الشعب يريد بقاء أرسين فينجر

المدرب الفرنسي الذي وُلد ونشأ ونضج نصف مشجعي النادي وهم لا يعرفون مدربًا غيره
 (1)
إعلان


إذا كنت مثل عدد لا بأس به من مشجعي أرسنال الآن، تتساءل عن سبب ارتباطك بهذا النادي، فالجواب لن يكون النجاحات السابقة غالبًا، لأنك تعلم أن 12 عامًا بلا لقب دوري واحد كفيلة بمحو ذكراها، وتعلم أن تشيلسي جعلها 13، وتعلم أن كل شيء مُمهد لتزداد لـ14 و15 وربما 20، ولكن السبب الحقيقي هو أن أرسنال أصبح أقرب للعادة البيولوجية منه إلى الشغف، والفارق الوحيد الذي يحتفظ به أرسنال لنفسه، أنه ليس ضروريًا للحياة.

نفس الأمر ينطبق على أرسين فينجر نفسه، ربما لأن شخصيته امتزجت بشخصية النادي لحد التماهي، فأصبح معتادًا أكثر من كونه أي شيء آخر، ولم يعد أساسيًا للاستمرار بدوره، مثل أرسنال بالضبط، ولأنه مثل أرسنال بالضبط فهو لا يدرك ذلك بعد.

الحقيقة الوحيدة وسط كل ذلك أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن شغف المشجعين وجنونهم وحبهم للنادي، فالشغف يولد ميتًا وسط كل هذا الملل والتكرار؛ الكلمة الصحيحة التي تبحث عنها هي الألفة.

إعلان
"ليس من المستبعد أن يخرج أحدهم ليخبرنا أن المشكلة ليست من فينجر بل في من حوله!"
 وعيب الألفة أنها شعور فطري من الصعب الإمساك به أو السيطرة عليه، ولا يُلام عليه إلا أرسنال نفسه، لأنه ورغم وقوعه في لندن، إلا أنه نجح في اكتساب سمت عربي أصيل لا تخطئه العين؛ نفس البدايات المتحمسة التي سرعان ما تفتُر  وتنهار  ويسحقها إرث الفشل المتكرر، يعقبها نفس الدعّة والبلادة واللامبالاة المصاحبة للإحباط المتوقَع،  نفس المقدمات ونفس النتائج ونفس الدهشة المصطنعة وكأنه يكتشف كل ذلك للمرة الأولى، نفس محاولات الترقيع البائسة المضحكة، ونفس البكاء السقيم على أطلال الماضي، نفس الرجل الذي وُلد ونشأ ونضج نصف مشجعي النادي وهم لا يعرفون مدربًا غيره، ونفس المشاريع الوهمية التي تفضي غالبًا للاشيء، ونفس الإحساس العام بضياع الهدف والغاية والطموح وحتى نفس الادعاء الكاذب بأن كل شيء على ما يرام.


(2)

أمام تشيلسي بدأ المدفعجية بشكل جيد كالمعتاد؛ ضغط ناجح أسفر عن فرصة أو اثنتين، ثم استعاد الـ"بلوز" توازنهم وأتى هدف ألونسو الذي أظهرت الإعادة شكوكًا في صحته، وكأن القدر يمنح فينجر شيئًا ليقوله في لقاء ما بعد المباراة، رغم أنه يعلم مثلما يعلم كل من سيستخدم الهدف لتبرير الهزيمة أنه ليس السبب الرئيسي فيها، ولكن في أرسنال لا أحد يهتم بلقاءات ما بعد المباراة، لأن محاولة تحليل الأزمة في لقاء تشيلسي، مثله مثل أي لقاء، أشبه بمحاولة جمع البحر في شبكة.

فإذا بدأت بأداء تشامبرلين السيئ في الارتكاز أمام طوفان ماتيتش وكانتي، سيقودك التحليل للتساؤل عن سبب غياب تشاكا من الأصل، ولماذا يُطرد في كل مرة بإصرار مثير للإعجاب، مرددًا أنه لن يغير من طريقة لعبه وأن على الجميع التأقلم مع ذلك، وكأن حرمان الفريق من جهوده أصبح مهمة مقدسة تستحق كل هذا العناء، ثم ستُذكِّرك تلك التصريحات بالنسخة القديمة من كوستا التي أعاد كونتي تشكيلها كالصلصال، ثم تتساءل لماذا لا يمتلك أرسنال مدربًا مثل كونتي بدلًا من فينجر ليفعل المثل مع تشاكا، وهنا تعيدك الإجابة لنقطة الصفر؛ لأن فينجر هو من فضّل التعاقد مع تشاكا بدلًا من كانتي في المقام الأول.

"لن أتخلى عن مبادئي وأكمل 3 مباريات متتالية أبداً!" (غيتي إيميجز)
إعلان


نفس النمط يتكرر دائمًا في كل مشكلة يواجهها أرسنال حاليًا؛ مجموعة من الدوائر المفرغة التي تُفضي لبعضها البعض بلا نهاية، فجيرو يعيش أفضل مواسمه على الإطلاق، ولكنه نجاح مفاجىء لا يُعتمد عليه لأن أحدًا لم يخطط له من الأصل، بما في ذلك فينجر وجيرو نفسه، في الواقع فإن السبب الوحيد لتألق جيرو هو نفس السبب لفشله طيلة السنوات الماضية؛ أنه وجد هذا الموسم حافزًا ودافعًا لم يجده من قبل، عندما شعر بأن دكة البدلاء أفقدته حق الاستهتار المكتسب بقوة الأمر الواقع، وباعتباره المهاجم الصريح الوحيد في التشكيلة، وركونه لحقيقة أن لا فينجر ولا أرسنال يملكان ترف الاستغناء عنه مهما بلغ سوء أدائه وإضاعته للفرص المحققة واحدة تلو الأخرى، يمكننا اختصار كل ذلك في حقيقة واحدة لا مجال للجدال فيها؛ أن النسخة الحالية من جيرو هي النسخة التي كنت ستراها باستمرار  لو كان كونتي مدربه.

(3)

إعلان

لا أحد يعلم سبب امتناع فينجر عن إبرام التعاقدات الضرورية بما أنه قد صار عاجزًا عن تطويرها في مدرسته، ولكن الجميع في أرسنال قد ألِف جيرو ومونريال وميرتساكر وتشامبرلين ووالكوت، والعنوان الكبير هو أن حال أرسنال أفضل من حال سوريا والعراق، وأنه مهما بلغ سوء الأمر فلا داعي لكل هذا الغضب والسخط، وكأن الاعتراض لا يحق إلا عندما يصل الأمر لقاع الحضيض، وحتى يحدث ذلك سيأكل المنطق العَدَميّ نفسه، لأن هناك دائمًا من هو أسوأ حالًا ليشعرك بالأفضلية، عليك فقط أن تبحث جيدًا.

ثيو والكوت – موهبة أرسنال الصاعدة ذات الـ 27 عاماً (رويترز)
إعلان


لذا غابت الإجابات لأسئلة بديهية، تُطرح عادة قبل بداية الموسم لا في منتصفه، أسئلة عن الهدف والطموح لا يجيبها أحد، لأن الجميع منشغل بالبحث عن الأسوأ ليبرر السيئ، حتى لا يجد نفسه مضطرًا للتخلي عن المألوف لحساب المجهول.

ولأن أرسنال عربي جدًا ومعتز بعروبته فهو يتبع الدليل حرفيًا، فتعقب كلاسيكية سوريا والعراق الشهيرة كلاسيكية أخرى حتمية تسأل عن البديل، ولأن فينجر ليس من طغاة العصر وإن بدا كذلك، ولأن بقاءه راجع لتدخل قوى أكبر منه، مثل ستان كرونكي مالك النادي وإيفان جازيديس مديره، فعندما يخرج ليلقي خطاب "فيها أموت" المعتاد، سيكون صادقًا على الأغلب، وعلى العكس ممن سبقوه، وستصاحبه نفس تفاصيل المشهد بحذافيرها، بل وليس من المستبعد أن يخرج أحدهم ليخبرنا أن المشكلة ليست في فينجر بل في من حوله.

(4)

إعلان

أرسنال ليس الأول ولن يكون الأخير، سبقه الكثيرون لغياهب اللاشيء وعادوا، وغيرهم ذهبوا بلا رجعة، ورغم أن الرجال الذين لم يعلموا الوقت المناسب للرحيل يملؤون الطرقات، إلا أن القليل منهم فقط شاهد جماهير الخصوم تطالب ببقائه.

المصدر : الجزيرة

إعلان