الفوز بالمونديال أهم من تخفيض معدلات الفقر والتضخم.. تألق ميسي ورفاقة أنسى شعب الأرجنتين أزماته

قد يكون الاقتصاد الأرجنتيني في طور الغرق إلا أن البلاد بأسرها تنبض بالحيوية، وتحتفل بمنتخبها الذي قاده النجم ليونيل ميسي إلى نهائي كأس العالم 2022.

ويبدو أن حلم فوز الأرجنتين بلقبها العالمي الثالث في تاريخها -والأول بعد مرور 36 عامًا على آخر إنجازاتها الكروية المونديالية- أنسى الأرجنتينيين -على الأقل في الوقت الراهن- مشكلاتهم وأزماتهم؛ فرمزية الرقم ثلاثة تبدو اليوم كبيرة جدًا، ليس بسبب سعي ميسي ورفاقه لإضافة نجمة ثالثة على قميص المنتخب للدلالة على الفوز بكأس العالم ثلاث مرات فقط؛ بل لأن هذه الإنجازات الرياضية تستمد مكانتها من أنها تأتي في توقيت تشهد فيه البلاد ارتفاع ظاهرة التضخم، الذي ألحق أضرارًا كبرى بالقطاع الاقتصادي.

وحقّق منتخب الأرجنتين بقيادة نجمه الأسطوري ليونيل ميسي -الثلاثاء الماضي- فوزًا صريحًا على كرواتيا (3- صفر) ليبلغ المباراة النهائية للمونديال للمرة السادسة في تاريخه، والثانية في آخر 3 نسخ من البطولة.

وتشير التقارير العديدة إلى أن نسبة التضخم في البلاد ستناهز 100% بنهاية العام 2022، ونشر المعهد الوطني الأرجنتيني للإحصاء والتعداد مؤشر الأسعار لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي بيّن ارتفاعًا بنحو 6%، بما يشير إلى أن التضخم الذي بلغت نسبته باحتساب الأشهر الاثني عشر الأخيرة 88%، لا يشهد تباطؤًا بل يمضي في نسق مرتفع قبل أسبوعين من نهاية العام الحالي.

نسب فقر مرتفعة

وتشهد معدّلات التضخم في الأرجنتين ارتفاعًا مستمرًا، إذ أنها تتخطى 10% منذ عقود، لكن تلك الأزمة الاقتصادية لم تمنع الكثير من الأرجنتينيين من أن يشعروا بأن ما ينجزه ميسي ورفاقه في كأس العالم يمكن أن يخفّف من وطأة مآسي الملايين، في بلاد يعاني أكثر من 40% من سكانها من الفقر.

وقبل انطلاق منافسات كأس العالم في قطر، أجابت وزيرة العمل الأرجنتينية كيلي أولموس عن سؤال عمّا إذا كان تخفيض معدّل التضخم أكثر أهمية من الفوز بكأس العالم بالقول "علينا أن نعمل باستمرار لمكافحة التضخم، لكن شهرًا واحدًا لن يحدث فارقًا كبيرًا".

وتابعت أولموس "من جهة ثانية، ومن وجهة نظر أخلاقية، ونظرًا لما يعنيه الأمر للأرجنتينيين، نريد أن تُتوّج الأرجنتين بطلة، يستحق الشعب الأرجنتيني بعض الفرح"، وكما كان متوقّعًا، تسبّبت تصريحات الوزيرة في سيل من الانتقادات.

واستذكرت وزيرة العدل أولموس إحراز الأرجنتين أول كأس للعالم في عام 1978 حين كان النظام الدكتاتوري العسكري يحكم البلاد، وقالت "كنا تحت الحكم الدكتاتوري ومضطهدين، ولم نكن نعرف ما يخفيه الغد، لكن الأرجنتين أحرزت اللقب فخرجنا للاحتفال في الشوارع، ثم عدنا بعد ذلك إلى الواقع الذي كان مريرًا".

الأرجنتينيون يعيشون أوضاعًا اجتماعية واقتصادية صعبة إذ يبلغ متوسط الأجر في البلاد 390 دولارًا (رويترز).

 

لكن على الرغم من الأوضاع الصعبة، يتحلّق الأرجنتينيون حول شاشات التلفزيون بأعداد كبيرة لمشاهدة مباريات منتخبهم، سواء في الحانات أو المنازل أو حتى في "منطقة المشجعين" في بوينس آيرس، وأغلبهم غير قادرين على تحمّل تكلفة شراء تذكرة سفر إلى قطر، إذ يبلغ متوسط الأجر في الأرجنتين 66 ألفًا و500 بيزوس (390 دولارًا).

وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية عقب فوز الأرجنتين على هولندا في ربع نهائي كأس العالم، قالت لوكريسيا بريديغر، وهي عاملة في مستشفى تبلغ 38 عامًا إن "الناس مدركون تمامًا للمشكلات"، لكن مساري كرة القدم والأوضاع الاقتصادية "متوازيان ولا يتلقيان".

وتابعت "كثيرون بحاجة إلى هذه الفرحة، وهم يحتفلون إلى أقصى حد، لكنّهم يدركون أنها كرة القدم ليس إلا، ويدركون تمامًا المشكلات التي تحيط بهم، لا تعتقدوا أنهم أغبياء".

فرحة مرحلية ومؤقتة

من جهته يرى المصمّم توني مولفيسي أن انتصار الأرجنتين سيكون مصدر "ارتياح ومتنفسًا وفرحة ولو مؤقتة، ونحن نستحق ذلك".

وعلى الرغم من الشغف الكبير بها، تبقى كرة القدم مجرد لعبة، برأي الكاتب أرييل شير، وهو محاضر جامعي وخبير بكرة القدم. وقال شير إن "كرة القدم تمنح الفرحة للأفراد والجماعة، لكنها فرحة مرحلية ولا تزيل المشكلات الأخرى".

وتابع "الأمر أشبه بنجاح الولد في امتحان: نكون سعداء، لكن هذا الأمر لا يسدد الفواتير"، وشدّد شير على أن قوة كرة القدم تكمن في أنها "قادرة على منحنا سعادة مرحلية وأبدية في آن".

نجم الأرجنتين الأول ليونيل ميسي يحظى بثقة غالبية الشعب الأرجنتيني (رويترز)

وفي استطلاع أجري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي رأى أكثر من 75% من الأرجنتينيين أن فوز المنتخب الأرجنتيني بكأس العالم يمكن أن يرفع معنويات الشعب، في حين ذهب نحو 32% من المستطلَعين إلى أن نتائج المنتخب في مونديال قطر 2022 ستؤثر في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستُجرى بعد عشرة أشهر.

لكن خبير العلوم السياسية راوول أراغون يسخر من هذا الطرح، ويرى أنه "بغض الطرف عمّا سيحصل في المباراة النهائية الأحد المقبل (بين الأرجنتين وفرنسا)، سيعود المزاج المجتمعي إلى ما كان عليه، ولا يمكن لأي قوة سياسية أن تستغل انتصارًا كرويًا".

وتُوّج منتخب الأرجنتين بلقب كأس العالم لكرة القدم في مناسبتين؛ وذلك في 1978 عندما استضاف النهائيات و1986 في المكسيك، كما بلغ النهائي في ثلاث مناسبات: وذلك سنوات 1930 و1990 و2014 بجانب نهائي النسخة الحالية قطر 2022 التي سيتنافس على لقبها مع منتخب فرنسا يوم الأحد القادم، في ملعب لوسيل.

المصدر : وكالات