البعثيون برهنوا على إمكانية العودة

undefined

 
 
في 9 أبريل 2003 لم يكن أحد قد سمع بمصطلح "اجتثاث البعث"، والراجح أن الأمر لم يكن قد خطر في خلد الإدارة الأميركية وهي تعد نفسها لغزو العراق، بدليل أن قائمة المطلوبين لم تكن تشتمل على أكثر من 55 شخصا من الدائرة العائلية والحزبية الضيقة المحيطة بصدام حسين.
 
 
 
جميع المؤتمرات التي قادتها الأحزاب المعارضة لحكم البعث في العراق كانت تبعث عبر بياناتها تطمينات مباشرة للبعثيين بتمييزها بينهم وبين نظام صدام.
 
ولعل من بين أسباب ذلك في وقتها أنها لم تكن ترغب في استعداء هذه الشريحة الواسعة من العراقيين الذين قد يندفعون للاستماتة في الدفاع عن نظام وجدوا أنفسهم وإياه في مركب واحد، بيد أن مؤتمر الناصرية الذي عقد منتصف نيسان/ أبريل  بٌعيد احتلال العراق وضم عددا من قادة الأحزاب المعارضة شهد لأول مرة تداول اصطلاح "اجتثاث البعث" الذي سرعان ما جرى تداوله بين الأحزاب السياسية النافذة الأخرى حتى أصبح المصطلح عنوانا لمرحلة جديدة بدت وكأنها إيحاء بالأذن لتصفية البعثيين جسديا والتخلص منهم وهو ما تم عمليا عبر عمليات الاغتيال التي طالت عددا منهم.
 

"
تحمست الأحزاب الطائفية المرتبطة بإيران لاجتثاث البعث في حين كان الأكراد أكثر ميلا إلى لغة الصفح، ورفضته الأحزاب العلمانية والقومية

"

والجدير بالإشارة أن من كان يصر على اجتثاث البعث هو الأحزاب الطائفية الشيعية المرتبطة بإيران "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، حزب الدعوة، حزب الله، إضافة إلى المؤتمر الوطني العراقي" في حين كان الأكراد أكثر ميلا إلى لغة الصفح والتسامح.

أما الأحزاب العلمانية والقومية والإسلامية السنية فقد كان لها موقفها المناهض لسياسة الاجتثاث ومن ضمنها أحزاب رئيسية كانت في المعارضة كحركة الوفاق الوطني التي يرأسها الدكتور إياد علاوي –ذو الخلفية البعثية- بل إن هذه الأحزاب اعترضت حتى على المسمى ذاته واعتبرت أن لفظة الاجتثاث تحمل معنى التصفية والاقتلاع وهي إيحاءات سادية غير مبررة لأنها تدخل البلاد في دوامة عنف متبادل.

 

فصل عشوائي
وعلى أية حال استطاع السيد أحمد الجلبي الذي كان من أشد المتحمسين للاجتثاث وقد يكون هو من اخترع المصطلح، استطاع إقناع واشنطن بجدوى

الاجتثاث بحيث كان ذلك من أوائل القرارات التي أصدرها بول بريمر الحاكم الأميركي في العراق عندما أنشأ "الهيئة العليا لاجتثاث البعث"، وكان من مهامها فصل البعثيين في مراتب معينة من وظائفهم بشكل عشوائي وبغض النظر عن سجلهم الشخصي وأهميتهم لتسيير عجلة الدولة، ومن غير مراجعة لعلاقتهم بما يوصف بالجرائم ضد العراقيين.

 
لقد تم فصل عشرات الآلاف من الموظفين بدعوى عضويتهم في حزب البعث الأمر الذي أدى إلى إرباك في عمل الدولة العراقية ومؤسساتها إذ إن معظم هؤلاء كانوا يمثلون عصب الدولة العراقية خصوصا أن عددا كبيرا منهم كانوا من حملة الشهادات العليا والاختصاصات النادرة مما أفرغ الجامعات العراقية من العديد من كوادرها.
 
واجهت سياسة الاجتثاث انتقادات واسعة ليس من البعثيين وحسب، وإنما من قبل عدد من السياسيين والقادة العسكريين الأميركان، فإليها ينسب أحد أهم أسباب اندلاع المقاومة العراقية واتساع نطاقها، وأن الاجتثاث جعل البعثيين يتخندقون من جديد حول أنفسهم بعد أن شعروا بالخطر الذي يهدد حياتهم وأرزاقهم.
 
وقد كانت لهذه الانتقادات مبرراتها المنطقية خصوصا إذا ما أضفنا إلى ذلك طرد وتسريح مئات الآلاف من منتسبي الجيش العراقي والأجهزة الأمنية ووزارة الإعلام. وقد تماثلت هذه الرؤية مع تلك التي تبنتها جامعة الدول العربية على لسان أمينها العام عمرو موسى والأخضر الإبراهيمي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد.
 
وعندما هم بريمر بمغادرة العراق في 28 يونيو/ حزيران 2004 كان قرار إلغاء هيئة اجتثاث البعث من بين آخر القرارات التي وقعها، وهو الأمر الذي قابلته الكتلة الشيعية باستنكار مرده أن بريمر لا يملك حق اتخاذ قرار كهذا لأن هيئة الاجتثاث هيئة حكومية نص عليها قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت.
 
لكن حكومة إياد علاوي التي تشكلت أثناء ذلك تجاهلت إلى حد ما هذه الاعتراضات وهمشت عن عمد عمل الهيئة، وأكثر من ذلك فإن وزارته ضمت في تشكيلتها بعض الوزراء الذين كانوا حتى وقت قريب يعدون من صفوة البعثيين. كما وصدرت وقتذاك قرارات عديدة بقوائم ألفية تضم أسماء الذين أعيدوا إلى الخدمة من البعثيين المجتثين والذين وجدوا في حكومة علاوي أفضل الخيارات المتاحة أمامهم.

 
إعادة الاجتثاث
لكن الانتخابات التي جرت في يناير/ كانون الثاني 2005 وشهدت فوز الكتلة الشيعية بأكثر من نصف مقاعد البرلمان وتشكيل حكومة شيعية كردية بعد مخاض عسير، بدت وكأنها جاءت لتجتث آمال البعثيين من جديد، ووجد هؤلاء أنفسهم ثانية عرضة لحملة اجتثاث متصاعدة يقودها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة اللذان ظلا يعلنان أن العمليات الإرهابية التي تحدث في العراق إنما هي من تدبير البعثيين الذين اخترقوا كذلك أجهزة الدولة وبالذات الأمنية والتي يرون أنه بات من الضروري أن تخضع للتطهير والتنقية مجددا لتخليصها من  البعثيين.
 
وعلى الرغم من الجدل الذي ظل يدور حول اجتثاث البعث وتأثيره على العملية السياسية في العراق فإن مروجي فكرة الاجتثاث ظلوا يراوغون في الإجابة عن المدى الذي ينبغي أن تبلغه سياسة الاجتثاث ولمن يوجه الاجتثاث أهو إلى البعث ككيان سياسي ومنظومة حزبية، أم إلى أفكاره القومية، أم إلى البعثيين أنفسهم؟
 
ومع عدم وجود أية إجابة عن هذه الأسئلة فإن الثابت هو أن الممارسات العملية تفصح بأن الاجتثاث ينصرف إلى هذه المكونات الثلاث:
  1. البنية التنظيمية
  2. والفكر القومي العروبي
  3. والحزبيين أنفسهم.


 

"
عبارة البعث الصدامي الواردة في الدستور تظل هلامية وبلا مضمون حقيقي وبلا قابلية لوضع مواصفات وشروط

"

مع استمرار الجدل الدائر حول الدستور الذي سيتم الاستفتاء عليه في منتصف أكتوبر 2005 عادت قضية الاجتثاث لتحتل الصدارة ثانية إلى جانب موضوعات الفيدرالية ووحدة العراق وهويته العربية.

 
فالكتلة الشيعية اعتبرت الاجتثاث من بين أهم أولوياتها التي لا سبيل إلى المساومة حولها، بيد أن كتلة (العرب السنة) التي أضيفت فيما بعد إلى اللجنة الدستورية رفضت هذا المنطق وطالبت بإجراءات قضائية ضد جميع المجرمين بغض النظر عن خلفيتهم السياسية وضرورة التمييز بين المدانين من البعثيين وغيرهم من الذين لم يقترفوا ذنبا يحاسب عليه القانون، والتمييز كذلك بين حزب البعث ككيان سياسي وممارسات نظام صدام، لكن الكتلة الشيعة كانت مصرة على موقفها وأعلنت أن أقصى تنازل يمكن أن تقدمه هو رفع كلمة حزب من البعث لتصبح  المادة (7) من مسودة الدستور كالتالي:
 
"يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون".
 
لكن عبارة البعث الصدامي تظل هلامية وبلا مضمون حقيقي إذ كيف يمكن التمييز بين من هو بعثي ومن هو بعثي صدامي وما مواصفات البعث الصدامي وكيف يتم التمييز في التعامل بين البعثي والبعث الصدامي، ويبدو أنه في انتظار أن ينظم ذلك بقانون فإن إجراءات الاجتثاث ستبقى على ماهي عليه كما ورد في المادة (132) من الدستور.

 
 
وبالإضافة إلى ما نصت عليه المادة السابعة في توصيف البعث الصدامي والتي اعتبرتها كافية لاجتثاثه فإن مبررات المدافعين عن هذه السياسة تكاد تنحصر في الأمور الآتية:
  1. قيام البعثيين بارتكاب جرائم جنائية بحق العراقيين كانت المقابر الجماعية أوضح صورها.
  2. قيام البعثيين بالاستيلاء على المال العام والإثراء على حساب الشعب العراقي.
  3. أن الفكر البعثي هو فكر عنصري. 
  4. أنه فكر شمولي إقصائي.
  5. أن ممارسات البعثيين تحمل معنى التطهير الطائفي.
ويبدو من أية مراجعة أولية وغير مطلعة على الحقائق ان هذه المبررات لها وجاهتها وهي بالتأكيد كافية  لمحاربة البعث، ولكن هل ما سيق ضد البعث من اتهامات صحيح بمجمله؟
 
إن متابعة دقيقة للوقائع تكشف لنا أنه إذا كان لبعض هذه المبررات منطقيتها فإن جانبا كبيرا منها غير صحيح أوغير دقيق في أحسن الحالات وأن سلسلة من المبالغات أريد منها تبرير سياسة الاجتثاث وتمريرها، لا سيما مع غياب من يدافع علنا عن الحزب في الشهور الأولى من الاحتلال على أقل تقدير، وإلى جانب ذلك فإن كل الاتهامات السابقة تشمل كثيرا من غير البعثيين فلماذا يجتث البعثيون دون سواهم، فضلا عن أنها تساوي بين البعث كفكر والبعث كنظام سياسي، ولنتناول ذلك بشيء من التفصيل.
 

"
إن جانبا كبيرا من الاتهامات الموجهة للبعث غير صحيح أو غير دقيق في أحسن الحالات وقد تعرضت لسلسلة من المبالغات المقصودة لتبرير سياسة اجتثاث البعث

"

الإخلال بمبدأ العدالة
القول بأن البعثيين قاموا بارتكاب جرائم جنائية ضد العراقيين فيه تعميم يخل بمبدأ العدالة، إذ ماذا عن البعثيين الذين لم يرتكبوا الجرائم وهل هذه الجرائم التي ارتكبت كانت من عمل حزب البعث أم أنها من ضمن اختصاصات السلطات الأمنية المعروفة في معظم بلدان العالم الثالث بمواجهة حالات التمرد أو تهديدات السلم الأهلي، أم أنها كانت إرهاب دولة منظم؟ والسؤال الأهم ماذا عن غير البعثيين من الذين ارتكبوا ذات الجرائم؟ لماذا يتم النص على البعثيين دون سواهم؟

 
ولو كانت هذه الجرائم تتمثل في إبادة الشعب العراقي والمقابر الجماعية، فإن التساؤل المنطقي هو ماذا عن المقابر الجماعية الكبيرة التي استحدثت في زمن الاحتلال؟ وماذا عن إرهاب الدولة الذي تقوم به مؤسسات السلطة الأمنية الحالية؟ والذي أصبح حوادث يومية مألوفة، ولماذا يحاسب المسؤولون في عهد صدام عن جرائمهم -وينبغي أن يحاسبوا- ولا يحاسب المسؤولون الجدد، ولماذا لا يترك ذلك للقضاء العراقي ليحاسب كل من تلطخت يده بدماء العراقيين من البعثيين وسواهم حيث يفترض أن يتساوى الجميع في ذلك، بدلا من المتاجرة السياسية بالموضوع برمته؟
 
ثم إن هذه الضجة الكبرى التي أثيرت حول جرائم البعثيين لم تجعلنا نر حتى الآن دعوى قضائية واحدة ضد بعثي بصفته الحزبية سوى ما يتردد عن قرب محاكمة كبار المسؤولين كصدام وأقرب أعوانه.
 
من يسرق المال العام؟
أما عن قيام البعثيين بالاستيلاء على المال العام وإهداره فإنها ولا شك تهمة تقتضي المتابعة القضائية، خصوصا أن المال العام ملك للشعب العراقي وأهدر في وقت كان العراقيون فيه يتضورون جوعا بسبب الحصار الأميركي على الشعب العراقي، لكن الملاحظ أن أي دعاوى أو أدلة بنهب المال العام لم تصدر حتى الآن ضد أي بعثي، لا سيما إن تمت مقارنة هذا الكلام أو تطبيقه على الوضع في العراق بعد الاحتلال الذي يشهد أكبر عمليات فساد مالي في التاريخ حسب اعتراف الحكومة ذاتها، حتى إن منظمة الشفافية الدولية وضعت العراق على رأس قائمة الدول التي يتفشى فيها الفساد والرشى وإهدار المال العام بعد أن كان في زمن حكم البعث يحتل موقعا متأخرا في القائمة ذاتها أي أن البعثيين كانوا أكثر نزاهة بكثير.
 
القول بأن الفكر البعثي فكر عنصري قد يكون مفهوما من إذا كان المقصود بذلك أنه كان حزبا قوميا ومعبرا أو ممثلا للعنصر العربي أو الطموحات والتطلعات العربية، ولا أظنها تهمة خصوصا إذا ماعلمنا أن هنالك في الحكومة الحالية أحزاب أكثر عنصرية من حزب البعث كالأحزاب الكردية والآشورية والتركمانية والكلدانية وغيرها. فلماذا تعتبر العنصرية والعرقية تهمة للبعثيين فيما الآخرون يفاخرون بأن برامج أحزابهم عنصرية الطابع؟
 
أما القول بأن البعث فكر شمولي إقصائي فإنها تهمة لا سبيل لردها ولكنها بالمقابل تصطدم مع وجود أحزاب وتيارات لا تقل شمولية وإقصائية عن البعث وهي تمارس العمل السياسي وتتبوأ مكانتها على الخارطة الحكومية فالأحزاب الإسلامية والشيوعية لا يمكن إلا أن توصف بأنها شمولية فلماذا يستثنى البعث لوحده؟ ولو جاز اتهام البعث بالإقصائية فإن الأحزاب الحالية تمارس ذات السياسة إزاء البعثيين عند ما تصر على إبعادهم عن العمل السياسي. إنها بالفعل مفارقة.

"
إن المبرر الحقيقي لسياسة اجتثاث البعث هو إبعاد البعثيين عن ساحة العمل السياسي خوفا من أن تؤدي خبرتهم وأعدادهم الكبيرة وانتشارهم الشعبي وامتدادهم القومي إلى سيطرتهم من جديد على الساحة السياسية في العراق

"

أكذوبة الطائفية
لو راجعنا تهمة أن ممارسات البعثيين الصداميين تحمل معنى التطهير الطائفي وجدناها تهمة من اليسير دفعها، فالقصد الواضح من النص على ذلك هو الإيحاء بأن البعث كان حزبا سنيا وقد مارس التطهير الطائفي ضد الشيعة، فهل هذه التهمة صحيحة؟

 
لعله من قبيل المسلمات أن قادة البعث الأوائل هم من الشيعة العرب الذين كانوا ولا يزالون من رواد الفكر القومي في العراق، ولا أظن أحدا يستطيع أن ينكر أن عددا غير قليل من قيادات نظام صدام كانوا من الشيعة بل إن إحصاءات هيئة اجتثاث البعث ذاتها تشير إلى أن 62% من الأعضاء العاملين في حزب البعث كانوا من الشيعة، وإذا كانت هنالك اتهامات بالقسوة أو القمع فالأمر شمل كل من مثل تهديدا للنظام بغض النظر عن مذهبه وقوميته.
 
إن محاولة اتهام حزب البعث بالتطهير الطائفي ثم ربطه بالسنة فقط جعل من اجتثاث البعث اللافتة التي يجري تحتها "اجتثاث السنة العرب" بل وحتى تصفيتهم الجسدية من قبل دوائر الدولة وأجهزتها الأمنية التي تشكل مليشيات الأحزاب الشيعية الموالية لإيران عصبها الرئيس.
 
ولو راودنا الشك حول طائفية صدام فإن اليقين الذي لا مراء فيه هو طائفية النظام السياسي الحالي في العراق حيث المحاصصة الطائفية والاستئثار بالسلطة وفق مقاييس طائفية تعد العنوان الأبرز لهذه المرحلة، ولو أضفنا لذلك أن العمليات العسكرية لقوات الاحتلال والقوات الحكومية العراقية إنما تجري في المدن السنية العربية تحديدا لأدركنا كم هي حالة الاحتقان الطائفي التي بلغها العراق في ظل هذه الممارسات.

 
المسكوت عنه
المسكوت عنه في الاجتثاث هو المبرر الحقيقي لهذه السياسة، وهو أن الأحزاب الحالية المساندة للاجتثاث تعتقد أن ترك الحرية للبعثيين في العمل الحزبي لن يكون في صالح مستقبلها السياسي حيث سيبدو البعث حينذاك ندا قويا لهم بسبب خبرة البعثيين في العمل السياسي واتساع أعدادهم وتغلغلهم في بنية الدولة العراقية، والمساندة التي يحظون بها في الوسط الشعبي العربي، وامتداداتهم التنظيمية القومية، والخطاب السياسي الوطني للبعث بخلاف الأحزاب الطائفية المنتشرة اليوم والتي تقصر نداءاتها وعضويتها على طائفتها وحسب، وبالتالي فإن ترك البعثيين بلا اجتثاث قد يحملهم سريعا إلى السلطة ثانية، وهو ماتخشاه الأحزاب الحاكمة أكثر من أي شيء آخر.
 
مستقبل البعث
تشير التقارير شبه المؤكدة القادمة من العراق إلى أن البعثيين عادوا من جديد لتنظيم صفوفهم بعد أن شعروا بالخطر الذي يتهددهم وقد انتخبوا قيادة قطرية جديدة لهم بعد أن تم إلقاء القبض على معظم قياداتهم السابقة، كما أنهم تخلصوا من الترهل التنظيمي الذي كانوا يعانونه حيث يعود إلى صفوف البعث فقط أولئك الذين يؤمنون بأفكاره وسياساته، ويظهرون استعدادا عاليا للتضحية، وهم يلقون الشعبية بشكل يتناسب طرديا مع الإخفاقات المزمنة للحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال. وقد برهنوا عن إمكانية عودتهم للظهور وتحدي السلطات الأمنية من خلال المظاهرات التي خرجوا فيها ورفعوا خلالها صور الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
 
وهكذا يبدو لنا أن سياسة الاجتثاث قد عملت من حيث لا تقصد على تقوية البعث وتراص  تنظيماته بدلا من اقتلاعه. ولو كانت لدى البعثيين الجرأة على انتقاد ممارساتهم السابقة وخلق قيادات جديدة تستطيع التكيف مع الظروف الراهنة، فالأغلب أنهم سيسقطون سياسة الاجتثاث عمليا ويعودون إلى واجهة العمل السياسي في العراق بقوة.


المصدر : الجزيرة