لاستيطان المريخ.. باحثون يعالجون تربته بالبرسيم ومياهه بالبكتيريا الزرقاء

على الرغم من النتيجة الإيجابية للدراسة الحديثة، يرى الباحثون أن العيش والعمل على المريخ سيكون أمرا صعبا، لأن هناك آلاف الأشياء التي يجب أن تسير على ما يرام؛ من الحماية من الإشعاع إلى أنظمة دعم الحياة.

نمو نباتات الفجل في تربة بازلتية معالجة باستخدام مياه عذبة (يسار) ومياه غير مفلترة (وسط) ومفلترة (يمين) (دورية بلوس وان)

كيف يمكن لرواد الفضاء في المستقبل، في حالة التغلب على بقية صعوبات الوصول إلى المريخ والعيش فيه، توفير احتياجاتهم من الماء والغذاء؟ الإجابة جاءت في دراسة نُشرت حديثا في دورية "بلوس وان" (PLOS One) في 17 أغسطس/آب الجاري، اختبرت جدوى جعل الثرى المريخي (الطبقة السطحية من المواد الصخرية المفككة) مناسبا لزراعة الطعام.

وفي ضوء الدراسة، يرى الباحثون من جامعة ولاية أيوا (Iowa State University) أن التحدي الأساسي في البعثات البشرية إلى المريخ يتمثل في إمكانية إنتاج الأطعمة باستخدام الموارد المتاحة، مثل التربة والمياه والمغذيات والإشعاع الشمسي المتاح على المريخ.

تربة المريخ وماؤه

لكن المحتوى الغذائي المنخفض لتربة المريخ وارتفاع ملوحة المياه فيها يجعلانها غير صالحة للاستخدام المباشر لزراعة المحاصيل الغذائية على المريخ، فتربة المريخ عبارة عن غبار بازلتي إلى حد كبير، أي أجزاء من الصخور البركانية القديمة، وبها العديد من المكونات الأساسية للحياة، لكن بها أوجه قصور أيضا.

فنظرا لعدم وجود الكربون العضوي، فإن الثرى لا يحتفظ بالمياه جيدا ويخلو من العناصر الغذائية التي تتطلبها الخضراوات لتزدهر، ولذلك من الضروري تطوير إستراتيجيات لتعزيز المحتوى الغذائي في تربة المريخ وتحلية المياه المالحة للبعثات الطويلة الأمد.

يحتوي المريخ أيضا على كثير من الماء، لكنه إما متجمد في القمم الجليدية عند القطبين، أو في خزانات مالحة تحت الأرض. ولمعرفة إذا كان بإمكانهم جعل المياه المالحة مفيدة لزراعة المحاصيل، وضع الباحثون بكتيريا زرقاء بحرية تسمى المتعاقبة الحبيبية (Synechococcus)، من السلالة "بي سي سي 7002" (PCC 7002) في محلول ملحي مقلد لماء المريخ المالح.

وقد نجحت البكتيريا الزرقاء في تحلية المياه المالحة بشكل فعال، ويمكن تحسين تحلية المياه بشكل أكبر عن طريق تصفيتها بتمرير المياه عبر طبقات من الصخور البازلتية.

نمو البرسيم في التربة البازلتية المحاكية للثرى مقارنة بتربة الحديقة (دورية بلوس وان)

سحر نبات البرسيم

استخدم الباحثون المياه العذبة الناتجة لزراعة البرسيم والخضراوات الأخرى، وذلك قدم دليلا على مفهوم الاستخدام في الموقع لكل من مياه المريخ وتربته لزراعة نباتات صالحة للأكل.

ويتمثل الإنجاز الرئيس للدراسة في أن نباتات البرسيم تصنع سمادا حيويا ممتازا لتعزيز المحتوى العضوي للتربة الخاملة، وأن البكتيريا الزرقاء يمكن أن تساعد في تحلية مصادر المياه الشديدة الملوحة في المريخ.

وأظهرت النتائج أن البرسيم ينمو جيدا في تربة الثرى البازلتية المحاكية المحدودة المغذيات، ومن ثم تم سحق البرسيم وإضافته إلى التربة لتسميدها به، فأتاح ذلك نمو نباتات أكثر تعقيدا وتغذية مثل اللفت والفجل والخس.

وكتب الباحثون في الدراسة "من حيث المبدأ، من الممكن زراعة المحاصيل الغذائية في تربة الثرى المريخية البازلتية المعالجة، لكنها ليست مثالية، ولم تكن نباتات اللفت المزروعة في مزيج البرسيم والثرى صحية مثل نظيراتها الأرضية".

ويمكن للنباتات المزروعة على المريخ بالتأكيد تزويد رواد الفضاء بالعناصر الغذائية الأساسية، لكنها لن تكون كثيفة السعرات الحرارية. ومع ذلك، فإنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

وعلى الأقل سيكون الأمر كذلك إذا كانت مصادر المياه المريخية صالحة للاستعمال.

نمو نباتات اللفت بعد 6 أسابيع في التربة البازلتية المحاكية للثرى المريخي (دورية بلوس وان)

 العيش على المريخ أمر صعب

التجربة كانت من بنات أفكار بوجا كاسيفيسواناثان البالغة من العمر 19 عاما، طالبة البيولوجيا في السنة الثالثة في جامعة ولاية أيوا، التي قالت لمجلة "فوربس" (Forbes) إن "الفكرة الرئيسة وراء هذا المشروع هي أن تكون قادرا على دمج حالتين من ظروف محاكاة كوكب المريخ، وتحليل تأثير هذه الظروف في نمو النبات، وتقديم علاجات لنمو النبات المستدام".

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يحاكي فيها العلماء تربة المريخ لمحاولة زراعة الغذاء، فقد وصفت ورقة بحثية نشرت في دورية "أوبن أغريكالشر" (Open Agriculture)، عام 2019، 10 نباتات مختلفة مزروعة في التربة التي تحاكي تربة المريخ وكذلك تربة القمر، وقد نمت جميع النباتات جيدا باستثناء نبات السبانخ.

وفي دراسة أخرى أجراها المركز الدولي للبطاطس (CIP) عام 2017، بالاشتراك مع مركز أبحاث "أميس" التابع لوكالة ناسا، اختبر الباحثون إذا كانت البطاطس يمكن أن تنمو في ظروف تشبه المريخ على قمر صناعي صغير.

كانت التجربة ناجحة، وخلصت إلى أن أي مهام مستقبلية تتضمن زراعة البطاطس على المريخ تحتاج إلى تحضير التربة بمغذيات مضافة.

وعلى الرغم من النتيجة الإيجابية للدراسة الحديثة، يرى الباحثون أن العيش والعمل على المريخ سيكون أمرا صعبا، لأن هناك آلاف الأشياء التي يجب أن تسير على ما يرام، من الحماية من الإشعاع إلى أنظمة دعم الحياة، ومن ثم هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به.

وستكون الخطوة التالية اختبار نمو الحبوب والمحاصيل البقولية في تربة المريخ.

المصدر : مواقع إلكترونية