إلى طلبة الثانوية العامة.. إنه زمن المهارات

قبل 14 عاما، كنت مثلكم في موقف انتظار إعلان نتائج الثانوية العامة، ترقب وانتظار، وخوف من النتيجة إذا كانت عكس المتوقع، وخوف من ردة فعل المحيطين بي. دقّت الساعة المنتظرة، وقت إعلان النتائج، مرّت نصف ساعة وأنا لم أعرف درجتي، ازداد التوتر، الجميع يتصل يريد أن يطمئن، ومرّت الدقائق، لقد عرفت النتيجة. نعم لم تكن كما كنت أتوقع! حزن شديد، ضيق، عدم رغبة في التحدث مع أي أحد، وجميع من حولي مستغربين من ردة فعلي فهي مبالغ بها كثيرا خصوصا وأن معدلي لم يكن سيئا أبدا ويؤهلني لدخول أي كلية أرغب بها.

أخبرت والدي -رحمه الله- بالنتيجة وقد كان خارج البيت، بارك لي على الهاتف، وانتظرت عودته. استقبلته وعلامات الضيق ظاهرة على وجهي، فاستقبلني مباشرة بقوله "مبارك لك، لماذا هذا الضيق؟ الآن هو قرارك في اختيار التخصص الذي ترغب في دراسته وفي المكان الذي ترغب فيه، المهم أن تكون على قدر تحمل هذا القرار".

 

إعلان

إلى اليوم أتذكر هذه الكلمات، أتذكر علامات الاستغراب التي ارتسمت على وجهي من هذه الجملة التي سمعتها منه، كنت أتخيل بأنه سيكون غاضبا، وسيعنفني على عدم اجتهادي اللازم لتحصيل ما تبقى من علامات، وأفكر في الكلمات التي يجب أن أتفوه بها لأبرر نتيجتي أمامه، لكن كل هذا لم يحدث، جملة بسيطة في كلماتها وعميقة في معانيها هي ما سمعتها منه. "الآن هو قرارك وعليك ان تكون على قدر تحمل هذا القرار" نعم هذه هي الجملة التي سمعتها والدرس العظيم الذي تعلمته منه.

وجدت نفسي وبشكل مباشر أخبره بأنني سأدرس في كلية الهندسة، وفي الجامعات المحلية فلا أريد أن أسافر للخارج. هكذا بكل جدّية أخبره بذلك، ولا أدري لماذا كنت جادا في هذا القرار، ربما لأثبت للجميع بأنني قادر على دراسة ما يظنه البعض صعبا؟ أو أنني أحب الهندسة فعلا؟ أو أنني أرغب في أن أدرس مجالا يساعدني على تطوير مهارات التفكير لديّ وطرق التحليل؟ بالتأكيد لم أكن أعرف وقتها لماذا اخترت هذا القرار، فوقتها كل ما كنت أفكر فيه هو أن أتخذ قرارا يكون نابعا من داخلي بغض النظر عن صحته وجدواه، المهم أنه قراري وسأتحمل نتيجته.

 

إعلان
قرار اختيار تخصصك الجامعي هو قرارك فقط، أنت من سيدرس، أنت من سيسهر الليل الطويل لتحل الواجبات وتجتاز الامتحانات، أنت من سيعيش في حياة جامعية من الثامنة صباحا وحتى ربما بعد الخامسة مساء كل يوم

أدركت بعد انتهائي من الدراسة الجامعية بأنني اخترت الكلية التي تناسبني، فأنا لست سريع الحفظ وبالتالي كنت سأجد صعوبة في دراستي للطب، ولست متذوقا للدراسة الأدبية وبالتالي سأكون غير مرتاحا لو درست تخصصا أدبيا. نعم لقد وجدت نفسي بعد خمس سنوات مرتاحا لقراري، ومتفهما لكل الصعوبات التي واجهتني ففي النهاية لقد كنت صاحب القرار، وعليّ أن أتحمل نتيجته. بل ربما يمكن القول والظن بأن من جعلني مرتاحا خلال دراستي رغم كل الصعوبات هي تلك الجملة التي سمعتها يوم نتائج الثانوية "إنه قرارك وعليك تحمل نتائجه".

لذلك عزيزي طالب الثانوية العامة، يا من عرفت نتيجتك، بغض النظر إن كانت على حسب توقعك أو خلافه، وسواء كنت راضيا عنها أو ساخطا عليها، لقد ظهرت النتيجة، ولقد كانت انعكاسا لجهدك طيلة سنوات الدراسة المختلفة وليست فقط نتيجة جهدك في سنة الثانوية العامة، الآن أنت في مفترق الطرق الذي مرّ منه غيرك الكثير، وعليك أن تتخذ قرارا سيكون بمثابة واحدا من أهم قراراتك في حياتك عامة، ليس لأنه سيحدد شكل حياتك المستقبلية، فكل شيء يمكن تغييره، ولكنه من أهم القرارات كونه القرار الأول في حياتك الذي تتخذه بمحض ارادتك، قرارك الأول منذ 18 عاما وعليك تحمل نتيجته. وهنا أنتهز الفرصة لأهمس في أذنك بعد أن أبارك لك بنجاحك، أهمس في أذنك ببضع كلمات اقتنعت بها بعد رحلة طويلة من الدراسة والتي ما انتهت، وبعد رحلة طويلة من التدريس الجامعي في مراحله المختلفة، أهمس في أذنك وأعدك بأنني لن أطيل، فاسمح لي بأن أخبرك:

إنه قرارك

نعم، فقرار اختيار تخصصك الجامعي هو قرارك فقط، أنت من سيدرس، أنت من سيسهر الليل الطويل لتحل الواجبات وتجتاز الامتحانات، أنت من سيعيش في حياة جامعية من الثامنة صباحا وحتى ربما بعد الخامسة مساء كل يوم، وبالتالي سترجع الى البيت وقد أصابك التعب والإرهاق ولن يتبقى في يومك الوقت الكثير لتمارس أنشطة مختلفة أو للخروج مع أصدقائك. لذلك فمن المنطقي أن تكون صاحب القرار لكي تستطيع تحمل كل هذا التعب، وتكون مسؤولا عن نتيجة هذا القرار. وسواء كنت راضيا عن تخصصك، أو لم تكن راضيا، فإن الدراسة لن تتغير، والواجبات والامتحانات لن تتغير، وأوقات الدراسة الطويلة لن تتغير، لذلك اجعل في بالك العيش راضيا عن كل ذلك لكي يهوّن عليك الرضا سنوات عمرك الدراسية.

إعلان
أيا كان اختيارك وتخصصك، فإن مهاراتك العملية والفنية هي سلاحك الحقيقي وليس شهادتك الجامعية، فاحرص دائما على أن تستفيد من أوقات الدراسة في اكتساب الكثير الكثير من المهارات
 
إنه زمن المهارات

عليك أن تعلم بأن الدراسة الجامعية في مراحلها الأولى "الدبلوم والبكالوريوس" إنما هي مفاتيح للعلم، وليست كل العلم، فلا تظن بأنك بانتهائك من الدراسة وحصولك على الشهادة ستكون قادرا على اختراق سوق العمل لمجرد حصولك على الشهادة، فهذا لم يحدث في السابق، ولا يحدث حاليا، وبالتأكيد لن يحدث مستقبلا، فوظيفة المرحلة الجامعة الأولى هي أن تضعك على بداية طريق العلم والمعرفة في التخصص الذي اخترته، ولتجعلك قادرا على أن تخطوا خطواتك المنهجية في مجال دراستك.

إعلان

 

ويشترك في ذلك كل الجامعات على هذه الأرض، فجميعهم وظيفتهم أن يضعوك على بداية طريق التخصص الذي أخترته، لا أن يضمنوا لك فرصة العمل بعد التخرج، ولكنهم -وهنا النقطة المهمة- يتمايزوا في كيفية وضعك على بداية الطريق، وكيفية اكسابك المهارات المختلفة التي تساعدك بعد التخرج في الحصول على فرصة عمل. لذلك أيا كان التخصص الذي ستدرسه، اجتهد على اختيار الجامعة التي تزودك بالمهارات وليس فقط النظريات، واحرص على أن يصبح لديك المهارة التي يطلبها سوق العمل خلال فترة دراستك.

لأبسط عليك هذه الفقرة، إذا رغبت في دراسة الهندسة فعليك منذ اليوم الأول لدراستك أن تعي تماما ضرورة أن تكتسب المهارات في الهندسة وليس النظريات، فبعد التخرج أنت بحاجة إلى هذه المهارات لإقناع المشغلين، وليس إلى النظريات التي يمكن الحصول عليها بالرجوع الى الكتب والمراجع. وإذا رغبت في دراسة الطب، فعليك أن تكتسب المهارات التي تؤهلك بأن تكون طبيبا ذو مهارة في تشخيص الأمراض، وليس طبيبا يسرد نظريا الحالة المرضية وكأنه يقرأ من كتاب. وإذا كنت ترغب في مجال تكنولوجيا المعلومات فعليك أن تكتسب المهارات التي تؤهلك إلى الخوص في سوق العمل بمهارات عملية فنية قادرة على أن تجعلك في سوق المنافسة. 

أيا كان اختيارك وتخصصك، فإن مهاراتك العملية والفنية هي سلاحك الحقيقي وليس شهادتك الجامعية، فاحرص دائما على أن تستفيد من أوقات الدراسة في اكتساب الكثير الكثير من المهارات بل والتميز في هذه المهارات، ولا تنسى: اجعل لنفسك هدفا تحققه في أول يوم لك في الجامعة، فبتحديدك لهذا الهدف تتحدد ملامح خوضك لهذه التجربة بالكيفية التي تجعلك قادرا على تحقيق هدفك، وتذكر: إنه قرارك وعليك أن تكون على قدر تحمل هذا القرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان