إيران وإدلب.. ما هي أهداف طهران على الحدود التركية؟

كانت تلك هي الاستراتيجية التي تنتهجها إيران خلال القمة الثلاثية مع روسيا وتركيا التي عُقدت في 7 سبتمبر/أيلول الحالي في طهران. كانت الحكومة الإيرانية تأمل في التوصل إلى إجماعٍ في الآراء مع روسيا وتركيا للتحرك ضد المعارضة المسلحة، وإجبارها على قبول صفقة المصالحة، على غرار المصالحة التي أبرمت في ضاحية الغوطة الشرقية بريف دمشق وفي محافظات درعا والقنيطرة الجنوبية.

بمجرد تحقيق ذلك، سيكون الهدف التالي هو المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريّا الديمقراطية، حيث يمكن بكل سهولة التوفيق بين مصالح روسيا وتركيا وإيران هناك. ترى أنقرة أن قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل القوات الكردية عمودها الفقري- باعتبارها فرعاً من فروع حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعده في عداد المنظمات الإرهابية، وقد أكدّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارًا وتكرارًا أن عملية تأمين الحدود التركية/السورية ضد "الإرهابيين" هي واحدة من أهم أولوياته.

وعلى الرغم من أن الدول الثلاثة فشلت في الاتفاق على خطة بخصوص إدلب خلال قمة طهران، فإن طهران رحبت بتصريحات الرئيس التركي بأن تركيا "منزعجة بشدة" من استمرار دعم الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية. من جانبه، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الخطوة النهائية لحل الأزمة السورية سوف تكون في "المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات، التي تمثل الساحة الأساسية للتدخلات الأميركية غير المشروعة، والتي تتسبب في المشاكل… أحد مطالبنا هو أن تخرج القوات الأمريكية من سوريا في الحال".

إعلان
تستطيع إيران بالاشتراك مع حلفائها استغلال الخلافات بين الجماعات الكردية في سوريا لتوريط القوات الأميركية في وضع أمني معقد مشابه للوضع في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003

بعد عشرة أيام، توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاقٍ في مدينة سوتشي يتمثل في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، والعمل من أجل القضاء على المجموعات "الإرهابية" في المنطقة. وعلى الرغم من أن الصفقة تتعارض للوهلة الأولى مع مصلحة إيران، فإن إيران أعربت عن تأييدها لها.

أغلب الظن أن إيران تعتبرها تسوية مؤقتة للمساعدة في حل الخلافات المستمرة مع تركيا بخصوص التوصل إلى حل دائم في إدلب. سيؤخر اتفاق سوتشي والمنطقة منزوعة السلاح المعلنة الهجوم على إدلب لفترة مؤقتة فقط. من المرجح أن تستأنف إيران جهودها المبذولة من أجل التوصل إلى حلٍ -سواءً بالطرق الدبلوماسية أو العسكرية- خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

إعلان

على الرغم من وجود عدد من الخلافات الجوهرية بين إيران وروسيا وتركيا، فإن ما يهم في نهاية المطاف هو أنهم جميعًا معارضون للسياسات الأمريكية الراهنة في سوريا. إذ عانت الدول الثلاثة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليهم، ولديها أزمة ثقة جادة مع إدارة ترامب. انطلاقاً من هذه الأرضية المشتركة، أخبر آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع سبتمبر/أيلول أن "تهديد الولايات المتحدة قابل للاحتواء"، وأنه يجب على إيران وروسيا مواصلة التعاون الوثيق لتحقيق هذا الهدف.

ورغم التقارير الأخيرة حول التوترات الحاصلة في العلاقات الإيرانية/الروسية، فإن إيران لا تشعر بالقلق إزاء موقف روسيا تجاه وجودها في سوريا؛ وذلك لأنهما تتشاركان عددًا من المخاوف الجيوسياسية بشأن الولايات المتحدة. في المقابل، استفادت موسكو كثيرًا من شراكتها مع إيران، حيث نجحت في تعزيز عمقها الاستراتيجي ومصداقيتها في الشرق الأوسط.

وبصرف النظر عن الجهود الدبلوماسية على الصعيد الدولي ومن خلال مسار أستانا، فإن لدى طهران أيضًا عددًا من الخيارات على أرض الواقع لزيادة الضغط على الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. تستطيع إيران بالاشتراك مع حلفائها استغلال الخلافات بين الجماعات الكردية في سوريا لتوريط القوات الأميركية في وضع أمني معقد مشابه للوضع في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003؛ إذ بإمكانهم استثارة المشاعر المناهضة للولايات المتحدة بين السكان العرب في تلك الأراضي؛ وبإمكانهم الدفع بعناصر متشددة من خارج إدلب إلى مناطق خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث ستضطر القوات الأميركية إلى التصدي لهم. أيًا كانت الاستراتيجية التي ستختار إيران اتباعها، فإن الولايات المتحدة ستشعر غالبًا بالضغط على أرض الواقع قريبًا جدًا. قد يشكل هذا في النهاية رادعًا فعالًا في مواجهة الخطط الأمريكية الرامية إلى فتح جبهات إضافية ضد إيران في الشرق الأوسط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مترجم عن aljazeera.com

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان