رؤية البوليساريو للنزاع

undefined

بقلم/ محمد الأمين نفعي *

جبهة البوليساريو هي الطرف الثاني في النزاع حول الصحراء الغربية. فهي تسعى منذ قرابة ثلاثة عقود إلى تقرير الصحراويين لمصيرهم وإلى قيام دولة مستقلة عن المغرب. وقد تطور صراعها مع المغرب من الحرب إلى وقف إطلاق النار ثم إلى مفاوضات برعاية الأمم المتحدة.

من الحرب إلى وقف إطلاق النار
المراهنة على الاستفتاء
البحث عن حل آخر غير الاستفتاء

موقف البوليساريو

تم الإعلان في 10 مايو/أيار 1973 عن تكوين ما يعرف بالبوليساريو أو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. ثم أعلن في 26 فبراير/شباط 1976 عن إنشاء الجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية التي ظل مقرها تيندوف بجنوب الجزائر. وقد ظلت البوليساريو تدافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله، في حين ظلت المملكة المغربية تعلن أن الصحراء جزء لا يتجزأ من ترابها. ولكل من الطرفين وجهة هو موليها.

من الحرب إلى وقف إطلاق النار

لابد في البداية من التوقف –ولو سريعا-مع إشارة توضيحية تقودنا إلى معرفة السبب الذي دفع جبهة البوليساريو (وهي اختصار للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى اختيار أسلوب الحرب ضد الغزو العسكري المغربي للصحراء الغربية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1975. بكل بساطة لم تجد الجبهة بدا من مواصلة الكفاح المسلح الذي اعتمدته مع المستعمر الإسباني مدة سنتين ونصف تقريبا.


استمرت الحرب في الصحراء الغربية أزيد من 16 عاما بين المغرب وجبهة البوليساريو

فعلى مدى ما يزيد على 16 عاما دارت حرب شرسة شملت كل الصحراء الغربية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب علاوة على مناطق شاسعة من الجنوب المغربي، ورغم لجوء الجيش المغربي مع مطلع الثمانينيات إلى إقامة الأحزمة الدفاعية الحصينة المدعمة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام والحيطان الرملية، فإن ذلك لم يحل دون اختراق مقاتلي جبهة البوليساريو لها وإلحاق الخسائر الفادحة بالقوات المغربية المتخندقة.
لقد أوردت هذه التوطئة القصيرة بهدف إعطاء فكرة لقراء موقع الجزيرة نت من إخواننا العرب الذين لا يعرفون عن النزاع الصحراوي المغربي الشيء الكثير مع احترامي وتقديري للمطلعين منهم.
كما لا بد من الإشارة أيضا إلى أن قضية الصحراء الغربية مدرجة منذ منتصف الستينيات في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار يجب أن تجد حلا، بتطبيق مبدأ تقرير المصير ليتمكن الشعب الصحراوي من تقرير مستقبله بكل حرية.

المراهنة على الاستفتاء

وبعد نزاع مسلح دام أكثر من 16 سنة قبل الطرفان المتنازعان (جبهة البوليساريو والمغرب) مخطط سلام لتسوية النزاع تم إعداده عام 1990 من طرف منظمتي الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية سابقا، يهدف إلى تنظيم استفتاء بالصحراء الغربية يكون حرا وعادلا يختار من خلاله الشعب الصحراوي بين أمرين:

  1. الاستقلال
  2. الانضمام إلي المملكة المغربية

ومن أجل هذه الغاية قرر مجلس الأمن الدولي إيفاد بعثة تحت اسم بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء بالصحراء الغربية (مينورسو).
ودخل وقف إطلاق النار الذي هو جزء من مخطط السلام حيز التنفيذ يوم 6 سبتمبر/أيلول 1991، على أساس تنظيم الاستفتاء في فبراير/شباط عام 1992. غير أن مقاطعة المغرب لمخطط السلام لفرضه على الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1991 تغييرا يخص مسألة الناخبين توخيا لمسائل تكون لصالحه تسبب في حصول تأخير الاستفتاء لعدة سنوات.
وفي شهر سبتمبر/أيلول عام 1997 وبفضل مساعي جيمس بيكر الممثل الشخصي للأمين العام، تمكن الطرفان من توقيع اتفاقات هيوستن التي شكلت إنجازا كبيرا سهل الطريق أكثر لمسلسل السلام الأممي الأفريقي. وقد اعتبر الأمين العام في الفقرة 26 من تقريره (S/1997/742) أن هذه الاتفاقات والإرادة الحسنة وروح التعاون المبينة من شأنها أن تساهم في حل المشكلات الخلافية الرئيسة بشكل مرض.
وفي الفقرة 27 من ذات التقرير ذهب الأمين العام إلى أبعد من ذلك موضحا أن الإنجازات المحققة تخلق الظروف الضرورية للمضي قدما نحو التطبيق الكامل لمخطط التسوية، بما في ذلك الشروع من جديد في عملية تحديد هوية الناخبين.
وكما هو معلوم فإن بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية شرعت فعلا في العملية المذكورة مع بداية 1998 لتنتهي خلال شهر فبراير/شباط عام 2000 بنشر اللائحة المؤقتة للمصوتين. وهذا التقدم الهام من جانب الأمم المتحدة بعد ست سنوات من الجهود المضنية علاوة على الأموال المصروفة ساهم في حل المعضلة الرئيسية التي هي بمثابة حجر عثرة أمام الاستفتاء منذ 1991، ولم يبق حينها إلا الشروع في تطبيق مراحل مخطط التسوية باتباع اتفاقات هيوستن التفصيلية والتوجه في خريف 2000 إلى الاستفتاء الموعود.
وبعد ما حصل بـ "تيمور الشرقية" فإن الأمم المتحدة وقفت على انتصار جديد ينعكس على المغرب العربي وأفريقيا والقارة الأوروبية، وهو على جانب كبير من الأهمية. بيد أن المملكة المغربية عمدت إلى وضع العقبات والعراقيل في وجه المخطط الأممي، فقدمت 130 ألف طعن في محاولة منها تفنيد ودحض قائمة المصوتين التي تم نشرها في فبراير من قبل بعثة مينورسو. وبعدما تبين للمغرب أن استفتاء تقرير المصير سيقود إلى استقلال الصحراء الغربية قرر عرقلة السير باتجاه مخطط السلام واتفاقيات هيوستن إلى يومنا هذا، وقد شجعه على اتخاذ هذا القرار الخطير شعوره بأن طبيعة بنية الأمم المتحدة تمكنه من ذلك.

البحث عن حل آخر غير الاستفتاء

ومنذ شهر فبراير/شباط 2000 وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة تعكس تشاؤما واضحا يوحي بالميول إلى الحكم بالفشل على مخطط التسوية واستبداله بمسعى آخر أكدت الوقائع اللاحقة أنه يتوخى إشفاء غليل المطامع الترابية المغربية، في حين أن اتفاقيات هيوستن التي امتدحها الأمين العام أصبحت في خبر كان وكأنها لم توجد أصلا.

الحل السياسي أو الاتفاق الإطار
وانطلاقا من هذا التصور فإن ما حدث في برلين سبتمبر/أيلول 2000 لم يكن مفاجئا. ففي العاصمة الألمانية اجتمع الطرفان مع جيمس بيكر، وفي خضم اللقاء وضع المغرب نقطة نهاية لتعاونه بخصوص تطبيق مخطط السلام بشكل لا غبار عليه معلنا في الفقرة 15 و28 من التقرير (S/2002/1029) بأنه على استعداد فقط لقبول "حل سياسي" يمكنه من بسط سيطرته على الصحراء الغربية. ومن خلال تقريره الأخير الصادر في فبراير/شباط 2000 اعترف كل من الأمين العام وممثله الشخصي في الفقرة 48 بأن المغرب ليس على استعداد للمضي قدما في تطبيق مخطط التسوية.
إن تطور الأحداث منذ الدورة الماضية للجنة الخاصة يشير إلى محاولة الخروج عن مخطط السلام الأممي الأفريقي لفائدة مصالح الطرف الذي يحتل.
وفي مطلع شهر مايو/أيار 2001 استقبلت جبهة البوليساريو المبعوث الخاص للأمين العام وهو يحمل معه بعض المقترحات المغربية، وبحكم محتوياتها ومراميها فإنها غير مقبولة على الإطلاق من جانب الطرف الصحراوي.
وهذه المقترحات التي وردت في التقرير الصادر بتاريخ 20 يونيو/حزيران 2001 (S/2001/613) تحت اسم مشروع اتفاق الإطار، تدعو بالأساس إلى اعتماد الحل الآتي:
بعد مرور 5 سنوات تعود سيادة الإقليم إلى القوة المستعمرة، يتم اللجوء إلى تنظيم استفتاء في طابع غريب بشأن الوضع النهائي للإقليم، بإمكان أي مواطن مغربي أن يشارك فيه، على أن يكون قد مكث في الصحراء عاما قبل حدوث هذا الاستفتاء.
ويدعو اتفاق الإطار من خلال تصفح فقرته 5 إلى ما يأتي "لكي يكون مؤهلا للتصويت خلال الاستفتاء ينبغي على المصوت أن يكون قد مكث طوال السنة التي سبقت الاستفتاء بالصحراء الغربية"، والفقرة الخامسة هاته لا تدعو سوى إلى تثبيت المطمح الذي عبر عنه المغرب أثناء لقاء برلين سالف الذكر.


