أُحبكِ

إعلان
أيكونُ الحبُّ بحجمِ السماءِ يا أمّي؟ أيكونُ بحجمِ الكونِ وجُزَيْئاتِه وذرّاتِه، أيكون الحبّ نوراً يا حبيبتي، وأنت النور الذي أحلق به، أستمِدّ الخيال منه، وأحلُم من خلاله، أسافر به على مهلٍ من عالم لا واقعيٍّ إلى آخر أكثرَ أماناً..

تتّصِلِينَ لتطمئنّي عن حالي، وتسألينني ستينَ سؤالاً، وأنا التي أنسى أن أسالَ كيفَ كانت زيارتُكِ للطبيبِ وكيفَ كانت فُحوصاتُك. أتعرفينَ أنَّ نقاشاتِنا كلَّها تدورُ حولي، وأنسى أن أسالَك كيف كان وقْعُ يومِك، وكيف كان صباحك، وأنشغل بأحلامي وأيامي.

أمي وفي لفظةِ اسمِك لحنٌ يكادُ يخطَفُ أنفاسي.. سلامٌ لقلبِكِ الذي يحمل السلام، سلامٌ لفرحٍ لا يشبِهُ شيئاً سواك.

أتعرفينَ يا أمّي أني أذرِفُ كلَّ دموعي في لحظةِ غضبٍ أكونُ فيها تشاجرتُ معك بلا قصد مني، أتعرفينَ أنّك سألتني إن كنت قد تناولت وجبةَ فطوري وأنت لم تكوني قد تناولت حبة دوائك بعد، أتعرفين كم نسجتُ من محبتِك خيوطاً منَ الشمسِ لتَخِيطي فيها وجودي، وأعود من عملي فأجدكِ و قد تفننتِ بنثر رائحة الريحان والعسل، أتعرفينَ أنّكِ سرُّ سعادتي عند نجاحاتي، وسرُّ تماسُكِي في كل إخفاقاتي، أتعرفينَ أنّني إن لم أعرف كيف أختارُ لنفسي، تكونين أنت جميعَ اختياراتي في حيرتي وضياعي.

إعلان

أمي وفي لفظةِ اسمِك لحنٌ يكادُ يخطَفُ أنفاسي.. سلامٌ لقلبِكِ الذي يحمل السلام، سلامٌ لفرحٍ لا يشبِهُ شيئاً سواك، سلامٌ لمقلتَينِ تصنَعانِ بريقاً جميلاً، سلاماً لربيعِ الكونِ وحلاوةِ الروحِ وتمايُلِ اللحنِ سلاماً لكلِّ شيءٍ فيك، سلامٌ لعينَيكِ التي تُنير جبيني وترفِقُ بي في ظِلِّ انتكاساتي وفشلي وتأنيبِ ضميري، سلامٌ لجمالِ قلبِكِ وهو يصفَحُ ويسامِحُ عن غضبي، سلامٌ لعقلِكِ الراقي الذي ينير طريقي، أمّي يا جميلةَ الجميلات يا شمساً أرتقي بها وأجمعُ فيها سماءاتي..

كبُرتُ يا أمي وتعلمتُ أنّ الصمتَ في حَرَمِ الظُلمِ مَهانة، وأنّ الطريقَ إلى القلوبِ صعبٌ، لكن ليسَ لِقلبِكِ أنت، تعلمتُ أنّ ابتسامَتِك تساوي الدنيا وما فيها، وأنّ الحياةَ بك ومعك تساوي كل حياتي، كبُرتُ وتعلمتُ أن أسامحَ من كلِّ قلبي لأنني إن لم أفعل ذلك سأخسر عمري، تعلمتُ أن الحياةَ لا تأتي على طبقٍ منَ الذهب، وأننا لا نعيشُ حياتَينِ هي حياةٌ واحدةٌ، وفرصةٌ أخيرةٌ وأعلمُ أنّ كلَّ من أراه اليومَ ربّما لن أراه غداً..

أتعرفين ما أنت يا أمي؟ أنت شعاعٌ يُلهم مشاعري، يشفق علي، يسعد معي و يحزن لأجلي.. أنت سر أرى فيه كل الكون سلاماً.

تعلمتُ أنّ لا أدَعَ إنساناً غيرك يختارُ لي طريقي، تعلمتُ أن أُحبَّ من كلِّ قلبي، وأفصحُ عن شعوري، تعلمتُ أن لا أخفيَ حبي، ولا أكتمَ مشاعري، تعلمتُ أن أرتقيَ في مسلَكِي، وأن أؤمنَ بقضيَّتي، تعلمتُ أن أعترفَ بضعفي، و أرضى لأن الحياةَ لا ترضي، أن لا أُخفيَ دمعي، ولا أُخفيَ خَوفي، تعلمتُ أن لا بأسَ أن أضعُفَ في إنسانيّتي، وأنّ الحياةَ قصيرةٌ لكي نكرهَ، وأن أُنقِّيَ قلبي مهما عَكَّرَتْهُ دناثِرَ البشر، وأن أحترفَ المحبةَ وألتمِسَ لأخي ألفَ عُذر، تعلمتُ منكِ أنّ الحياةَ بلا حُبٍّ لا تساوي حياة..

أتعرفينَ أني أكتُبُ إليكِ كلَّ حُروفي، كلَّ ممتلكاتيَ الأدبية لكِ وحدَك، وكلّ مضامين الحياة التي تعلمتُ منكِ، أتعرفينَ أنّكِ الشيءُ الوحيدُ الذي يمزج بينَ قلبي، وأذواقي، ووجودي وانتماءاتي، أتعرفينَ أنّكِ الحياةُ في داخلي، وكلُّ مكنونات استثناءاتي، أتعرفينَ أنّي لا أعرِفُ كيف أكون لسواك، يا أميرةً تسكُنُ فؤادي، وتحمِلُ انتصاراتي، وأحلامي واعتقالاتي.. جعلتِني أؤمن بأني أميرة تعيش في مدينة فاضلة نسجها خيالُكِ وصدَّقَها عقلي، جعلتني وردةً تتفتَّحُ أو عصفورةً تُحَلِّقُ برفقٍ بجناحَيها فوق ظلالِ قوسِ قُزَح..

أتعرفين ما أنت؟ أنت شعاعٌ يُلهم مشاعري، يشفق علي، يسعد معي و يحزن لأجلي.. أنت سر أرى فيه كل الكون سلاماً، فسلام لنور عينيك الذي خلق للسلام..

إعلان

إلى كل الأمهات اللهم احفظهن لنا، وارزقنا البر بهن، إلى كل أم مريضة اللهم اشفها، اللهم لا ترينا بهن بأساً يبكينا.. اللهم وأسكن من مات منهن فسيح جناتك وجازهن بالسيئات حسنات وأبدلهن داراً خيراً من الدنيا.. إلى كل أم أكتب كلماتي.. أُحبكِ

إعلان

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان