مكونات الاقتصاد الصحراوي

undefined

* إعداد/ عبدوتي ولد عالي

منطقة الصحراء الغربية غنية بمواردها رغم قساوة الطبيعة. ويتنوع غنى الموارد هذا، فمن سواحل غنية بأنواع الأسماك إلى أرض تختزن في باطنها معادن الفوسفات والنفط، ومن غطاء نباتي متنوع إلى ثروة حيوانية قوامها الإبل، وللسياحة مكانة هامة في هذه المنطقة لما توفره من رمال ذهبية وشواطئ أطلسية، كما أن تجارة المنطقة التي كانت تعتمد على القوافل تطورت مع مرور الزمن إلى أسواق وموانئ.

المناخ
الثروة الحيوانية
المعادن
الصيد البحري
النفط
السياحة
التجارة

المناخ

تصل مساحة الصحراء الغربية إلى 284000 كلم مربع، وتعرف مناخا حارا وجافا في الصيف وتتراوح دراجات حرارته ما بين 40 و46. أما في الشتاء فتتراوح درجة الحرارة ما بين 10 و11 درجة مئوية. كما تعرف ندرة شديدة في معدلات الأمطار (50-120 ملم سنويا)، ومعدلات تبخر مرتفعة، ورياحا عنيفة وعواصف رملية دائبة، وزحفا مستمرا للرمال، وتصحرا متفاقما، وطبقات مائية جوفية محدودة المخزون محدودة التجدد تحاصرها الأملاح من كل مكان (تتراوح نسبة الملوحة بين 2 و9 غرام في اللتر في الطبقات المائية الجوفية المتوفرة في الصحراء)، وشبكة هيدروغرافية محدودة المجاري المائية إذا استثنينا وادي الساقية الحمراء الذي أنشئ عليه سد بطاقة تخزينية تصل إلى 110 ملايين متر مكعب وبارتفاع 15 مترا وهو مصدر التغذية الأساسي لأهم طبقة مياه جوفية في الصحراء "طبقة فم الواد".

ويغطي الصحراء غطاء نباتي فقير ليفي أو عشبي أهمه أشجار الأتيلْ والطرفاء والأيْجْنينْ والتَّمَاتْ والطَّلحْ والغردقْ، ونباتات العلف مثل الآسْكافْ والذنبان والقرطوفه والطيرْ.. إلخ. وتعتمد عليها الإبل مصدرا للغذاء. ولا يوفر هذا النظام البيئي الهش سوى مجال محدود جدا للزراعة، وخصوصا في المنخفضات التي تدعى محليا "لكرارة" ومجاري المياه الموسمية، ومناطق الواحات، ونطاقات الصدوع، ويتكون الإنتاج الزراعي أساسا من الحبوب (القمح والشعير) والتمور والأعلاف، إضافة إلى زراعة بعض الخضراوات المحدودة حول المدن.

ونظرا لندرة المياه الشديدة أقيمت سنة 1995 أكبر محطة لتحلية مياه البحر على مستوى أفريقيا كلها في مدينة لعيون بطاقة إنتاجية تصل إلى 12500 متر مكعب في اليوم لتوفير احتياجات المدينة من المياه.

الثروة الحيوانية


تعد الثروة الحيوانية إحدى أهم الثروات التي توفر مصدر عيش للسكان الذين ألفوها منذ قرون عديدة رغم شح البيئة وجفافها المتفاقم

تتركز الثروة الحيوانية في المنطقتين الشمالية والوسطى، ففي المنطقة الشمالية (كليميم -السمارة) يبلغ عدد الماعز 380000 رأس تليها الأغنام 320000 رأس ثم الجمال 33600 رأس في حين لا يوجد سوى 1443 رأسا من الأبقار. أما المنطقة الوسطى (لعيون – الساقية الحمراء) فيبلغ عدد الجمال 89500 رأس، أما الماعز فيبلغ تعدادها 193000 رأس تليها الأغنام 120300 رأس أما الأبقار فلا تتجاوز 440 رأسا فقط، وهذه الثروة التقليدية تعد إحدى أهم الثروات التي توفر مصدر عيش للسكان الذين ألفوها منذ قرون عديدة رغم شح البيئة وجفافها المتفاقم، ومما يزيد من أهميتها حاليا الاحتياج المتزايد للحوم والألبان مع الانفجار الديمغرافي الذي تشهده مدن الصحراء بسبب ارتفاع نسب التحضر وزيادة الهجرة الوافدة من الشمال المغربي.

المعادن

الفوسفات
أدى اكتشاف أكبر منجم منفرد للفوسفات في العالم سنة 1947 في منطقة بوكراع، الواقعة على مسافة تصل إلى 100 كلم إلى الجنوب الشرقي من مدينة لعيون، إلى احتدام الصراع على السيادة في الصحراء بين كل القوى ذات العلاقة بالمنطقة، بدءا بإسبانيا وانتهاء بموريتانيا. وعلى الرغم من أن المصادر المغربية تقدر احتياطي منطقة بوكراع بحوالي ملياري طن فقط، فإن مصادر أخرى ترى أن الاحتياطي يصل إلى 10 مليارات طن وتمتد مناجمه على مساحة تقدر بـ800 كلم مربع، وتتراوح نسبة نقاوته بين 72 و75%، ويتم استغلال الخامات في منطقة بوكراع حاليا من طرف شركة "فوس بوكراع" بمعدل سنوي يصل إلى أربعة ملايين طن. ويتم نقل الخام إلى ميناء "المرسى" بمدينة لعيون حيث يوجد مصنع المعالجة، ويتعرض بعض الخام للمعالجة محليا ويتم تصديره إلى الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا. وتوجد خامات للفوسفات في مناطق أخرى لكنه لم يتم استغلالها بعد.

الملح
تحتوي منطقة الصحراء الغربية على حوالي عشر سبخات تشكل خزانات ضخمة للملح يتم استغلالها بالطرق التقليدية حتى الآن. وأهم هذه السبخات سبخة تزغا وأم بدعة وتزلاطن وتيسفورين. وتقدر احتياطيات سبخة تزغا في طرفاية بحوالي 4.5 ملايين طن وتستغل منذ 1991 عبر شركة "سوماسيل" المغربية. ويقدر إنتاج المنطقة من الملح بحوالي 20000 طن في السنة موفرة بذلك فرص عمل موسمية لحوالي 5000 عامل.

معادن أخرى
يدخل في أنشطة التعدين نشاط اقتلاع الرمال التي يتم تصديرها خصوصا لجزر لاس بالماس الإسبانية بمعدل إنتاج سنوي يصل إلى 80 ألف طن.

وقد أدت جهود التنقيب إلى اكتشاف خامات عديدة أخرى بالمنطقة مثل خامات النحاس والمنجنيز والحديد والرخام والزركون والتيتان التي تشكل أهم الموارد المعدنية المكتشفة في الصحراء بعد الفوسفات وإن لم يتم استغلالها بعد.

الصيد البحري


نظرا لأهمية المصائد الاقتصادية بالصحراء فإن الاتحاد الأوروبي -وخصوصا إسبانيا- دخل في مفاوضات عويصة مع المغرب لإقناعه بتجديد اتفاقية الصيد التي تسمح لسفن الاتحاد بالصيد في السواحل المغربية

يبلغ طول السواحل الصحراوية 1400 كلم، وتوفر طاقة إنتاجية تقدر بحوالي مليون طن من الأسماك سنويا دون أن يؤثر ذلك في التوازن البيولوجي للثروة السمكية. تتوزع هذه الثروة على 200 نوع من الأسماك و60 نوعا من الرخويات والعشرات من أنواع القشريات وراسيات الأرجل.

ويعد مرور تيار "كناريا" البارد العامل الأول لغنى المنطقة بالأسماك، حيث يؤدي إلى تقليب المياه مما يتيح ارتفاع "البلانكتون" الموجود في القاع ليكون في متناول الأسماك التي تتغذى عليه. كما يجلب التيار معه نوعيات مهمة من أسماك المناطق الباردة.

وتعد موانئ العيون والطنطان وبوجدور وطرفاية أهم موانئ الصيد البحري على السواحل الصحراوية، حيث تضم العديد من التجهيزات المرتبطة بعمليات الصيد والمئات من وحدات معالجة وتصنيع وتبريد وتخزين المنتجات البحرية، وتستقبل المئات من سفن الصيد. ويعتبر ميناء الطنطان أكبر ميناء لصيد السردين على مستوى المملكة المغربية ككل حيث ينتج 42.3% من الإنتاج الكلي للمملكة المغربية كما يشغل المرتبة الثانية بعد ميناء أغادير في صيد سمك الأسقمري البحري (حوالي 8000 طن في السنة) وهو ما يمثل 27% من الإنتاج المغربي الكلي. ونظرا لأهمية الميناء في مجال الصيد فقد وصل عدد الوحدات الإنتاجية فيه إلى 14 وحدة توفر 4350 فرصة عمل (إحصائية عام 1996).

وقد بلغ إنتاج موانئ العيون "المرسى" والطرفاية وبوجدور من الأسماك 309207 أطنان سنة 1998. وتضم تجهيزات الصيد في ميناءي العيون والطرفاية حوالي 400 وحدة صيد يعمل بها حوالي 7000 عامل.

ونظرا لأهمية المصائد الاقتصادية فإن الاتحاد الأوروبي -وخصوصا إسبانيا- لايزال في مفاوضات عويصة مع المغرب لإقناعه بتجديد اتفاقية الصيد التي تسمح لسفن الاتحاد بالصيد في السواحل المغربية، وقد عبر "دومينغو ديلبينو" الصحفي الإسباني الخبير بالشؤون المغربية الإسبانية عن خطورة عدم تجديد اتفاقية الصيد المنتهية سنة 1999، فكتب في جريدة "دياريو 16" أن نهاية وجود أسطول الصيد الإسباني في المياه الإقليمية المغربية كان هزة عنيفة للإسبان لا يمكن مقارنتها إلا بخروج إسبانيا من إيفني ومن الصحراء.

النفط


يوجد مخزون هام من الغاز والنفط في سواحل الصحراء الغربية، وقد قام المغرب بتوقيع اتفاقيات للتنقيب عن هذا النفط مع بعض الشركات واعترضت جبهة البوليساريو على الأمر

تشير بعض الدراسات إلى وجود مخزون هام من الغاز والنفط في سواحل الصحراء الغربية، لكن جهود التنقيب لم تظهر حتى الآن نتائج إيجابية في هذا الصدد. وقد عمد المغرب إلى توقيع اتفاقيتين للتنقيب عن النفط مع شركتي "توتال فينا إلف" الفرنسية و"كيرمالك غي كورب" الأميركية في أكتوبر/ تشرين الأول 2001، الأمر الذي قوبل باعتراضات كبيرة خصوصا من طرف جبهة البوليساريو. وقد ألجأ ذلك المغرب إلى طلب المشورة القانونية من الأمم المتحدة، فصدرت فتوى عن المستشار القانوني للأمم المتحدة "هانس كوريل" تعطي المغرب الحق القانوني في القيام بعمليات التنقيب عن النفط في الصحراء الغربية بشرط أن لا يستغل المغرب النفط تجاريا دون موافقة السكان المحليين.

وأعلن ناطق باسم مجلس الأمن الدولي في وقت لاحق أن فتوى المستشار القانوني للأمم المتحدة ليست ملزمة لأي جهة من الجهات، مما يعني أن الجدل سيبقى قائما ما لم يتضح الوضع في الصحراء الغربية بين الأطراف المتنازعة وبخاصة المغرب وجبهة البوليساريو.

واحتجت الحكومة المغربية أخيرا على منح إسبانيا ترخيصا لشركة "ريسبول" الإسبانية الأرجنتينية المختلطة بحكم أن بئرين من مجموعة الآبار التسع المرتقب التنقيب فيها تقعان أو تمتدان داخل مياه المغرب الإقليمية. وطلبت الرباط من مدريد إعادة النظر في الترخيص الممنوح لشركة ريسبول مؤكدة أن الأمر يتطلب اتفاقية لتحديد المياه الإقليمية بين البلدين لتفادي أي لبس وغموض مستقبلا. لكن وزير الخارجية الإسباني حينها "جوزيف بيكي" رد على الاحتجاجات المغربية بقوله "يدرك المغاربة أنه لا توجد بيننا اتفاقية لتحديد المياه الإقليمية بين جزر الكناري والصحراء الغربية، وقد لجأنا إلى تحديد أحادي يقوم على احتساب نصف المسافة التي تفصل بين البلدين، ولكن المسؤولين المغاربة يؤكدون أن إسبانيا، ولاحقا الاتحاد الأوروبي، كانوا يعترفون بأن هذه المياه مغربية عندما كانوا يوقعون اتفاقيات الصيد البحري مع الرباط، وكان آخرها اتفاقية عام 1995 التي انتهي مفعولها أواخر عام 1999.

السياحة

تمتلك الصحراء الغربية إمكانيات سياحية هامة ومتنوعة وكبيرة، تدعمها مناظر صحراوية خلابة، وسواحل ممتدة على امتداد مئات الكيلومترات تضم مواقع رائعة للسياحة والاستجمام البحري، يضاف إلى ذلك توفر الظروف الملائمة لسياحة المغامرة والاستكشاف، ومن المناطق السياحية المشهورة في الصحراء: واحة لمسيد، بحيرة نايلة، خليج خنيفيس، شلالات أم بدعة، وادي تافودار.

ورغم هذه الإمكانيات الهامة فإن المنطقة تعاني من نقص في البنى الأساسية السياحية "الفنادق.. موانئ الاستجمام البحري.. المخيمات.."، ومع ذلك فإن النشاط السياحي يشكل أحد أهم المرتكزات المستقبلية للاقتصاد الصحراوي.

التجارة

يعتبر القطاع التجاري من أكثر القطاعات جذبا للعمالة، وهو نشاط تقليدي من الأنشطة التي مارسها الصحراويون منذ القدم، حيث كانت المنطقة تشكل معبرا للقوافل القادمة من المغرب والمتجهة نحو جنوبي الصحراء الكبرى (موريتانيا، مالي، السنغال، والنيجر). ورغم اختلاف الظروف الآن عن الوضع في السابق فإن الصحراويين مازالوا مولعين بالأعمال التجارية. وتعد مدينة العيون بسكانها البالغ عددهم 136678 نسمة وعبر بنيتها الأساسية (مطار، ميناء، ملتقى طرق برية..) مسيطرة على أهم مفاصل العمل التجاري في المنطقة، ويعمل بالقطاع التجاري ما بين 21 و25% من مجموع السكان الناشطين اقتصاديا.

ويمكن للمنطقة أن تلعب -كما كانت تلعب دائما عبر تاريخها الطويل- دورا هاما كمنطقة عبور بين أوروبا والشمال الأفريقي وبين الدول الأفريقية جنوبي الصحراء، ولا شك في أن اكتمال الطريق البري الرابط بين السنغال والمغرب عبر موريتانيا سيعيد صياغة النشاط التجاري في المنطقة كلها.
_______________
* أستاذ الجغرافيا الاقتصادية بجامعة نواكشوط
المصادر
1 – موقع الحكومة المغربية
2 –  الموقع الرسمي لجبهة البوليساريو
3 – موسوعة وورد أتلاس على قرص سي دي:
CD: eyewitness World Atlas, PCW, , van business publication, DK Multimedia. June 2001
4 – التعنت الإسباني إلى أين؟ جريدة البيان.

المصدر : غير معروف