دراسة: سكان أميركا الشمالية الأصليون جاؤوا من مناطق عدة
محمد شعبان
أظهرت أربع جماجم اكتشفت حديثا بكهف في تولوم بالمكسيك وترجع إلى العصر الحديث المبكر، تنوعا مذهلا للبشر الأوائل ممن سكنوا أميركا الشمالية.
فطبقا للدراسة التي أعدها باحثو جامعة ولاية أوهايو في الولايات المتحدة والجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك ونشرتها دورية "بلس ون" يوم 29 يناير/كانون الثاني الماضي، فإن السكان الأوائل لأميركا الشمالية كانوا على قدر كبير من التنوع، وهو ما لوحظ من تباين شكلي مميز بين هذه الجماجم المكتشفة.
تنوع مذهل
احتوى الكهف الكلسي الساحلي في تولوم على ثمانية مواقع مختلفة ضم كل منها رفات عظام بشري يرجع تاريخه بين 8 و13 ألف عام. وقد تعرَّف مارك هوب وزملاؤه من جامعة ولاية أوهايو إلى أربع جماجم مكتملة الحفظ وموجودة في أماكن مختلفة من كهف تولوم.
واستخدم العلماء الأشعة المقطعية لفحص مجموعة البيانات المأخوذة بالأشعة السينية لبناء صورة ثلاثية الأبعاد لهذه الجماجم، ومن ثم أرخوا عمرها الزمني وقارنوها بالبيانات المرجعية المتوافرة عالميا لجمجمة الإنسان الحديث.
وأظهرت الجماجم المكتشفة تنوعا كبيرا وغير متوقع، وهو ما ذكره العلماء في تصريحهم الذي نقله موقع "يوريك أليرت" قائلين إنها تظهر أن "الأميركيين الأوائل كانوا يتمتعون بتنوع بيولوجي كبير منذ استعمارهم للقارة".
وتتحدى هذه الدراسة نتائج الأبحاث السابقة التي افترضت على الدوام تشابه هجرة البشر الأوائل في أميركا الشمالية بما اكتشف في أميركا الجنوبية، وهو ما يؤكد عليه هوب في تصريحه لمجلة "نيوزويك" قائلا "افترضنا دائما أن ما حدث في أميركا الجنوبية كان مماثلا لما حدث في أميركا الشمالية، إلا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في هذه المسألة، ومن ثم الحديث عن استيطان أميركا الشمالية بشكل مستقل تماما عن استيطان أميركا الجنوبية".
وكانت هذه الجماجم المكتشفة على درجة كبيرة من الأهمية لندرة الهياكل العظمية المكتشفة في أميركا الشمالية إذا ما قورنت بما تم اكتشافه في أميركا الجنوبية، وهو ما أوضحه هوب بقوله "عُثر على عدد قليل نسبيا من الهياكل العظمية القديمة المكتشفة في أميركا الشمالية والتي تقل عن 20 هيكلا عظميا، في حين عثر على 300 إلى 400 هيكل عظمي تزيد أعمارها عن 8000 عام في أميركا الجنوبية".
ارتباطات وثيقة بشعوب أخرى
أظهرت أقدم جمجمة مكتشفة ارتباطات شكلية وثيقة بينها وبين الأميركيين الحاليين ممن يقطنون غرينلاند وألاسكا، بينما أظهرت ثاني أقدم هذه الجماجم صلة وثيقة بالسكان الأوروبيين الحديثين، وهو ما يعد اكتشافا جديدا باستخدام هذا النوع من المقارنة المرجعية.
ومن بين الجمجمتين المتبقيتين، أظهرت إحداهما ارتباطا بالمجموعات الآسيوية وسكان أميركا الأصليين، في حين أشارت الأخرى إلى ارتباطات بينها وبين سكان القطب الشمالي، بالإضافة إلى احتوائها على بعض الميزات الحديثة لسكان أميركا الجنوبية.
وكانت هذه النتائج مثيرة للدهشة، فلم تظهر أي من الدراسات السابقة هذا التنوع والتي أشارت -على النقيض من ذلك- إلى أن الأشخاص الأوائل الذين وصلوا إلى الأميركتين كانوا مجموعة متجانسة نسبيا.
فقد بينت هذه الدراسات -التي أُجريت على رفات سكان أميركا الجنوبية الأوائل- وجود ارتباطات أصيلة بالمجموعات الأسترالية الميلانيزية وسكان أفريقيا الحاليين، بالإضافة إلى أنها أظهرت ارتباطا بينها وبين البشر الأوائل من العصر الجليدي المتأخر في كل من أوروبا وآسيا.
واستنتج العلماء أن مستعمري أميركا الشمالية الأوائل ربما كانوا على درجة كبيرة من التنوع الذي انخفض فيما بعد إثر انتشار بعض السكان في أميركا الجنوبية.
ومن هنا، تؤكد هذه الدراسة على الحاجة إلى متابعة الأدلة الأثرية الجديدة في جميع أنحاء القارة لبناء نماذج أكثر تماسكا لتنوع البشر الأوائل وهجرتهم وانتشارهم في جميع أنحاء الأميركتين.