برصده أقدم مجرة على الإطلاق.. رقم قياسي جديد لتلسكوب جيمس ويب

تكمن أهمية الاكتشاف في قدرتنا على فهم تاريخ المجرات وكيفية تطورها، فمن الصعب فهم المجرات بدون فهم الفترات الأولية لتطورها، والكثير مما يحدث لاحقا يعتمد بالأساس على تأثير هذه الأجيال المبكرة من النجوم.

جمع الفريق البحثي الضوء من 250 مجرة خافتة، مما سمح لهم بدراسة الأنماط المطبوعة على الطيف بواسطة الذرات في كل مجرة (ناسا)

كشفٌ جديد مذهل يحققه تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي التابع لـ"وكالة الفضاء الأميركية الوطنية" (NASA) بفضل تطوير اثنين من الأدوات الموجودة على متنه: الكاميرا القريبة من الأشعة تحت الحمراء "نيركام" (NIRCam) وجهاز الطيف بالأشعة تحت الحمراء القريبة "نيرسبيك" (NIRSpec)، والتي استطاعت رصد أقدم المجرات حتى الآن.

أقدم المجرات المكتشفة

استغرق الضوء من هذه المجرات أكثر من 13.4 مليار سنة للوصول إلينا، حيث يعود تاريخ هذه المجرات إلى أقل من 400 مليون سنة بعد الانفجار العظيم، عندما كان الكون 2% فقط من عمره الحالي.

ورغم أن البيانات السابقة من ويب قد قدمت مرشحين لمثل تلك المجرات الوليدة، فقد تم تأكيد هذه الأهداف من خلال الحصول على ملاحظات طيفية، والكشف عن أنماط مميزة في علامات الضوء القادمة من هذه المجرات الخافتة بشكل كبير.

تقول عالمة الفلك والمؤلفة المشاركة إيما كورتيس ليك من جامعة هيرتفوردشاير بالمملكة المتحدة في تقرير نشرته وكالة ناسا في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الجاري "كان من الضروري إثبات أن هذه المجرات تسكن الكون المبكر بالفعل. من الممكن جدا أن تتنكر المجرات الأقرب في شكل مجرات بعيدة جدا. إن رؤية أطيافها يؤكد أن هذه المجرات على الحافة الحقيقية لرؤيتنا، وبعضها أبعد مما يمكن أن يراه هابل! إنه إنجاز مثير للغاية".

المجرات الأربع التي تم رصدها تقع عند انزياح أحمر فوق 10، بما في ذلك اثنتان عند الانزياح الأحمر 13 (ناسا)

رؤية واضحة للكون المبكر

اجتمعت في عام 2015 فرق تطوير الأدوات معا لتقدم ما يسمى "مسح تلسكوب جيمس ويب الفضائي المتقدم العميق خارج المجرة" (جيدز) (JADES)، وهو برنامج طموح تم تخصيص ما يزيد قليلا على شهر واحد من وقت التلسكوب له على مدار عامين، ومصمم لتوفير رؤية للكون المبكر لم يسبق لها مثيل في العمق والتفاصيل، كما أنه نتاج تعاون دولي لأكثر من 80 عالم فلك من 10 دول.

يصف المؤلف المشارك مارسيا ريكام -الباحث الرئيسي في تطوير الكاميرا القريبة من الأشعة تحت الحمراء، من جامعة أريزونا في توكسون- النتائج بأنها "تتويج لسبب انضمام فريقي "نيركام" (NIRCam) و"نيرسبيك" (NIRSpec) معا لتنفيذ برنامج المراقبة هذا".

ما لم يصل إليه هابل

بدأ برنامج جيدز مع نيركام باستخدام أكثر من 10 أيام من وقت المهمة لمراقبة المجال داخل وحول الحقل شديد العمق التابع لتلسكوب هابل الفضائي، الذي كان لأكثر من 20 عاما هدفا لجميع التلسكوبات الكبيرة تقريبا، مما أدى إلى بناء مجموعة بيانات حساسة بشكل استثنائي تغطي الطيف الكهرومغناطيسي الكامل، ثم جاء جيدز ليراقب هذا المجال بـ9 ألوان مختلفة من الأشعة تحت الحمراء، وإنتاج صور رائعة للسماء هي الأكثر خفوتا والأدق حتى الآن.

