بلا حدود

الإسلام والغرب

كيف يرى الغرب الإسلام؟ وما حقيقة وأهداف التحالف الثلاثي الدولي لتشويه صورة الإسلام في الغرب؟ وكيف نشأ هذا الإرث التاريخي والكراهية بين الإسلام والغرب؟ وما دور المستشرقين في ذلك؟ تساؤلات يتناولها حوار مع المفكر الفرنسي فرانسوا بورجا.
مقدم الحلقة: أحمد منصور
ضيوف الحلقة: فرانسوا بورجا: مفكر وباحث فرنسي
تاريخ الحلقة: 11/08/1999

undefined
undefined

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من استوديوهات (الجزيرة) من (لندن)، وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (بلا حدود).

بدأ الغرب يبحث عن عدو بديل يوجه إليه اهتمامه وسهامه، وذلك في أعقاب سقوط (الاتحاد السوفيتي) وانتهاء الحرب الباردة بين القطبين، ورغم حالة الضعف والتبعية التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم، إلاَّ أن صنَّاع السياسة والقرار في الغرب جعلوا الإسلام عدوهم الجديد، كما جعلوه عدوهم القديم من قبل.

وبدأت المؤتمرات والندوات والدراسات والإصدارات ووسائل الإعلام الغربية تبث الرعب في قلوب الناس من الخطر الإسلامي القادم، حتى أن مفهوم الإسلام لدى كثيرٍ من الغربيين أصبح مرادفاً لمفهوم الإرهاب، وكل مسلم هو إرهابي، أو مشروع لإرهابي في المستقبل، وقد كان لدراسة (صموئيل هنتنجتون) عن صراع الحضارات صداها العالمي، لاسيما بعدما أكدت مصادر عديدة أنها أعدت للإدارة الأميركية لتحديد علاقاتها المستقبلية بالحضارات الأخرى، وذلك رغم نفي الرئيس الأميركي لذلك.

وقد أعطى هنتنجتون للخطر الإسلامي على الحضارة الغربية بعداً كبيراً، جعل كثيراً من المفكرين -حتى الغربيين منهم- يفندون ادعاءاته، لكن رغم ذلك بقيت نظرية الصراع هي السائدة، وهي النهج الذي يتبعه الغرب الآن في وسائله المختلفة وأبرزها وسائل الإعلام، وقد دفع هذا الأمر عشرات من المفكرين الغربيين إلى التخصص في دراسة هذه الظاهرة، والسعي لوضعها في إطارها الموضوعي.

برز منهم في الولايات المتحدة (جون اسبيزيتو)، و(جون فول)، و(لويس كانتوري)، و(إيفون حداد)، وفي بريطانيا (جون كين)، و(روجر هاردي)، و(روبر فيسك).. وفي بريطانيا ضيف حلقتنا اليوم المفكر البارز الدكتور

فرانسوا بورجا.

ولد بورجا في إحدى مناطق جبال الألب عام 48، درس القانون في جامعة (كرونوفل)، وقام بجولة حول العالم أثناء دراسته الجامعية استغرقت 16 شهراً، عمل أستاذاً للقانون في جامعة قسطنطينة في الجزائر في الفترة ما بين 73 -و80 حيث عاد إلى فرنسا، وعين باحثاً في الهيئة القومية للبحث العلمي التي يعمل بها حتى الآن.

انتقل إلى مصر وأقام فيها خمس سنوات في الفترة بين عامي 89 وحتى عام 94، حيث عمل باحثاً في المركز الفرنسي للعلوم الاجتماعية، صدر له عدة كتب من أبرزها "الإسلام السياسي صوت الجنوب" الذي صدر عام 92، وترجم إلى لغات عدة، منها اللغة العربية، وكتابه الأخير "وجهاً لوجه مع الإسلاميين" الذي ترجم إلى لغات عديدة، وتصدر طبعته الإنجليزية خلال أسابيع.

ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على الأرقام التالية: 4393910/0044171، أما رقم الفاكس فهو 4787607/0044171، أهلاً دكتور بورجا.

فرانسوا بورجا: مساء الخير.

أحمد منصور: أرحب بك بلا حدود في برنامجنا.

د. فرانسوا بورجا: مرحباً.

أحمد منصور: أود في البداية أن نتحدث عن المفهوم للموضوع الكبير الذي نتحدث عنه، موضوعنا هو (الإسلام والغرب) بصفتك مفكر غربي تعيش .. ولدت في هذه البيئة الغربية، وتعيش فيها، ولك الآن اهتماماتك الواسعة بالعلاقة بين الإسلام والغرب، ما هو في تصورك أو في التصور الغربي مفهوم الإسلام ومفهوم الغرب؟

د. فرانسوا بورجا: شكراً لهذه الدعوة، ربما نضيع وقتنا ونبحث عن تحديدات علمية موضوعية دقيقة عن هذين المفهومين، معناه مفهوم ديني .. الإسلام مفهوم ديني، الغرب مفهوم جغرافي، كلٌّ من هاتين المفهومين تشير إلى مجموعة أنماط تفكير، تشير إلى أساليب معيشة، ونضيع الوقت إذا نحاول أن نحدد تلك المجموعات بدقة، إذا نريد أن ندخل في الموضوع لابد من اللجوء إلى مفهوم الهوية للمسلم الغربي وللجيران، وللغربي المسلم وكذلك الجيران، فحسب متطلبات الهوية الغرب والإسلام جارين كل منهما تحتاج للآخر، لأن الآخر هو الذي يقول لك من أنت بالضبط، فمفهوم ديني، مفهوم جغرافي، أساليب أو أنماط متناقضة إلى حد ما، وربما نحدد إلى حد.. حد هذا التناقض على كل حال هناك مفاهيم نسبية ومتغيرة..

أحمد منصور [مقاطعاً]: في ظل هذا الجيرة.. في ظل هذه الجيرة التي أشرت إليها، الوضع الجغرافي بالنسبة للغرب، والوضع الديني بالنسبة للعالم الإسلامي، ما هي صورة المسلمين أو صورة الإنسان المسلم في العقلية الغربية؟

د. فرانسوا بورجا: طيب، ما هو صورة الجيران عندنا؟ صورة أو سمعة الجار القارب يتغير .. يتقدم.. فيما يخص صورة الإسلام عند الغرب، لا شك أن لها بعد إيجابي سلمي تابعي، ولا شك أن لا تخلو هذه الصورة من صعوبات، من سوء فهم، من توتر، ولا شك لابد من تحليل أسباب هذا سوء الفهم، وهذه الصعوبات في العلاقة كي نتجاوزها -ربما- كي نفهم ما هو مبررات أو أساس صورة الإسلام عند الغربيين الآن..

