نهاية الهند

عرض/ مهيوب خضر
من الواضح أن مذبحة كوجرات التي راح ضحيتها قرابة 3000 مسلم على أيدي هندوس متعصبين مدعومين من مسؤولين كبار في حزب بهارتيا جاناتا الحاكم كانت الدافع الأكبر الذي أثار مخاوف الكاتب على بلاده وشجعه على تأليف هذا الكتاب بعد تلك الواقعة التي وصفها "بالهولوكوست", وأكد أنها تمثل مفترق طرق في تاريخ الهند.

undefined-اسم الكتاب: نهاية الهند
-المؤلف: كاشوانت سينغ
-لغة الكتاب: الإنجليزية
-عدد الصفحات: 163
الطبعة: الأولى-2003
-الناشر: دار البطريق – نيودلهي

المؤلف وهو هندي سيخي الديانة, أشار في مقدمة كتابه إلى أن التعصب الهندوسي و"أجندته الفاشية" هو ما سيقود الهند إلى الهاوية، لا سيما وأن الهندوس يمثلون 82% من إجمالي سكان الهند. ويعرج المؤلف على خطر المنظمات الهندوسية المتعصبة مثل RSS التي انبثق عنها حزب بهارتيا جاناتا الحاكم في نيودلهي اليوم, وهي التي قام أتباعها بهدم المسجد البابري عام 1992 بإشراف مباشر من لال كريشنا أدفاني نائب رئيس الوزراء, وترفض المنظمة ومثيلاتها مبادئ وأفكار المهاتما غاندي في المساواة.

مذبحة كوجرات
تناول الكتاب مذبحة كوجرات الشهيرة عام 2002 كدليل بارز وحديث يشير إلى مستوى ما وصل إليه التعصب الهندوسي من عداء تجاه بقية الديانات الأخرى وأتباعها ولا سيما المسلمين, في حين يشير إلى أدلة متعددة توضح طبيعة التخطيط المسبق للمذبحة من قبل أدفاني ومناصريه, ويؤكد زيف حادثة قطار أيوديا التي اتخذ منها الهندوس المتعصبون ذريعة للهجوم على المسلمين في الولاية.

تكرار المذابح ضد المسلمين في كوجرات التي يسكنها 90% من الهندوس و10% من المسلمين -ابتداء من العام 1969 وحتى اليوم- يشير في نظر المؤلف إلى وجود تخطيط مسبق للتخلص من أهل الديانات غير الهندوسية وإجبارهم على الرحيل تحت مطرقة الخوف وجبروت السلطة.

نظرية الدولتين


تعود فكرة إنشاء وطن خاص بكل من الهندوس والمسلمين إلى المتشدد الهندوسي سافاركار الذي يعبر عن عدم رغبة مجموعات هندوسية في التعايش مع المسلمين أو حتى المسيحيين ضمن حدود مشتركة

بين المؤلف في كتابه أن نظرية الدولتين وفكرة إنشاء وطن خاص بكل من الهندوس والمسلمين تعود في أصلها إلى المتشدد الهندوسي سافاركار الذي كان أول من طرحها أيام الاحتلال البريطاني، وكان دافعها عدم رغبة مجموعات هندوسية في التعايش مع المسلمين أو حتى المسيحيين ضمن حدود مشتركة.

ومع اتفاق كل من غاندي ونهرو على إعلان الهند كدولة علمانية, بدأت المعارضة الهندوسية المتشددة تحت قيادة سانغ "تلميذ" سافاركار بالتحرك ضد أفكار غاندي ونهرو وعملت على إحياء مبادئ سافاركار المتشددة ضد أتباع بقية الديانات.

وشكل سانغ كما يقول الكاتب جيشا خاصا يناصر فكره، ودربت عناصره على استخدام جميع أشكال السلاح المتاح في وقتها ضد المسلمين والمسيحيين, وهم من وصفهم المؤلف بالعفاريت الذين أساؤوا إلى مبدأ التسامح الديني الذي قامت عليه أكبر ديمقراطية في العالم, ومنهم اليوم أدفاني الذي يتخذ من هتلر قدوة له.

الثقافة الهندوسية أولا وآخرا
وفي إطار تحقيق سانغ وأتباعه هدف نشر الثقافة الهندوسية لم يقف المسلمون وحدهم في قائمة الاضطهاد وإعادة كتابة التاريخ لتشويه صورتهم أمام الأجيال الناشئة، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى التدخل في ما هو باعتقادهم يخالف الثقافة الهندوسية من فن وموسيقى ومسرحيات وأفلام سينمائية حتى عند الهندوس أنفسهم.

ويقول الكاتب "إنه لمن الحمق والغباء أن نعتقد نحن من غير المسلمين والمسيحيين أننا آمنون في الهند مع سانغ وأتباعه.. فسوف يأتي اليوم الذي يلتفت فيه هؤلاء إلى المتحضرين من الهنود ليحرموا على المرأة لبس التنورة ويعاقبوا من يأكل اللحم ولا يذهب إلى المعبد للصلاة.. حتى استخدام فرشاة الأسنان سيحرمونه علينا". ويختم الكاتب هنا بالقول "لا أحد آمن، يجب أن ندرك هذه الحقيقة إذا ما أردنا أن تبقى الهند على قيد الحياة".

الطائفية بالهند مشكلة قديمة
يشبه الكتاب مشكلة الطائفية في الهند بالأخطبوط الذي ينثر الحبر على فريسته ليشوش حاسة الرؤية عندها ثم ينقض عليها, إلا أن الطائفة الهندوسية في نظر المؤلف لها أذرع أكثر كثيرا مما هو الحال عند الأخطبوط في وقت تستخدم فيه الإشاعات وسيلة لتضليل فريستها والسيطرة عليها.

ورغم تأكيد الكتاب على فكرة الوحدة وأن الجميع هم أبناء الله بغض النظر عن مسميات الرب, إلا أنه أشار إلى أن اختلاف الناس في ثقافاتهم ومعتقداتهم ولغاتهم يسبب نوعا من التوتر الذي سرعان ما يتحول إلى عنف، خصوصا إذا ما دخلت عناصر مثل الأرض والملكية والتجارة بين أصحاب الديانات المختلفة, ومن هنا يقول الكاتب إن جميع أصحاب الديانات في الهند متورطون في دماء بعضهم البعض.

إن سانغ في نظر المؤلف لم يكن من اخترع الطائفية في الهند، إنما هو من قام باستغلالها أبشع استغلال, وهو نفس الدور الذي لعبته أنديرا غاندي ومن بعدها حزب بهارتيا جاناتا.

الاستعمار البريطاني والطائفية


لعب الاستعمار البريطاني على وتر الطائفية لمد جذوره في أعماق الأرض الهندية أطول فترة ممكنة حيث اعتمد سياسة التمييز العنصري على أساس الديانة والعرق مما زاد من حدة الطائفية

يشير كتاب نهاية الهند إلى أن الاستعمار البريطاني في الهند لعب على وتر الطائفية من أجل مد جذوره في أعماق تلك الأرض أطول فترة ممكنة، حيث اعتمد سياسة التمييز العنصري على أساس الديانة والعرق ما زاد من حدة الطائفية وتأثيراتها السلبية على المجتمع.

ومع انتقال الكاتب إلى مرحلة انفصال الهند عن باكستان عام 1947 يروي المعاناة الإنسانية التي شهدها هو بنفسه بسبب الطائفية حيث ولد كاشوانت سينغ في إحدى قرى مدينة لاهور الباكستانية، إلا أنه وجد نفسه بعد إعلان التقسيم شخصا غير مرغوب به لأنه من طائفة السيخ. ورأى في إعلان الهوية الدينية في كل مكان من حوله سببا قويا للهجرة من أرض الوطن الأم إلى وطن الطائفية, حيث وجد كاشوانت نفسه والملايين من أمثاله دون مأوى من كلا الجانبين. ويروي الكاتب كيف بدأت العصابات من هنا وهناك بسفك الدماء باسم الطائفية.

الطائفية على رأس أجندة الأحزاب
ومما زاد من نفوذ الطائفية -ولا سيما منذ مجيء رئيسة الوزراء أنديرا غاندي الهندوسية إلى الحكم- اعتماد الأجندة السياسية لمختلف الأحزاب على الطائفية لحيازة أكبر الأصوات والوصول إلى مقاعد البرلمان, وهو ما دعا الكاتب إلى وصف العلمانية الهندية بأنها غدت مجرد نزوة عابرة. واتهم كاشوانت حزب المؤتمر الذي تنتمي إليه غاندي بأنه بعيد كل البعد عن العلمانية, في ما تساءل: إلى متى ستستمر حالة الخوف التي يشعر بها راكب سيارة أجرة إذا ما كان سائقها من طائفة أخرى.

الحقيقة المرّة
مشكلة المسلمين في الهند لم تكن سياسية يوما ما، بل هي قومية في إطارها العام حيث لم تبذل الحكومات الهندوسية المتعاقبة ما هو كاف لدمج المسلمين في المجتمع الهندوسي. بل على العكس تماما فقد استخدم سانغ وحزب بهارتيا جاناتا كل ما لديهم من سلطة لزجّ المسلمين في مستنقع الأقليات انتقاما من آبائهم الذين غزوا الهند مثل أحمد شاه أبدالي وغوري وغزنوي وغيرهم, ولم يكن المسيحيون أحسن حالا. والنتيجة أن كل طائفة دينية نأت بنفسها عن الطائفة الأخرى، وأصبحت الهند مجمع طوائف مختلفة تعيش في كانتونات منفصلة بعضها عن بعض.

هل هناك حل؟!
مشاكل الهند تزداد يوما بعد يوم مثلما يزداد عدد السكان, ومع تفشي البطالة والفقر وغيرهما من الأمراض الاجتماعية فإن درجة الاحتقان في رأي المؤلف ستبلغ مع مرور الوقت ذروتها، الأمر الذي سيلقي بظلاله السلبية على ارتفاع معدل العنف الطائفي, وتوضح مذبحة كوجرات كيف استثمر الهندوس المتعصبون الظروف الاقتصادية لصب الزيت على النار وتشجيع أتباعهم من الفقراء على نهب محلات ودكاكين المسلمين.

