الطباعة المجسِّمة.. ثورة صناعية جديدة

تقنية الطباعة المجسِّمة اقتحمت جميع مجالات حياة الإنسان اليومية (غيتي)

تقنية الطباعة المجسِّمة هي رصّ لعدد من الطبقات المتتالية بعضها فوق بعض لتكوين جسم ثلاثي الأبعاد، وهي ليست عملية نحت في مجسم وليست تشكيلا شبيها بالصلصال كما يخطر في بال الكثيرين، بل هي -للتبسيط- أشبه بطباعة عدد كبير من الأوراق والأشكال وقص الطباعة ثم رصِّ بعضها فوق بعض بشكل منتظم.

وتعتبر الطباعة المجسِّمة بطيئة مقارنة بالطابعات الثنائية الأبعاد، ولكن سرعة الطباعة المجسِّمة تطورت عشرات الأضعاف خلال عامي 2015 و2016، فما كان يستغرق ساعات في الطباعة صار يكفيه بضع دقائق أو حتى دقيقة واحدة للمجسمات الصغيرة وغير المعقدة.

ورغم أن هذه التقنية لم تنتشر إلا في السنوات الأخيرة، فإن أسسها النظرية تعود إلى الثمانينيات من القرن الماضي. ففي سنة 1983 حصل المهندس الأميركي تشاك هال على براءة اختراع أول تقنية للطباعة الثلاثية الأبعاد أطلق عليها "الطباعة المجسِّمة".

إعلان

وأول طابعة مجسِّمة تم إطلاقها كانت في عام 1988 من قبل شركة أسسها قبل ذلك بعامين هال نفسه، وكانت التقنية المستعملة هي تلك التي طورها وحصل على براءة اختراعها عام 1983.

لكن مع بداية العشرية الثانية من الألفية الثالثة، بدأ الجمهور الواسع بالاهتمام بتقنية الطباعة المجسِّمة مكتشفا إمكاناتها الواسعة للتطبيق في مجالات عديدة، كصناعة الطيران والسيارات والإنشاءات والتصميم والطب والبحث العلمي النظري وغيرها.

وفي 2017 يمكن الحصول على طابعة مجسِّمة (ثلاثية الأبعاد) بأسعار تبدأ من نحو 700 يورو، وذلك بفضل الانتشار المتزايد لهذا النوع من الطابعات وظهور نماذج متنافسة للعديد من الشركات.

إعلان

حجم ودقة الطابعة
يعتمد حجم الطابعات المجسِّمة على حجم المجسَّمات المراد إنتاجها، فكلما زاد حجم المجسَّم المراد طباعته زاد حجم الطابعة المطلوبة، ويبدأ حجم الطابعة المجسِّمة من طابعة بحجم علبة المناديل مخصصة لطباعة الأجسام الصغيرة كسماعات الأذن أو حشوة الأسنان، وتتدرج بحجمها لتصل إلى ما يكفي لطباعة عدة أمتار مكعبة.

وتتفاوت الطابعات المجسِّمة في قدرتها على التحكم بالرأس المسؤول عن ضخ مواد الطباعة، فكلما زادت قدرة الطابعة على تحريك الرأس بشكل أدق زادت جودة الطباعة. إلى جانب ذلك، فإن تعقيد المجسم المطلوب طباعته لا تترتب عليه أي تكلفة إضافية في عملية الطباعة، فأدق التفاصيل حتى تلك التي يصعب رؤيتها بالعين المجردة يمكن تطبيقها دون زيادة في تكاليف الطباعة.

استخدامات وتطبيقات
في السابق، كان نقل فكرة تصميم ما إلى حيز التنفيذ بهدف البحث عن ممول يتطلب إعداد نموذج أولي لتلك الفكرة، وكان ذلك يتطلب إرسال التصميم إلى ورشات لتصنيع النموذج الأولي والتي بدورها تكلف الكثير من الوقت والمصاريف، ومثل هذه الورشات قليلة جدا في عالمنا العربي.

ومع ظهور الطابعات المجسمة أصبح الأمر أكثر بساطة، حيث يمكن أخذ تصميم المنتج المبدئي والتوجه به إلى أي من شركات الطباعة المجسِّمة المحلية أو في أي دولة أخرى، وتنفيذ عملية الطباعة مباشرة ليصبح لديك نموذج واضح من المنتج وبتكاليف أقل بكثير من تكاليف التصنيع اليدوي.

وهذا بالتأكيد سيساهم في زيادة أعداد الاختراعات وتسهيل الحياة اليومية للناس، وإحداث ثورة في المنتجات والأدوات الاستهلاكية المناسبة لمتطلبات كل شخص واحتياجاته.

إعلان

وفي المجال الطبي استخدمت في أول عملية جراحية عام 2014، وتشمل الجراحات التي استخدمت فيها التقنية الجديدة استبدال الفك وفقرات الظهر وتشكيل الجمجمة.

كما أن هذه التقنية تستخدم في أغراض طبية عديدة منها طباعة إطار نظارة ملائم يأخذ بعين الاعتبار المسافة بين العينين وبين الصدغين وطول جسر الأنف، وطباعة هيكل سماعات الأذن الداخلية والخارجية التي تتناسب مع أبعاد وانحناءات الأذن، وطباعة هيكل الأطراف كاليد أو القدم.

ومن الاستخدامات ذات الطابع الطبي أيضا طباعة تيجان الأسنان وقوالب الحشوات، فالوقت اللازم لطباعة خمسين تاجا للسن يعادل أقل من الوقت اللازم لتحضير تاج لسن واحد بالطريقة التقليدية، وطباعة مجسم لصورة الجنين، حيث يمكن وصل الطابعة الثلاثية الأبعاد بجهاز السونار (الألتراساوند)، وهو ما يرغب كثير من الآباء والأمهات برؤيته خلال فترة الحمل.

إعلان

وفي مجال الطيران، نجح مهندسون من جامعة ساوثمبتون البريطانية في صنع طائرة مسيّرة باستخدام تكنولوجيا الطباعة المجسِّمة، وقد تمت صناعتها من أربع قطع رئيسية ويمكن تركيبها دون الحاجة لأي معدات.

وكانت شركة إيرباص لصناعة الطائرات قد أعلنت أنها تملك برنامجا لصناعة جميع مكونات طائراتها باستعمال تقنية الطباعة المجسِّمة خلال السنوات القليلة القادمة. ومن ناحيتها تقوم شركة بوينغ بتصنيع ما يزيد على 22 ألف قطعة غيار باستعمال هذه التقنية.

إعلان

وبدأت شركة بوينغ الأميركية للطيران التعاون مع شركة نورسك تيتانيوم النرويجية لصنع أول جزء هيكلي لطائرة "مطبوع" من التيتانيوم، وستستخدم بوينغ الطباعة المجسمة في طائرات 787، لأنها تتطلب معدنا أكثر من نماذج طائراتها الأخرى، إضافة إلى أن صفائح التيتانيوم المصنعة بالطريقة التقليدية مكلفة جدا، خاصة أن الشركة تصنع نحو 144 طائرة دريملاينر سنويا.

وفي مجال عالم صناعة السيارات، نجحت شركة "لوكل موتورز" الأميركية في إنتاج أول سيارة مطبوعة في العالم تم عرضها خلال عام 2014 بمعرض شيكاغو للسيارات.

وفي مجال الإنشاءات والبناء، نجحت شركة صينية في مارس/آذار 2015 في إنشاء مبنى سكني مكون من خمسة طوابق، وفيلا على مساحة ألف متر مربع، باستخدام تقنية الطباعة المجسِّمة.

وهناك منتجات مختلفة مثل صناعة الألعاب، وصناعة النماذج المصغرة للمشاريع العمرانية كالأبراج وغيرها، والإكسسوارات والتحف.

ويتزايد الاهتمام بصناعة وجوه باستخدام الطابعات المجسِّمة، حيث إن الإتقان الذي ظهرت به طباعة قوالب الوجوه المطبوعة في سلسلة أفلام "المهمة المستحيلة" باستخدام الطابعات المجسمة لم يعد مستحيلا بعد اليوم، فقد بدأت عدة شركات يابانية بالتسويق لمشاريعها بطباعة قوالب لوجوه الأشخاص، وهي معدة لتناسب وجه الشخص الذي يلبسها من الطرف الداخلي وتمثل من الخارج صورة أي شخص آخر.

يشار إلى أن طريقة إعداد الوجه خلال الفيلم ليست دقيقة، فالطباعة الثلاثية الأبعاد لا تتم بالحفر بأشعة الليزر، بل بطباعة عدد من الطبقات فوق بعضها كما تم التوضيح سابقا، وتحتاج إلى المزيد من الوقت لإكمال القالب، فحتى إن كانت النتيجة مقاربة لما تظهره الأفلام فإن هذه التقنية لن يمكنها الوصول إلى المطابقة الكاملة مع الشخص الآخر في المستقبل القريب على الأقل.

وأخيرا وبعد أن كان اقتناء طابعة في المنزل والمكتب خلال سنوات مضت يعتبر أمرا ضروريا جدا، بدأ الناس منذ عام 2007 بالتخلي عن فكرة اقتناء الطابعة حتى بات سعر الطابعة يقل عن سعر الحبر الذي تحتويه، ولم تنجح شركات الطباعة باستقطاب المشترين مجددا رغم محاولاتها العديدة، وكان هذا تصرفا طبيعيا يتماهى مع تزايد الاعتماد على النسخ الإلكترونية.

ومقارنة بما هو متوقع من انتشار للطباعة المجسِّمة، فإن هذه الطابعات غالبا ما سيكون اقتناؤها محدودا بشركات الطباعة، ولكن مما لا شك فيه أن منتجات هذه الطابعات ستكون في كل غرفة من غرف المنزل والمكتب قريبا.

المصدر : الجزيرة

إعلان