نونو سانتو صائد الكبار في البريميرليغ.. تمهّل قبل أن تنبهر!

المثلث هو أكثر الأشكال كمالا في كرة القدم، كلما ساعدت خطة اللعب وتحركات اللاعبين وتمركزهم على تكوين المثلثات كان هذا أفضل، أو هذا ما يؤمن به نونو سانتو على الأقل. لماذا؟ غالبا لأن العدد 3 يعني أن هناك لاعبا على الأقل في منتصف المسافة (Half Space)، وهذا يسمح باستغلال الثغرات أثناء الاستحواذ وتغطيتها بدون كرة كذلك، بالإضافة إلى أنه يمنح لاعبيه الفرصة لتطبيق كل جمل اللعب المركب (Combination Play) التي يصر عليها أثناء التدريبات. (1)

    

الـ “Combination Play” هو ما يحدث عندما يتبادل ثلاثة لاعبين الكرة مكوّنين مثلثا مستمرا في الحركة، أو عندما يصطف الثلاثي نفسه على خط واحد فتخرج التمريرة من الأول للأخير مباشرة بينما يتحرك الثاني كلاعب مزيف (Dummy)، يفوّت الكرة ثم ينتقل بسرعة لموقع آخر يسمح له بتلقي التمريرة الثانية بعد أن يتخلص من رقيبه، أو ما يُعرف عادة بلعبة الـ “One – Three“، وكلها حيل ناجحة للغاية تفشل أكثر الفرق تنظيما والتزاما في مجاراتها طوال المباراة، وفعالة جدا في تهريب واحد من الثلاثي لمساحة خالية بلا رقابة، طبعا إن توفرت زوايا التمرير والمساحات الكافية لإطلاق التمريرة الأولى من الأساس. الفيديو التالي يحتوي على مثال للـ “Combination Play” من تدريبات أحد فِرق الناشئين في إنجلترا. (2)

إعلان

  

إعلان

  

كذبة بيضاء

بدأت القصة في اسكتلندا.. لحظة، دعك من اسكتلندا، سيأتي دورها لاحقا، القصة فعليا بدأت في فيتوريا غيماريش أحد أندية الوسط في البرتغال؛ كان سانتو يريد الرحيل لأنه لم يلعب كثيرا، طبعا لم يكن يعلم أنه سيظل لا يلعب كثيرا طيلة مسيرته. المهم أنه قرر القيام بتمثيلية بمساعدة وكيل أعماله الشاب جورجي مينديش لأن رئيس النادي كان يعارض رحيله. في البداية طلب منه عرضا بقيمة مليون دولار ليوافق، وعندما نجح مينديش في الحصول عليه من ديبورتيفو لاكورونيا الإسباني عاد الرجل وطلب عرضا آخر بقيمة 5 ملايين دولار، فقرر الثنائي خداعه. (3)

  

ذهب مينديش إلى منزل سانتو وأحدث الكثير من الفوضى، ثم هاتف بيمينتو ماتشادو -الرئيس- وأخبره بأن اللاعب يعيش حالة نفسية سيئة، وأنه بدأ في تعاطي الكحول بكميات كبيرة منذ أن تم رفض العرض الأول، وعندما زاره الرجل وجده في حال يُرثى لها فعلا، يترنح ويتحدث بلسان ثقيل وذهن غائب أعياه الشرب، فأخبر مينديش بأنه قد وافق على العرض في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحصول على المليون دولار بدلا من خسارة كل شيء، ومينديش كان شابا طموحا يمتلك متجرا لشرائط الفيديو ونادي ديسكو، متحمسا بجنون لإتمام صفقته الأولى، ومستعدا لعمل ما يلزم حتى يحصل على رضى زبونه الأول كوكيل لاعبين، وبالفعل تمت الصفقة. (3)

      

إعلان
نونو سانتو (غيتي)

     

بعد 14 عاما تقريبا من الجلوس على الدكة في ديبورتيفو وأوساسونا ودينامو موسكو وبورتو قرر سانتو أنه سيصبح مدربا، وكان ما أوحى له بالأمر الفترتين اللتين قضاهما في ملعب الدراغاو،  ونجح خلالهما في التقاط ما ظنه كافيا للنجاح كمدرب؛ أفكار جوزفالدو فيريرا التكتيكية، وقدرة جوزيه مورينيو الاستثنائية على التعامل النفسي والذهني مع لاعبيه، خاصة أنه فاز مع الأخير بكل ما يمكن لنادٍ برتغالي أن يفوز به، وكان يحمل له تقديرا خاصا رغم أنه لم يستعن به إلا قليلا في ظل وجود أسطورة كفيتور بايا، ولكنه يؤكد أن هوس مورينيو الدائم بالفوز كان إلهاما لهذا الجيل من اللاعبين، والذين امتهن 9 منهم التدريب لاحقا. (4) (1)

إعلان

  

إحدى أهم الوقائع التي شكّلت علاقته بالاستثنائي كانت قراره بمعاقبة بايا بعد إجرائه مقابلة صحفية دون تصريح، وفي هذه الفترة لعب سانتو أساسيا، ورغم الفارق الضخم لصالح بايا فإن مورينيو كان دائم التأكيد على قوة سانتو في غرفة الملابس، وكان يستخدم عبارة محددة لوصف تأثيره: “نونو سانتو ولد في المهد نفسه الذي ولد فيه دوم ألفونسو هنريكي”، الملك الأول للبرتغال الذي أمّن استقلالها في القرن الثاني عشر. (5)

  

إعلان
شجاعة الدفاع

بعد ذلك أتى دور اسكتلندا، قرر نونو سانتو الحصول على رخصته التدريبية فهاتف مورينيو وفياش بواش والثنائي نصحه بما فعلاه نفسه للحصول على رخصتيهما؛ التوجه لمركز إنفركلايد (Inverclyde National Sports Center) بالقرب من غلاسغو أهم المدن الساحلية هناك، ببساطة لأنه الأقل تكلفة والأنسب لمدرب يشق طريقه في المهنة، وهو أمر آخر يدين فيه بالفضل لمورينيو الذي “عرّف أوروبا على المدربين البرتغاليين” حسب وصفه. (6) (4)

      

إعلان
إعلان

  

هناك قابل إيان كاثرو مساعده الحالي في جهاز وولفز الفني، أصلا نونو سانتو كان يحمل إعجابا كبيرا بكرة القدم البريطانية في العموم؛ الحماس والحدة البدنية والسرعة والتوتر والأدرينالين يُشكّلان الأجواء المثالية من وجهة نظره، اللعب المباشر الذي يتجنب “الاستحواذ العقيم” كما يراه، وهناك أيضا تعلّم طريقة رائعة لبدء محاضراته التكتيكية التي يلقيها على لاعبيه، كانوا يعرضون فيديو لأفضل 50 هدفا من الثمانينيات مثلا، أو أفضل 50 إنقاذا لحراس المرمى في تاريخ دوري الأبطال، وهكذا، فينتبه الجميع وتتوقف الأحاديث الجانبية، وبعد نهايته يبدأ الشرح، والجميع ينصت باهتمام لأن هذه الفيديوهات كان لها أثر التنويم المغناطيسي. (6)

  

إعلان

بعد ذلك اصطحب كاثرو لوظيفته الأولى، كان هناك الكثير من الرفض في البدايات بالطبع، ولكن أول عمل حصل عليه كان تدريب ريو آفي الصاعد للدرجة الأولى البرتغالية، وهو أمر نادر للغاية بالنسبة لمدرب يبدأ مسيرته، وهنا استلهم سانتو تجربته مع مورينيو في الطموح لما يفوق إمكانياتك، فجمع قادة الفريق في مكتبه وأخبرهم بأن خطته أن يصل ريو آفي لنهائي هذا العام، لا يهم أي نهائي، المهم أن يصل.  

 

“بعد ثلاث سنوات لم نكن قد وصلنا إلى نهائي واحد بل ثلاثة، بالإضافة إلى أن ريو آفي لعب في أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، كانت صفحة جديدة تماما في تاريخ النادي، وأكثر ما أبهرنا كان طرقه المبتكرة؛ لقد علّمنا كيف نفهم اللعبة من الداخل، كيف نصل للنجاح بسرعة من خلال التدريبات، كيف نتمركز ونضغط ونهاجم حامل الكرة” – تارانتيني مونتيرو صانع ألعاب ريو آفي. (6)

إعلان

   

من الجانب ذلك أفضل جدا

“ليس المهم أن تحتفظ بالكرة، بل المهم هو ما تفعله بمجرد الحصول عليها، فلسفتنا قد تبدو دفاعية للوهلة الأولى وتعتمد على رد الفعل، ولكننا نبادر بالدفاع، نذهب للخصوم ونحاول تعطيل أنماط لعبهم المعتادة، نحاول استخلاص الكرة عندما يبدأون الانتشار للهجوم.. لماذا في هذا التوقيت تحديدا؟ لأنهم يكونون في أضعف حالاتهم ويسهل مباغتتهم إن كنا بالسرعة والتركيز الكافيين”. سانتو يتحدث دائما عن الشجاعة في الدفاع، وفلسفته تكاد تكون مطابقة لفلسفة كلوب في بداياته، طبعا مع درجة أعلى من التحفظ أمام الكبار، ربما باستثناء فوزه الشهير أمام ريال مدريد في 2017 حينما كان مدربا لفالنسيا. (3)

إعلان

  

إعلان

  

نونو سانتو يشرح طريقة تنظيم الفريق في فوزه الشهير على ريال مدريد

   

إعلان

الأهم، أن هناك أمرين لا يؤمن بهما الرجل؛ التعادل، وتغيير الهوية حسب المباراة، سانتو يرى أنه من غير المنطقي أن تدخل المباراة آملا في نقطة، لأن في هذه اللعبة كل شيء يتغير في لحظة، يمكنك أن تتلقى هدفا من ركنية أو ركلة ثابتة ثم تخسر كل شيء. الوولفز يجب أن يطمحوا للفوز دائما، وما أتى إلى النادي من أجله هو أن يصنع هوية دائمة للفريق، لذا أصبحت فرق الناشئين تتدرب على الخطط والتكتيكات نفسها منذ أتى إلى النادي، بعد أن كان كل منها يتبع أفكار مدربه أيًّا كان. (7) (8)

     

  

إعلان

في 2016 كان لسانتو مقابلة شهيرة مع سِد لو مراسل الغارديان في إسبانيا، حينها كان الرجل على وشك مواجهة ليستر سيتي في دور الثمانية من دوري الأبطال، ليستر الذي ألهمته قصة نجاحه في البريميرليغ، والبريميرليغ الذي صرح وقتها أنه يحلم بالتدريب فيه يوما ما. (3) في هذه المقابلة، والتي نقلها الجميع تقريبا، تحدث سانتو عن المزية العظيمة التي منحها له القدر إبان جلوسه على الدكة كلاعب، أي الفرصة لمشاهدة المباراة من جانب الملعب عندما كان بديلا، ومن المرمى عندما كان يلعب، هاتان هما الزاويتان الأنسب لمتابعة ما يجري من وجهة نظره، وحتى عندما كان يحلل أداء الفرق التي يدربها كان يطلب أن تكون الفيديوهات مسجلة من هاتين الزاويتين.

  

خفافيش وتنانين
إعلان

بعد ريو آفي، كان منطقيا أن يرحل سانتو لنادٍ أكبر، وهنا أتى عرض فالنسيا، وفي موسمه الوحيد المكتمل مع الخفافيش نجح في إعادتهم لدوري الأبطال بعد أن احتل المركز الرابع، ولكن سلسلة من النتائج السلبية في الموسم التالي أطاحت به مبكرا، وأدخلت فالنسيا نفسه في مرحلة التخبط التي يعيشها منذ رحيله، خاصة مع رحيل عدد لا بأس به من عناصر الفريق التي اعتمد عليها أبرزها مصطفى وأوتامندي ونيغريدو، واستبدال مدربين أقل كفاءة وخبرة كغاري نيفيل وباكو آيستريان به. (6)

  

حتى هذه اللحظة كانت مسيرة سانتو في صعود مستمر، ولكن في بورتو كان الوضع مختلفا بعض الشيء؛ نونو كان قد اعتاد استخدام الخطط التي تسمح له بنقل الكرة سريعا من خلال مثلثات الحركة كما أسلفنا. في ريو آفي مثلا لجأ إلى 3-5-2 ومشتقاتها، معتمدا على سرعة الأجنحة في الهجمات المرتدة وتصديات الحارس الشاب -آنذاك- يان أوبلاك، ثم في فالنسيا اضطر لخطط أكثر قدرة على السيطرة على مجريات اللعب مثل 4-2-3-1 و4-4-2 المسطحة بوجود أندريه غوميش كلاعب وسط مقلوب على اليسار، ولكنه مر بالاختبار الأصعب على الإطلاق عندما عاد للبرتغال من بوابة بورتو، ببساطة لأنه وجد نفسه يواجه الكثير من التكتلات الدفاعية العميقة (Deep Blocks)، والقليل من المساحات للتحضير والتمرير وخلق الفرص، ولم ينجح في إعادة لقب الدوري لعملاق الدراغاو بعد ثلاثة مواسم من الاكتساح المحلي للغريم بنفيكا.

إعلان

   

هذه اللحظة كانت مهمة للغاية في مسيرة سانتو رغم أنه نادرا ما يتحدث عنها بالشغف المعتاد، ليس فقط لأنه فشل مع ناديه المفضل الذي منحه أعظم ألقابه ولحظاته كلاعب، ولكنه لأنه واجه الاختبار الكبير في نقطة مبكرة من مسيرته؛ بورتو هو أكبر أندية البرتغال على الإطلاق، وهذا يقلل الخيارات التكتيكية والخططية إلى حد كبير، ورغم مرونة سانتو النسبية وتخليه عن خط الدفاع الثلاثي المفضل فإنه لم ينجح في تجاوز هذه النقطة.

    

إعلان
المفتاح الحقيقي لفك شفرة سانتو كان وما زال في عمل الظهيرين؛ باري دوغلاس ومات دوهرتي. لماذا؟ لأن الثنائي تسبب في ربع أهداف الفريق الموسم الماضي تقريبا
 

متلازمة معتادة وظلت محور إحدى أهم مناظرات اللعبة طوال تاريخها؛ النجاح مع فريق صغير أم بطل متوج؟ منطقيا، الفِرق الكبيرة تملك لاعبين أفضل وجماهير أكبر ومنشآت أكثر تطورا، ولكن كل ذلك يصاحبه طموحات أعلى وضغوط أكثر إرهاقا وصعوبات تكتيكية لا يلتفت لها الكثيرون، والحقيقة أنه رغم كون النجاح مع الصغار مسوغا مهما للانتقال للمرحلة التالية، فإنه ليس ضامنا للتألق في المستويات الأعلى إطلاقا، ولو كان كذلك لأنتج لنا كل دوري في أوروبا مدربا جديدا أو اثنين على الأقل كل موسم.

  

إعلان
ذئاب الجبل

المهم أن كل ما سبق قاده للحاضر الرائع، عند لحظة ما اجتمع طموح مُلّاك وولفز الجدد، مجموعة فوسون الصينية، مع هوس سانتو بكرة إنجلترا المباشرة الشرسة، مع رغبة جورجي مينديش الأزلية في الدخول إلى سوق استثمارات اللعبة بجدية، مع عودة إيان كاثرو إلى جهاز سانتو الفني بعد فترة انفصال مؤقتة عمل خلالها مع بينيتيز في نيوكاسل، وكل ذلك أنتج مستعمرة برتغالية بإدارة صينية على أرض إنجليزية. (9) (10) (11)

   

إعلان

بدأ سانتو حلمه الجديد بالعودة لقواعده، عاد خط الدفاع الثلاثي مجددا بعد أن تم تحويل كونور كوادي من الظهير الأيمن للظهير الثالث، رفقة بولي وبينيت، ثم بدأت ملامح العمل التكتيكي في الاكتمال شيئا فشيئا؛ تعاقد وولفز مع روبن نيفيز ثم إيفان كافاييرو ولحق بهما العديد من المواهب البرتغالية والإسبانية، ولكن المفتاح الحقيقي لفك شفرة سانتو كان وما زال في عمل الظهيرين؛ باري دوغلاس ومات دوهرتي. لماذا؟ لأن الثنائي تسبب في ربع أهداف الفريق الموسم الماضي تقريبا، سجلا 9 وصنعا 19! (12) (13) (14) (15)

  

أبهر الوولفز في أول مباراة لهم خارج أرضهم تحت قيادة سانتو وفازوا على ديربي كاونتي بهدفين نظيفين، وعقب المباراة كان غاري روويت -مدرب ديربي آنذاك- يصرح أن ما قدمه الذئاب هو أمر جديد تماما على التشامبيونشيب؛ تنظيم فائق وتحركات مختلفة عن المعتاد للأجنحة وتبادل المواقع بين الأظهرة ولاعبي الوسط، بل إن الأظهرة ذاتها كانت تنتقل من جانب لآخر لتعمل كأجنحة عكسية وقت اللزوم. (6)

إعلان

    

إعلان

     

تطور نونو سانتو التكتيكي عبر مسيرته التدريبية

  

إعلان

ما تحدث عنه روويت سريعا عقب المباراة كان هو عماد خطة سانتو، عملية تكتيكية متكررة تنتهي حيث تبدأ (Tactical Loop)؛ أولا يضغط الأظهرة والأجنحة على الأطراف لتوجيه الخصوم ناحية العمق، وهناك تبدأ عملية الافتكاك برعاية ثلاثي التحولات الذهبي نيفيز وموتينيو وكوادي، لأنه بالإضافة إلىقدرتهم على استرجاع الكرة والتعامل مع الضغط فإن الثلاثي يمتلك قدما قادرة على إطلاق التمريرات الطويلة إلى الأظهرة مجددا، والأظهرة تنطلق على الخط لتجبر الأجنحة على التسلل في أنصاف المسافات، والباقي مفهوم بالبديهة، ورغم التخلي عن باري دوغلاس هذا الموسم لحساب جوني كاسترو، فإن أدوار دوهرتي المتزايدة دعت “FourFourTwo” لاعتباره أكثر لاعبي وولفز تفوقا على التوقعات حتى الآن. (16)

     

  

السبعة الكبار

طبعا الأمر يحتمل بعض التعديلات في المباريات الكبيرة؛ أبرزها مثلا كان التخلي عن أحد الأجنحة في مباراة مانشستر يونايتد الأخيرة لحساب لاعب وسط إضافي هو موهبة أندرلخت المنضمّة حديثا لياندر ديندونكير، وهو مثال آخر على شمولية وسط سانتو الذي “يجيد كرة القدم في العموم”، وله أدوار مهمة محددة بالكرة وبدونها، وجدير بالذكر أن هذه المنظومة مشابهة لما قدمه كونتي في موسمه الأول في إنجلترا، ووقتها كان بإمكانك وضع تصريحات روويت عن “الشيء المختلف” على لسان كل مدربي البريميرليغ تقريبا. (17)

  

المهم أن نظرة سريعة إلى جدول البريميرليغ تخبرك أن حلم “السبعة الكبار” بات واقعا، ولكنه يظل واقعا رقميا فقط حتى اللحظة، لأنه منذ الموسم الماضي أصبح الفارق بين الستة الأوائل وتاليهم في الترتيب أكثر ضخامة من المعتاد. على سبيل المثال كان الفارق بين بيرنلي -سابع الموسم الماضي- ومانشستر سيتي البطل 46 نقطة، وبينه وبين ويست بروم المتذيل 23 نقطة، وما يبدو أن الموسم الحالي سينتهي بترتيب مشابه، لأن الفارق بين وولفز وليفربول بلغ 35 نقطة بالفعل حتى اللحظة، مع تقدمهم على هادرسفيلد المتذيل بالعدد نفسه تقريبا. (18) (19)

    

طبعا من المتوقع أن يبرم وولفز المزيد من الصفقات. منذ أيام قليلة أعلن النادي ضم راؤول خيمينز بشكل نهائي من بنفيكا ليصبح الصفقة الأغلى في تاريخ النادي بـ 30 مليون باوند، ومع قدوم أمثال موتينيو وجوتا وديندونكير هذا الموسم يمكنك أن تتوقع أن الأمور ستسير في الاتجاه نفسه بالصيف، ولكن حتى الآن يقع الإبهار الحقيقي في قدرة ذئاب سانتو على حصد 13 نقطة كاملة من 10 مباريات أمام الستة الكبار حتى اللحظة، في الوقت ذاته الذي حصل فيه أرسنال على 12 نقطة من عدد المباريات نفسه، وحصل فيه تشيلسي على 11 من 8، وتوتنهام على 7 من 9، ويونايتد على 6 من 8 مواجهات. (20) (21) (22) (23)

     

   

بيليتش يرسل تحياته

حقيقة نحن لا نعلم بماذا نخبرك، عادة ما يشوب هذه القصص شيء من الحذر في البدايات، ببساطة لأن حكاية نونو سانتو؛ المدرب الذي يتخصص في إحراج الكبار، هي حكاية قديمة على غير ما تتوقعه، والسبب هو أننا شاهدناها منذ ثلاثة مواسم بالضبط مع سلافان بيليتش في ويستهام، وهو أيضا أنهى الموسم في المركز السابع وحصل على فرصة اللعب في أوروبا مثلما يطمح سانتو ومُلّاك وولفز، وهو أيضا نال دعما ماليا غير مسبوق من إدارة النادي بقيادة ديفيد غولد وديفيد ساليفان أتاح له التعاقد مع عدد غير معتاد من نجوم الصف الثاني والثالث بالنسبة لنادي وسط في البريميرليغ. (24)

   

كل شيء انهار بسرعة قياسية في الموسم التالي عندما بدأت الخطط المضادة في العمل، وصولا للحظة الهزيمة المدوية أمام برايتون الصاعد، والمشجعون الذين كانوا يتغنون باسم الرجل صاروا يلعنونه طوال المباراة تقريبا للدرجة التي دفعت ليام روزنيور، أحد مدربي برايتون المساعدين، للتعاطف معه معلنا أن ما رآه من هجوم على بيليتش دفعه لإعادة التفكير في رغبته في الاستمرار في عمله. طبعا كان هذا قبل أن يُقال بيليتش ويتم نفيه خارج الجنة، وتحديدا إلى الاتحاد السعودي الذي يتولى مسؤوليته الآن. (25)

    

  

سانتو يبدو بعيدا عن كل ذلك الآن، ولكنه يملك تفاؤلا مألوفا بأن أسلوب لعبه قادر وسيستمر في خلق المشاكل ذاتها التي خلقها للجميع هذا الموسم، وأكثر ما يتعارض مع هذه الفكرة -للمفارقة- هو طموح إدارة الذئاب التي تعاقدت معه في المقام الأول، والتي تسعى لكي يكون فريقها هو سابع كبار البريميرليغ في المستقبل القريب، بل والحصول على مقعد مؤهل لدوري الأبطال في خلال خمسة مواسم بحد أقصى، وفي ظروف كتلك ومع ما يصاحبها من تعاقدات كبيرة متوقعة، يمكنك أن تتوقع أن المواسم القادمة لا تحمل الكثير من المساحات أو التمريرات العمودية للبرتغالي وفريقه، على الأقل في ملعبه.

  

باختصار، ما قدمه سانتو حتى الآن باهر بكل المقاييس، لا شك في ذلك، ولكن التاريخ علمنا أن كل مدرب يمر بما يُعرف بـ”لحظة الكتلة الحرجة” في طريقه للصعود، اللحظة التي ينال فيها ما يستحقه من تقدير على ما أنجزه، ثم يبدأ في مواجهة مصاعب من طراز آخر، مصاعب غالبا ما تجبره على تغييرات جوهرية في أسلوب لعبه وفلسفته. هذا مفترق طرق يمر به كل مدرب عند وقت ما بمجرد نجاحه في المراحل الأولى، ورد فعله حينها هو ما يحدد قدرته على الاستمرار من عدمها، وحتى يحدث ذلك سيظل سانتو مشروع مدرب كبير نتمنى أن يكتمل.

المصدر : الجزيرة

إعلان