العدوان على غزة.. نتنياهو يستنجد بالدبلوماسيين الأجانب بحثا عن صورة انتصار

نتنياهو خلال اجتماعه بعشرات السفراء والدبلوماسيين الأجانب في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب (الفرنسية)

حمل اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -اليوم الأربعاء- مع أكثر من 70 سفيرا ودبلوماسيا أجنبيا في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب، في اليوم العاشر للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في طياته رسائل متعددة داخلية وأخرى خارجية، أظهرت توجه نتنياهو لمواصلة العمليات العسكرية.

بدا ظهور نتنياهو في مقر وزارة الدفاع محاطا بلفيف من الدبلوماسيين في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال حملته على غزة، من أجل تحصين الجبهة الداخلية وعدم تأليب الرأي العام الإسرائيلي لغياب الحسم، وأيضا لتحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي وتسويق أنها "ضحية" صواريخ المقاومة التي تطلق من غزة، في مؤشر على أن نتنياهو -ورغم الضغوط الأممية- يرفض التهدئة ووقف إطلاق النار.

ومع اقتراب النهاية المحتملة لعملية "حارس الأسوار" (التسمية الإسرائيلية للمعركة) في قطاع غزة دون حسم ودون حتى التوصل لتفاهمات للتهدئة، وفقا للمحللين، يقر الجيش الإسرائيلي بجهود حماس المتزايدة لتسجيل إنجازات في الوعي الفلسطيني، حيث إن مثل هذه الإنجازات لحماس من شأنها أن تؤثر حتى على الوعي الإسرائيلي، وبالتالي وتركز قيادة أركان الجيش على إحباط مثل هذه الإنجازات وتتضاعف الجهود العسكرية لاستهداف واغتيال فرق فصائل المقاومة المشرفة على إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون والقذائف المضادة للدبابات.

ويعكس ظهور نتنياهو في اجتماع الدبلوماسيين الضغوط الأممية التي تمارس على إسرائيل لوقف الحرب، لكن بحسب تقديرات المحللين، فإنه لو كان حجم الضغوط كبيرا لرضخ نتنياهو لها وأوقف حملته العسكرية على غزة.

نتنياهو يشرح للسفراء على خريطة ما يقول إنها مصادر لإطلاق الصواريخ من غزة (الفرنسية)

دحض وتفريغ

وبحسب المحلل السياسي الإسرائيلي عكيفا إلدار، فإن نتنياهو يهدف من وراء الاجتماع بالدبلوماسيين الأجانب إلى توجيه رسالة للداخل الإسرائيلي الذي شكك بصحة أقواله، بأن قواته تمكنت خلال العملية العسكرية الحالية على غزة من إعادة حماس سنوات للوراء وتفكيك قدرتها الصاروخية.

وأوضح المحلل السياسي -في حديثه للجزيرة نت- أن نتنياهو وظّف القضية الفلسطينية وقطاع غزة على وجه الخصوص لأهداف سياسية داخلية تضمن له البقاء في الحكم، وعلى هذا الأساس يواصل عدوانه على غزة وسط المأزق السياسي الذي يعصف بإسرائيل، بغية ترحيل تشكيل حكومة بديلة وإفشال رئيس "هناك مستقبل" يائير لبيد من تشكيل هذه الحكومة.

واعتبر أن الرهان يتركز على سيناريو جرّ إسرائيل لانتخابات خامسة، في حال تمكن نتنياهو من الترويج لصورة انتصار حتى إن كان ضبابيا.

ولفت إلدار إلى أن  نتنياهو أمام الأجانب يحرص دائما على استخدام الصراع مع الفلسطينيين على مرّ السنين للترويج لرؤية كاذبة مفادها أن اليهود على استعداد لإنهاء النزاع على الفور سلميا، لكنهم يواجهون عدوا قاسيا مصمما على تدميرهم ورفض أي حل وسط.

إلدار يرى أن نتنياهو يهدف من اجتماعه بالدبلوماسيين الأجانب إلى توجيه رسالة للداخل الإسرائيلي (الجزيرة نت)

المطرقة والسندان

بدوره، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن اللقاء بالسفراء الأجانب يُظهر أن نتنياهو بين مطرقة الضغوط الدولية ممثلة بأوروبا وأميركا بالأساس، وبين سندان هذه المعركة على غزة والتي يخوضها لأهداف وأجندة شخصية تتعلق بالمأزق السياسي الذي تعيشه إسرائيل وفشل تشكيل حكومة.

واستعرض شلحت في حديثه للجزيرة نت الأهداف التي يريد نتنياهو تحقيقها من خلال الاجتماع بالدبلوماسيين الأجانب، والتي تتمحور حول تحصين الرأي العام الإسرائيلي وترسيخ الوعي بمقولة إنه "حقق انتصارا"، وأيضا من أجل إظهار أنه ما زال يحافظ على المظلة الدولية لمواصلة العمليات العسكرية، حتى يحقق نصرا أو ما يسمى صورة انتصار ما زالت غائبة عن ساحة الحرب.

ويعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أن صورة الانتصار المزعومة التي يبحث عنها نتنياهو تكمن في تنفيذ عمليات عسكرية نوعية، تتلخص في اغتيال عدد من قادة حماس وفصائل المقاومة، خصوصا أن المستوى السياسي الإسرائيلي ألمح -بالتزامن مع المساعي الأممية والإقليمية لوقف إطلاق النار- إلى أن قيادات سياسية من حماس والجهاد الإسلامي تتواجد ضمن بنك الأهداف.

وعليه -يقول شلحت- إذا لم يتمكن نتنياهو من تحقيق صورة انتصار مقنعة للإسرائيليين، فسيكون بوضع داخلي حرج وصعب، وسيعمق من أزماته، لأن له أجندة وأهدافا شخصية تتلخص في تجنب محاكمته بتهم فساد، والبقاء رئيسا للحكومة، مشيرا إلى أن نتنياهو يدأب خلال الحرب على الظهور يوميا في الإعلام مخاطبا الرأي العام الإسرائيلي لضمان دعمه.

الباحث بالشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت: هناك كتلة يمينية متجذرة تهيمن وتسيطر على المشهد السياسي الحزبي الإسرائيلي
شلحت: إذا لم يتمكن نتنياهو من تحقيق صورة انتصار مقنعة للإسرائيليين فسيكون في وضع داخلي حرج (الجزيرة نت)

أهداف ومكاسب

وفي قراءة لمحاولة نتنياهو -خلال اجتماعه بالدبلوماسيين الأجانب- استدرار عطف الغرب، استبعد شلحت أن يؤثر ذلك "على الدبلوماسيين الغربيين الذين اكتوت بلدانهم وعواصمهم بنيران الحروب والقصف إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهم يعون جيدا أن المقارنة غير دقيقة، إذ لا يمكن مقارنة ما تتعرض له غزة من قصف وتدمير بأسلحة إسرائيل العاتية، بالقذائف الصاروخية على البلدات الإسرائيلية ومستوطنات غلاف غزة.

وبشأن السؤال عما إذا كانت إسرائيل قد ظهرت قوية ومصممة أم ضعيفة وتستجدي العطف، يقول شلحت إن "ما يجري من عدوان على غزة هو تدمير عشوائي، فبنك الأهداف بهذه الحرب ما هو إلا كذبة، حتى بعض الإسرائيليين يعون ذلك، فما يجري الآن ليس تنفيذا لبنك أهداف متواجد في أدراج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وإنما هو عقاب جماعي لأهالي غزة".

وعليه، يعتقد شلحت أن نتنياهو وإن بدا قويا أمام الدبلوماسيين الأجانب، فإن كون إسرائيل قوية أو ضعيفة خلال حملتها العسكرية على غزة، أمر لا يمكن البت به إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها.

المصدر : الجزيرة