أحمد منصور [مقاطعاً]: اللي هي الصورة السلبية الآن؟

د. فرانسوا بورجا: يعني الجانب السلبي.. الجانب السلبي، صورة الإسلام في الغرب متنوعة متغيرة، ولا شك أن لها جانب إيجابي وجانب سلبي، ولماذا هذا الجانب السلبي؟ لماذا هذه الصعوبات في العلاقات الثنائية بين الغرب والإسلام؟

أحمد منصور: لكن الجانب السلبي هو الغالب الآن على هذه الصورة!

د. فرانسوا بورجا: إلى حدٍّ ما.. إلى حد ما، فما يمثله الإسلام للفرنسي العادي للأوروبي العادي، الإسلام هو -قبل كل شيء- ثقافة الآخر، ثقافة الجيران، ثقافة الذي أحتاج إليه كي يشرح لي من أنا تمام إذا وصلت فوق، أو قمة جبل، ليس لكم هواية معينة..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هوية.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: هوية معينة، الذي يطلع فوق الجبل بعد أن وصلت أنت هو الذي يقول لك من أنت؟ إذا وصلت بنت أنا أكونُ رجل، إذا وصلت رجل لون أسود، أنا أكون أبيض، إذا هو أطول أنا صغير، المسلم بالنسبة للغربي، والغربي بالنسبة للمسلم هو الذي يقول لنا من نحن، فماذا يمثل في هذه الفترة من الزمان؟ المسلم بالنسبة للغربي هو ثقافة الآخر، لكن لا أي ثقافة؟ ثقافة دينية، له ثقافة دينية، له ثقافة تختلف عنا وهي ثقافة دينية، ولنا ثقافة علمانية أو حتى ملحدة إلى حد كبير..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني هنا النظرة الغربية للإنسان المسلم تضعه في الإطار الديني؟

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: في البداية هناك خلاف عادي بين ثقافتين والجيران، له ثقافة تختلف عن ثقافتي، ونحتاج إلى هذا الخلاف كي نعرف من نحن، أنا أحتاج إلى الآخر كي أعرف أنا أختلف منه، وأنا موجود تمام، له ثقافة تختلف عن ثقافتي، له ثقافة دينية، له ثقافة دينية في فترة معينة من التاريخ، ثقافة الآخر الدينية، الإسلام في فترة الثلاثينات لا ينظر إليه الرجل الغربي مثلما ينظر إليه اليوم، تمام .. في الثلاثينات ..

أحمد منصور [مقاطعاً]: كيف؟

د. فرانسوا بورجا: كيف! في الثلاثينات الإسلام كان نوع من فلكلور المجتمعات التي كنا نسيطر عليها.

أحمد منصور: تحتلونها، تقع تحت احتلالكم.

د. فرانسوا بورجا: تحت الاحتلال -تمام- فالثقافة الدينية للآخر في فترة تغير.. تتقدم ميزان القوى في هذه المنطقة.. تمام، فأفتكر أن كل الظروف متوفرة لكي تكون العلاقات صعبة بين الإسلام والغرب، وتحليل المبررات لهذه الصعوبات كي تساعدنا في التجاوز عنها.

أحمد منصور: طيب، اسمح لي هنا، اسمح لي هنا قبل أن ننتقل.. قبل أن أنتقل من هذه النقطة، الآن هذه الصورة السلبية.. هذه الصعوبة الموجودة في العلاقة، هذا البعد التاريخي حتى القريب الذي أشرت إليه في نظرتكم لنا حينما كنا نقع تحت احتلالكم، ونظرتكم لنا الآن بعد تغير الظروف بشكل يعني مظهري على الأقل، ما هي الأسباب التي جعلت هذه الصورة السلبية في ذهن المواطن الغربي؟ ما هي العوامل التي أوصلت هذه الصورة السلبية عن الإنسان المسلم؟

د. فرانسوا بورجا: أفتكر أن سمعة المسلمين الآن في الغرب هي نتيجة تحالف دولي ثلاثي، أولاً: كما ذكرت.. كما أشرت إليه الإسلام يمثل الثقافة المنافسة لسيطرة لهيمنة الغرب في فترة يعني تتقدم الأمور، تتغير ميزان القوى بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية أولاً، فهناك العامل الغربي، الخوف الفطري عن المنافسة الثقافية، والسياسية، والاقتصادية أمام العالم الثالث.

أحمد منصور: مع هذا الضعف الذي يعيشه المسلمون؟

د. فرانسوا بورجا: مع هذا الضعف الذي يعيشه المسلمون، لأن هناك شعور عند الغربيين أن فترة الهيمنة والسيطرة الشاملة انتهت..

أحمد منصور [مقاطعاً]: عند الغربيين؟!

د. فرانسوا بورجا: عند الغربيين.. هذا.

أحمد منصور: يعني أنتم الآن تخافون، أو تخشون من عملية انهيار رغم هذه القوة التي تظهرون بها؟

د. فرانسوا بورجا: أفتكر أن هذا الشعور موجود عند العقلية الغربية الآن.

أحمد منصور: طب، ما هي العوامل التي تدفعكم إلى هذا الشعور، وأنتم تملكون عوامل القوة والسيطرة؟

د. فرانسوا بورجا: هنا أتحدث عن تصورات.

أحمد منصور: تصورات!

د. فرانسوا بورجا: لا أتحدث عن الوضع العلمي، لكن هناك مرور من الزمان، ولا شك أن داخل العقلية الغربية الآن الشعور أن فترة السيطرة الشاملة.. الهيمنة الشاملة انتهت، حتى ولو كانت هذه السيطرة أقوى مما كانت في الماضي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني في ظل النظام العالمي تظهر وكأنها الأقوى الآن.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: خاصة بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي لا شك.. تمام، العامل الأول..

أحمد منصور [مقاطعاً]: قلت لي قوة ثلاثية!

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: العامل الأول الخوف الغربي الطبيعي العادي في فترة انتقالية بين الإمبريالية الشاملة، ونوع من عودة الثقافات الأخرى، ثم هناك مصالح بعض الأنظمة الحاكمة في هذه المنطقة، أفتكر أن سمعة الإسلام يعتمد على شعل [شغل] كل من يستفيد من خوف الغرب أمام الوجه السودا.. الأسود من الإسلام، كل من يستطيع أن يستغل خوف الغربيين كي يحصل على مساعدات الحكومات الغربية، ينتمي إلى هذا التحالف، فما أقصده أن عدد..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أنت تقصد أيضاً هنا أن..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: أن عدد لا بأس به من الحكومات..

أحمد منصور [مقاطعاً]: الحكومات.. الإسلامية؟

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: الإسلامية تستغل.. تستفيد من..

أحمد منصور[مقاطعاً]: من الخوف الغربي أيضاً.

د. فرانسوا بورجا[مستأنفاً]: الخوف الغربي عن الإسلام.. في كثير لماذا؟ لأن من الواضح، من المعروف، ومن المعترف به أن الجيل الجديد من القوة السياسية المعارضة للأنظمة الحاكمة الآن في العالم العربي، إنها جيل الحركة الإسلامية أكثر مما تنتمي إلى..

أحمد منصور [مقاطعاً]: السياسات أو.. الثقافات..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: الجيل..

أحمد منصور [مقاطعاً]: السابق.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: الجيل العلمانيين، أو الناصريين، أو البحثيين [البعثيين] تمام، في كثير من.. كلما نركز على فترة معينة، على حالة معينة نجد نوع من التنسيق بين مصالح عدد لا بأس به من الأنظمة الحاكمة والمصالح الغربية، الذي كلاهما تستغل خوف المواطن الغربي أو جهل المواطن الغربي عن الإسلام..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أنت الآن أنت الآن -عفواً- هنا إلى جوار الخوف الموجود لدى الغرب، أنت بتعتبر إن بعض الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي تتعاون في تشويه صورة الصحوة الإسلامية لدى المواطن الغربي.

د. فرانسوا بورجا: لا شك.. لا شك.

أحمد منصور [مستأنفاً]: من أجل تدعيم -دعم- الأنظمة الغربية؟

د. فرانسوا بورجا: من أجل الحصول على دعم مالي إعلامي سياسي من الحكومات الغربية، هذا أفتكر مفتاح لتحليل الكثير من الـ.. من الـ.. من العمليات الإعلامية والسياسية في هذه المنطقة، ثم العامل الثالث هناك طبعاً هامش متطرف متشدد داخل الحركة الإسلامية، و(قلما) يحتاج الجمهور الغربي إلى تصريحات استفزازية، ونحن في مدينة لندن نجدها، نجدها، نجد تلك التصريحات الاستفزازية التي تخوِّف الجمهور الغربي، التي تحدد يعني حدود الدولة الإسلامية القادمة في بريطانيا مثلاً، أو -يعني- تساعد استغلال الخوف الغربي أمام قوى سياسية لا يعرفها -في الحقيقة- ليس له معرفة علمية عنها.

فهناك إذا نمر إلى عمق الموضوع أنا أقول لك إن السمعة السيئة للقوى السياسية المرتبطة للإسلام، وكذلك للإسلام ككل -الآن- في العالم الغربي هي نتيجة تحالف ثلاثي بين مصالح الغرب، مصالح عدد لا بأس به من الأنظمة الحاكمة في هذه المنطقة، والهامش المتشدد المتطرف من الحركة الإسلامية.

أحمد منصور: هذا الهامش المتشدد المتطرف من الحركة الإسلامية هل ترى أنه يتصرف بتلقائية، أم أنه يُوظَّف أيضاً بشكل غير مباشر من قبل وسائل الإعلام الغربية، من قبل -ربما- استخبارات في بعض الدول الغربية، من قبل النظام الغربي نفسه، من أجل أن يُتمِّم هذا المثلث الذي تشير عليه، ومن أجل أن يساعد الغرب في تحقيق أهدافه؟

د. فرانسوا بورجا: مشكلة الهامش المتطرف للحركة الإسلامية، ليس وجودها علشان .. لأن في كل مجتمع، في كل حركة سياسية تجد هامش متطرف متشدد، المشكلة أن أسلوب أو آليات الأنظمة الحاكمة، أو المؤسسات العربية الآن لا تتيح للهامش المتطرف موقفها، وهي الموقف الهامشي، يُعطي الفرصة للمتشددين أن يلعب دوره التي لا يلعبه القوى المعتدلة.

أحمد منصور [مقاطعاً]: نعم.. نعم.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: مفتاح آخر بالنسبة لتحليل دور المتشددين داخل الحركة الإسلامية..

أحمد منصور: يعني ضغط .. ضغط الحكومات العربية في بعض المناطق هي التي تساعد على عملية التطرف والتشدد.

د. فرانسوا بورجا: كثير كثير من الأنظمة الحاكمة لا تخافون عن المتشددين..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لا يخافون من المتشددين؟

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لأ، تخافون عن صناديق الانتخاب الحرة، تخافون عن المعتدلين أكثر مما تخافون عن المتشددين.

أحمد منصور: رغم أن الآخرين يحملون.. رغم أن الآخرين يحملون السلاح؟!

د. فرانسوا بورجا: المتشددين.. المتشددين لا يخافون عنهم، عشان ميزان

القوى –في كثير من الأحيان- لصالح الأنظمة الحاكمة، المتشددين تعطي مبررات للأنظمة الحاكمة كي يمنع المعتدلين من المشاركة السياسية السلمية، وأفتكر ليس هناك شيء نادر هامشي في المنظر، في الساحة السياسية العربية، بل هذا نوع من مفتاح تحليل الوضع في كثير من بلدان هذه المنطقة، أن لا يوجد مساحة للتعامل، للمنافسة السياسية السلمية، وعدد لا بأس به من الأنظمة الحاكمة تستغل وجود المتطرفين كي يمنعون المعتدلين من المشاركة السلمية الفعلية..

أحمد منصور: لكن اسمح لي، اسمح لي بروفيسور بورجا، أنتم أيضاً أنظمتكم، حكوماتكم أيضاً تدعم هذا الأمر، وتساعد عليه، وهي أيضاً تعمل على إيجاد هؤلاء المتشددين، ليكونوا تكئة لتشويه صورة الإسلام؟

د. فرانسوا بورجا: أنا قلت لك هناك تحالف، فلا شك أن دور وسائل الإعلام، والمؤسسات السياسية –أحياناً- يستغل هذه المتشددين كمبرر لتخويف الناس من القوى السياسية أكثر معتدلة.

أحمد منصور: أسألك عن الإرث.. الإرث التاريخي أيضاً منذ الحروب الصليبية، أنتم قمتم بحملات صليبية ضدنا، أو ضد دولنا الإسلامية، بعضها خرج من بلدكم -من فرنسا- وهذه أدت إلى تراكم في العداء وفي الكراهية.

[موجز الأخبار]

أحمد منصور: بروفيسور بورجا، سؤالي لك عن الإرث التاريخي الذي خلفه العداء بين الإسلام والغرب من خلال الحملات الصليبية التي كانت تخرج من بلادكم مستهدفة العالم الإسلامي، وإسقاط الدولة الإسلامية التي قامت لعدة قرون في الأندلس، هل هناك تراكم تاريخي في النفسية الغربية زاد من هذه الكراهية ضد المسلمين؟

د. فرانسوا بورجا: لا شك أن الخلفية التاريخية له دور مركزي لتحليل العلاقات المعاصرة بين الطرفين، ذكرت حضرتك إسقاط الدولة الإسلامية في الأندلس، هناك في المدرسة تعلمت يعني الغزو العربي والإسلامي اللي وقفت في مدينة (بواتية)..

