مستوحى من الفراشات.. تطوير أول طلاء نانوي موفر للطاقة والتكلفة في العالم

يمتاز الطلاء البلازموني بأنه خفيف الوزن للغاية، ويرجع ذلك إلى النسبة ما بين مساحة الطلاء الكبيرة إلى السماكة، إضافة إلى تحقيق التلوين الكامل بسماكة 150 نانومترا فقط، مما يجعله أخف طلاء في العالم

Colorful butterflies(Leopard Lacewing) on banana leaf
الترتيب الهندسي لجزيئات مادة عديمة اللون ينتج طيفا واسعا من الألوان (شترستوك)

استوحى ديباشيس تشاندا الباحث في جامعة سنترال فلوريدا والأستاذ بمركز تكنولوجيا العلوم النانوية التابع لجامعة كاليفورنيا من الفراشات فكرة لابتكار أول طلاء صديق للبيئة ذي ألوان متعددة.

ويفترض أن يصبح هذا الطلاء بديلا عن الملونات المعتمدة على الأصباغ الصناعية، ويرى تشاندا أن هذا الابتكار سيسهم في جهود توفير الطاقة والمساعدة في تخفيض الاحتباس الحراري.

وقد نشرت نتائج البحث الذي تقدم به في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) بتاريخ الثامن من مارس/آذار الماضي واعتبرته الدورية مقالة مميزة.

اختلاف اللون حسب الترتيب البنيوي للمادة

وصرح تشاندا في بيان صحفي نشر على الموقع الرسمي لجامعة سنترال فلوريدا بأن "مجموعة الألوان والأشكال في العالم الطبيعي مذهلة، بدءا من الزهور الملونة والطيور والفراشات، وصولا إلى الكائنات الموجودة تحت الماء، مثل الأسماك ورأسيات الأرجل".

وأضاف "ينتج الترتيب الهندسي لجزيئات مادة عديمة اللون طيفا واسعا من الألوان، في حين نحتاج دوما إلى وجود جزيئات جديدة لكل لون ناتج من الأصباغ الصناعية".

وحسب موقع "ساينس إيه بي سي" (Science ABC)، تحصل الفراشات على لونها من مصدرين رئيسيين: التصبغ والتقزح، فالتصبغ هو المسؤول عن اللون العادي، لأن أجنحة الفراشات تحتوي أيضا على أصباغ ملونة، خاصة الميلانين، مما يمنحها الألوان الداكنة من الأصفر والبني والأسود.

أما التقزح اللوني فهو ظاهرة يتغير فيها لون الكائن حسب الزاوية التي يُنظر إليه منها، ويحدث هذا عندما يمر الضوء عبر سطح شفاف فيه العديد من الطبقات المختلفة، وينعكس على هذه الأسطح العديدة ليعطي ألوانا مختلفة ذات شدة متفاوتة تتغير وفقا للزاوية التي تنظر إليها.

وتتكون أجنحة الفراشة من العديد من المقاييس الشفافة الدقيقة التي تساهم في التقزح اللوني، ويمنح الجمع بين كل هذه الانعكاسات أجنحة الفراشة لونها المتقزح.

تطبيق الطلاء البلازموني على أجنحة الفراشات المعدنية إشارة إلى الحشرة التي ألهمت الفريق بأساس فكرة البحث. مصدر الصورة جامعة سنترال فلوريدا
التقزح اللوني هو ظاهرة يتغير فيها لون الكائن حسب الزاوية التي يُنظر إليه منها (جامعة سنترال فلوريدا)

وقد ابتكر فريق البحث طلاء يستخدم الترتيب البنيوي النانوي للمواد عديمة اللون، وهي الألمنيوم وأكسيد الألمنيوم بدلا من الأصباغ لإنشاء الألوان، وسمي "الطلاء البلازموني".

تتحكم الملونات الصباغية في امتصاص الضوء اعتمادا على الخاصية الإلكترونية لمادة الصباغ التي تتطلب وجود جزيء جديد لكل لون، في حين تتحكم الملونات البنيوية في طريقة انعكاس الضوء أو تشتيته أو امتصاصه اعتمادا على الترتيب الهندسي للبنى النانوية.

وتعتبر هذه الألوان البنيوية صديقة للبيئة، لأنها تستخدم المعادن والأكاسيد فقط على عكس الألوان من الأصباغ الحالية التي تستخدم جزيئات صناعية، وقد أدمج الباحثون رقائق الألوان البنيوية الخاصة بهم مع مادة رابطة لتشكيل دهانات طويلة الأمد من جميع الألوان.

وأوضح تشاندا أن اللون في الطلاء المطور يدوم لفترة طويلة قائلا "يتلاشى اللون الطبيعي في الطلاء التقليدي، لأن الصبغة تفقد قدرتها على امتصاص الفوتونات، أما في الطلاء البلازموني فسيدوم اللون الهيكلي/ البنيوي لقرون عدة".

يساهم في تبريد الجسم المطلي

يمتص الطلاء البلازموني حرارة أقل، نظرا لأنه يعكس طيف الأشعة تحت الحمراء بالكامل، مما يؤدي إلى بقاء السطح السفلي أكثر برودة بمقدار 13 إلى 16 درجة مئوية مقارنة بدرجة حرارته فيما لو كان مغطى بطلاء تقليدي تجاري.

وقال تشاندا "إن أكثر من 10% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة يستهلك لاستخدام مكيفات الهواء".

وأضاف أن "الفرق في درجات الحرارة التي يمكن الحصول عليها باستخدام الطلاء البلازموني سيؤدي إلى توفير كبير في الطاقة، وهكذا فإن استخدام قدر أقل من الكهرباء للتبريد من شأنه أن يقلل أيضا انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما أنه يقلل ظاهرة الاحتباس الحراري".

الطلاء البلازموني خفيف الوزن ويساهم في تبريد الجسم المطلي (غيتي إيميجز)

خفيف الوزن

ووفق تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) يمتاز الطلاء البلازموني بأنه خفيف الوزن للغاية، ويرجع ذلك إلى النسبة ما بين مساحة الطلاء الكبيرة إلى السماكة، إضافة إلى تحقيق التلوين الكامل بسماكة 150 نانومترا فقط، مما يجعله أخف طلاء في العالم.

ونظرا لخفة وزنه فإن 1.4 كيلوغرام منه يمكن أن تغطي طائرة "بوينغ 747″، والتي تتطلب عادة أكثر من 454 كيلوغراما من الطلاء التقليدي.

وأوضح تشاندا أن الخطوات التالية للمشروع تستهدف استكشاف جوانب توفير الطاقة للطلاء المطور، بهدف تحسين الجدوى الاقتصادية منه وإمكانية تسويقه تجاريا، مع العلم أن إنتاجه لا يزال يقتصر على المختبر الأكاديمي، والذي يعتبر أمرا مكلفا مقارنة بالتكلفة الأقل نسبيا للطلاء التقليدي المصنّع في منشآت كبيرة، حيث يمكن إنتاج مئات الغالونات منه.

ويؤمن تشاندا بأنه لا بد من "تطوير شيء مختلف عن الطلاء التقليدي يكون ذا وزن خفيف وعديم السّمية ويلعب دورا في تبريد الجسم الذي يطلى به".

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية