"طائرات مسيّرة" للحوثيين.. فهل يلين موقف الرياض؟

صواريخ بالستية حوثية وصلت العمق السعودي (الجزيرة)

 ليلى لعلالي-الجزيرة نت

يبدو أن قواعد اللعبة في اليمن لم تعد بيد السعودية وحلفائها في التحالف العربي، فالحوثي بات لا يملك فقط الجرأة والتحدي في وسائل الإعلام، وإنما أصبح يعتمد إستراتيجية قوامها الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية التي تتهاطل تباعا على العمق السعودي، وهي إستراتيجية مقلقة طبعا للرياض التي لم تخف رغبتها في الذهاب لطاولة المفاوضات لإنهاء أزمة لطخت سمعتها أمام العالم. 

التصعيد الحوثي
ويوجه الحوثيون منذ مدة سهامهم نحو السعودية التي تقود التحالف العربي، وقد كثفوا من ضرباتهم الصاروخية مستهدفين أهدافا محددة، بما في ذلك العاصمة الرياض، بالإضافة إلى منشآت اقتصادية على غرار شركة "أرامكو" النفطية. والأكثر من ذلك أنهم توعدوا -على لسان رئيس ما يسمى المجلس السياسي التابع للحوثيين صالح الصماد في 9 أبريل/نيسان 2018- بهجمات صاروخية يوميا، حيث قال خلال لقاء بمحافظة ذمار (جنوب صنعاء) "هذا العام سيكون عاما بالستيا بامتياز" مشيرا إلى أن السعودية لن تسلم من الصواريخ مهما حشدت من منظومات دفاعية.

إعلان

ولم تمر ساعات على وعيد الصماد حتى أطلق الحوثيون صاروخين بالستيين على موقعين للجيش السعودي في جازان وعسير (جنوبي المملكة) ثم أعلنوا في 11 أبريل/نيسان عن شنهم غارات بطائرات مسيّرة على مطار أبها في عسير ومنشأة لشركة أرامكو في جازان، وهو تطور نوعي يعكس مدى القوة العسكرية التي تملكها هذه المليشيات التي كانت قد انقلبت على الشرعية باليمن عام 2014.

ويستهدف الحوثيون بصواريخهم البالستية أهدافا سعودية محددة بينها مطار الملك خالد الدولي في الرياض، وقاعدة جازان جنوب المملكة، ومطار أبها الإقليمي في عسير، وهذه الأهداف يفترض أن تكون محصنة بشكل كبير.

إعلان

ورغم أن السعودية تشكك في القدرة العسكرية للمليشيات الحوثية، وتعتبر أن هجماتها الصاروخية دليل ضعف، إلا أن هذا التصعيد -برأي مراقبين- يشكل تحديا حقيقيا لها، ويطرح تساؤلات حول خيارات المملكة في مواجهة الحوثيين وإيران التي تدعمهم.

الورطة السعودية 
التصعيد الحوثي ضد السعودية -بحسب مراقبين- يأتي في ظل محاولتهم تثبيت نفوذهم على الأرض من خلال استغلال حالة التخبط التي يواجهها التحالف العربي، فقد أخفقت السعودية وحلفاؤها في تحقيق الهدف الذي أعلنوا من أجله حملتهم العسكرية في مارس/آذار 2015، حيث لم يتمكنوا من إعادة الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، بل أكثر من ذلك أنهم تسببوا بشكل أو بآخر في مأساة إنسانية كبيرة يعيشها هذا البلد الفقير، وقد وصفت الأمم المتحدة الأزمة اليمنية بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج 22.5 مليون يمني للمعونات.

كما أن المسؤولين السعوديين والإماراتيين باتت تلاحقهم حرب اليمن أينما حلوا، وقد ارتفعت أصوات في الغرب بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا تطالب الدول بمنع بيع الأسلحة لهاتين الدولتين على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.

ولم يهنأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارته الأخيرة إلى فرنسا، فقبل وصوله إلى العاصمة باريس قدم 16 نائبا فرنسيا على الأقل طلبا رسميا لفتح تحقيق برلماني في مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.

وزادت متاعب الرجل مع مطالبة منظمة هيومن رايتس ووتش بضرورة إخضاع ابن سلمان لعقوبات دولية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1140، القاضي بتجميد أصول وحظر سفر المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.

وحتى داخل اليمن، استغل متظاهرون في ساحة الحرية بمدينة تعز الذكرى الثالثة لعاصفة الحزم وطالبوا التحالف العربي بإعادة الشرعية والحسم. ورفعوا شعارات ورددوا هتافات تطالب ولي العهد السعودي ونظيره في أبو ظبي محمد بن زايد بإعادة الشرعية والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المقيم بالرياض.

إعلان

الورقة التفاوضية
والأمر الآخر، أن الحوثيين الذين اختطفوا الشرعية منذ عام 2014 يستعرضون قوتهم العسكرية أملا منهم في كسب المزيد من الضغوط على السعودية والتحالف العربي، في ضوء التحركات التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث الذي قال إنه لمس رغبة حقيقية من جميع الأطراف بضرورة إنهاء الحرب.

وقام غريفيث بجولة إقليمية في مارس/آذار شملت الرياض، حيث التقى منصور هادي وعددا من أعضاء حكومته. ثم صنعاء، حيث التقى هناك قيادات ومسؤولين حوثيين والحكومة المشكّلة من الجماعة وحلفائها، ومسؤولين بحزب المؤتمر الشعبي جناح الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. كما شملت جولته مسقط وأبو ظبي.

وكان المبعوث الأممي قال -في تصريح بمناسبة بدء مهامه رسميا يوم 18 مارس/آذار الماضي- إن أي عملية سياسية ذات مصداقية لحل أزمة اليمن "تتطلب أن تتمتع جميع الأطراف بالمرونة اللازمة، وتقدم تنازلات صعبة، وأن تضع المصلحة الوطنية في الصدارة من أجل الشعب اليمني".

إعلان

وتتعرض السعودية نفسها لضغوط خارجية من أجل إنهاء الحرب في اليمن، وكان ابن سلمان قد أكد في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية -خلال زيارته للولايات المتحدة- أن التحالف العربي "يسعى لإنهاء الحرب في اليمن عبر عملية سياسية" وأشار إلى ضرورة استمرار الضغط على الحوثيين.

والحديث السعودي عن السلام جاء تحت ضغط الأميركيين خلال زيارة ابن سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة، حيث قال له وزير الدفاع جيمس ماتيس في 22 مارس/آذار إنه ينبغي بشكل عاجل إيجاد حل سياسي لحرب اليمن، وعبر عن أمله في نجاح جهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي.  

الكاتب والمحلل السياسي اليمني سيف الوَشلّي قال -لحلقة 30 مارس/آذار 2018 من برنامج "ما وراء الخبر" على قناة الجزيرة- إن ما صرح به ابن سلمان من إمكانية الذهاب إلى طاولة المفاوضات يعكس إخفاق التحالف، بل هزيمته في اليمن. وكشف أن السعودية خسرت حتى الآن ما يزيد على خمسة آلاف جندي.

وفي نفس الاتجاه ذهب الكاتب والمحلل السياسي اليمني خالد الآنسي الذي رأى أن السعودية أرادت محاربة إيران والحوثيين دون تمكين الشرعية من بناء جيشها، ويقول لبرنامج "ما وراء الخبر" إن اليمنيين "يواجهون عصابة الحوثي الفاشية التي تعامل الشعب كرهينة، مثلما يواجهون التحالف الذي يدار بعقلية مراهقة انتهازية لا تحترم مصلحة اليمن ولا الشرعية التي يفترض أنه دخل الحرب دفاعا عنها".

 ويرى مراقبون أنه في ضوء التطورات الراهنة في المشهد اليمني -يضاف إليها الضغوط الخارجية- فإن السعودية لا تملك سوى خيار الذهاب إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الأزمة التي جلبت لها الكثير من الانتقادات الدولية، وهو ما ينطبق أيضا على الحوثيين الذين أنهكتهم الحرب. 

فهل يرضخ ابن سلمان ويترك سلاح القتال في اليمن لصالح الحل السلمي الذي من شأنه إنهاء معاناة الآلاف من المدنيين الأبرياء؟

المصدر : الجزيرة + وكالات

إعلان