تسليم السلطة.. نقل جزئي وليس نقلا للسيادة

undefined

محمد السيد غنايم

حظي نقل السلطة للعراقيين باهتمام عالمي واسع وطرح المراقبون آراء مختلفة حول الحدث وملابساته وتداعياته، ومن هؤلاءالدكتور منذر سليمان الخبير في الشؤون السياسية والعسكرية المقيم في واشنطن، والذي أجرت معه الجزيرة نت حوارا خاصا للوقوف على الحدث والآداء الأميركي فيه.

undefinedيرى الدكتور منذر سليمان أن الوضع الأمني غير المستتب في العراق كان السبب الرئيسي وراء قرار تقديم موعد تسليم السلطة، في محاولة لتجاوز إمكانية حدوث ما يمكن تسميته "فضيحة أمنية" إذا جرت مراسم نقل السلطة في موعدها ثم تعرضت هذه المراسم لأية أعمال عنف من قبل القوى المختلفة التي تستهدف قوات الاحتلال الأميركية وتستهدف أيضا الحكومة الانتقالية والشرطة على اعتبار أنهما تابعتين بصورة مباشرة أو غير مباشرة لسلطة وإدارة القوات الأميركية المحتلة.

غياب الأمن السياسي
واعتبر سليمان أن المشكلة الأمنية الأساسية في العراق هي مشكلة الاحتلال وغياب ما يمكن تسميته "الأمن السياسي" الذي يتوفر عندما يتم الاعتماد على الشرعية الشعبية، والسيادة الشعبية هي التي تعبر عن سيادة الشعب العراقي وليس عن الشرعية الدولية أو قرارات الأمم المتحدة. وأوضح أنه كان يفترض أن تكون الحكومة المؤقتة نتاج مؤتمر وطني للشعب العراقي بكامل فئاته حتى لو ظلت تحت سلطة الاحتلال، لأنها في هذه الحالة ستحظى بمشروعية أكبر من الشعب العراقي، وربما كانت ستحظى بالتأييد.


السيادة لم تغادر العراق أصلا حتى تعود إليه مرة أخرى، لكن تم تجميدها تحت وطأة الاحتلال، ولا يفرج عن هذه السيادة بقرار دولي، وفي أي مرحلة يمر بها البلد يتم التعبير عن هذه السيادة وفق الإرادة الشعبية

ورأى سليمان أن هناك خلطا واضحا في المفاهيم عندما يقال "نقل السيادة" بدل أن يقال نقل جزئي للسلطة من يد الاحتلال إلى حكومة عراقية معينة تحت إشراف الاحتلال، فالحكومات –على حد قوله– لا تملك سيادة أي دولة، والسيادة لا تنتقل أو تتغير بتغير الحكومات، لأنها تعطى من قبل الشعب. وصحيح أنه عندما يحتل بلد ما يتم تجميد مفاعيل سيادة هذا البلد، لكن لا يتم انتقال هذه السيادة لأحد لا بصورة واقعية ولا بصورة قانونية.

وأضاف قائلا "إن الأمم المتحدة ليست وظيفتها منح السيادة لأي دولة، والسيادة أصلا لم تغادر العراق حتى تعود إليه مرة أخرى، لكن تم تجميدها تحت وطأة الاحتلال، ولا يفرج عن هذه السيادة بقرار دولي، وفي أي مرحلة يمر بها البلد يتم التعبير عن هذه السيادة وفق الإرادة الشعبية".

بذور الاختلاف موجودة
وعن طبيعة صلاحيات الحكومة المؤقتة أوضح سليمان أن التركيبة الراهنة لتلك الحكومة تحمل في طياتها بذور الاختلاف حول طبيعة اقتسام السلطة داخلها، وما بين تحديد الصلاحيات المنوطة بكل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. مضيفا أنه لا يوجد وضوح تام بشأن المرجعية السياسية عند الاختلاف على تلك المسائل.

وأضاف أن نفس الاختلاف موجود داخل الطرف الأميركي، ودلل على ذلك بأن عملية انتقال السفير الأميركي الجديد في العراق جون نيغروبونتي إلى العراق في نفس الوقت الذي غادر فيه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بغداد، أسفرت عن وجود حاكم مدني أميركي جديد بمسمى سفير، وسيكون هناك حاكم عسكري جديد هو الجنرال كيسي، وبين الاثنين لا يوجد وضوح بشأن طبيعة الصلاحيات والمرجعية الميدانية، الأمر الذي سينعكس سلبا على قضية الأمن في نهاية المطاف.

وتساءل سليمان عن حكومة تتسلم السيادة ثم لا يكون لها قدرة على التحكم في حماية الحدود البحرية والجوية والبرية للبلد، وتظل سلطة الاحتجاز والاعتقال في يد القوات الأميركية. وليس من الواضح تماما ماذا سيجري عندما تقرر تلك الأخيرة، وتحت مسمى القوات المتعددة الجنسيات القيام بأعمال عسكرية واسعة تسمى "حساسة"، هل ستذعن هذه الحكومة؟ وهل في مقدورها ألا تذعن أصلا؟


العالم يركز على انتقال السلطة للعراقيين، لكننا في حقيقة الأمر نشهد انتقالا آخر للملف العراقي من دهاليز وزارة الدفاع الأميركية إلى أروقة وزارة الخارجية الأميركية، هذا الانتقال يشوبه الكثير من العقبات والألغام

ارتباك وغموض
وعن طبيعة الدور الأميركي في العراق خلال المرحلة المقبلة توقع سليمان استمرار ما أطلق عليه حالة "الارتباك" على كل من المستوى الأميركي والعراقي، موضحا أن العالم يركز على انتقال السلطة للعراقيين، لكننا في حقيقة الأمر نشهد انتقالا آخر للملف العراقي من دهاليز وزارة الدفاع الأميركية إلى أروقة وزارة الخارجية الأميركية، هذا الانتقال يشوبه الكثير من العقبات والألغام، فليس واضحا كيف سيتم التعامل الميداني مع المشكلات المستعصية الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها في العراق، وكيفية تعامل كل من الذراع السياسية الدبلوماسية والذراع العسكرية الأميركية على السطح العراقي.

وشدد سليمان على أن معظم تحركات الإدارة الأميركية الحالية على مستوى السياسة الداخلية والخارجية منصبة باتجاه نجاح الرئيس الأميركي جورج بوش في الانتخابات القادمة، الأمر الذي يعني تراجع الأولويات الأساسية للشعب العراقي على طاولة هذه الإدارة، وبالتالي سيشهد الوضع العراقي مزيدا من الارتباك والفوضى والعنف في المرحلة القادمة، مما يعني تصاعد التحديات الأساسية أمنية كانت أم غير أمنية أمام الحكومة الانتقالية، وبصورة قد تعرض كل هذه الترتيبات إلى الضياع والدخول في المجهول خاصة إذا تصاعدت عمليات العنف واستهدفت رموزا بارزة في تلك الحكومة، في تلك الحالة سيفتح المجال أمام القوى المعارضة للترتيبات الأميركية والحكومة المؤقتة لمحاولة إحداث فراغ سياسي يدفع بالأمور إلى الوراء.
______________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة