والد أم سجان؟
لا أحد ينكر أنه واجهَ كلمة "لا" في فترة من حياته كرد على طموحاته وأحلامه، هذه الكلمة التي كانت دوماً تبدو بلا أي مبررات |
يخبرني العديد من أصدقائي كيفَ أن حياتهم كانت لتصبح أفضل لو أنَ آبائهم سمحوا لهم بالدراسةِ خارج البلاد، أو دراسة التخصص الذي أرادوه، أو العمل أو الانتساب للنوادي الرياضية والأعمال التطوعية أو غيرها من الأمور التي كانت لتترك أثراً كبيراً على مستقبلهم وعلى ذواتهم، يحزنني حقاً أن أرى تلك الانكسار الحزين في عيونهم لاعتقادهم التام والكامل بأنَهم أضاعوا فرصاً عظيمة كانت كفيلة بقلب كل موازين حياتهم. المصيبة الأكبر هي في الموروث الذي تلقيناه من الأهل ألا وهو كلمة "لا" كرد على كل الأمور التي تبدو خارجة عن المألوف وعن نمط الحياة الاعتيادي حتى أصبحت ذواتنا تقول "لا" لكل فرصة تطرق الأبواب، فندفعها بأنفسنا بعيداً عنا وكأنها شؤمٌ وبؤس.
لا أحد ينكر أنه واجهَ كلمة "لا" في فترة من حياته كرد على طموحاته وأحلامه، هذه الكلمة التي كانت دوماً تبدو بلا أي مبررات، وفهمنا عندَما كبرنا قليلاً أنَها كانت مدفوعةً بغريزة الآباء لحماية الأبناء، وأحياناً أخرى كثيرة مدفوعة بالخوف من "كلام الناس". تحدثت ووالدَيَّ مرةً عن فكرة الدراسة أو العمل في خارج البلاد، هذه الفكرة التي كنت على قناعة تامة برفضهم إياها، وبالفعل واجهوها بالرفض في البداية، لكن عندَما تحدثنا أكثر عن أثرها على حياتي ومستقبلي وعن كونها قد تشكل انعطافه كبيرة في مسيرتي بدأوا بتقبل الأمر، لا أدري إن كنا_ أنا ووالدي_ قد وصلنا لمرحلة تخطي "الخوف من كلام الناس" أو مرحلة النضج الكافي الذي يدفعهم إلى ترك يدي لأسيرَ وحدي في حياتي.
أخبرني أحدهم مرةً بأنَ حياة العائلة تشبه كثيراً عش العصافير، في البداية تحتاج الفراخ لوالديها كثيراً، ولكن عندَما تكبر إن لم يسمحوا لهم بالطيران ومغادرة العش، فإن نهايتهم هي الموت المحتوم! وإن سجننا الأهل في العش العائلي ولم يتركونا نطير، فإن نهايتنا هي الموت "المعنوي" المحتوم.
لا تسجنوا أبنائكم في قضبان الرفض، وكونوا لهم آباء لا سجانين.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.