ومع محاولة عصابات الطائفية الهندوسية الراهنة في لمّ شمل 82% من سكان الهند من الهندوس ضد من يسمونهم الأجانب من مسلمين ومسيحيين تحت شعار "العدو المشترك" فإن كاشوانت يؤكد أن قطار انهيار الهند قد بدأ المسير, ولا سيما مع إعلان الهندوس المتعصبين أن أمام غير الهندوس ثلاثة خيارات لا رابع لها: أن يقبلوا بدرجة المواطنة الثانية أو يطاردوا حتى إخراجهم من البلاد أو انتظار مصير الإبادة.

وللقضاء على مظاهر الطائفية من عنف وشغب متكرر في الهند أو على الأقل التخفيف منها، يقترح الكاتب الخطوات التالية:
1- لا بد أن يتعلم الهنود كيف يتعايشون مع مشكلة الطائفية من خلال مناهج تعليمية مناسبة.
2- وقف سوء استغلال الإعلام الرسمي في الدعوة إلى تعزيز روح الطائفية.
3- تعزيز قدرات أجهزة الاستخبارات حتى تصل إلى مستوى منع وقوع الحدث، والقبض على المخططين قبل عملية التنفيذ أيا كانت طائفتهم.
4- إعادة بناء أجهزة الشرطة, بحيث تعين شرطة هندوسية في مناطق المسلمين, وشرطة مسلمة في المناطق الهندوسية لتعزيز الثقة بين الجانبين.
5- تعزيز روح العلمانية التي أسست عليها الهند عام 1947.

وفي حالة عدم تطبيق ما ورد فإن الكاتب يحذر من حكومات على غرار حكومة مودي في كوجرات التي نقلت عددا كبيرا من مسؤولي الشرطة من مواقع عملهم ليس لفشلهم في حماية المعتدى عليهم من المسلمين وردع المتعصبين الهندوس، بل لعدم قيام هؤلاء بتشجيع العنف الدائر، وهو ما يعتبره مودي وأمثاله تقصيرا في خدمة مبادئ الطائفية الهندوسية, وهم الذين يطالبون اليوم علنا بإلغاء كلمة العلمانية من الدستور الهندي.


بدأ قطار انهيار الهند في المسير مع محاولة عصابات الطائفية الهندوسية الراهنة في لمّ شمل السكان الهندوس ضد المسلمين والمسيحيين تحت شعار "العدو المشترك"

معنى العلمانية في الهند
يقسم الكتاب مصطلح العلمانية في الهند إلى مفهومين:
الأول: المفهوم الغربي وهو فصل الدين عن الدولة وهو ما جنح إليه نهرو، وقد أثبتت التجربة الهندية حسب اعتقاد الكاتب أن هذا المفهوم هو الأفضل في حالة دولة مثل الهند ذات ديانات مختلفة. والثاني: إعطاء قدر متساو من التقدير والحقوق لجميع الديانات, وهو ما جنح إليه مهاتما غاندي.

وفي سبيل إعادة ترسيخ مفهوم العلمانية في الهند يوصي الكاتب المسؤولين المنتخبين بعدم زج أنفسهم في دائرة الخلافات الدينية وسلوك منهج نهرو الذي كان يبعد علماء الدين من جميع الأديان عن التدخل في الشؤون السياسية على عكس ما سارت عليه ابنته أنديرا غاندي التي قربت رجال الدين إليها, حيث بدأ عهد الانحراف كما يرى الكاتب الذي اعتبر دخول الدين على جميع الخطوط هو طريق الجنون بعينه في بلد مثل الهند, وأوضح أنه لا أمل إلا إذا أفسح المجال للدستور والقانون لقيادة البلاد والأخذ بزمام الأمور فيها.

الهند بحاجة لديانة جديدة
خلاصة تجربة الكاتب -وهو صحفي ودبلوماسي يبلغ من العمر 90 عاما قضاها في دراسة مقارنة الأديان وتدريسها في الكثير من الجامعات الأميركية والهندية- تقول إن الهند بحاجة إلى ديانة جديدة تخلصها من نهاية تكاد تكون قريبة, وهنا يخوض الكاتب في إطار فلسفي واسع يرمي إلى اعتماد "الحياة السعيدة" كديانة جديدة للشعب الهندي تتطلب العمل الجاد لبناء الحضارة وتقوم على مبدأ "العمل عبادة ولكن العبادة ليست عملا".

ويبدو أن المؤلف يحاول أن يلفت انتباه أبناء بلده إلى عدم إضاعة مزيد من الوقت في العبادات والتركيز على العمل المثمر لمصلحة الهند, ومع اقتناع الكاتب بحاجة كل إنسان إلى الإيمان فإنه يحبذ بقاء الإيمان بالرب أيا كان مسماه في قلب كل إنسان دون الحاجة إلى بناء مزيد من أماكن العبادة التي ظلت عبر التاريخ الهندي "سببا للشجار والعنف" كما هو الحال في قضية المسجد البابري والمعبد الذهبي ومعبد رام وغيرها.

المصدر : غير معروف