أحمد منصور [مقاطعاً]: الفرنسية، نعم.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: هناك صورتين متناقضين لهذا التاريخ المشترك، وأنا ذكرت في بداية هذا البرنامج كون الإسلام ثقافة الآخر، ثقافة لا مجرد آخر، بل ثقافة الجيران، وثقافة الجيران في فترة معينة من التاريخ، ولا شك أن نشير إلى أن هذا الجيران، ليس مجرد جيران، هو جيران يربطنا تاريخ مشتركة متناقضة مليان من..

أحمد منصور: تاريخ من الصراع، نعم.

د. فرانسوا بورجا: من الاتفاقات، لكن كذلك مليان من الصراعات، اسمح لي آخد مثل ملموس سمعة أو.. صورة المواطن اليمني في الشارع الفرنسية تختلف إلى حد كبير عن سمعة المواطن الجزائري، وكلاهما مسلمين.

أحمد منصور: كيف.. كيف؟ واليمنيين يعني مشهورين..

د. فرانسوا بورجا: اليمنيين ..

أحمد منصور [مستأنفاً]: بعمليات خطف للسياح؟ لكنهم يكرمونكم.

د. فرانسوا بورجا: لا.. لا، يبقى نحن نركز عن الماضي، اليمني ليس له علاقة مباشرة مع العقلية الفرنسية، بل الجزائري هو يمثل فترة قريبة من التاريخ مليان بالصراعات، كلما نركز على تحليل –يعني- وضع معين لا نجد خلاف ديني، نجد خلاف سياسي، نجد خلاف اجتماعي، الجزائري..

أحمد منصور [مقاطعاً]: الآن.. يعني أنت تنظر إلى الخلاف الآن على أنه خلاف، أو الغربيين أنتم تنظرون إلى الخلافات بينكم وبين المسلمين الآن على أنها خلافات سياسية أو اجتماعية.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: ربما أقول إن هذه هي إشكاليتي الفكرية في هذا البرامج، أن ليس هناك صراع ديني، ليس هناك خلاف حول وضع أو موقف النبي محمد أو عيسى، الخلاف سياسي، الخلاف مالي، الخلاف اقتصادي أكثر مما هو خلاف ديني.

أحمد منصور: لكن هذا ما يتناقض مع ما طرحته في البداية من أنكم تنظرون إلى المسلمين على الهوية وليس على الوضع الجغرافي؟!

د. فرانسوا بورجا: لأ ينافي..

أحمد منصور [مستأنفاً]: المسلم الجزائري الموجود في باريس سواء كان جزائري، أو يمني، أو سعودي، أو مصري، أنتم تنظرون له على جنسيته، على جغرافيته أم على دينه على أنه مسلم؟

د. فرانسوا بورجا: أنا قلت لك بالعكس، أن إذا يوجد فرق واضح بين صورة المواطن اليمني في باريس، وصورة المواطن الجزائري أن رغم وجود القاسم المشترك الديني، السبب أن البعد غير ديني يفوق يعني على الأبعاد الدينية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لا، الواقع.. الواقع يشير إلى غير ذلك..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لكن البعد الديني.

أحمد منصور [مقاطعاً]: الواقع يشير إلى الرؤية (..) المسلم يعني..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: أنا قلت إن الإسلام هو ثقافة الآخر، وهي ثقافة دينية، هذا جزء من التحليل، لكن لا أفتكر أن الخلافات بيننا وبينكم إنها خلافات عقائدية، أفتكر أنها خلافات عادية طبيعية مثلما يحدث..بتاً..

أحمد منصور [مقاطعاً]: والإرث التاريخي -يا سيدي- الإرث التاريخي..

د. فرانسوا بورجا [مقاطعاً]: الإرث التاريخي.

أحمد منصور [مستأنفاً ]: قام على صراع ديني، الحروب الصليبية، وضع الصليب في الانطلاق.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لا.. لا.. طيب.. طيب، لكن المدخل الديني لتحليل الصراعات التاريخية بيننا أفتكر مدخل ثنائي.لا..لا.

أحمد منصور: عندي هنا (كارين أمترونج) هذه مؤلفة بريطانية لكتاب "الحروب المقدسة" تؤكد على أن عداءنا للمسلمين في أوروبا يرجع إلى أيام الحروب الصليبية، معنى ذلك أن هناك بعد عقائدي ديني في قضية العداء والكراهية.

د. فرانسوا بورجا: لا شك.. لا شك في ذلك، لاشك أن عقلية الغربيين وعقلية المسلمين الآن مليان بهذه الصور اللي جاءت من الماضي، رغم ذلك أنا مقتنع أن المفتاح للتعامل مع الصعوبات الثنائية، بين ما يسمى الإسلام، ممكن نسميه الشرق الأوسط والغرب، إنها مفاتيح سياسية اقتصادية أكثر من أنها مفاتيح دينية..

أحمد منصور: طيب، ما هو ردُّك على ما طرحه (صموئيل هنتنجتون) في صراع الحضارات، والذي يعتبر الآن المرجع الرئيسي بالنسبة لكثير من الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة -كما يقول بعض المراقبين- في تحديد العلاقة ما بين الدول الغربية وغيرها من الحضارات الأخرى، لاسيما الحضارة الإسلامية، وهو بنى هذه الفكرة على الصراع الديني والعقائدي؟!

د. فرانسوا بورجا: ملاحظة تمهيدية: تمثيلية صموئيل هنتنجتون..

أحمد منصور [مقاطعاً]: أنت تسميها تمثيلية؟

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لا، لا، يعني تمثيلية يعني قدرة هنتنجتون لتمثيل الأدوار أدوار المثقفين الغربيين قريب من صفر –في رأيي- أنا أرفض الفكرة أن صموئيل هنتنجتون يقود تيار معين عند المستشرقين أو عند المتخصصين الغربيين في هذا الموضوع..

أحمد منصور [مقاطعاً]: من الذي يتفق معك في هذا من المستشرقين؟ أنتم الآن تشكلون..تياراً؟

د. فرانسوا بورجا [مقاطعاً]: يعني عدد لا بأس به، لا نخطئ بين ميزان القوة داخل أوساط المستشرقين، وقدرة هذه المستشرقين على التأثير على صانع القرار.

أحمد منصور: أنتم ليس لديكم قدرة على التأثير على صانع القرار في الغرب؟

د. فرانسوا بورجا: إذا يعتمد على موقفنا في كل القضية، ما أقصده..

أحمد منصور [مقاطعاً]: كلكم ألستم أيضاً تلعبون دور المستشار لحكوماتكم في الكثير من هذه القضايا، لا أقصدك أنت شخصياً بقدر ما أقصد فريق المستشرقين..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: أنا أقول لك أنا أقول لك ما أيش النظام، أنا رجل سياسي (أشتهي) أضرب فلان، فأبحث عن مستشرق أو متخصص في الموضوع يقول من الحلال ومن المفيد أن تضرب فلان، يوجد هنا كتاب آخر يشرح.. الأطروحة الأخرى لا أستغلها، لا أستعملها، أختار من.. من المتخصصين يؤيد موقفي.

أحمد منصور: يعني أنت تقصد -عفواً- هنا أيضاً أن الحكومات الغريبة تحدد أهدافها وسياستها بعناية، ثم تأتي بكم كمستشرقين وكمفكرين، وكصناع لأشكال السياسات، لتوظفوا أو لتساعدوها على تحقيق هذه الأهداف؟

د. فرانسوا بورجا: ما أقصده أن دور المتخصصين في العلوم الاجتماعية ليس مثلما يفكرون عدد من المحللين لهذا الدور، ليس دور مركزي، أنا كتبت صفحات عديدة ضد موقف حكومتي في حرب الجزائر مثلاً، ليس.. ما كان أي تأثير لماذا؟ لأن كان على الحكومة الفرنسية أن يختار متخصص آخر الذي يؤيد موقف آخر.

أحمد منصور: ما أنا كنت أريد أسألك في هذه النقطة، أنت كان لك رأي في قضية الجزائر، وطرحته وقدمته للحكومة الفرنسية، وفي حين أن هنتنجتون حينما طرح يعني.. أفكاره لقيت رواجاً كبيراً، وتكاد تكون أن يكون أُخذ بها، لماذا لم يُؤخذ برأيك وأنت متخصص أيضاً في هذه المسألة؟

د. فرانسوا بورجا: طيب، ممكن نقول أن كل حكومة…

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني وضح لنا كيف الحكومات الغربية..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: كل حكومة يحتاج إلى تأييد من متخصص في الموضوع، لكن لا نتعامل بعلوم مثل الرياضيات، تمام، ليس هناك صوت واحد عند المستشرقين إذا أردت أن تجد مستشرق دكتور بروفسير يؤيد موقفك وأنت تضرب الفلسطينيين تجدها، وإذا تريد أن تجد متخصص دكتور بروفيسير ينتقض موقفك تجدها كذلك، ما أقصده لما أشير إلى هنتنجتون أن ربما نرجع إلى ما قاله عالم فرنسي في علم الاجتماع (بيير بيروديه) مشهور إلى حد كبير في فرنسا في العالم، أطلق على بعض المثقفين الفرنسيين في سياق الحرب الأهلية الجزائرية تسمية المثقفين السلبيين.

المثقف السلبي هو الذي يعطي الصفة أو الصيغة العلمية لأحط التنازعات الفكرية الإنسانية مثل (..) والرفض، يعبر عن أحط النزعات الإنسانية، ويستغل، يستعمل مصطلحات مفردات العلم، صموئيل هنتنجتون -في رأيي- يمثل نموذج للمثقف السلبي، المثقف السلبي هو الذي يشجع الجانب الأسود من الإنسان بدلاً من يعالجه.

أحمد منصور: لكن هذا لا يعكس النفسية الغربية ورؤيتها للحضارات الأخرى، لا سيما الحضارة الإسلامية؟

د. فرانسوا بورجا: أفتكر أن كل مجتمع.. لب التحليل هو تاريخ المجتمع ككل، لا يتحمل مسؤولية مركزية فلان، أو اللوبي الفلاني، أو جانب.. هناك مجتمع في فترة معينة من تاريخها من علاقتها مع جيرانها، وهناك مفتاح التحليل، صموئيل هنتنجتون يقول ما نريد أن نسمعه، أهمية صموئيل هنتنجتون لا تكمن في تصريحاته.

أحمد منصور [مقاطعاً]: ولكن ؟

فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: أهمية تصريحات هنتنجتون تكمن في ذات الأهمية التي أتيتم أنتم ونحن –إلى حد كبير- إليها.

أحمد منصور: وهي؟

د. فرانسوا بورجا: مافيش.. ما.. لا يوجد شيء جديد أو علمي أو نادر تفاجئنا مما قاله هنتنجتون، ركز هنتنجتون على فكرتين أو استخرجت وسائل الإعلام الغربية فكرتين عن تصريحات هنتنجتون: الفكرة الأولى أن للصراعات المستقبلية خصوصية جديدة أنها ستتم بين الحضارات، أو بين الثقافات أكثر ما ستتم بين الأمم والدول –تمام- الفكرة الأولى، الفكرة الثانية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هنا بُعد ديني حضاري.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: بعد حضاري للصراعات المستقبل، وذكر وعدد ثمانية حضارات، لا الإسلام فقط، ثمانية حضارات من بينها الحضارة الإسلامية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن حصرها في النهاية.. حصرها في النهاية.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: ثم ماذا قال؟ أشار إلى حدود الحضارة الإسلامية الدامية، كان يقصد إلى أن يشير إلى الميل المفترض للحضارة الإسلامية للالتجاء إلى العنف كوسيلة للانتشار.. تمام.

أحمد منصور [مقاطعاً]: تصوير المسلمين على أنهم إرهابيين..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: تمام، هل هناك.. هل هناك أطروحة فيما يخص أولاً فيما يخص البُعد الحضاري للصراعات القديمة، هل هناك شيء جديد؟ هل هناك اكتشاف؟ أنا شخصياً أرفض هذا الاكتشاف، لأن كيف نحلل الانتشار الأوروبي الاستعماري إذا لا نلجأ إلى مفهوم الحضارة، وما كان فيه بُعد ديني حضاري.. حضاري ثقافي للانتشار الأوروبي، تمام..

أحمد منصور [مقاطعاً]: اسمح لي.. اسمح لي.. اسمح لي، أنتم الآن ممارستكم كغربيين تجاه المسلمين في العصر الراهن، ما حدث في (البوسنة والهرسك)، ما حدث في (كوسوفو) من صمت غربي، ثم تحرك دفعته المصلحة في النهاية والرغبة في سيطرة النظام العالمي، وليس الحرص على آدمية هؤلاء الناس لأنهم مسلمين، هذه الأشياء تؤكد على أن قضية صراع الحضارات، وما طرحه هنتنجتون هو المسيطر على العقلية الغربية في تعاملها مع المسلمين ومع الحضارات الأخرى.

د. فرانسوا بورجا: اسمح لي أكمل الفكرة عن هنتنجتون.

أحمد منصور: اتفضل.

د. فرانسوا بورجا: فيما يخص قوله أن خصوصية الصراعات القادمة ستكون أنها تتم بين حضارات، هذا ليس شيء جديد، أنا أفتكر مثلاً الفتوحات الإسلامية كانت لها بُعد حضاري، وأنا أفتكر أن الفتوحات أو الانتشار الاستعماري الأوروبي كان له بعد حضاري –تمام- كان هناك صراع بين حضارة الغرب والحضارات الأخرى، فيما يخص وصف الحضارة الإسلامية كأنها.. كأن لها ميل خاص للالتجاء للعنف كوسيلة انتشار أفتكر أن ليس هناك أساس علمي حتى يعني عدو المسلمين من المثقفين الحقيقيين يرفضون هذه الأطروحة، تمام، فهنتنجتون ليس له إلا الأهمية التي نعطي له.. نعطي، فالسؤال هو ليس هو: لماذا هنتنجتون؟ السؤال هو: لماذا هذا النوع من الابتهار [الانبهار] منكم العرب ومننا الغربيين إلى تلك التصريحات؟ هناك..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لأنها لقيت ترويجاً، لقيت اهتماماً كبيراً، صادفت شكلاً من أشكال الميل في العلاقة أو في التطبيق الفعلي من الغربيين تجاه حضارتنا نحن الحضارة العربية والإسلامية، أظهرت يعني حجم العداء الموجود لدى القوى السياسية الغربية تجاه العالم الإسلامي والحضارة (الغربية)، وأنت أشرت إلى ذلك في البداية.

د. فرانسوا بورجا: حضرتك ذكرت قضية البوسنة، وقبل كل شيء، المفروض -اسمح لي- أن أقول أنا الآن على كرسي محامي الغرب، لا يمنعني ذلك من انتقاض سياسة الغرب، كثيراً ما سياسات الولايات المتحدة أو حتى بلادي.. تمام، فاحتمال أن تدعو (مادلين أولبرايت) مباشرة كهي تحمل مسؤولية، لكن إذا تنظر إلى قضية البوسنة وتقارن مع قضية الكوسوفو، ماذا تجد؟! تجد أن المفتاح لتحليل موقف الغرب كان مفتاح سياسي..كان مصالح سياسية إذ ضرب لا شك إن ترك.. ترك..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لو أن قتل هؤلاء..

د. فرانسوا بورجا[مستأنفاً]: ترك الغرب المسلمين في وضع سيئ للغاية في بوسنيا، لكن تدخل في كوسوفو لإنقاذ جانب من المسلمين..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لأنه أيضاً في ظل.. في ظل صراع الحضارات هذا أيضاً وجد أن يقضي على حضارة (ميلوسوفيتش) وعلى أنه بدأ يكون إمبراطورية تناقض الحضارة الغربية.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: طيب، فممكن تنقل هذه الصورة لأي صراع.. حضارة ميلوسوفيتش!! أول مرة اسمع.. حضارة ميلوسوفيتش!!

أحمد منصور: ليست حضارة ميلوسوفيتش، ولكن لأن ميلوسوفيتش…

د. فرانسوا بورجا [مقاطعاً]: طيب، نظام ميلوسوفيتش، نظام..

أحمد منصور [مستأنفاً]: نظام ميلوسوفيتش، يمثل.. نظام ميلوسوفيتش هو أيضاً يمثل جانباً من الحضارة الشرقية الأرثوذكسية.

د. فرانسوا بورجا[مقاطعاً]: تقول.. حضارة صدام حسين و..

أحمد منصور [مستأنفاً]: لا لا، أنا أقصد أن الرجل الآن صار يمثل قوة بالنسبة للحضارة الأرثوذكسية، ولذلك.. يعني كبديل للاتحاد السوفيتي الذي تمَّ القضاء عليه وإنهاؤه، هذا تصور من التصورات أيضاً يمكن أن تختلف أو تتفق معي.

د. فرانسوا بورجا: هذا تصور.

أحمد منصور: اسمح لي أن آخذ بعض مشاركات المشاهدين، الأخ أحمد عيسى النهاري من باريس، اتفضل… الأخ أحمد عيسى.

عيسى النهاري: آلو.

أحمد منصور: أيوه، اتفضل يا أخي.

عيسى النهاري: السلام عليكم، اسمح لي أن أبدأ من بداية قصيرة حول قضية تشكيل وصناعة العقل الغربي، أعتقد بأن السيد فرانسوا بورجا مثلاً كـ(موريس بيكاه) و(روجيه جارودي) و(..) هو عبارة عن خسوف عابر على شاكلة هذا اليوم في قضية تشكيل العقل الغربي، لأن هناك الأمواج الإذاعية، والتلفزية، والكتابات كلها تذهب إلى منحى الذين يعطون تضخيم لقضية الخوف كإيتيان مثلاً.. كإيتيان (بول إيتيان) أو(جيل كيب) هذه القضية الأولى.

القضية الثانية: تحدث الكاتب عن هذا الخوف الكبير الذي تعرفه الساحة الغربية من الإسلام، وددت أن أطرح عليه هذا السؤال: إذا كان الصراع من أجل الخوف، وإذا أردنا أن يكون حواراً على شاكلة ما يريده الأخ السيد بورجا -وأنا أحييه بصفة خاصة- إذا كان هذا الحوار، من أجل ماذا؟! هل هو من أجل الاحتواء، أو من أجل علاقة على قدم وساق..أو..

أحمد منصور: عيسى.. انقطع الخط.

عيسى النهاري: آلو..

أحمد منصور: اتفضل أكمل يا سيدي…، الآن بروفيسور بورجا، أحمد عيسى النهاري هو -يتحدث من باريس- يقول أن المفكرين.. مفكر مثلك في موقعك ومكانتك وكذلك أضاف لك روجيه جارودي، أنتم بالنسبة لما يبثه الغرب من خلال وسائل إعلامه ومن خلال المفكرين الآخرين تمثلون شيئاً بسيطاً أسماه مثل كسوف الشمس الذي حدث اليوم، مقارنة بالهجمة العامة التي يقوم بها.. تقوم بها وسائل الإعلام الغربية، أطروحتكم أيضاً لا تلقى الاهتمام في العقلية الغربية، لا تؤثر في العقلية الغربية التأثير الذي يجعلها تغير صورتها بالنسبة للمسلمين، مدى تأثير أفكارك هذه على الفرنسيين؟

د. فرانسوا بورجا: صحيح أنا لا نمثل الأغلبية، إذا مثلنا أطروحتنا الأغلبية، لا أجد نفسي هنا.. لا تحتاج الموضوع للحوار، البعد.. الجانب اللي يدعو إلى التشاؤم أن ميزان القوى حتى الآن داخل المستشرقين الغربيين ليس لصالح المقاربة العلمية والموضوعية للتوتر ما بين الإسلام والغرب، غير أن أفتكر أن كلما لنا الفرصة من التعامل مع الجمهور الغربي هناك تقدم، ليس.. ليس حاجز لا تتجوز على طريق الاعتراف المتبادل، فيه شروط.. فيه شروط متبادلة..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أنتم تجدون الفرصة أيضاً للخطاب مع الفرنسيين والغربيين عموماً لإبداء أطروحتكم هذه المتوازنة تجاه النظرة للإسلام وللعالم الإسلامي.

د. فرانسوا بورجا: أنا قلت لك نظام أن المثقفين هو بالنسبة للسلطة السياسية أو بالنسبة للجمهور أن مثلما قلنا عن صموئيل هنتنجتون.. يختار وسائل الإعلام والرأي الذي يطلب الجمهور، فإلى حد كبير لا توزع إلا.. إلا الرأي السائد عند المستشرقين..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أنتم.. أنتم تواجهون أيضاً نوعاً من عملية الطمس، وعملية التجهيل، وعملية..

د. فرانسوا بورجا [مقاطعاً]: غير أن هناك مساحة للتعامل مع الرأي المعارض لنا، فللمجتمعات الغربية عيوب عديدة، غير أنا نتمتع بشيء من الحرية في التعبير والاجتماع، وهذا يعطينا دور ليس دور هامش أفتكر..

أحمد منصور [مقاطعاً]: ليس دوراً هامشياً.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لاشك.. لاشك أنا لا نمثل الأغلبية، لا نسيطر على وسائل الإعلام.

أحمد منصور: عبد الرحمن سارح من لندن، اتفضل يا أخ عبد الرحمن.

عبد الرحمن سارح: مساء الخير أستاذ أحمد.

أحمد منصور: مساك الله بالخير.

عبد الرحمن سارح: أحيي الأستاذ الضيف.

أحمد منصور: حياك الله.

عبد الرحمن سارح: في الحقيقة أنا يعني أرجو أني فهمت ما قصده، ولكنه قال في البداية إن الصراع بين الغرب والإسلام ليس صراع ديني أو عقائدي، هل هذا صحيح؟ والآن أريد إذا كان هذا قوله، يعني ما تفسيره للحملات الصليبية التي وقعت متتالية على الشرق وفلسطين، وجمعت بين ملوك بريطانيا وفرنسا وألمانيا؟! كان في ذلك الوقت الأوروبيين متناحرين، وبينهم صراعات، ولكن العقيدة المسيحية أو الصليبية جمعتهم لغزو فلسطين.

أحمد منصور: شكراً لك يا أخ عبد الرحمن.

عبد الرحمن سارح: وسؤال آخر لو سمحت يعني.

أحمد منصور: اتفضل.

عبد الرحمن سارح: وحالياً في العصر هذا نجد أنه الغرب والولايات المتحدة قاموا ضد الثورة الإسلامية في إيران، وقاموا ضد حركة (طالبان) حينما بدأت تعلن أطروحتها الإسلامية، أيضاً في فرنسا نجد أن المسلمات المحجبات منعن من المدارس، لأن هذا سمة من سمات الإسلام، فما تفسيره لهذه التصرفات الحديثة والسابقة؟

أحمد منصور: شكراً لك، أعتقد أن السؤال واضح لديك بروفيسور بورجا، هو يقول لك الآن أنت تقول بأن الصراع بين الإسلام والغرب ليس صراعاً دينياً في الوقت الذي قامت فيه الحملات الصليبية، شارك فيها ملوك بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وكانت قائمة ترفع الصليب.

النقطة الثانية: ما يحدث الآن في بعض الدول الأوروبية وأهمها فرنسا من منع الفتيات من ارتداء الحجاب -وهو شيء إسلامي- بإدعاء أنه شيء يعطي شكل من أشكال التميز، أليس في هذا أيضاً نوعاً من العداء الديني؟!

د. فرانسوا بورجا: أولاً: أنا سأعيد المبدأ، أنا لا أفتكر أن أصل الخلاف بين الطرفين خلاف عقائدي، لماذا؟ لأن أفتكر أن بين الدين الإسلامي وبين الحضارة الغربية كما هي الآن مسيحي إلى حد علماني أو ملحد إلى حد آخر..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن لا يتم إسقاط الدين ولا إسقاط الكنيسة من المفهوم الغربي.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لأ.. لأ.. أفتكر خاصة إذا نأخذ في عين الاعتبار أن المسيحيين يلعبون دور في المجتمع الإسلامي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: في الحياة السياسية أيضاً.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: حتى في الحياة السياسية، أفتكر أن القيم مشتركة، ما.. ما..

أحمد منصور [مقاطعاً]: القيم مشتركة بين المسلمين والغربيين؟!! هناك فرق شاسع يا سيدي في القيم بيننا وبينكم!!

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: لا لا.. هنا أفتكر أن القيم مشتركة، ما يختلف بيننا هو أولاً قدرة الناس لتطبيق.. لاحترام هذا..

أحمد منصور [مقاطعاً]: القيم.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: القيم، أول الفرق..

أحمد منصور: آه، أنت تقصد القيم في أصولها.

د. فرانسوا بورجا: لكن القيم في أصولها مشتركة، العدل الاجتماعي تجدها في كل الثقافات و…

أحمد منصور [مقاطعاً]: وتحريم الموبقات والأشياء موجودة.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: ما يختلف هو العبادات، العبادات تختلف بكل وضوح، لكن القيم مشتركة ما يختلف في.. بين العقلية المسلمة والعقلية الغربية هي المراجع التي نستعملها لنجعل هذه القيم شرعية مشروعة داخل العقلية للمسلمين أو لغير المسلمين، لكن القيم مشتركة، فلذلك..

أحمد منصور [مقاطعاً]: بعض القيم.. بعض القيم حتى لا نقول القيم على إطلاقها.

د. فرانسوا بورجا: لا لا، هنا أنا أفتكر أن لب القيم المسيحية أو الشعار الأساسي هو "أحب أقاربك مثلك" مثلاً، مَنْ يرفض من المسلمين يرفض تلك المبادئ؟ مَنْ مِنَ المسيحيين يرفض.. يرفض القيم الإسلامية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هي ليست مطروحة الآن، هذه القيم ليست مطروحة للعلاقة، الآن لديكم قيم أخرى بديلة تتعاملون بها في مجتمعاتكم تتناقض تناقضاً شديداً مع القيم الإسلامية حتى التي يطبق منها الآن.

د. فرانسوا بورجا: طيب، لا تشير إلى القيم السلبية، لكن الجانب الإيجابي للقيم في الدين المسيحي لا تعارض إقناع.. لا تعارض قيم الآخر، ما يختلف هو المراجع التاريخية الأخلاقية.

أحمد منصور: هل يمكن.. هل يمكن -بإيجاز- أن ترد على السؤال الخاص بقضية الحجاب على وجه الخصوص؟

د. فرانسوا بورجا: هو السؤال.. طيب، قبل كل شيء..

أحمد منصور [مقاطعاً]: إذا أنت تصر..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: قبل كل شيء اسمح لي أن أعطيك موقفي الشخصي اللي أخذته في هذه المناقشة في فرنسا، أنا قلت يعني أعتقد من خمس سنين لما طلبوا مني موقف شخصي عن..