يقول المؤلف المشارك برانت روبرتسون من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز -وهو عضو في الفريق العلمي لنيركام- "لأول مرة، اكتشفنا مجرات تبعد 350 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم، ويمكننا أن نكون واثقين تماما من مسافاتها الرائعة. إن العثور على تلك المجرات المبكرة في مثل هذه الصور الجميلة بهذا الشكل المذهل هو تجربة فريدة".

أضواء خافتة

ويمكن تمييز المجرات في الكون المبكر من خلال مظهر ألوانها متعددة الأطوال الموجية، حيث يمتد الضوء في الطول الموجي مع توسع الكون، وقد تمدد الضوء الصادر من هذه المجرات الأصغر بمعامل يصل إلى 14.

وفي حين يبحث علماء الفلك عن المجرات الخافتة التي يمكن رؤيتها في الأشعة تحت الحمراء، إلا أن ضوءها ينقطع فجأة عند طول موجي حرج، ويتغير موقع القطع داخل طيف كل مجرة بسبب تمدد الكون، وقد قام فريق جيدز بمسح صور ويب بحثا عن هؤلاء المرشحين المميزين.

استخدم الباحثون بعد ذلك أداة "نيرسبيك" (NIRSpec) لفترة مراقبة واحدة تمتد 3 أيام يبلغ مجموعها 28 ساعة من جمع البيانات، وجمع الفريق الضوء من 250 مجرة خافتة، مما سمح لعلماء الفلك بدراسة الأنماط المطبوعة على الطيف بواسطة الذرات في كل مجرة، الأمر الذي أسفر عن قياس دقيق للانزياح الأحمر لكل مجرة وكشف عن خصائص الغاز والنجوم في هذه المجرات.

يقول عالم الفلك والمؤلف المشارك ستيفانو كارنياني من "المدرسة العادية العليا" (Scuola Normale Superiore) في إيطاليا "هذه هي -إلى حد بعيد- أضعف أطياف الأشعة تحت الحمراء التي تم التقاطها على الإطلاق. إنها تكشف عما كنا نأمل أن نراه: قياس دقيق لطول موجة الضوء بسبب تشتت الهيدروجين بين المجرات".

يتم تثبيت الكاميرا القريبة من الأشعة تحت الحمراء في وحدة الجهاز لتلسكوب جيمس ويب الفضائي (ناسا)

حساسية فائقة

بفضل حساسية ويب الرائعة قدمت نتائج دراسة البيانات تأكيدا طيفيا على أن المجرات الأربع التي تم رصدها تقع عند انزياح أحمر فوق 10، بما في ذلك اثنتان عند الانزياح الأحمر 13، وهذا يتوافق مع وقت كان فيه الكون يبلغ حوالي 330 مليون سنة.

وعلى الرغم من خفوت الضوء القادم منها يستطيع العلماء الآن استكشاف ودراسة خصائصها.

وتكمن أهمية الاكتشاف في قدرتنا على فهم تاريخ المجرات وكيفية تطورها. كما يوضح عالم الفلك والمؤلف المشارك ساندرو تاكيلا من جامعة كامبردج في المملكة المتحدة أنه "من الصعب فهم المجرات دون فهم الفترات الأولية لتطورها".

ويضيف "كما هو الحال مع البشر، يعتمد الكثير مما يحدث لاحقا على تأثير هذه الأجيال المبكرة من النجوم. الكثير من الأسئلة حول المجرات تنتظر الفرصة التحويلية لويب، ويسعدنا أن نتمكن من لعب دور في الكشف عن هذه القصة ".

المصدر : ناسا