ماسيمليانو أليغري.. أن يكون للفرضيات مكانا شاسعا في حياتك

تمسك بين يديك قطعتي نقود من فئة الفضة، فجأةً أصابك جوع شديد وأنت في مفترق طرق، أمامك مطعم وجبات سريعة، ومن خلفك يقبع مكتب رهانات، كشخص عادي ستجتاز الطريق نحو المطعم لسد جوعك، أما أن يقودك الجنون نحو مكتب الرهانات، نحو لعبة الحظ، فالتفسير الوحيد للحادثة، أن تكون ماسمليانو أليغري.

   

النسبية والفرضية
إعلان

كان الطفل ماسيمليانو كارهًا لكل أساليب التعليم، لا يؤمن بالحسابات الدقيقة، ولا يعتقد أننا نمتلك قدرةً على حساب الحياة أو وضع خط فلسفي يتماشى مع أفكار كل إنسان، في إحدى المصادفات، كان الأستاذ غاضبًا، أخبرت نفسي أنني ان أكون تلميذاً جيداً، لكن في مقدرتي أن أكون مديرا، منذ تلك اللحظة أسس ماسيمليانو لفكرة الحياة الأولى، ناصبًا لحياته تطلعات تبنى كلها على الأحاسيس، ليتجرد من جميع ما قد يكون نمطًا معتاداً عند الناس، ضاربًا عرض الحائط تقاليد العائلة، القاعدة الأولى، قد لا تنجح على أساسات رياضية، دع المجال للحظ وللأحاسيس، أو تلك كانت جملةً لم يخبرها إلا لنفسه.

   

الأمر تجلى في لعبة الأحصشنة، الرهانات الفتاكة، الفوز والخسارة، التصادم المتكرر مع المدربين، هذه اللهفة الأولى نحو عمد العقل على التفكير خلف ردود فعل سيئة من ماسيمليانو، كون الطفل يعتقد بحزم أن الحياة تجارب، لا معنىً لعمر الإنسان دون مخاطرة، الناجحون في درب الحياة كانت أيامهم مليئة بالتجربة، من هذه النقطة بالذات، سيشهد الجميع على أحد أحنك العقول التدريبية على مر تاريخ كرة القدم.

إعلان

  

الأشكال الهندسية؟

في رحلة ميلان أو يوفنتوس، أو في الرحلات الأخرى، كان أليغري رجلاً حاسمًا في كل قرار، الخطط لا تعني شيئًا بالتحديد، المدرب هو المهم، واللحظة هي الأهم، الإستراتيجية أو التكتيك لا يمتلكان القدر على الحد من إبداع أي فرد، لا يمكنك أن تخبر لاعبًا أن يتحرك في قالب محدود، هذه الأشياء قاتلة لمهارة اللاعبين، لذلك فإن اللعب برباعي خلفي أو ثلاثي، لاعبين في المحور أو ثلاثة، هجوم من رأس حربة وجناحين، أو من صانع لعب ومهاجم، كل هذه الأشياء لا تطغى على فلسفة أليغري الكروية، الإيمان الأول هو تسخير اللاعبين للتكتيك وليس العكس، الإطارات التكتيكية المجردة من ما يناسب اللاعبين لا مكان لها عند ماسيمليانو.

   

  

الخصائص هي الأشياء المُهمة للتكيف مع تطلعات أليغري للإستراتيجية، أن يكون دائمًا محصنًا ضد الخصم، أن يصنع فريقًا له القدرة على التحولات السريعة، وعلى الثنائيات الفردية والصراعات الهوائية والأرضية، بدنيًا يسعى أليغري إلى الوصول إلى أفضل حالة، للتكيف مع التغير اللامتوقف مع إيقاعات الخصم.

إعلان

 

فكرة وسط الفكرة

يرسم أليغري الخطة حول رباعي خلفي، ثنائي محور وثلاثي خط وسط، ومهاجم وحيد في الأمام، مهمة الفريق هي الانتشار والتقارب بين الخطوط، الحفاظ على الــMidBlock أو الــBlock المتأخر أي الدفاع من خط الوسط أو من من الأماكن الخلفية، مع رسم خطة للتحول الهجومي السريع، باولو ديبالا مع مانزوكيتش في يوفنتوس كان خطة بارعةً في الربط بين الدفاع والهجوم، أو حتى ديبالا مدعومًا بهيغوايين ضد برشلونة كمثال حي، الاثنان كان لهما مهمات تكتيكية متعددة، الاستلام من خط الوسط، في انتظار صعود الظهير أو لاعب الجناح.

إعلان

  

هذه الخطة كانت مبتدعة حول رأسيها، صانع اللعب والمهاجم المتحرك، وسواءً أكان غونزالو أو مانزوكيتش يلعبان معًا، أو يلعب أحدهما كرأس حربة رفقة جناحين، فالفكرة لا تتغير، وهي أن تصنع اللعبة الهجومية حول تحركات الثنائي الأمامي، مع التركيز التام على دور الأظهرة هجوميًا في عهدة يوفنتوس أليغري، هذه الأشكال قد تطرح سؤالاً مهمًا، هل للخيال مكان في عقل أليغري؟ هذه الإجابة ستعود بنا نحو لقاء توتنهام، عانى يوفنتوس خلال خمسة وأربعين دقيقة، في المعركة التالية بين الشوطين، غير أليغري الخطة نحو ثلاثي خلفي، ومن هنا أصبح يوفنتوس أكثر تحملاً للسرعة القصوى لهجوم توتنهام، ومن المهم أن ندرك مدى براعة أليغري هنا، لا من ناحية قلب النتيجة بل من ناحية إلغاء خطورة توتنهام بتغيير تكتيكي شامل.

   

إعلان

أو قد نجد نفس الإجابة في إياب نصف النهائي أمام ريال مدريد، حيث الاختلاف التام بين خطتي الذهاب والإياب، والإستراتيجية التكتيكية المتمثلة في الضغط العالي، واللعب بمهاجمين عوض مهاجم وحيد، والبدأ ببيانيتش كمحور ارتكاز عوض المحورين سامي وماتويدي، هذه الفرضيتين المتغايرتين بشكل شامل، تبرز أفكارهما أن أليغري يمتلك مرونةً عالية، وخيالاً شاسعاً لا عشوئية فيه، فهما تقعان في إطار التوقيت، اللحظة هي التي تحكم تبديل النسق، أو تبديل الاتجاه الهجومي أو الدفاعي، أو اللعب برباعي خلفي عوض خماسي.

  

لا كيمياء ولاوفيزياء..

هذه الشروحات لا تؤمن بالأكاديميات، عندما يسقط في ذهنك أن تكتب عن أليغري عليك أن تستعد لمجابهة اللامنطق في عمق المنطق، رقم ثلاثة مضافًا إليه ثلاثةً، لا تعني ستة في كرة القدم، خاصةً عندما يتعلق حسابها بماسيمليانو أليغري، فتى الرهان على زيادة النقود الفضية أو خسارتها، عوضًا عن سد جوع شديد يؤرق النوم ليلاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان