المهابهاراتا: ملحمة الهند الكبرى

عرض/ إبراهيم غرايبة
المهابهاراتا هي ملحمة الهند الرئيسية كما الإلياذة والأوديسة عند اليونان، وتحوي تاريخ الهنود وأساطيرهم وحكاياتهم، وتعد لدى الهنود السفر الخامس من أسفار الحكمة، وتعتبر مصدرا غنيا من مصادر التصوف، وقد عنى بها أيضا المسلمون في الهند، فترجمت إلى الأوردية، ونشرت لباحثين مسلمين حولها دراسات كثيرة، وتنسب المهابهاراتا إلى فياسا، وهو شخصية أسطورية تنسب إليه جميع أسفار الحكمة الهندية (الفيدا).


undefined-اسم الكتاب: المهابهاراتا: ملحمة الهند الكبرى
–ترجمة: عبد الإله الملاح
-عدد الصفحات: 383
-الطبعة:الأولى 2002
الناشر: دار ورد، دمشق

وقد أورد ابن المقفع في كتابه كليلة ودمنة المنقول عن آداب الهند وتاريخها بعض قصص المهابهاراتا، ولكنها لم تترجم كاملة إلى العربية في مرحلة الترجمة الواسعة التي قام بها العرب عن الفارسية والهندية، وربما تكون ترجمت وفقدت في حركة ضياع الكتب وتدميرها التي تعرضت لها الثقافة العربية، ولكن أشار إليها البيروني في القرن الخامس الهجري.

وتروى المهابهاراتا على هيئة قصيدة طويلة تبلغ مائة ألف بيت أي ثمانية أضعاف الإلياذة والأوديسة مجتمعتين، وقد جمعت وألفت قبل الميلاد بحوالي ألف وخمسمائة سنة، ولكن جرت عليها إضافات وتعديلات حتى استقرت على وضعها الراهن، وتجمع هذه الملحمة بين العقائد والفلسفات الهندوسية والبوذية والصوفية، وتشبه بعض أخبارها قصص الأنبياء مثل المسيح وزكريا ويحيى، وقصر سليمان العظيم الذي بناه له عفاريت الجن كما هي معروفة في الكتب المقدسة للأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، كما تشبه أساطير اليونان وبخاصة في تعدد الآلهة وتزاوجهم مع البشر وإنجاب أنصاف الآلهة الأقوياء، وفي سطوة الحب وتأثيره على البشر والآلهة.

الحكيم فياسا
ولد الحكيم فياسا مؤسس الحكمة والملك عند الهنود في قصة تشبة ولادة المسيح، فقد كان الحكيم الزاهد برشارا يطوف البلاد قاصدا العتبات المقدسة، فلقي ستيافاني وهي فتاة جميلة وابنة كبير الصيادين في جزيرة تقع في منتصف نهر يامونا، وكانت الفتاة تصلح قارب أبيها، فقال لها الحكيم: هل تقبلي بي لأودعك حبي وشوقي، فخافت الفتاة واستنكرت ما يطلبه منها الحكيم، فهي عذراء في كنف أبيها ولا يليق به أن تقع فيما يوحي به الحكيم، وفرد الحكيم برشارا ذراعيه، فثار ضباب كثيف عظيم لف الحكيم والفتاة معا ثم عاد كل منهما إلى حاله وكأن أمرا لم يقع، وقال الحكيم للفتاة: لا بأس عليك فما زلت عفيفة لم يمسسك سوء.

ولكن ستيافاني حملت وولدت طفلا تكلم من أول لحظة ولد فيها، وقال لأمه إنه سيغادر ويمضي في السهول والغابات والأنهار، وإن احتاجت إليه فما عليها سوى أن تستدعيه بخاطرها فيحضر إليها في الحال، وعرف هذا الفتى باسم دوايبايانا أي ابن الجزيرة، وعرف أيضا باسم فياسا أي جامع الأزهار، ونشأ فياسا على الفضيلة والزهد والحكمة، وجمع الأسفار القديمة.

وكان أبناء فياسا وأحفاده ملوكا وحكماء أسسوا في الهند للعدل والحكمة وحاربوا بشجاعة وبنوا ممالك ودول وأسسوا حضارة الهند العظيمة.

تكون المهابهاراتا
قابل الحكيم فياسا إله الحكمة براهما وقال له: لقد اكتملت لدي قصيدة تعرض ما كان من أمر الماضي وتبسط ما يجري، وترسم ما سوف يكون في المستقبل، وتحكي ما يعصف بالبشرية، وتصف أصول الزهد ورياضة النفس، وتحدد أبعاد النجوم والكواكب والأنهار والجبال والمدن والبحار، وتلخص الحكمة والفلسفة، وتشرح المناسك واللغات وفن الحرب والسلوك والحكم، فهي مستودع للأسرار والمعارف والعلوم، وسجل للأحداث.

قال براهما: إذن فعليك أن تملي القصيدة على غانيشا لأنها بذلك ستخلد للأبد ويردد الناس أبياتها جيلا بعد جيل على مر العصور، وجعل فياسا يحكي وغانيشا يدون بلا توقف حتى إنه عندما نفد القلم قلع نابه وأخذ يواصل الكتابة.

مملكة قوروش
كان قوروش ملكا زاهدا عادلا وكبر في السن ولم ينجب، ثم أنجب وهو شيخ كبير ابنه شنتانو الذي ورث أباه، وكان قوروش قد لقي فتاة جميلة تسري فيها دماء الآلهة، هبطت عليه فجأة وهو يتأمل في الغابة، وجلست على رجله اليمنى وطلبت منه أن يتزوجها، فقال لها: لقد جلست في مكان البنات والكنات فإن شئت تزوجت من ابني، وعندما كبر شنتانو وأخذ يخرج للصيد لقيته الفتاة إياها فأحبها وأراد أن يتزوجها، ولكنها اشترطت عليه ألا يمنعها من عمل تعمله مهما كان، وستكون زوجة صالحة، وولدت له ثمانية أولاد كانت ترمي كل واحد منهم عندما يولد في النهر.

وعندما جاء الابن الثامن رفض شنتانو أن ترميه أمه في النهر وتمسك به، فأطاعت زوجته ولكنها تركته ومعها ابنها كما في شرط زواجهما، فمضت ومعها ابنها الذي سمي غانجادات أي هبة الغانج، وكبر غانجادات في كنف أمه، وتعلم الأسفار وفنون القتال والصيد، ثم أعادته أمه إلى أبيه الملك شنتانو، ففرح به أبوه وجعله وليا للعهد.
ثم لقي الملك شنتانو في تجواله ستيافاني ابنة الصياد التي أنجبت فياسا، فأحبها الملك وخطبها من أبيها كبير الصيادين، فوافق أبوها ولكنه اشترط أن يكون ابنها وليا للعهد، فاستشار الملك ابنه غانجادات، فوافق هذا وأعلن نذرا أنه لن يتزوج أبدا حتى يبقى الملك في عقب أخيه، وسمي منذ ذلك اليوم بهيشما أي صاحب النذر العظيم، ولكن إخوان بهيشما لم ينجبوا أولادا وأصر بهيشما على عدم الزواج فاستدعت ستيافاني ابنها فياسا، واقترحت عليه أن يتزوج من أرملتي إخوانه لينجب وليا للعهد، وأنجب ثلاثة أولاد.

وتوالت الملوك من عقب فياسا ونشأوا في كنف عمهم بهيشما، والتقى بعضهم ببنات الآلهة الجميلات، وجاء يوديشترا من ذرية الدارما إله العدل والشريعة، وأمه كونتي، وجاء ملوك من إله الريح فايو، وآخرون من الملوك المحاربين (الشترايا) وحاربوا الأعداء وبسطوا الملك والعدل والحكمة.

ثم جاءت مرحلة أخرى من النزاع والتنافس بين أبناء العمومة، وحدثت جرائم ومكايد جعلت ستيافاني بناء على نصيحة ابنها فياسا تعتزل في الغابة وتنصرف إلى رياضة النفس واليوغا حتى ماتت.

سيرة الملوك
تعاقب الملوك والذراري من أبناء فياسا وأحفاده، ودب بينهم التنافس والبغضاء، ودبر الملك مكيدة لأبناء أخيه أماندو ليقتلهم جميعا لأنهم أكثر شجاعة وحكمة وأجدر بالملك من أبنائه، ولكنهم نجوا منها دون علمه وهو يحسب أنهم احترقوا، فقد هربوا سرا في الليل متنكرين يقصدون جدهم فياسا.

كان أخوهم بهيما القوي يقودهم ويحميهم ومعهم أمهم كونتي ابنة الآلهة، فلقيهم في الغابة عفريت هائل من الراكشا وأراد أن يلتهمهم ولكن أخت العفريت أحبت بهيما وأنذرتهم، فقتل بهيما العفريت راكشا وتزوج أخته.

وصل الإخوة الخمسة وأمهم كونتى إلى جزيرة جدهم البعيدة، وأخبروه بما جرى لهم من كيد ومؤامرة، فنقلهم إلى مكان آمن بعيد وأقاموا في منزل أحد البراهمة.
وكان أحد العفاريت من الراكشا قد حل في المكان وفرض على الأهالي أن يقدموا له كل يوم عربة من الأرز وعجلين اثنين وواحدا من البشر وجبة يومية له، ولم يكن الأهالي قادرين على الرفض، فتقاسموا الضريبة اليومية بينهم حتى جاء الدور إلى بيت البرهمي، وتنازع أبناؤه يريد كل واحد منهم أن يكون فداء لأهله، ولم يكن أبناء أماندو يعلمون عن القصة شيئا حتى دار الجدل في بين البرهمي، فتطوع بهيما ليقتل الراكشا، وخرج إليه في الغابة وصراعه صراعا مريرا حتى قتله وخلص القرية من شروره، وفرح الناس وشعروا بالامتنان لأبناء أماندو، ولكنهم استغربوا أن يكون هؤلاء الفقراء النساك بهذه القوة فعرفوا أنهم من أبناء الملوك الشترايا المحاربين، وبدأ السر ينتشر بين الناس.

عودة الملك
كان لعظيم الحكماء دروبدا ابنة جميلة حكيمة اسمها دروبدي، وتوسلت لإله الحب شيفا أن يمنحها زوجا، فكانت مشيئة شيفا أن يمنحها خمسة أزواج، وعلم فياسا أن دروبدي تعد لتختار زوجا، وأنها أعدت مسابقة عظيمة بين الملوك لتختار أحدهم.

رحل الإخوة الخمسة عملا بنصيحة جدهم إلى مقر مملكة دروبدا ليشاركوا في الاحتفال والمناسبة، وقد حضر الملوك من كل مكان، وكان الإخوة الخمسة متخفين بمظهر الفقراء وأقاموا في بيت يملكة صانع فخار لا يعلم من أمرهم شيئا.

وفاز أرجونا ابن أماندو على جميع المتنافسين، وحظي بدروبدي، ورجع الإخوة الخمسة إلى أمهم بعد غياب طويل دام أكثر من شهر، وعندما دخلوا البيت نادوا عليها في الخارج وهم يصيحون فرحا: لقد أحضرنا لك هدية، فقالت من الداخل وهي لا تعلم عن الهدية شيئا: تقاسموها بينكم.

احتار الإخوة كيف يطبقون أمر أمهم، وكانوا جميعا يحبون دروبدي، وإن تنازل كل واحد منهم لإخوانه، فاحتكموا إلى فياسا، وقال لهم أن مشيئة الإله شيفا هي أن تتزوج من الخمسة، فتزوجت من الأشقاء الخمسة، وولدت لهم أولادا كثيرين، وصاروا في حماية دروبدا وملوك البلاد وبلغ نبأهم جميع الآفاق.

وكان الإخوة الخمسة قد وضعوا نظاما لاقتسام زوجتهم فتكون زوجة لأحدهم عاما، ويحظر على أي من الإخوة الآخرين أن ينتهك خلوة الزوج مع زوجته، ومن فعل ذلك فإنه يلزم بالتبتل في الغابات والقفار اثني عشر عاما.

ودخل مرة أرجونا مسرعا خطأ على حجرة أخية وزوجته دروبدي ليأخذ القوس ويخرج لمقاتلة الأعداء، فحكم عليه بالخروج إلى الغابات لمدة اثني عشر عاما، وخرج هائما على وجهه يتجول في الغابات، ولقي أدوبي ابنة ملكة الناغي فأحبته وتزوجها وأقاما معا ثلاث سنوات أنجبا فيها ولدا اختير ولي عهد لمملكة الناغي، ثم واصل أرجونا سياحته حتى وصل شاطئ المحيط الجنوبي، ووجد بحيرة يتجنبها الناس لأن فيها خمسة تماسيح جبارة تمنع أحدا من الاقتراب من الماء، فنزل أرجون يستحم في الماء غير آبه للتماسيح، فجاءه أحد التماسيح، ولكن أرجونا تصدى له وجره إلى الشاطئ، فلما وصلا إلى الشاطئ تحول التمساح إلى حورية جميلة.
قالت الفتاة لأرجونا إنها من حوريات جنة اندرا ومن عشيقات إله الثروة كوفيرا، وقد حاولن إغراء أحد البراهمة فقضي عليها وأخواتها الأربعة أن يتحولن إلى تماسيح حتى يأتي رجل كريم المحتد ويخلصهن من اللعنة أو يمكثن مائة عام في البحيرة، فعاد أرجونا إلى البحيرة وجر التماسيح الأربعة الأخرى وتحولن إلى حوريات، ثم مضى في سبيله.

وصل أرجونا إلى مملكة اليادف التي يملكها من أبناء عمومته فاسوديفا ووالد صديقه كريشنا، فأقام في قصر ابن عمه وكانا يمضيان وقتهما في الصيد والسباحة والتأمل في البحيرات والغابات والطبيعة، ثم إنه تعرف على أخت كريشنا سوبهدرا فأحبها وخطفها كما نصحه صديقه كريشنا إلى كهف في الغابة فجاءه الملك والأشراف يفاوضونه على الزواج.

مضت الأعوام الاثنا عشر وأرجونا وصديقه يخوضان الحروب ويوطدان الملك في البلاد فرجع أرجونا مع زوجته سوبهدرا إلى أهله، وبنى كريشنا قصر عظيما فريدا يتوسط بحيرة تطفو على سطحها الزهور ويسبح فيها البط وتحيط بها الأشجار والورود، وزود بالمرمر والكريستال والذهب، كان قصرا عظيما لا يقدر بشر على بنائه، وقد بناه عفريت الراكشا مايا، وذلك بعد حرب عظيمة خاضها أرجونا وكريشنا مع إله النار أغنى حتى امتلأت الأنهار بالعظام واللحوم، ولم يبق في الغابة سوى الأفعى أشفاسينا والطيور الأربعة شارنكا.

وجعل القصر مقرا للملك يوديشترا الأخ الأكبر لأبناء أماندا والذي بدأ يعد العدة بمعونة كريشنا وبهيما وأرجونا ليكون ملك الملوك ويقتضي ذلك أن يحاربهم أو يخضعهم جيمعا ويقيم حفلا خاصا بذلك وتسمى طقوس الراجا سويا، وهي أعظم الطقوس والاحتفالات والقرابين.

وجاء الملوك وحضروا الاحتفال بعد منازلة عظيمة بين بهيما والملك جراسندها الذي كان يعد العدة للاحتفال نفسه، وقد خاض حروبا طويلة وأسر ستة وثمانين ملكا احتجزهم في معبد الإله شيفا وكان ينتظر أن يبلغوا المائة ليعلن الاحتفال، واستطاع بهيما أن يصرع جراسندها بعد أسبوعين من النزال المتواصل، وتجول الملوك في القصر وهم مشدوهون بعظمته وأسراره، يسيرون على الزجاج ويحسبونه جدول ماء حتى يبدو الملك منهم كأنه فلاح غر لم يدخل قصرا من قبل.

أساس الملك
وجاء إلى القصر بانارادا حكيم الآلهة والمتبحر في العلوم والأسفار والمنطق والفلك والمعاهدات والحروب والهندسة، فجلس حوله الملك وإخوانه ليعلمهم.
قال إندرا: الاحتفاظ بالملك أصعب من تأسيسه، وينبغي لكل سلطان الحيلة في التدبير، وحسن الاستعداد لاستباق الخطوب، والذكاء في التعامل مع الأعداء، وقوة الذاكرة، وعمق المعرفة بعلم السياسة والدهاء، والتمسك بالفضيلة، ومن افتقد هذه الصفات زال ملكه بلا ريب.

وأركان السلطان سبعة: قائد الجيش، ورئيس حامية قلعة الملك، وطبيبه، وقاضي القضاة، ومستشار السياسة، ورئيس الشرطة، وكبير المنجمين.

وثبات الملك في معرفة الأعداء، ومصانعة الملوك، وعدم إثارة حقدهم، والحكمة في حمل ذوي السلطان في الجوار على مسالمتك والتحالف معك.

واجتهد في مكافأة أهل العلم والمعرفة، والتمسهم بالكرم والصلات وإن استتروا بالتواضع، وتول جنودك بالرعاية، واحرص على أن تصل منك إلى قادة جيش العدو الصلات والهدايا.

والمال رديف السلطان فاجتهد أن تكون خزائنك مليئة به، وأن تكون ثروات البلاد من زراعة وتجارة وصناعة في أيد أمينة وقوية، واعمل على توفير الأمن للنساء ولكن لا تأتمنهن على أسرار الدولة.

ولا تقع في مثالب الملوك الأربعة عشر، الإقبال على الملذات، والإلحاد، والغضب، والحمق، والتسويف، والخمول، وتغليب رأي المنافقين على المستشارين الراسخين في العلم، والتراجع عن قرار محسوم، والخوض في أسرار الدولة، وتبديد الأموال، وتغليب النزوات على العقول.

المصدر : غير معروف