ترفض جبهة البوليساريو اتفاق الإطار مع المغرب الذي تم برعاية الأمم المتحدة وترى فيه تكريسا للسيادة المغربية على الصحراء”

رفض البوليساريو للاتفاق الإطار
هذا إذن هو محتوى ما يسمى بالاتفاق الإطار الذي ينشده المغرب اليوم، وليس من الصعب معرفة مصدر الفكرة. إنه مقترح مغربي ينطوي على تصور للوصول إلى "استفتاء تأكيدي" للاحتلال، وقد اتبع هذا المسلك مع البدء في محاولة تطبيق مخطط التسوية الأممي الأفريقي، وهنا تفرض هذه العوامل الرئيسية نفسها كأدلة قاطعة:

  1. من وجهة نظر الشرعية الدولية فإن ما يسمى بالاتفاق الإطار لا مجال له ولا محل له من الإعراب، على اعتبار أنه ينتزع من الشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير والنظر إليه وكأنه جماهير شعبية تابعة لقوات الاحتلال، ويتجاوز ويدوس بشكل صارخ مبدأ أساسيا يتضمنه ميثاق الأمم المتحدة ألا وهو تصفية الاستعمار.
  2. من وجهة النظر السياسية فإن اتفاق الإطار -بعكس مخطط التسوية- لم يحظ بقبول الطرفين بل فقط من جانب المغرب لحاجة في نفس يعقوب، ولذلك فقد قبله. ومن هنا فإنه مقترح أحادي الجانب.
  3. لقد درس مجلس الأمن الدولي في يونيو/حزيران 2001 ومؤخرا في إبريل/نيسان الماضي في ضوء الإلحاح المنتظر لبعض أعضائه مشروع اتفاق الإطار. وفي المناسبتين لم يمنح المجلس رضاه لذلك المقترح الخارج عن الصواب، يضاف إلى ذلك أن الدورة الأخيرة للجمعية العامة عاملته بالمثل رغم مساعي الوفد المغربي.

وانطلاقا مما سبق ذكره، وفي غياب عامل الشرعية وعدم موافقة الأطراف وعدم حيازة التقبل العالمي، فإن ذلك المسعى ليس فقط غير مقبول بل هو مرفوض وبخصوص الأدلة المتقدمة بشكل مباشر أو غير مباشر لإضفاء الشرعية على ما يسمى باتفاق الإطار كبديل لمخطط السلام، يمكن ذكر ما يأتي:

  • الدليل الأول يرتكز على إقحام 130 ألف طعن من طرف القوات المحتلة لعرقلة مسار الاستفتاء وإطالة الوقت توخيا لعدم حدوث هذا الأخير قبل حلول عام 2002.
  • الدليل الثاني يتمثل في اعتبار استفتاء تقرير المصير الذي ينص عليه مخطط التسوية يسمح للطرف الفائز بالاستحواذ على كل شيء، وهذا الدليل يهدف إلى إلغاء خيار تقرير المصير وإبداله بمنطق حسابات الربح والخسارة الذي لا يجوز أن يكون له حضور في قضية مصيرية يرتبط بها حق شعب بكامله في الوجود.
    إن أي استفتاء أو اختيار ديمقراطي هما بغرض أن يقوم الشعب باختيار أحد الاختيارات المطروحة بكل حرية. وفي هذا المقام، فإن الأمر يتعلق بالشعب الصحراوي الذي يجب أن يختار بين الاستقلال أو الانضمام إلى القوة المستعمرة. والأكيد أن الشعب الصحراوي هو الظافر في كل الأحوال.
    كلما لجأ المغرب والمدافعون القليلون عما يسمى باتفاق الإطار إلى تقديم الحجج في ضوء تنظيم الاستفتاء ضمن مخطط التسوية، غابت الميكانزمات الممكنة لحمل الأطراف على الاحترام والتقيد بنتائج الاستفتاء، وهذا الأمر يجب عدم اعتباره عقبة كأداء. فتطبيق مخطط التسوية بيد مجلس الأمن الدولي وهو القادر على إيجاد الميكانزمات الضرورية باللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق لضمان انصياع الطرفين لنتائج الاستفتاء.

موقف البوليساريو

رفض اتفاق الإطار
وانطلاقا مما تقدم فإنه من البديهي أن مشروع اتفاق الإطار يهدف إلى محاولة غير مبررة بدفع مسلسل تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية باتجاه مفترق يتصادم مباشرة مع رسالة الأمم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار، ولهذا السبب وغيره من الأسباب الأخرى فإن جبهة البوليساريو لا يمكنها إلا أن تضع مشروع اتفاق الإطار في سلة المهملات.

خيارات الأمم المتحدة
وخلال شهر فبراير/شباط من العام الحالي قدم كل من الأمين العام وممثله الشخصي أربعة خيارات إلى مجلس الأمن هي:

  • تطبيق مخطط السلام.
  • مشروع اتفاق الإطار.
  • تقسيم الإقليم.
  • انسحاب الأمم المتحدة في محاولة لإيجاد حل للنزاع.

والخيارات الثلاثة الأخيرة تعني التخلي عن مخطط التسوية، وهذا التوجه يشغل الطرف الصحراوي.
إن نظرة هذا الأخير للنزاع لا تخرج عن كونه مشكلا لتصفية الاستعمار، وهو ما ينسجم مع رؤية المجتمع الدولي بكل منظماته وهيئاته من خلال قراراتها وتوصياتها المتعلقة بالقضية، وبإمكانه أن يجد المخرج المناسب المقبول لتطبيق مخطط السلام نصا وروحا، وذلك بإعطاء فرصة للشعب الصحراوي للتعبير عما يريد: إما الاستقلال أو الانضمام إلى المملكة المغربية. بواسطة تنظيم استفتاء حر وشفاف بإشراف الأمم المتحدة وفي حضور المراقبين المستقلين ووسائل الإعلام.

قضية اللاجئين
أما بشأن قضية اللاجئين والجانب الإنساني فهي قضية تثير الانشغال بالفعل، فإذا ما رجعنا قليلا إلى الوراء إلى أيام ضرب الطائرات المغربية للمدنيين من شيوخ ونساء وأطفال بقنابل النابالم والفوسفور بالمناطق الشمالية الشرقية من الصحراء الغربية مع بداية الاجتياح العسكري في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1975، وما نتج عن ذلك من نزوح ومأساة متعددة الأوجه فإننا ندرك بعد المعاناة على طول مدة زمنية تربو على 27 سنة قضاها ما يقرب من 200 ألف لاجئ صحراوي بمخيمات اللاجئين بالجنوب الغرب الجزائري بالصحاري القاحلة والفيافي التي لا ترحم.
وهذا يجعلنا نستحضر في ذات الوقت معاناة ما بقي من الشعب الصحراوي في المناطق المحتلة حيث حملات الاعتقال والاختفاء والممارسات المنافية للقانون الدولي، بحيث تصر السلطات المغربية على منع المراقبين الدوليين من حقوقيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحفيين من الدخول إلى المناطق المحتلة من الصحراء الغربية للوقوف على ما يجري هناك، ورغم أن جبهة البوليساريو أطلقت سراح ما يربو على 1000 أسير مغربي فإن المملكة المغربية لم تفعل المثل ولم تعلن حتى عن مصير المفقودين الصحراويين.
_______________
* صحفي صحراوي
المصادر:
1 – أول دولة في الصحراء الغربية، محمد فاضل إسماعيل.
2 – الرسالة المفتوحة الموجهة إلى الدورة الـ 53 التابعة للأمم المتحدة في جنيف، مارس/ إبريل ‏2002‏‏م.

المصدر : غير معروف