أسرار بناء مساكن النمل الأبيض.. أروع أمثلة العمارة على وجه الأرض

يتعاون أفراد النمل الأبيض لبناء مساكن فريدة (بيكساباي)

لا يَكُف النمل عن ضرب أروع الأمثلة في التعاون والمثابرة. فبينما لا تمتلك هذه الحشرة الاجتماعية من الأدوات ما يكفي، وعلى الرغم من هشاشة جسدها؛ إلا أنها تبني مساكن فريدة.

ألقت دراسة حديثة في الموقع الخاص بدورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" (Proceedings of the National Academy of Sciences)، التي ستنشر في عدد المجلة في 2 فبراير/شباط القادم، الضوء على الطريقة التي يبني بها هؤلاء البناؤون المهرة تلالهم المعقدة.

لقد أذهلت التلال التي يبنيها النمل الأبيض العلماء طيلة عقود ماضية؛ إلا أن العلماء في "كلية جون أ. بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية" (John A. Paulson School of Engineering and Applied Sciences) التابعة لـ"جامعة هارفارد" (Harvard University) قد تمكنوا مؤخرا من تطوير نموذج رياضي، يمكنهم من التنبؤ بالطريقة، التي تُبنى بها تلك البنايات المعقدة.

ووفق البيان الصحفي الذي نشرته الجامعة، يرى إل ماهاديفان، أستاذ الرياضيات التطبيقية والأحياء التطورية والفيزياء وقائد الدراسة، أن تلال النمل الأبيض هي من بين "أبرع أمثلة العمارة على كوكب الأرض". غير أن العلماء لا يعرفون الكيفية التي تبنى بها هذه التلال، أو الآلية التي تعمل بها، أو الغرض من بنائها بهذا الشكل.

أراضٍ مشتركة وتلال مشيدة

وفي دراسة سابقة أجراها الفريق ذاته توصلوا إلى أن التباين في درجات الحرارة صباحا ومساءا يؤدي إلى تدفق تيارات الهواء عبر تلك التلال.

الأمر الذي يسمح في النهاية بتهوية التلال وتناقل الفيرومونات (وهي مركبات عضوية تنتقل من كائن لآخر -خاصة الحشرات- عبر الهواء وبكميات ضئيلة جدا) كإشارات بين مستعمرات النمل، والتي تحفز بدورها أنشطة البناء داخل مستعمرات النمل الأبيض؛ إذ يبني النمل مستعمراته الفردية، التي تتصل بأرضيات مشتركة فيما بينها.

وفي الدراسة الحالية قام الفريق بتقصي الكيفية التي يبني بها النمل الأبيض أرضيات وطوابق هذه التلال، وكذلك المنحدرات التي تربط بين تلك الطوابق. في البداية، قام الباحثون بالتعاون مع علماء من "جامعة تولوز" (University of Toulouse) بفرنسا، وذلك لرسم الهياكل الداخلية لاثنتين من تلك التلال باستخدام التصوير المقطعي؛ مما مكنهم من تحديد تباعد وترتيب الأرضيات والمنحدرات.

إلا أن الأمر الأكثر إثارة كان في الكيفية التي تتصل بها تلك الطوابق المتعددة، حيث لاحظ العلماء أن النمل يبني منحدرات بسيطة لربط الأرضيات ببعضها، كما يقوم أيضا بتشييد ممرات لولبية تشبه المنحدرات، التي تربط كراجات السيارات متعددة الطوابق. قام الفريق بعد ذلك باستخدام النتائج التي توصلوا إليها سابقا مثل التباين في درجات الحرارة، وكذلك الإشارات الفيرومونية؛ لبناء نموذج رياضي يُمَكنهم من التنبؤ بشكل هذه التلال.

مساكن النمل ذات الطوابق المتعددة والمنحدرات التي تربط بينها (يوريك ألرت)

تأثير متبادل

ويعتقد الفريق أن مكونات هذه التلال، وكذلك الأماكن التي يوجد بها النمل الأبيض داخل التلال تختلف باختلاف الزمان والمكان. وهو ما يشرحه ألكساندر هيدي -المؤلف الأول للدراسة- قائلا "تحتوي المستعمرات على مئات الآلاف من أفراد النمل، التي تستشعر البيئة المحيطة بها، ومن ثم تتجاوب معها. فعندما تتحرك تيارات الهواء التي تتخلل التلال، فإنها تنقل معها إشارات الفيرومونات؛ مما يدفع النمل إلى تبنّي سلوك جديد".

غير أن النمل يقوم بتغيير شكل هذه المستعمرات من الداخل، إذ يحرك الطين من مكان لآخر، ومن ثم يغير الطريقة التي تنتقل بها الفيرومونات. وقد استطاع النموذج الرياضي الذي وضعه الفريق "التنبؤ بمقدار التباعد بين الطوابق، وكذلك التنبؤ بأماكن تكوين المنحدرات الخطية والممرات اللولبية، التي تربط بين الطوابق" كما يقول هيدي.

ومن ثم فإن هذه الدراسة تربط بين البيئة والجانب السلوكي وتغيرات المسكن الفيزيائية. وهو ما يصفه ماهاديفان قائلا "تبني الحشرات مسكنها المناسب استجابة لتركيزات الفيرومونات، إذ يلي ذاك التغير الفيزيائي في المسكن تغيرا في تدفق الفيرومونات، لتتغير سلوكيات النمل تبعا لذلك. وبالتالي، فإن البنية الفيزيائية للمسكن وبيولوجيا الكائن الحي تتأثر وتؤثر في سلوكه".

المصدر : الصحافة الأميركية