مرضى غزة.. طوابير نحو القبور!

إعلان
أخبرني أحد المسؤولين في وزارة الصحة الفلسطينية أن أكثر من 4000 مريض في قطاع غزة يحملون تحويلات رسمية ومختومة وجاهزة من وزارة الصحة من أجل تلقي العلاج في الخارج، ولكنهم لم يفلحوا في السفر منذ شهور طويلة بسبب إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح الحدودي أمام حركة سفر المرضى والطلاب والفلسطينيين بشكل عام.
ربما تصابون بالصدمة عندما تعلمون أن عدد المسجلين للسفر من قطاع غزة تجاوز 25000 مسجل للسفر وهم من أصحاب الحاجات الضرورية للسفر.

لا نريد أن نتحدث عن الطلبة الذين ضاع مستقبلهم وذهبت دراستهم أدراج الرياح، ولا نريد الحديث عن الزوجات اللواتي تطلقن بسبب عدم مقدرتهن على السفر لأزواجهن في الخارج، ولا عن أصحاب الجوازات الأجنبية الذين فقدوا أعمالهم وخسروا كل ما يملكون بسبب تأخرهم عن الوصول في الموعد المحدد إلى البلدان التي يعملون فيها، ولا عن المعتمرين الذين تم إلغاء مواسم العمرة نهائياً من غزة بسبب إغلاق المعبر؛ اتركوا كل هذا ودعونا نسلط الضوء على حالات المرضى المسجلة أسماؤهم مبدأياً على قوائم الموت في غزة بسبب حرمانهم من السفر للعلاج!

إعلان

هل سمعتم عن دولة في العالم يُمنع فيها المريض من السفر لتلقي العلاج؟ أخبروني وأجيبوني!
أنا أجيبكم، المريض في قطاع غزة ربما يحتاج إلى أكثر من 365 يوما لكي يسمح له بالسفر ليتلقى العلاج خارج قطاع غزة، لماذا؟ لأن معبر رفح الحدودي مغلق أمام حركة الناس ومنهم المريض المغلوب على أمره، وربما يكون قد توفي أصلاً قبل الوصول إلى موعد سفره المحجوز في طوابير طويلة تنتظر فتح المعبر والسفر وهذا ما حدث بالفعل مع الكثير من المرضى في قطاع غزة حيث فارقوا الحياة قبل وصول موعد سفرهم!

فالسلطات المصرية تسمح بفتح معبر رفح الحدودي تقريبا 3 أيام كل شهر، ويسافر في الثلاثة أيام تلك ما مجموعه 1500 مسافر فقط – حسب ما أخبرني به أحد المسؤولين في هيئة المعابر والحدود الفلسطينية – وهذا العدد ما بين مسافرين عاديين، وطلاب يدرسون في الخارج، وأصحاب جوازات أجنبية، وأصحاب جوازات مصرية، ومسافرين من خلال تنسيقات مصرية مدفوعة الأجر، وعلى الهامش مجموعة من المرضى الذين اقتربت مدة صلاحيتهم ونهايتهم حيث ابتسمت لهم الدنيا ليسافروا للعلاج!

ربما تصابون بالصدمة عندما تعلمون أن عدد المسجلين للسفر من قطاع غزة تجاوز 25000 مسجل للسفر وهم من أصحاب الحاجات الضرورية للسفر كالمرضى والطلاب والنساء المتزوجات وأصحاب الجوازات الأجنبية، ويستثنى من هذا الرقم المسافرين الراغبين بالسفر لأسباب طبيعية كالزيارات الاجتماعية الخارجية أو قضاء الإجازات في الخارج أو النقاهة الخارجية وهي حقوق مسموحة إلا في غزة.

أحد أصدقائي يعمل حكيماً في قسم الكلية الصناعية في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، كثيراً ما يحدثني عن قصص تُدمَى لها القلوب والأفئدة، وربما من أكثر المرات التي تأثرت بها هي قصة تتعلق بمرضى الكلى في قطاع غزة والذين يبلغ عدد من يحمل تحويلة منهم للعلاج في الخارج 550 مريضاً، يقول لي: إن أحد هذه الحالات هو الطفل المريض "ع . د" الذي يعاني من مرض الكلى حاله كحال 30 طفلاً مصابين بنفس المرض ويحتاجون إلى السفر العاجل ولكن إغلاق المعبر يقف حائلاً أمامهم!

وكأن مسألة المرضى في غزة باتت كالمصطفين في طوابير نحو القبور، لعلها تكون أسرع من الانتظار أمام فتح المعبر.

يخبرني صديقي الحكيم: هذا الطفل المريض إضافة إلى أنه مريض بالكلى؛ إلا أنه أيضاً يعاني من ضعف شديد في الأوردة التي يتم من خلالها نقل عملية الدم وغسيل الكلى، وبسبب عدم وصول اسمه لموعد السفر فإن الأطباء في غزة -التي تتعرض للحصار- يقومون له بعمل ما يعرف طبياً بتركيب "لاين" في صدره أو في مكان آخر في جسده، حتى تنجح عملية غسيل كليته وليس الشفاء من المرض إياه، ثم تعود وتتعطل بعد أسبوع تقريباً هذه العملية، ثم يعاودوا بتكرارها في الأسبوع الذي يليه ليتمكن من غسيل كليته، وهكذا.

إعلان
الطفل المذكور له مواعيد محددة للسفر ولكن موعده لم يصل بعد!
هذه الحالة هي واحدة من بين الحالات الأربعة آلاف التي ذكرناها في البداية، وأغلب هؤلاء المرضى هم مرضى سرطان بحاجة إلى جرعات عاجلة وعلاج مكثف، ومرضى يحتاجون إلى زراعة نخاع، ومرضى يحتاجون إلى زراعة كلى وجاهزون للسفر ولكن إغلاق المعبر يقف حائلاً أمامهم.

مؤخراً أصيب أهالي قطاع غزة بالذهول عندما سمحت السلطات المصرية بفتح معبر رفح 6 أيام في شهر أكتوبر الجاري بشكل استثنائي، وليس 3 أيام كالعادة، وهو ما سمح بسفر 4469 من أصل 25000 مسجل للسفر، وهو ما دعا أهالي قطاع غزة والفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني أن تتقدم بجزيل الشكر والتقدير للسلطات المصرية على كرمها بفتح المعبر 6 أيام وليس 3 أيام.

السؤال هو: متى تتوقعون أن تنتهي مأساة ومعاناة الفلسطينيين وخاصة المرضى منهم بفتح معبر رفح بشكل طبيعي ودائم أمام حركة المسافرين؟ وحتى تجيبون على هذا التساؤل المشروع فإن زوجات تكون قد طُلّقت، وطلبة قد فقدوا مستقبلهم وتعليمهم، وأصحاب جوازات أجنبية قد خسروا مستقبلهم ومستقبل عوائهم وأطفالهم، والأهم من ذلك أرواحا تكون قد فارقت الحياة.

إعلان

وكأن مسألة المرضى في غزة باتت كالمصطفين في طوابير نحو القبور، لعلها تكون أسرع من الانتظار أمام فتح المعبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان