إلى كل صناع المحتوى.. مستثمرو وادي السيليكون يريدون مقابلتكم

صناع المحتوى هم أشخاص يجذبون الجماهير عبر شبكة الإنترنت ويجدون طريقة لكسب المال من تلك الجماهير، وهم عادة من الشباب.

بدأت ثقافة المؤثرين عبر الإنترنت في جذب اهتمام جاد من شركات رأس المال الاستثماري الكبرى (نيويورك تايمز)

في الصيف الماضي (عام 2020)، لاحظ تاكر شرايبر -وهو مؤسس مشارك في شركة ناشئة تدعى "كومبو" (combo) يبلغ من العمر 28 عاما كان يعمل على بناء منصة لتحرير مقاطع الفيديو- الكثير من رسائل البريد الإلكتروني في صندوق بريده الوارد.

وعلى الرغم من أن شركته ليس لديها موظفون ولا منتجات ولم تقل إنها كانت تبحث عن المال؛ فإن المستثمرين كانوا يرسلون له تيارا من الرسائل.

وقال "لقد بدأت في تلقي 5 إلى 10 رسائل بريد إلكتروني واردة يوميا لمدة أسبوعين على التوالي من المستثمرين".

وكانت شركة شرايبر الناشئة تستفيد في ذلك الحين من طفرة في المستثمرين الذين يستهدفون ما يسمى بصناع المحتوى أو اقتصاد صناع المحتوى. وقد أدى الازدهار في اقتصاد صناع المحتوى نفسه إلى تجديد الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي بين أصحاب رؤوس الأموال الذين اعتقدوا لسنوات أنه لا جدوى من البحث عن شركات ناشئة اجتماعية مع أمثال "فيسبوك" (Facebook‬) و"سناب" (Snap) (التي تمتلك سناب شات) والتي تهيمن على السوق.

وصناع المحتوى هم أشخاص يجذبون الجماهير عبر شبكة الإنترنت ويجدون طريقة لكسب المال من تلك الجماهير، وهم عادة من الشباب، ومن المواطنين الرقميين الذين يحاولون كسب لقمة العيش من عملهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى كبار المستثمرين في وادي السيليكون على نحو متزايد أنها المسار المالي التالي الذي يجب استغلاله على الإنترنت.

ويعد اقتصاد صناع المحتوى -الذي يوفر وسائل رقمية للمؤثرين ويساعدهم في إدارة أعمالهم- سوقا ضخما غير مستكشف إلى حد كبير. وتقدر شركة "سيجنال فاير" (Signal Fire) لرأس المال الاستثماري أن 50 مليون شخص حول العالم يعتبرون أنفسهم صناع للمحتوى، بينما يقدر موقع أخبار التكنولوجيا "ذا إنفورماشين" (The Information) أن شركات رأس المال الاستثماري قد استثمرت ملياري دولار في 50 شركة ناشئة تركز على صناع المحتوى حتى الآن هذا العام (2021).

ويمكن أن يوفر هذا الاهتمام المتزايد من أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية التقليدية شرعية لما قد لا يزال يعتقد البعض أنه عمل هامشي. ويمكن أن يضيف أيضا إلى فكرة أن هذا العالم المتنامي للرقص والدردشة والكوميديا هو أكثر من مجرد ثقافة شبابية سريعة الزوال.

ولكن كما يقول المثل، لا تستثمر في عمال مناجم الذهب ولكن بع لهم أدواتهم؛ فإنه يبدو أن وادي السيليكون أكثر اهتماما بالوسائل والمنصات الرقمية التي يستخدمها صناع المحتوى من الاستثمار مباشرة في صناع المحتوى ذاتهم.

ففي الشهر الماضي (يونيو/حزيران) -على سبيل المثال- أخذت شركة "فواندرز فند" (Founders Fund) زمام المبادرة في جولة استثمارية بقيمة 15 مليون دولار لشركة "بيترا"(Pietra)، وهي شركة ناشئة تهدف إلى مساعدة المؤثرين على إطلاق خطوط الإنتاج. وفي أبريل/نيسان الماضي أعلنت شركة "سيفين سيفين سيكس" (Seven Seven Six) -وهي شركة استثمارية يديرها أليكسيس أوهانيان أحد مؤسسي "ريديت" (Reddit)- وشركة "بيسمير فينشيه بارتنرز" (Bessemer Venture Partners) عن استثمار بقيمة 16 مليون دولار في "بيربوب" (PearPop)، وهي منصة تساعد صناع المحتوى على استثمار تعاونهم وتفاعلاتهم مع وسائل التواصل الاجتماعي.

والقائمة تطول؛ ففي فبراير/شباط الماضي قادت شركة المشاريع البارزة "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) استثمارا في "ستير" (Stir)، وهي منصة تساعد صناع المحتوى على إدارة كيفية جني الأموال، واضعة بذلك قيمة الشركة عند مبلغ 100 مليون دولار.

وتلقى تطبيق "ديسبو"(Dispo) -وهو تطبيق لمشاركة الصور يحاكي تجربة الكاميرات الرقمية- 4 ملايين دولار في جولة تمويل بقيادة سيفين سيفين سيكس وجولة استثمارية إضافية بقيمة 20 مليون دولار بقيادة "سبارك كابيتل" (Spark Capital). وقادت شركة "بينشمارك" (Benchmark) جولة استثمارية يقال إن قيمتها تصل إلى 20 مليون دولار في "بوبورتسي" (Poparazzi)، وهو تطبيق يسمح لأصدقاء المستخدمين بنشر الصور على ملفاتهم الشخصية، مما يحول مجموعاتهم إلى "مصورين للمشاهير أو "الباباراتسي".

"ويعد اقتصاد صناع المحتوى -الذي يوفر وسائل رقمية للمؤثرين ويساعدهم في إدارة أعمالهم- سوقا ضخما غير مستكشف إلى حد كبير".

ومن ثم هناك "كلوب هاوس" (Clubhouse) الذي استحوذ على فئة الشباب والذي يولد الكثير من الضجة من وادي السيليكون ووسائل الإعلام وعالم الترفيه. وكلوب هاوس -الذي يتطلب دعوة للانضمام- عبارة عن شبكة اجتماعية مبنية حول غرف الدردشة الصوتية فقط. وفي أبريل/نيسان الماضي، جمع التطبيق 200 مليون دولار في جولة تمويل بقيادة "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz)، مما جعل تقييمها نحو 4 مليارات دولار.

وقال لي جين -مؤسس شركة "أتيليه" (Atelier) -وهي شركة استثمارية تركز على عالم صناع المحتوى عبر شبكة الإنترنت- "عندما بدأت العمل في رأس المال الاستثماري لأول مرة في عام 2016، كان هناك اعتقاد سائد يقول إنه سيكون من الصعب حقا ظهور شبكة اجتماعية رئيسية أخرى".

وقد قلبت "تيك توك" (TikTok) كل ذلك رأسا على عقب؛ فمن خلال التركيز على المؤثرين، فرض التطبيق تغييرات من شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية مثل "إنستغرام" (Instagram) و"تويتر" (Twitter) التي كانت قد ابتعدت عن خدمة الأشخاص الذين كانوا ينشئون المحتوى الشعبي على منصاتهم.

مكاتب TikTok في كولفر سيتي ، كاليفورنيا. سمح التطبيق باكتشاف شخصيات وسائل التواصل الاجتماعي الصاعدة بسهولة أكبر. روزيت راغو لصحيفة نيويورك تايمز
من مكاتب تيك توك في كولفر سيتي بكاليفورنيا (نيويورك تايمز)

وسمحت تيك توك باكتشاف شخصيات وسائل التواصل الاجتماعي الصاعدة بسهولة أكبر، وإعطائهم مسارا مباشرا أوضح لكسب المال من خلال "صندوق صناع المحتوى" التابع للشركة، والذي يدفع لصناع المحتوى مبلغا معينا استنادا إلى أعداد المشاهدة.

وقال لينوس والتون -نائب الرئيس في "تشيرنين غروب" (Chernin Group) وهي شركة استثمارية- "كانت المنصات الاجتماعية الأقدم تدور حول التفاعل مع أصدقائك عبر شبكة الإنترنت". وتابع أن الآن "الأمر كله يتعلق بأن تصبح ذاك المؤثر، أو أن تصبح نجم تيك توك الجديد الذي يشاهده جميع أصدقائك".

وساعدت خدمات الاشتراك مثل "أونلي فانز" (OnlyFans) و"باتريون" (Patreon) -حيث يدفع المعجبون لصناع المحتوى مقابل الوصول إلى المحتوى المتميز- المستثمرين أيضا على إدراك وجود حالة مكسب قوية في بناء وسائل لصناع المحتوى. والآن أصبحت كلمة "صانع محتوى" كلمة طنانة، يتم إلحاقها بجميع أنواع الشركات لجذب المستثمرين؛ لدرجة أن ألكسندر فيندن -وهو رائد أعمال تقني- صاغ مصطلح "تنقية صناع المحتوى".

وكان تيرنر نوفاك -مؤسس شركة "بنانا كابيتال" (Banana Capital) التي تستثمر في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في المراحل المبكرة- قال مازحا على تويتر في أبريل/نيسان الماضي "يوجد عدد أكبر من الشركات الناشئة في مجال اقتصاد صناع المحتوى مقارنة بصناع المحتوى".

أما ريكس وودبري -البالغ من العمر 27 عاما وهو مدير شركة "إندكس فنتشرز" (Index Ventures) للاستثمار في سان فرانسيسكو- فيمثل جزءا من كلا العالمين؛ حيث بدأ كمؤثر، فقام ببناء جمهور يزيد على 237 ألف متابع على إنستغرام من خلال نشر محتوى عن أنماط الحياة. وبعد تخرجه في الكلية انخرط بدوام كامل في الاستثمار، حيث صنع مكانة مرموقة كصوت له نفوذ في مجال اقتصاد صناع المحتوى.

وقال وودبري "لقد رأيت بعض المشاركات من أصحاب رأس المال الاستثماري تقول إن "8 من الشركات العشر التي التقيت بها اليوم هي شركات صناع المحتوى ". وتابع "إن ذلك حقا رائج الآن".

وانضم إلى شركة "إندكس فنتشرز" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في الوقت الذي بدأ فيه أصحاب رؤوس الأموال في الاهتمام بصناع المحتوى وكانوا يبحثون عن المساعدة من الأشخاص الذين يفهمون المشهد.

وقال وودبري "يشعر الكثير من المستثمرين الشباب بالمصداقية في هذا الأمر لأننا مواطنون رقميون بالطبيعة". وتابع "هذا هو العالم الذي نشأنا فيه".

والآن، تندفع المنصات الرئيسية -مثل سبوتيفي وتويتر وفيسبوك- للحاق بركب الشركات الناشئة، ولا سيما كلوب هاوس. وأعلنت سبوتيفي مؤخرا عن تطبيقها الصوتي الحي الجديد "غرين روم"؛ وهو منافس كلوب هاوس الذي أنشأته سبوتيفي بعد استحواذها على شركة "لوكير روم" (Locker Room) الناشئة للصوتيات الحية. ولقد أضاف تويتر بالفعل إلى المنافسة ضد كلوب هاوس بتقديم "تويتر سبيسز"، كما بدأ كل من تويتر وفيسبوك خدمات الرسائل الإخبارية للتنافس مع نجاح "سوستاك" (SOSTAC) الذي يسمح للمستخدمين من الكتاب بإعداد اشتراكات بسهولة أمام كتاباتهم.

ومع ذلك، فبينما يتسابق المستثمرون لوضع أموالهم في شركات التواصل الاجتماعي الناشئة، ليس من الواضح ما إذا كانت بعض التطبيقات في السوق ستستمر؛ حيث واجهت شركة "ديسبو" (Dispo) -الشركة الناشئة الأكثر نشاطا على وسائل التواصل الاجتماعي في شهر فبراير/شباط الماضي- رد فعل عنيف بعد شهر من وقوع أحد مؤسسيها -وهو نجم يوتيوب ديفيد دوبريك- في جدل حول مزاعم الاعتداء الجنسي ضد أحد أعضاء "فلوغ سكواد" (Vlog Squad). وبعد فترة وجيزة، قالت "سبارك كابيتال" (Spark Capital) إنها قطعت جميع العلاقات مع الشركة، ولم تقطع "سيفين سيفين سيكس" العلاقات لكنها قالت إنها ستتبرع بأرباح لمنظمة تعمل مع الناجين من مثل تلك الاعتداءات.

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة ريادة-الجزيرة نت

المصدر : نيويورك تايمز