العرب والمسلمون في أميركا هل سيؤدون دورا سياسيا في المرحلة القادمة؟

ساحة مسجد الجمعية الإسلامية في بوسطن


undefined

بقلم د. أحمد يوسف *

أجريت انتخابات الرئاسة الأميركية في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط توترات حادة وتظاهرات احتجاج غاضبة بسبب السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

انحياز للحزب الجمهوري
وقد عكست مظاهر الغضب موجة استياء قوية ضد الموقف الأميركي المتحيز لإسرائيل، والمدافع عن سياساتها العدوانية بحق الفلسطينيين. ولعل المسيرات الجماهيرية لأبناء الجاليتين العربية والإسلامية في العديد من المدن الأميركية كانت بمثابة رسالة "احتجاج" قوية إلى الإدارة الديمقراطية بأن استمرار هذه السياسة المنحازة بالكلية لإسرائيل -والتي تعكس نفسها في الدعم الهائل لإسرائيل مالياً وعسكرياً وإعلامياً- سيجعل العرب والمسلمين الأميركيين يفكرون في خيارات أخرى لأصواتهم الانتخابية التي انصرفت فعليا في معظمها هذه المرة إلى صناديق الحزب الجمهوري. وكانت الإشارات التي أطلقتها قيادات الجالية العربية والإسلامية توحي بمثل هذا التوجه.

ولعلها المرة الأولى التي تحرك فيها العرب والمسلمون لتوظيف أصواتهم خدمة لقضاياهم العربية والإسلامية والتي يبدو أن السنوات الثمانية الماضية للإدارة الديمقراطية قد تركت انطباعاً لدى الغالبية منهم بأن نجاح الديمقراطيين تحت قيادة "آل غور" -المعروف بتحمسه وزوجته لخدمة إسرائيل والصهيونية- لن يكون في مصلحة قضية فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وهي القضية التي تحظى بتعاطف واهتمام غير عادي للأميركيين من ذوي الأصول العربية والإسلامية. وهذا أدى إلى منح معظم أصواتهم للحزب الجمهوري، ومنح البعض منهم ممن لا تتفق أجندتهم مع الجمهوريين أصواتهم لرالف نادر (الحزب الأخضر) أو لبات بيوكانن (حزب الإصلاح) لكونهما أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، وانتقاداً لسياسات واشنطن الخاضعة لتوجهات اللوبي الإسرائيلي الصهيوني.

لقد حرص جورج بوش الابن على الالتقاء بقيادات العرب والمسلمين الأميركيين، وأشار لبعض شكواهم خلال مناظرته الثانية مع "آل غور"، الأمر الذي اعتبرته هذه القيادات موقفاً إيجابياً ومقدمة للتفاهم. 


حرص بوش الابن
على الالتقاء بقيادات العرب والمسلمين الأميركيين، وأشار إلى بعض شكاواهم خلال مناظرته الثانية مع آل غور، مما اعتبرته هذه القيادات موقفاً إيجابياً

العرب والمسلمون في أميركا.. نبذة تاريخية
هناك القليل من الدراسات التي تشير إلى اكتشاف المسلمين لأميركا قبل كولومبس، فالسجلات تبين أن وصول المسلمين إلى أميركا يعود إلى عام 1717 عندما جلبوا من أفريقيا عن طريق الرق والعبودية بواسطة الشعوب الأوروبية. وتبين الدراسات أنهم كانوا يؤمنون بالله وبالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يأكلون لحم الخنزير، ويتحدثون العربية.

وطبقاً لبعض التقديرات فربما يكون أكثر من خمس من كان يطلق عليهم "العبيد" المجلوبين إلى أميركا من أفريقيا في القرنين الثامن والتاسع عشر هم من المسلمين، وقد ذهب الكثير منهم إلى أميركا الجنوبية. وهؤلاء الذين ذهبوا إلى المستعمرات الأميركية تحول بعضهم إلى النصرانية، وقليل منهم احتفظ ببعض التراث الإسلامي مثل كتابة بعض الآيات من الذاكرة، وذلك ما بقي من تلك الفترة.

هجرة المسلمين إلى أميركا
في نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد في عام 1875 هاجر الكثير من عرب ومسلمي الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة، وجاءت الموجة الأولى من سوريا الكبرى التي قسمت فيما بعد إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، إذ هاجروا على شكل فئات عاملة غير مؤهلة علمياً أو مهنياً باستثناء الأمور الزراعية. وكان مما يحفزهم على الهجرة ما كان يصلهم من أخبار عمن سبقهم من المسيحيين اللبنانيين، وكانوا يتوقعون أن يحدث لهم ازدهار اقتصادي يمكنهم من العودة إلى أوطانهم الأصلية.

ولكن لعدم تمكنهم من اللغة الإنجليزية أصبح بعضهم يعمل كبائع متجول، والباقون اشتغلوا عمالاً في مصانع السيارات والمزارع أو أصحاب بقالات. ونظراً لوجود الرغبة الشديدة لديهم في العمل تحسنت حياتهم الاجتماعية والاقتصادية مما جعل الكثير ممن كان ينوي العودة إلى الوطن يفضل البقاء في أميركا، هذا بالإضافة إلى أنهم شجعوا الآخرين في أوطانهم الأصلية على المغامرة بالقدوم إلى أميركا.

بعد ذلك توقف تدفق المهاجرين بسبب بعض الأحداث التاريخية ليتتابع بعد ذلك على شكل موجات، فبعد الحرب العالمية الأولى جاءت الموجة الرئيسية الأولى، وارتفعت النسبة في الثلاثينات ثم انخفضت مع بداية الحرب العالمية الثانية خلال الفترات الماضية. وكانت قوانين الهجرة تتميز بالتفرقة العنصرية، فقد أعيد بعض المهاجرين من جزيرة "أليس" بوابة المهاجرين إلى أميركا، بالإضافة إلى أنه في كثير من الأحيان كان بعض سكان الشرق الأوسط يجدون صعوبة في الحصول على الجنسية الأميركية.

أما الموجة الثالثة للمهاجرين فكانت في الفترة ما بين 1948 وحتى أواسط الستينات، وذلك بسبب حدوث بعض التغيرات في ظروف الأقطار المسلمة مما جعل البعض يترك بلاده بسبب الاضطهاد السياسي. ويمتاز هؤلاء المهاجرون عمن سبقهم بأنهم من الطبقات المتعلمة تعليماً عالياً ومن الأسر الميسورة، وأكثرهم من الفلسطينيين الذين شردتهم إسرائيل، بالإضافة إلى وجود مهاجرين من أقطار أخرى كالمصريين الذين أمم جمال عبد الناصر أملاكهم، والعراقيين الذين فروا من بلادهم بعد ثورة 1958، والسوريين الذين أبعدوا عن السلطة، ومسلمي أوروبا الشرقية مثل يوغسلافيا وألبانيا والاتحاد السوفياتي الفارين من حكم الشيوعيين.


 المهاجرون العرب والمسلمون منذ 1967 وحتى الآن يتألفون من المتعلمين ومتحدثي اللغة الإنجليزية بطلاقة ويتصفون غالباً بإعجابهم بالحضارة الغربية

مرونة في قوانين الهجرة
تلا ذلك مجيء إدارة الرئيس جونسون التي قدمت الكثير من التغييرات في قوانين الهجرة وجعلت بعض القوانين مرنة طبقاً لسوق العمالة، فتهيأت الأسباب لموجة رابعة من المهاجرين من أقطار مختلفة من الشرق الأوسط وغيره بدأت عام 1967 واستمرت حتى الآن. وتألفت هذه الموجة من متعلمين يتحدثون اللغة الإنجليزية بطلاقة ويتصفون بإعجابهم بالحضارة الغربية.

ولم يهاجر هؤلاء المسلمون إلى أميركا لتحسين أوضاعهم المالية ثم العودة إلى الوطن، بل جاؤوا ليقطنوا في أميركا ويشاركوا في الازدهار الاقتصادي ثم ليحصلوا على التعليم العالي والخبرات التقنية المتقدمة التي تتيح لهم فرص العمل الكثيرة، بالإضافة إلى أن هناك الكثير ممن جاء باحثاً عن الحرية وهارباً من الاضطهاد في بلاده لأسباب عقائدية. وقد حاول المهاجرون -المسلمون بخاصة- أن يؤقلموا ممارساتهم لشعائرهم الدينية مع متطلبات المجتمع الأميركي وبطرق مختلفة، وقد حققوا الكثير من النجاح في ذلك.

وقد سكن هؤلاء المهاجرون الأوائل مع غيرهم من المسلمين وخاصة ممن يحملون خلفية عرقية مشابهة، ثم انشغلوا بأساسيات الحياة الاقتصادية، ولكن بعضهم كان له حرص على إقامة أنشطة إسلامية بجهده الفردي. وبدأ النشاط الإسلامي بين الجاليات، ثم تجمع الناشطون ليوحدوا جهودهم ويطوروا عملهم ليتمكنوا من تطوير البرامج الإسلامية لتصل إلى المستوى المطلوب للجالية.

محاولات التأقلم
لم تجد الجالية العربية المسيحية صعوبات كبيرة في الاندماج في المجتمع الأميركي، لذلك وجد أبناؤها فرصاً أكبر للعمل في المؤسسات الحكومية، ووصل بعضهم إلى مناصب سياسية متقدمة في بعض الولايات التي تحظى بوجود عربي ضخم فيها مثل متشيغان وإلينوي، كما أن هناك أربعة أعضاء كونغرس من أصول عربية مسيحية.

ويمكن القول بأن الاهتمامات السياسية لدى المسلمين أخذت تتنامى، فبدأ المسلمون في طرح موضوع المشاركة عبر مؤسسات أخذت تتعاطى العمل السياسي وتعمل على تعبئة الجالية المسلمة وحثها على التسجيل للانتخابات والتصويت فيها أمثال المجلس الإسلامي الأمريكي (AMC)، والتحالف الإسلامي الأميركي (AMA) باعتبار أنه مصلحة عامة للمسلمين. وصدرت أوراق فقهية في ذلك للشيخ الدكتور أحمد الكوفحي والشيخ طه جابر العلواني وغيرهما.

ويمكن ملاحظة التردد الذي كانت عليه اجتهادات الجالية في السابق من خلال الرجوع إلى بعض الوقائع والحقائق التاريخية للجدل الإسلامي حول مسألة مشاركة الجالية في دعم المرشحين لانتخابات الرئاسة والكونغرس، ومدى جواز القيام باستضافتهم لجمع تبرعات لحملاتهم الانتخابية أو دفع الناشطين من أبناء الجالية للعمل معهم.

المخاض الصعب
عندما بدأت حملة الانتخابات الأميركية عام 1992 واشتد التنافس بين جورج بوش وبيل كلينتون على الرئاسة، لفت نظري -في ذلك الوقت- عدم تفاعل الجالية العربية والإسلامية مع الانتخابات بشكل عام. وكان من الملاحظ لأي مراقب لسير الحملات الانتخابية تدني الاهتمام السياسي بين المسلمين على وجه الخصوص، وزاحمتني التساؤلات -حينئذ- عن سبب تغيب الصوت الإسلامي وبقائه دونما تأثير واستثمار، وما هو السر وراء فقدان هذا الصوت لأي فاعلية واعتبار في أجندة الديمقراطيين أو الجمهوريين؟ وكانت حالة التهميش السياسي التي عليها العرب والمسلمون في الولايات المتحدة تطرح أكثر من علامة تعجب واستفهام، في حين يحظى الصوت اليهودي المماثل عدداً للمسلمين في الولايات المتحدة بنسبة تمثيل وفاعلية لا ترقى إليها أي تجمعات عرقية أو دينية أخرى!


لليهود في مجلس الشيوخ 10 نواب، و34 في مجلس النواب، ناهيك عن وزارات السيادة كالدفاع والخارجية

فاليهود في مجلس الشيوخ –مثلا- لهم عشرة نواب، أي ما يعادل 10%، ولهم 34 عضوا في مجلس النواب أي 7,5%، ناهيك عن رئاستهم لوزارات السيادة كالدفاع والخارجية والمالية ومجلس الأمن القومي، في حين أن نسبة وجودهم داخل المجتمع الأميركي لا تتجاوز 2,5% من مجموع السكان.

وظلت هذه التساؤلات تتصاعد بإلحاح كلما ألمت بالعرب والمسلمين نازلة، وطالتهم أجهزة الإعلام الصهيونية باتهامات التطرف والإرهاب، وكان حادث مركز التجارة الدولي بنيويورك عام 1993 أحد أهم المعالم التي ساقت العرب والمسلمين إلى التفكير بضرورات التحرك للدفاع عن هويتهم الحضارية والدينية، والدفاع عن وجودهم ومستقبل أبنائهم في تلك القارة. لقد عاشت الجالية العربية وخاصة الإسلامية حالة من الفزع لم تشهدها من قبل، ووجد المسلم الأميركي من أصول عربية أنه غدا متهماً بالتطرف والإرهاب، فالحملة كانت من القسوة لدرجة أن مواجهتها والنجاة منها كانت تتطلب تحركا سريعا لدفع تلك التهم، وإلا فإن ما تم إنجازه من مكاسب للمسلمين منذ الستينات على شكل مؤسسات ثقافية ودينية وإعلامية وسياسية واقتصادية  سيكون عرضة للملاحقة والإهانة والاضطهاد.

تحرك عربي وإسلامي أميركي
ومن هنا نشطت العديد من المؤسسات العربية والإسلامية كاتحاد المنظمات الإسلامية (ISNA)، ورابطة الشباب المسلم العربي (MAYA)، والحلقة الإسلامية (ICNA)، والمجلس الإسلامي الأميركي (AMC)، والمؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث
(UASR)، وجمعية الطلبة المسلمين (MSA)، ومجلس العلاقات الأميركية
(CAIR) في عقد اللقاءات والندوات بالجامعات والمراكز الإسلامية، وتوجيه الدعوات لشخصيات أميركية إعلامية وسياسية وأكاديمية للمشاركة في حوارات مفتوحة حول قضايا الإسلام والغرب وأوجه التعاون والتنسيق المطلوبة، في محاولة لحماية الوجود العربي والإسلامي الذي تهدده وسائل الإعلام الصهيونية بالتحريض والتحريف والتشويه.

المراكز الإسلامية: بدايات استثمار الكم المهمل
شرع العرب والمسلمون بعد الحملات الإعلامية الصهيونية التحريضية خلال أعوام 92 و93 و94 والهادفة إلى تشويه صورتهم في التحرك لاستثمار أصواتهم في الانتخابات لاختيار ممثلين لمجلسي الشيوخ والنواب وكذلك حكام الولايات وذلك على المستويين الفدرالي والمحلي.

وقد شعر المسلمون بأهمية أصواتهم عندما وجدوا أن الكثير من النواب المرشحين يفدون إلى المساجد والمراكز الإسلامية ويطلبون من المسلمين الدعم والتصويت لبرامجهم الانتخابية، وأدرك المسؤولون في تلك المراكز أهمية تلك الأصوات فبدؤوا في حملات توعية لأبناء الجالية يحثونهم على ضرورة الإدلاء بأصواتهم وإعطائها للجهات التي تبدو أكثر محافظة على القيم الإنسانية والحضارية، وتبدي استعداداً أكبر لتفهم مشاكل الجالية العربية والإسلامية وتظهر رغبة صادقة في التنسيق والتعاون لحل هذه المشكلات.

يقول رئيس مجلس إدارة مركز الهجرة الإسلامي بواشنطن الأستاذ بسام أسطواني: "إن المركز قد لعب دوراً بارزاً وملحوظاً في توعية رواده بأهمية وضرورة المشاركة في الانتخابات لاختيار الأصلح والأكثر محافظة والتزاماً بالقيم الأخلاقية والاجتماعية والمحافظة على الأسرة وسلامتها، والأقرب إلى الجالية الإسلامية من خلال تاريخ المرشح ومواقفه تجاه قضايا ومصالح الجالية.."، وأضاف الأستاذ الأسطواني "إن لمركز دار الهجرة علاقات طيبة مع بعض رجالات الكونغرس الممثلين للمنطقة سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين، ولقد تكررت زياراتهم للمركز في عدة مناسبات، حيث زاره المرشح الجمهوري توم ديفيز وألقى كلمة في جمهور المسلمين بعد صلاة الجمعة التي سبقت الانتخابات لمجلس النواب".

ومن هنا فليس غريباً أن تصبح المراكز الإسلامية مقصداً للمرشحين للانتخابات الأميركية، فقد جمعنا لقاء مع المرشح الجمهوري عن ولاية متشيغان –آنذاك- سبنسر إبراهام في المجلس الإسلامي الأميركي، وقد سأله المدير التنفيذي للمجلس الأستاذ عبد الرحمن العمودي عن الشيء الذي يمكن أن تفعله الجالية الإسلامية لمساعدته في النجاح، فقال سبنسر: إنه يتطلع إلى كسب أصوات الجالية إلى جانبه، وإنه سيكون وفياً ومتفهماً -بحكم انتمائه العربي- إلى مطالب هذه الجالية وحاجياتها، وعند الضرورة سيجدون لهم صوتاً صديقاً لهم داخل أروقة المجلس. وبالفعل فقد نجح في الانتخابات بفضل أصوات الجالية العربية، وهو حالياً عضو في مجلس الشيوخ عن ولاية متشيغان، وكانت مواقفه إيجابية تجاه القضايا التي تخص الجالية العربية، وقد اختاره بوش مؤخرًا وزيراً في حكومته.

هذه المسألة كانت غائبة عن أذهان الغالبية العظمى من أبناء الجالية العربية والإسلامية، إذ إن وجود صوت عربي أو إسلامي داخل الكونغرس يعني أن شكواهم وهمومهم ستجد من يتحرك لها وينتصر، وغياب هذا الصوت معناه استمرار حملات التشويه والتحريض ضدهم، واستصدار القوانين التي تقيد حرياتهم السياسية والدينية مستقبلاً.

الانتخابات وقضايا العرب
القضية الأولى التي تشغل العرب والمسلمين هي إمكانية حدوث تغيير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، هذه السياسة التي كانت تعمل دائماً على دعم "إسرائيل" باعتبارها قيمة استراتيجية للولايات المتحدة، وتدفع في اتجاه تكريس هيمنتها على المنطقة العربية بأسرها.

ويبدو أن هذه السياسة لن يطالها الكثير من التغيير، باعتبار أنها من أهم ثوابت السياسة الأميركية في المنطقة،


يبدو أن السياسة الخارجية لأميركا نحو إسرائيل لن يطالها الكثير من التغيير، باعتبار أنها من أهم ثوابت السياسة الأميركية بالمنطقة، وهو ما تؤكده إشارات جيسي هيلمز الجمهوري ورئيس لجنة المساعدات الخارجية بالكونغرس

ففي التصريح الذي أدلى به النائب الجمهوري ورئيس لجنة المساعدات الخارجية بالكونغرس جيسي هيلمز لإحدى قنوات التلفزة الأميركية، أشار إلى أن سوريا لا تريد تحقيق السلام من خلال مفاوضاتها مع "إسرائيل" بل هي تريد فقط استرجاع هضبة الجولان، والإفادة من المساعدات التي ستقدمها لها الولايات المتحدة على حساب جامع الضرائب الأميركي!!

وقال في توضيح الموقف الجمهوري من مجمل عملية السلام "إن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ طائلة على عملية السلام، فمنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفد حتى الآن كان مجموع ما أنفقته الولايات المتحدة على هذا العمل السخيف ما بين 80 – 100 مليار دولار، وإنه كان من الأجدر بالديمقراطيين أن ينفقوا هذه المبالغ على تحسين ميزان المدفوعات الداخلية، والعمل على تغطية العجز في النفقات الحكومية". وأضاف هيلمز أنه سيعمل على كبح جماح الازدياد المطرد في المساعدات الأميركية الخارجية وبخاصة لدول الشرق الأوسط.

بالطبع تبقى "إسرائيل" حالة استثنائية، وستصل إليها المليارات الثلاثة من المساعدات السنوية دونما انتقاص، أما الدول الأخرى كالأردن ومصر وسوريا فإن عليها أن تنسى من الآن أن بإمكانها الحصول على مساعدات أو قروض أميركية سخية.

الوجود العربي والإسلامي بالكونغرس
وينشغل العرب والمسلمون على مستوى السياسة الداخلية باعتدال كفة الميزان السياسي داخل الإدارات الأميركية المختلفة وخاصة بالكونغرس، بما يحقق للعرب والمسلمين حضوراً يتكافأ مع قوى سياسية أخرى تتناقض مصالحها بالكلية مع التطلعات العربية والإسلامية، فاليهود لا يزالون أهم ثقل سياسي بالكونغرس، في حين لا يتمتع الجانب العربي بمعشار هذا الثقل، ولا نكاد نجد مسلماً استطاع الوصول إلى أي من الإدارات الأميركية الثلاثة (الكونغرس، البيت الأبيض، الهيئة القضائية العليا)، على عكس ما تحظى به هذه الإدارات من تخصصات يهودية مرموقة تساهم بشكل كبير في رسم السياسات وصياغة القوانين أمثال: ساندي بيرغر، ومادلين أولبرايت، ووليام كوهين، وأهرون ميلر، ومارتن إنديك، ودينس روس وآخرين. إن الحضور السياسي الواضح لليهود داخل أروقة الكونغرس قد ساعد على إضعاف الكراهية والعداء لليهود وتحصيل الدعم والمساعدات لإسرائيل. 

فرص العرب والمسلمين في الكونغرس
تتحرك على الساحة الأميركية ثلاث قوى دينية تختلف أساليبها واهتماماتها في التعبئة والحشد، وهذه القوى هي اللوبي اليهودي، والتحالف المسيحي، والتجمع الإسلامي وهو الأقل تحركاً وتفاعلاً وتنظيماً في المرحلة الحالية. ولكن هناك إرهاصات يقظة سياسية لدى المسلمين، وإن بدت مظاهرها متأخرة إلا أنها تختزن طاقة انطلاق كبيرة ستكون لها بشائر ودلالات مع منتصف العقد الأول للقرن الواحد والعشرين.

لقد أخذ وعي العرب والمسلمين بأهمية العمل السياسي في التحرك، وباتوا يدركون أنه بدون الدعم السياسي فليس بالإمكان وقف هذه الحملات أو مواجهتها. هذا ما أشار إليه رئيس التحالف الإسلامي الدكتور أغا سعيد، فالحملات الانتخابية الأخيرة شهدت تفاعلاً ملحوظاً من قبل الجاليات في دعم العديد من المرشحين. وإذا كانت أصوات المسلمين في العادة تذهب إلى مرشحين ديمقراطيين أو جمهوريين في التيار المحافظ فإن المناطق التي تحظى بأغلبية عربية قد أعطت أصواتها لمرشحين من أصول عربية في دوائر مثل متشيغان وإلينوي، حيث فاز خمسة من العرب الأميركيين المسيحيين في مقاعد مختلفة، ففاز سبنسر إبراهيم بعضوية مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، وفاز ري لحود (جمهوري) بعضوية مجلس النواب في ولاية إلينوي، وكذلك جون بلداشي (ديمقراطي) في ولاية مين، واحتفظ كل من نيك رحال وبات وانر (ديمقراطيان) بعضويتهما في مجلس النواب.

رؤية مستقبلية
وإذا حاولنا رسم صورة لمستقبل المسلمين في الولايات المتحدة وسط هذا النسيج السياسي المعقد، فإننا نرى أن هناك بدايات تحرك في اتجاه المطالبة بالتمثيل داخل المجالس التشريعية كالكونغرس وداخل الأجهزة التنفيذية والقضاء. ولكن هذا التحرك لا يزال غير منظم ويحتاج إلى أن تحتضنه مؤسسات حتى يؤتي ثمره، فالوجود الإسلامي وحجمه في الولايات المتحدة لا يمكن تجاهله، هذه فحوى العبارة التي تضمنها خطاب نائب الرئيس الأميركي السابق "آل غور" في المركز الإسلامي بواشنطن عام 1995 بمناسبة رأس السنة الهجرية. فالأصوات الإسلامية يمكن أن تكون من القوة والقدرة على التأثير في القرار السياسي محلياً ليستجيب لمطالبها واحتياجاتها دينياً واجتماعياً، وخارجياً بدعم قضايا وتطلعات الأمة العربية والإسلامية، والدفع في اتجاه تبني الولايات المتحدة سياسات أكثر اعتدالاً وإنصافاً للقضايا العربية والإسلامية.

أهداف العمل السياسي العربي الإسلامي الأميركي
وإذا ما حاولنا أن نجمع أهداف العمل السياسي للمسلمين على الساحة الأميركية، فإننا نجد أنها لا تتعدى التطلعات التالية:

  – تأمين حقوق العرب والمسلمين في أميركا الشمالية لتمكينهم من العيش بصورة تجعل ممارساتهم لحياتهم الإسلامية أمراً يحميه القانون ويحترمه المواطن الأميركي.

  – التأثير على المجتمع الأميركي بتقديم الحلول الإسلامية للقضايا ذات الأثر الاجتماعي في مجالات التعليم والاقتصاد ومكافحة الشذوذ والمخدرات.

  – التأثير على قرارات الأجهزة السياسية الأميركية حيال مشاكل العالم الإسلامي.

  – إيصال شخصيات عربية وإسلامية إلى مؤسسات وأجهزة صنع القرار بالكونغرس الأميركي.

  – إقامة "لوبي" عربي إسلامي ومجموعات ضغط لها تأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية وتوجهات السياسة الخارجية.


تشير الإحصائيات
إلى أن عدد المسلمين يصبح عام 2010 ما بين 10-16 مليون نسمة، حسب تصريحات دجون وويكز من جامعة سان دييغو

مؤشرات اليقظة
يتنامى الحضور العربي والإسلامي الذي يسكن في قلب هذه القارة لدرجة يمكن معها مواجهة طغيان الانحلال الأخلاقي، وهو مطلب تسعى إليه نسبة كبيرة من المحافظين من غير العرب والمسلمين. وقد تضاعفت أشكال الوجود الإسلامي وأعداده، فهناك 1500 مسجد ومركز إسلامي، و400 مؤسسة دعوية وخيرية، و400 مدرسة، وست كليات جامعية، إضافة إلى أكثر من 200 ألف محل تجاري. وتتوقع الإحصائيات أن عدد المسلمين عام 2010 سيتراوح ما بين 10 – 16 مليون نسمة، وحسب تصريحات جون وويكز من جامعة سان دييغو "فإن الوجود الإسلامي يشهد تنامياً كبيراً نسبياً، وإن معدلات المسلمين سوف تزداد بخطوة واسعة جداً" (مجلة أمريكان مسلمر- خريف وشتاء 1994).

إمكانية التأثير
إن الوجود العربي والإسلامي المتمثل في هذا العدد الكبير من المراكز والمؤسسات يمكن أن يكون قادراً على حشد وتعبئة مئات الآلاف للانتخابات الأميركية، ويتوقع أن يشهد العقد الأول للقرن الواحد والعشرين وصول العديد من المسلمين إلى مواقع متقدمة في الإدارات الحكومية على المستويين المحلي والفدرالي.

توظيف الأصوات العربية والإسلامية
من الطبيعي أن التوظيف السياسي لأصوات العرب والمسلمين لم يحسم معركة الرئاسة هذا العام لصالح أي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولكن من المؤكد أن تصويت العرب والمسلمين في هذه الانتخابات بنسبة كبيرة قرع الجرس بقوة في أروقة الحزبين. فاستجابة الجاليتين العربية والإسلامية إلى نداءات قياداتها السياسية والفكرية ومشاركتها بنسبة عالية في الانتخابات، يعني أن أي إجماع مستقبلي لتوحيد هذه الأصوات ووضعها على شكل صوت موحد في صناديق الاقتراع، سيؤدي بالتأكيد إلى ترجيح كفة هذا الحزب أو ذاك، خاصة أن النظام الانتخابي يشهد تراجعاً ملحوظاً في نسبة المصوتين بشكل عام، وبالتالي فإن أي أقلية تشارك بقوة ستكون أصواتها بمثابة "الكفة المرجحة" في نتائج الإنتخابات.

لقد كان يوم السادس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2000 يوماً مشهوداً في حياة الجالية المسلمة، حيث ولأول مرة يدعو رئيس جماعة "أمة الإسلام" في أمريكا السيد لويس فرخان أتباعه للمشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم، وذلك خلال "مسيرة المليون عائلة"، وهو بذلك يوجه أيضاً رسالة للمرشحين لمنصب الرئاسة والكونغرس بأن الوقت قد حان لتوظيف الصوت الإسلامي لخدمة مصلحة المسلمين، وإن من لا يراعي هذه المصلحة فلن يحظى بدعم الجالية وأصواتها في أي انتخابات قادمة.

إن المساجد والمراكز الإسلامية بادرت بتهيئة الأجواء لأداء دور طليعي في هذا المجال، حيث بدأ العمل من خلال حملات التعبئة للمشاركة في إعداد الترتيبات اللوجستية لنقل الراغبين بالتصويت إلى مراكز الاقتراع مع توفير الإرشادات الكافية لتحقيق الوعي السياسي والالتزام بالمواقف التي اتفقت عليها قيادات الجالية السياسية بخصوص اتجاهات الأصوات الانتخابية.. إنها خطوة هامة على طريق التمكين السياسي للمسلمين، ولعلها الخطوة الأهم في إمكانية تحقيق التوازن والاعتدال في سياسات واشنطن تجاه عالمنا العربي والإسلامي كذلك.

لقد قيل إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، وها نحن قد ابتدأنا المسيرة واستعداداتنا متفائلة لقطع الألف ميل بخطوة واحدة، فهل تتحقق رغبات وطموحات جالية عربية وإسلامية قوامها ثمانية ملايين نسمة بمظاهر الشهود السياسي في الانتخابات الأميركية في المستقبل؟ الأمل أن يكون هذا الحكم جنيناً لواقعنا المرتجى وليس مجرد أضغاث أحلام.
_________________
* المدير التنفيذي للمؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث

المصدر : غير معروف