. كما أن تأثيرها على صحتهم الجسدية والعقلية ورفاهيتهم ليس فيه أية مبالغة.

 " طريقة دخولهم لمنزلنا كانت إرهابية"

والشعور بالأمان، الذي من المفترض أن يشعر به المرء داخل منزله، هو امتياز لا يتمتع به معظم الفلسطينيين.

" نعيش في وضع صعب وغير طبيعي"

وعام 2016، درس محمد أبو مارية علم النفس بالجامعة، وعمل ولعدة سنوات ناشطا اجتماعيا لمساعدة الفلسطينيين الذين يعانون من الصدمات ذاتها.

" كيف يمكنني أن أدفعهم للشعور بالأمان ما دمت أنا نفسي لا أشعر به".

وبالنسبة لليلى العيساوي، فإن التخريب المتكرر لمنزلها من قبل الجنود الإسرائيليين لا يقارن بمقتل ابنها.

 " كيف نستعيد كرامتنا؟ الجواب: بتقديم هذه التغطيات".

فريق العمل:

إعداد وتحرير: زينة الطحان

إنتاج: AJLabs

مدير التصوير: يوسف حماد

تصوير: فارس أبو غوش

صور إضافية: بيتسيلم

المصدر : الجزيرة