هل نكف عن تسويق تراث الطائفية؟

برغم أن رسالة الإسلام العظيمة حملت في طياتها ومضامينها وأسسها، الحث على البناء الأخوي المنبثق من التراحم والتعاطف، وركزت على الانسجام الإنساني في تشريعات نصوصها الربانية.

إلا أنك لتجد العجب العجاب من حال المسلمين ومقدار هوة الاختلاف والافتراق فيما بينهم، من خلال تلك النصوص المبنية على فهوم واستنباطات بشرية قابلة للنقض، وقابلة لإعادة النظر وإعمال الفكر البحثي والعقلي نحو فهم قائم على وضع المعايير التي تبني وتحث على التعايش الإنساني بين أبناء الأمة الواحدة.

إعلان

إن كل مايجري من قتل وسفك للدماء وانتهاك للأعراض مبني في الأصل من خلال عقليات وأفهام يعتبرها ناقلوها مسّلَّمات من كل الطوائف المتبنية لتلك الآراء والمقولات الإقصائية والتناحرية.

بسبب هذا التناحر المُسَيس تعيش الأمة الإسلامية انحطاطاً حضارياً قاتلاً يجرها جراً للسقوط في الهاوية ويسوقها إلى وحل التخلف والهوان.

نعم لقد أسسنا للتكفير، والتفسيق ناهيك عن البغض والكراهية، والتبديع الشيء الكثير في قواميسنا، ومعاجمنا وفي مدونات ثقافتنا الإسلامية التي طفحت بتلك المصطلحات المتناقضة والبعيدة كل البعد عن رسالة الإسلام التي أرادها وحي السماء للمخلوقات العاقلة على وجه البسيطة.

إعلان

ولكن هو شيء رسمته الأطماع والمصالح الكهنوتية على مر التاريح الإسلامي الذي سجل كثيراً من المخزيات ولوث نقاء الرسالة المحمدية.

إذ لانزال نتمترس حول أفكار وأطروحات ونتاج ثقافي موروثي سابق من صنع واستنباط بشري، حول النصوص الشرعية جعلت من الدم الإنساني رخيصاً على وجه في غاية السخافة والحماقة.

كل الأفكار والفهوم الإنسانية قابلة للنقاش ومن ثم قابلة للنقض وبنفس الأدوات والأفكار البشرية التي ترى لكرامة الإنسان وحقن دمه واحترام حياته الحق المقدس بنص التشريع الإلهي.

ترى هل كل العقل الإسلامي من مسائل الاستنباط ومحاولة تجديد الخطاب الديني الذي أراده الله لنا من خلال كتابه المُوحى إلى نبي الإسلام. قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

إن الجري على مر العصور حتى عصرنا هذا خلف المخزون التراثي لفنون زرع الكراهية، والحقد، واجتلاب الاحتراب الفكري الذي يجر فيما بعد إلى الاحتراب والاقتتال الدموي في أصعب صوره اليوم، هو نتاج ذلك الدوران والجمود خلف مقولات لها أزمنتها وملابساتها وليست بالضرورة لازمة لحاضرنا.

والتي ربما استغل فيها جانب التوظيف السياسي والحركي، بتضخيم ونفخ الطائفية عبر الاستثارة للعواطف الإنسانية وأدلجتها، بحسب الظروف وحسب المواضع المرادة للمصالح الدائرة في خلد أولئك الساسة المستبدين وجلعوا من غوغاء العوام وقود لتلك الفتن.

إعلان

وبسبب هذا التناحر المُسَيس تعيش الأمة الإسلامية انحطاطاً حضارياً قاتلاً يجرها جراً للسقوط في الهاوية ويسوقها إلى وحل التخلف والهوان.

إن الدوران حول المسائل الفلسفية وتقسيم صف الأمة الواحدة إلى فرق وشيع وكل فرقة تدعي أنها صاحبة اليد الأعلى والناجية دون سواها، وما خالفها هو الهالك هو نتيجة متوقعة لهذا الصراع المرير الذي يحيط بها في حاضرها المرير.

إن أي أمة تجتر أسوأ ما في تراثها وتأريخها لتوضيفه في حاضرها ومستقبلها لن تقوم لها قائمة بين الأمم التي أدركت مغبة التاريخ الدموي.
إعلان

وإذا لم تفدنا رسالة الإسلام التي حثت على البناء والتآلف ولم الصف، فلا أقل من أن نتعلم من تجارب الأمم التي ذاقت نار الطائفية وكوت تاريخها، حتى كادت تسحقها من الوجود.. ثم فاقت من غفلتها فداست على كل عوامل التفرقة الدينية حتى قامت بإعادة بناء حضارتها على أنقاض وهشيم الطائفية البغيضة.

أليس تراثنا الديني بحاجة ماسة وجادة لإنقاذه من الجمود الماضوي لتهذيبه من الأفكار والمفاهيم التي ساقتها الأهواء البشرية، ليعود وفق النسق الرباني الذي يدعو إلى السلم والرحمة وعمارة الأرض.

"طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" ولا لتشقى أمته من بعده ولكن أشقتها الفهوم وسياسة المصالح والاستبداد بالرأي التوحدي لفهم النص.

إعلان

وإذا لم يستدرك المسلمون حالهم السياسي المرير ومعالجة أورامهم الخبيثة والعودة للالتفاف حول المشتركات والركائز العظيمة لرسالتهم الإسلامية بعد كل هذا التخبط الذي يعيشونه، فإنهم لن يهنأوا بسلام ولا صفاء وسيكنون أسوء مثال لقادم الأجيال.

إن أي أمة تجتر أسوأ ما في تراثها وتاريخها لتوظيفه في حاضرها ومستقبلها لن تقوم لها قائمة بين الأمم التي أدركت مغبّة التاريخ الدموي.

إعلان

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان