تلال ترابية مرتفعة تكشف عن مهارات هندسية مذهلة لسكان أميركا الأصليين

Poverty Point in northern Louisiana is one of the first US civilizations on record, الصورة من commons.wikimedia.org
منطقة "بفرتي بوينت" من أقدم المناطق التي سجلت بداية الحضارة الأميركية القديمة (ويكيميديا كومونز)

تعتبر منطقة "بفرتي بوينت" (Poverty Point) الأثرية الموجودة شمالي ولاية لويزيانا الأميركية واحدة من أقدم المناطق التي سجلت بداية الحضارة الأميركية القديمة؛ حيث سكن هذه المنطقة مجموعة من السكان الأصليين منذ ما يقرب من 3 آلاف عام.

مهندسون مهرة

وعادة يُربط نمط حياة السكان الأصليين ببساطة العيش وأولية الهندسة والعمارة، غير أن دراسة حديثة نشرت في دورية "ساوث إيسترن أركيولوجي" (Southeastern Archaeology) في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري أشارت إلى أن السكان الأصليين لهذه المنطقة كانوا مهندسين مهرة، وليسوا كما عرف عنهم من قبل أنهم كانوا صيادين وجامعي طعام بسطاء فحسب.

إذ تشير البنايات الترابية العملاقة التي شُيّدت في منطقة بفرتي بوينت -في وقت زمني لا يتعدى بضعة أسابيع أو أشهر- إلى أن السكان الأصليين الذين عاشوا في تلك المنطقة كانوا على دراية جيدة بالهندسة والبناء.

يحتوي الموقع على مجموعة من التلال التي يرتفع أحدها لأكثر من 20 مترا (ويكيبيديا – ماكسميلان دوربيكر)

ومن بين البنايات الترابية التي توجد في منطقة بفرتي بوينت -التي تصنف موقعا للتراث العالمي- تل يرتفع لأكثر من 20 مترا فوق سطح الأرض. ومن المعروف أن التلال ليست ضمن مشاريع البناء التي تشيد بشكل سهل ومباشر، بل إنها تحتاج إلى نقل ملايين الأمتار المكعبة من التربة، ومن ثم تكديسها فوق بعضها بعضا حتى يتم إنشاء تل مرتفع.

ويذكر تريسترام كيدر، عالم الآثار وقائد الدراسة، في البيان الصحفي الذي نشرته جامعة "واشنطن في سانت لويس" (Washington University in St. Louis) أن "أعمال الحفر من الأمور الاستثنائية التي تبرز في تلك المنطقة والتي تماسكت من دون أن تنهار أو تتآكل لأكثر من 3 آلاف عام".

صمود فائق

ويردف كيدر قائلا إن "مقارنة بسيطة لتلك التلال مع الجسور والسدود والطرق الحديثة التي تنهار بوتيرة منتظمة في يومنا هذا تبرهن أن تشييد البنايات من التربة أمر أكثر تعقيدا مما نعتقد. لقد كان السكان الأصليون مهندسين مهرة يتمتعون بمعرفة تقنية متطورة للغاية".

للوصول إلى تلك النتائج، استخدم الباحثون تقنيات مختلفة كالتأريخ بالكربون المشع وإجراء قياسات مغناطيسية وتحاليل مجهرية للتربة لمعرفة الإطار الزمني الذي شيدت خلاله هذه التلال. ولم تظهر طبقات التربة التي استخدمت في تشييد هذه التلال أي علامات على تعرضها للتجوية (تحلل أو تآكل التربة ومكوناتها إثر التعرض للعوامل الجوية المختلفة).

لم تتعرض التلال للانهيار رغم كميات الأمطار الكبيرة التي اجتاحتها خلال آلاف السنين (ويكيبيديا – بيلي هاثورن)

وبالتالي، فإن هذه الطبقات لم تترك لفترات طويلة من الزمن. ولذا فإن مستويات التلال المختلفة ذات بنية واحدة، مما يشير إلى أن هذه التلال قد شيدت في وقت زمني قصير.

وعلى الرغم من تعرض هذه التلال لكميات كبيرة من الأمطار التي اجتاحت خليج المكسيك على مدار آلاف السنين، فإنها ظلت باقية من دون أي تلف أو انهيار. مما يشير إلى أن السكان الأصليين قد استخدموا خليطا فريدا من أنواع مختلفة من التربة -بما في ذلك الطين والطمي والرمل- لتشييد بنايات يمكنها الصمود أمام الزمن.

سر غامض

ولم يكن البشر في ذاك الوقت على دراية باستخدام الأدوات الحديثة، أو الحيوانات الأليفة، أو حتى العربات لجمع التربة المكونة لتلك التلال، أو لحفر هذه الكمية الهائلة من التربة ونقلها إلى الموقع الصحيح.

ويستطرد كيدر قائلا إن "الأميركيين الأصليين استخدموا طرقا متطورة لخلط الأنواع المختلفة من المواد لجعلها متماسكة وغير قابلة للانهيار بدون ضغطها، وذلك على غرار الخرسانة الرومانية وتقنيات دك التربة التي استخدمت في الصين. بالطبع، هناك سر خلاب لم يتمكن مهندسونا المعاصرون من معرفته بعد".

استخدم السكان الأصليون طرقا متطورة لخلط الأنواع المختلفة من المواد لجعلها متماسكة (يوريك ألرت)

ووقفا لكيدر وفريقه البحثي، فإن تشييد هذه الإنشاءات الموجودة في منطقة بفرتي بوينت يشير إلى أنها تطلبت أشخاصا ذوي أدوار قيادية وآخرين ضمن مجموعة كبيرة من العمالة، وذلك على الرغم من أنهم -الباحثين- لم يعرفوا أي نوع من السياسة في تلك الفترة.

ويضيف كيدر قائلا إنه يعتقد أن "تلك المنطقة ربما كانت مزارا دينيا. غير أن ساكنيها قد هجروها منذ 3 آلاف عام تقريبا بسبب تغير المناخ والفيضانات".

ويختتم كيدر قائلا إنه "على الرغم من أننا لم نقدر قيمة السكان الأصليين وقدرتهم على القيام بأعمال كهذه من قبل وفي هذه الفترة الوجيزة وبالطرق التي شيدت بها، فإننا نعترف اليوم بشكل واضح بإعجابنا بتلك البنايات وبهؤلاء البنائين المهرة".

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية