كيف أثر وصول الجرذان إلى المحيط الهندي على نظامنا البيئي البحري؟

الدراسة قدمت العديد من الأدلة على أن الجرذان التي تغزو هذه الجزر لها تأثير كبير على كل من النظم البيئية البرية والبحرية، وأن القضاء عليها سيسمح بتحقيق فوائد متعددة في النظام البيئي.

أثر الفئران الغازية التي نقلتها المراكب للجزر في المحيط الهندي، مما تسبب في تضرر الطيور البحرية في تلك الجزر (قلة أعدادها) وكذلك تأثر أسماك الشعاب المرجانية هناك المصدر: جامعة لانكستر
وصول الجرذان الغازية أدى إلى تغيير سلوك بعض الأسماك في النظام البيئي البحري بشكل مثير للدهشة (جامعة لانكستر)

توصلت دراسة حديثة، قادها باحثون من جامعة لانكستر Lancaster University" ببريطانيا، بمشاركة باحثين من جامعة ليكهيد University Lakehead في كندا، إلى الكشف ولأول مرة عن التأثير الكبير الذي أحدثته الجرذان منذ وصولها إلى المحيط الهندي في القرن الـ19 على الطيور وعلى سلوك الأسماك، وقد انعكس ذلك على النظام البيئي البحري هناك.

الجرذان تهدد النظام البيئي البحري

حسب الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر إيفوليوشن آند إيكولوجي"Nature Evolution & Ecology" في الخامس من يناير/ كانون الثاني الجاري، فإن التفاعل المتسلسل الذي نتج عن وصول الجرذان -التي تم نقلها في مخازن السفن التجارية في القرن الـ17 إلى الجزر الصغيرة في المحيط الهندي- أدى إلى القضاء على بعض أنواع الطيور، وتغيير سلوك بعض الأسماك في النظام البيئي البحري بشكل مثير للدهشة.

وأظهر توثيق وصول الجرذان إلى جزر المحيط الهندي أن الضحايا الرئيسيين لهذه القوارض هي الطيور البحرية التي تتكاثر وتعشش هناك، في حين كشفت الدراسة الحديثة، ولأول مرة، أن تأثير الجرذان التي غزت تلك الجزر لا يتوقف عند هذا الحد، وإنما هدد النظام البيئي البحري بشكل عام.

وركز الباحثون البريطانيون على مراقبة سلوك سمكة الدامسل ذات النقاط الزرقاء "Damselfish"، ولاحظوا أنها تتوسع على نطاقات كبيرة في الجزر التي توجد بها الجرذان.

أثر الفئران الغازية التي نقلتها المراكب للجزر في المحيط الهندي، مما تسبب في تضرر الطيور البحرية في تلك الجزر (قلة أعدادها) وكذلك تأثر أسماك الشعاب المرجانية هناك المصدر: nature ecology and evolution
في الجزر الصغيرة الموبوءة تلتهم الجرذان البيض والصيصان فتتراجع كثافة الطيور (نيتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن)

انخفاض الطيور والنباتات والسماد الطبيعي

كشفت الدراسة التي قارنت بين 5 مناطق غزتها الجرذان و5 مناطق تخلوا من القوارض، عن التفاعل المتسلسل الذي أدى إلى هذا السلوك.

في الجزر الصغيرة الموبوءة تلتهم الجرذان البيض والصيصان، وهو ما نتج عنه تراجع كثافة الطيور بـ 720 مرة أقل من السابق.

بالمقابل، إذا كانت الطيور تتغذى في البحر فإنها تطلق "ذرقها" على الأرض، ثم تنقلها الأمطار لتقوم بتخصيب الطحالب والنباتات البحرية بمغذياتها.

والذرق هي فضلات الطيور البحرية التي تتحول إلى سماد غني بالنتروجين والبوتاسيوم والفوسفات. وأكثر دول العالم إنتاجا لهذا السماد الطبيعي هي تلك التي تكثر الطيور على شواطئها وجزرها المتناثرة، مثل دولة البيرو.

ونتيجة لتغذي الجرذان على الصيصان، فقد لاحظ الباحثون أن تركيز النتروجين يصبح أقل بمقدار 251 مرة في النظام البيئي المحيط بالجزر الموبوءة بالقوارض، كما تصبح النباتات أقل وفرة نتيجة لنقص الفضلات.

يفسر هذا الأمر سلوك الأسماك التي تصبح مجبرة على التوسع في الجزر التي تغزوها القوارض، بحثا عن الغذاء الذي تراجع بسبب انخفاض فضلات الطيور ومعها الطحالب.

وخلافا للظروف العادية، ففي الجزر التي توجد بها طيور بحرية سليمة تدافع سمكة الدامسل بشراسة عن رقعتها الجغرافية الصغيرة التي لا تتجاوز نصف متر مربع من الشعاب المرجانية لحماية مصدر غذائها من طحالب العشب.

في المقابل، نجد أن الأسماك في الجزر الموبوءة بالجرذان تحتاج إلى مساحات أكبر للتوسع، (يلزمها متوسط 0.62 متر مربع في الجزر الموبوءة بالجرذان، مقابل متوسط 0.48 متر مربع في الجزر الخالية من الجرذان)، لأن الطحالب في هذه الجزر تكون أقل ثراء بالمغذيات بسبب غياب فضلات الطيور البحرية.

وجود الجرذان في الجزر يمكن أن يغير ويعدل النظام البيئي برا وبحرا (شترستوك)

الجرذان قادرة على تغيير النظام البيئي

يعتقد الباحثون أن وجود الجرذان في الجزر لا يتوقف تأثيره عند هذا الحد، إنما يمكن أن يغير ويعدل النظام البيئي على نطاق أوسع، سواء من حيث توزيع الأنواع البحرية ووفرتها، أو من حيث صفاتها الوراثية أو قدرتها على مقاومة التغير المناخي، وقد بدأت بالفعل الدراسات تبحث في هذا الاتجاه.

وحسب تصريح الباحثة راشيل جان، في بيان صحفي الجامعة، فإن الدراسة قدمت العديد من الأدلة على أن الجرذان التي تغزو هذه الجزر لها تأثير كبير على كل من النظم البيئية البرية والبحرية، وأن القضاء عليها سيسمح بتحقيق فوائد متعددة في النظام البيئي، واستعادة السلوك الطبيعي لأسماك الدامسل، التي يمكن أن تتوسع لتفيد تكوين مجتمع الشعاب المرجانية وقدرته على الصمود.

المصدر : مواقع إلكترونية