بلحاج: صندوق الاقتراع آلية إدارة شؤون الناس

بلحاج: انضممت إلى تنظيم سري وأنا طالب عمري 18 عاما (الجزيرة نت)

تقلب عبد الحكيم بلحاج في مسيرته من الجماعة الليبية المسلحة إلى السجن وحكم الإعدام إلى التحالف مع الغرب والشرق من أجل إسقاط معمر القذافي ونظامه في ثورة 17 فبراير، إلى الرجل الديمقراطي المستعد أن يدافع عن الديمقراطية والتضحية من أجل التمكين لها في ليبيا بعد الثورة.

الجزيرة نت التقته في مكتبه بالعاصمة الليبية طرابلس، فكان الحوار التالي:

  كيف تعرف نفسك للجمهور؟ وكيف تفسر تقلباتك من حامل للسلاح إلى مدافع عن الديمقراطية؟

إعلان

– مررت بمراحل ومحطات كانت مفصلية في حياتي، أبرزها الموقف من نظام القذافي الذي كان يجثم على صدورنا، ومبكرا انضممت إلى تنظيم سري وأنا طالب عمري 18 عاما نتيجة ما تأذيت به من هذا النظام. وتنقلت في هذا التنظيم السري وتبنيت فيه مع رفاقي محاولة إنقاذ البلاد والشعب الليبي من هذا الدكتاتور.

 البعض يعتبرك امتدادا لتنظيم القاعدة في ليبيا برفعك السلاح وانشغالك بالعمل السري والمسلح، ثم فاجأت الجميع بتحالفك مع الغرب لإسقاط القذافي؟

– دعني أصحح لك معلومة، فلم أكن في يوم من الأيام في تنظيم القاعدة، ولم أكن في وفاق فكري مع ما تدعو إليه القاعدة، ولم أكن داعما ولا مساندا لرؤية القاعدة وما تتبناه من أفكار وأسلوب تغيير.

إعلان

أما النضال المسلح فأنا أتشرف بالتحاقي مع إخواني بالعمل السري المسلح، وكانت قضيتنا تنحسر في ساحة ليبيا، وخطتنا كانت تنصب في إطار تخليص الشعب الليبي من الدكتاتور القذافي.

أما وقد انتصرت ثورة 17 فبراير بالوسيلة التي كنا ندعو إليها وناصرنا فيها المجتمع الدولي وتمكنا من إزالة القذافي، أما وقد أزيح القذافي فلا مجال لدينا لاستعمال مفردات القوة أو الإشارة إليها.

نقف اليوم لنشكر من حالفنا وساندنا ودعمنا ونؤكد أننا سنبني بلدنا على قاعدة الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة التي نريدها

 معروف عن الغرب حساسيته في التعامل مع الجماعات الإسلامية المسلحة وتخوفه منها، كيف استطعتم إقناع الغرب ليتحالف معكم ضد القذافي الذي كان في آخر أيامه صديقا للغرب؟

– الجزء الخاص بالغرب يُسأل الغرب نفسه عنه، أما ما يخصنا فإني أقول إن تحالفنا مع أصدقائنا المتمثلين في الدول الغربية وأشقائنا العرب في سبيل الوصول إلى تنحية نظام دكتاتوري عانا منه الجميع وطنيا وإقليميا ودوليا، وهو تحالف في اتجاه تحقيق مطلب إنساني عادل التقى حوله الجميع.

ونحن نقف اليوم لنشكر من حالفنا وساندنا ودعمنا، ونؤكد أننا سنبني بلدنا على قاعدة الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة التي نريدها.

إعلان

 منظومة الجماعات الإسلامية لم تكن إلى وقت قريب تتعامل مع مصطلحات الحداثة وقيم الديمقراطية الغربية، فكيف تنظرون أنتم إليها اليوم؟

– الحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها لا يمكن أن نفصلها عن روح الشريعة الإسلامية.. نحن لدينا ما يؤصل لهذه المعاني "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، فهذا المبدأ جاء منذ 14 قرنا وهو معنى لا يختلف عما تدعو إليه الإنسانية، والإسلام دين إنساني يحترم الإنسان ويؤصل للتعدد وقبول الآخر.

 وماذا عن صندوق الاقتراع واختيار الشعب الليبي لحزب شيوعي مثلا؟

إعلان

– صندوق الاقتراع واختيار الناس هي من الوسائل والآليات الإنسانية الحديثة التي جاءت لتنظم شؤون الناس، ونحن رضينا أن يكون هذا المسلك الفاصل بيننا ونحترم نتائجه.

وإذا إختار الشعب الليبي حزبا شيوعيا أو يساريا عبر صناديق الاقتراع فلا يمكن أن نلوم الناخب الليبي ابتداء، وإنما علينا أن نلوم أنفسنا لأننا لم نوفق في إقناع الناس برؤيتنا وبرامجنا السياسية، والصراع الدائر مبني على أساس التنافس والساحة مفتوحة للجميع ونحن نثق في عقول الليبيين.

قمنا في ليبيا بثورة ضد الدكتاتورية ولن نسمح بدكتاتورية جديدة تحت أي مسمى حتى لو كان دينيا
إعلان

 ليبيا تحولت من نظام الحاكم الواحد الذي يتكلم باسم الكل إلى فوضى دينية عارمة وفتاوى يمينا ويسارا، بل إن جزءا من الليبيين يحملون السلاح اليوم باسم الدين، كيف تفسر هذه الظاهرة؟

– نحن في ليبيا نعتبر امتدادا لمدارس الصوفية، والصوفية التي تحمل الجانب الروحي، ولكن في العقدين الأخيرين نستطيع القول إن هناك مدارس فكرية ظهرت على امتداد رقعة العالم الإسلامي، وثورة 17 فبراير التي كسرت القيود سمحت للناس أن يعبروا عن آرائهم.. جزء من هذا الهامش الذي أتيح لليبيين للتعبير عن آرائهم استغل المناخ للدعوة إلى أفكار لا تمثل الشعب الليبي الوسطي والمعتدل، وهو ما ندعو إليه.

هناك بعض الشواذ والنشاز عن المجتمع الليبي يحملون أفكارا متطرفة، منها ما يمثل جانبا فكريا أيدولوجيا يدعو الناس إلى نبذ المسار الديمقراطي برمته ويكفرون من يدخل في هذا المسار، وهناك من يحمل توجها مذهبيا فقهيا معينا متزمتا يرفض الآخر، وكلاهما مرفوض.

إعلان

هذه الظواهر تحولت إلى اعتداء على أفكار الناس أو القبور، وهذا يعد برأيي استثمارا للحرية الذي أتت بها ثورة 17 فبراير واستغلت دون مسؤولية، وهذا تعدٍّ على حريات الآخرين، ونحن قمنا في ليبيا بثورة ضد الدكتاتورية ولن نسمح بدكتاتورية جديدة تحت أي مسمى حتى لو كان دينيا.

 رفع السلاح ضد الدولة باسم الدين أو أي مبرر آخر، كيف ستتعاملون معه؟

– نحن ضد اللجوء إلى مفردات العنف وضد من يريد أن يملي علينا فكره، نحن خرجنا على نظام القذافي لأنه حاول أن يفرض علينا أفكاره ويحكمنا بصورة استبدادية، نحن لا نقبل بعودة منظومة الاستبداد.

إعلان

السلاح مكانه الطبيعي بعد انتصار الثورة هو الدولة، ولا شرعية له عند الأفراد أو المجموعات، وأنا شخصيا مع الدولة المدنية المؤسسة على مبدأ التعددية التحزبية التي يطرح الناس فيها أفكارهم، والفيصل بين الناس صناديق الاقتراع.

تونس كانت مصدر إلهام للثورات العربية وأحسب أن إدارة الفرقاء السياسيين في تونس للمرحلة بصورة توافقية يعد نجاحا يمكن الاستئناس به في ليبيا أيضا

 هل تعيش ليبيا كما يروج في الداخل والخارج  قاب قوسين او أدنى من حرب أهلية؟

إعلان

– شبح الحرب الذي يتحدثون عنه مرتبط إلى حد كبير بتعاطي الليبيين مع هذه الدعوات المغرضة ضد ليبيا، والشعب الليبي أثبت وعيه وحرصه على عدم الانسياق إلى دعوات العنف.. سمعنا كثيرا عن محاولات الانقلاب مثل محاولة حفتر بالدعوة إلى الانقلاب، ومحاولات مسلحة من هنا وهناك، وكلها باءت بالفشل بتضامن الليبيين واعتبارالصندوق والتوافقات هما المخرج الحقيقي لليبيا من وضعها الانتقالي التي تمر به، وإذا اضطررنا من جديد إلى حمل السلاح من أجل الدفاع عن 17 فبراير فسنفعل ذلك.

 هناك اتهامات توجه إليكم وإلى جماعتكم من جهات في دول مجاورة بالوقوف وراء اغتيالات لسياسيين في هذه الدول، كيف تردون على هذه التهم؟

– الجماعة التي يتكلمون عليها انتهت ولا وجود لها، وعبد الحكيم بلحاج هو رئيس لحزب سياسي له رؤية لبناء الدولة الليبية المدنية يرضى فيها مع الآخرين أن يعيشوا شركاء في الوطن.

إعلان

أما الاتهامات التي تروج بوقوفي وراء اغتيالات سياسية فهي عارية عن الصحة يقف وراءها بدرجة أولى محسوبون على نظام القذافي السابق وتبنتها بعض الأجهزة الإعلامية في تونس والجزائر.

وعندما تجرأ البعض على اتهامي دون أي دليل اضطررنا للتوجه إلى القضاء، ورأينا لاحقا منهم من طالبنا بسحب هذه القضية من المحاكم، وقدموا اعتذاراتهم لأنهم تسرعوا في توجيه الاتهام، بل إن منهم من اقتنع بعد لقائي به وأصبح في لجنة الدفاع عن بلحاج.

  ماذا تمثل تونس بالنسبة إليكم وإلى الثورة الليبية؟ وماذا عما يدور من حديث عن مبادرات تونسية لحلحلة الوضع المتأزم في ليبيا؟

– تونس كانت مصدر إلهام للثورات العربية، وأحسب ان إدارة الفرقاء السياسيين في تونس للمرحلة بصورة توافقية يعد نجاحا يمكن الاستئناس به في ليبيا أيضا.

ليبيا تعيش أزمة تنفيذ والحكومة هي الجهة المنوطة بالتنفيد والإشراف والمسؤولية

 أي دعوة توجهها للجماعات التي ترفع السلاح في ليبيا؟

– الدعاوى التي نسمعها أو نقرؤها من جماعات تريد أن تنتسب إلى الإسلام عقيدة وتتحاكم إليه شريعة، أنصحهم بالرجوع إلى فهم الشريعة السمحاء وأن يتثبتوا من مصادرهم ومراجعهم وعمن يأخذون هذا الدين وممن يأخذون فتاويهم، فليس كل إنسان مؤهلا لأن يكون مرجعا أو يتكلم باسم الشريعة الإسلامية، هذا تجنّ على روح الشريعة واختزال لهذا الدين العظيم في فتاوى شاذة وتصرف عنيف لا نرتضيه.

 يلاحظ الجميع الآن أن حزبكم الوطن الذي عرف انتشارا كبيرا بعد الثورة في ليبيا بدأ يتقلص ويتراجع، كيف تفسرون ذلك؟ وهل هو تراجع للإسلام السياسي؟

– حزب الوطن لا يزال موجودا وما زال يبادر في الساحة الليبية، ونشارك على مستوى بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ومشاركتنا في الحوار الوطني، كما نقوم بجهود لإعادة الانتشار والتموقع، كما لا يمكننا الإنكار أن هناك تراجعا لعدد مكاتب الحزب، ومرد ذلك إلى صعوبة الانتشار في هذا الوضع الاستثنائي ، ثم الحملة الشرسة التي يتعرض لها العمل الحزبي بما في ذلك حزب الوطن الذي يتعرض لحملة شرسة وشيطنة للحزب.

 من المسؤول عن الأزمة التي تعيشها ليبيا؟

– نحن نلقي باللائمة في الأزمة التي تعيشها ليبيا بالدرجة الأولى على الحكومة، فهناك تقصير في تنفيذ البرامج والإيفاء بتعهداتها، وليبيا تعيش أزمة تنفيذ، والحكومة هي الجهة المنوطة بالتنفيد والإشراف والمسؤولية.

المصدر : الجزيرة

إعلان