أحمد منصور [مقاطعاً]: من الذي طلب منك؟

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: يعني في مؤتمر باريس أفتكر في 95، أنا قلت: أنا ضد الحجاب في المدرسة، كلما شكل هذا الحجاب أو نوع النسيج المستعمل يمنع الطالبة أن يقرأ كتبها، أو أن يسمع، أو أن يشاهد إلى المدرس في المدرسة، وهذا طبعاً كان أسلوب غير مباشر كي أقول إن إذا لا يعارض الحجاب أساس جوهر قيم المدرسةليس لي.. ليس لدي أي مانع.. ليس لدي أي معارضة لارتدائها في المدرسة.. تمام.

موقف الحجاب فرنسا أولاً استثنائي، لا تمثل وضع المسلمين في فرنسا، أغلبية المسلمين، قبل أن ألتقي بحضرتك قضيت يعني نصف يوم مع بعض زملاء أصدقائي المسلمين في (مرسيليا) وكلامي إلى حد ما كلامهم، فقالوا أغلبية المسلمين في فرنسا تتمتع بحرية الاجتماع والتعبير أكثر مما يتمتعوا بها في بلادهم الأصلية.

أحمد منصور: هي القضية الآن ليست قضية تعبير يا سيدي.

د. فرانسوا بورجا [مقاطعاً]: لأ.. لأ..

أحمد منصور [مستأنفاً]: يعني ليست هذه تكأة لأن.. يعني يعامل الناس في أشياء أساسية تتعلق بدينهم هذه المعاملة التي يلقوها في فرنسا.

د. فرانسوا بورجا: هذا.. هذا الوضع الأساسي لوجودهم في فرنسا الآن، وهناك فيه قضية استثنائية إلى حد ما، يعني يمكن 15 بنات تعاني صعوبات نتيجة تعامل بعض مدارس فرنسا، وأنا أعارض هذا الموقف حتى إذا أفهم المبررات المستعملة من طرف بعض الأساتذة الفرنسيين.

أحمد منصور: أشكرك على طرح هذا الرأي بقوة، رغم أنك تعتبر موظف رسمي في الدولة، أحمد المناعي من باريس، اتفضل يا أحمد.

أحمد المناعي: السلام عليكم.

أحمد منصور: وعليكم السلام.

أحمد المناعي: تحية للأخ الصديق فرانسوا بورجا، أريد أن أضيف إلى ما قاله الدكتور فرانسوا بورجا عن التحالف الثلاثي، أريد أن أضيف دور المثقفين من البلاد الإسلامية، واليساريين والاكئيين في الإساءة لصورة الإسلام من خلال الحرب المدمرة التي يشنونها على الحركات الإسلامية، في هذا الباب أريد أن أذكر فرانسوا بورجا بما كان يذكره لي دائماً بأنه كان يحاول أن يؤثر على والدته لمدة أسابيع وشهور، ثم تأتي السيدة النائبة خالدة مسعودي في البرلمان الجزائري لتهدم في دقائق في التلفزة الفرنسية ما بناه هو، فدور المثقفين لا يزال أساسي في الإساءة لوجه الإسلام، ولصورة الإسلام في الغرب.

أحمد منصور: شكراً لك يا سيد أحمد.

أحمد المناعي: كلمة أخرى بخصوص المثقفين الغربيين.

أحمد منصور: اتفضل.

أحمد المناعي: والذين نريدهم كصانعي قرار، في الحقيقة ما أعرفه من خلال تجربة طويلة في الغرب، أعتقد أن دورهم ليس بأفضل من المثقفين المسلمين في بلدانهم، القرار السياسي يتخذ في مستويات معينة، ثم يوظف له المثقفون الذين يؤهلون لذلك..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هذا ما أشار إليه البروفيسور بورجا بوضوح الآن.

أحمد المناعي [مستأنفاً]: نعم، أما في بلداننا هناك مثقفون يوظفون لخدمة سياسات استئصالية، هناك أيضاً مثقفون غربيون في فرنسا، وغيرها يوظفون لمثل هذه السياسات..

أحمد منصور: شكراً لك على توضيح هذه الصورة، السيد رشيد الجزائري.

أحمد المناعي: كلمة أخيرة فقط بخصوص الحجاب.

أحمد منصور: اتفضل.

أحمد المناعي: أريد أن ألاحظ.. وأريد أن.. أن المجتمعات الغربية مهما كان عداؤها للإسلام، فهي جداً متسامحة في هذه القضية بالذات، لأن كثيراً من البلدان الإسلامية تمنع الحجاب، وتدفع بالمحجبات إلى السجون، وتحاكمهم، وتعذبهم، لا ننسى هذا يا أستاذ.

أحمد منصور: شكراً لك يا سيدي.

أحمد المناعي: السلام عليكم.

أحمد منصور: شكراً لك، رشيد الجزائري من لندن، اتفضل يا أخ رشيد.

رشيد الجزائري: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام.

رشيد الجزائري: سلامي الحار كذلك إلى الدكتور فرانسوا بورجا، هو وجهة نظر فقط، عندما أعود قليل للوراء وعندما تحدث الدكتور عن العامل الديني، يعني وتحدث كذلك عن العامل السياسي والتاريخي، بما أنه تحدث كذلك عن الجزائر يعني علاقة فرنسا بالجزائر، أود فقط أن أذكر الدكتور بأن العامل الديني في الصراع الجزائري الفرنسي منذ احتلال الجزائر في 5 يوليه 1830م لحد الآن لا يزال العامل الديني -في اعتقادي- هو العامل الرئيسي، والدكتور يعرفه جيداً، سياسة الإدماج التي كانت تمارسها فرنسا، وكانت الجزائر ترفض هذه السياسة يعني جملة وتفصيلاً، ولحد الآن يعني ولحد الساعة لا تزال في فرنسا والجالية الجزائرية في فرنسا كبيرة جداً كما يعرف الدكتور، لا تزال ما يعرف باللغة الفرنسية laintegrasion total يعني الاندماج الكلي، وأحد السياسيين الفرنسيين قال: نحن نرفض أن يقوم أي شخص -يقصد المسلمين- بأداء صلاتهم هي في كل اليوم، وقال على كل من يأتي إلى فرنسا..

أحمد منصور [مقاطعاً]: أشكرك يا رشيد، فكرتك واضحة حتى أعطي المجال للآخرين، الآن هناك خلاف شديد -بروفيسور بورجا- بين ما تطرحه وبين معتقدات المسلمين بشكل عام، من أنك ترى أن الخلاف بين الإسلام والغرب لا يدخل فيه الشقُّ الديني، وهناك أشياء كثيرة تؤكد على أن الشقَّ العقائدي، والشقَّ الديني كان المحرك الرئيسي للحملات الصليبية، وكان المحرك الرئيسي حتى للعلاقة الحالية الموجودة بين الإسلام والغرب، بإيجاز لو سمحت.

د. فرانسوا بورجا: سأقوم ببعض التنازلات، لم أقل أن البعد الديني لا يدخل في الموضوع، لا أقول أن.. وخاصة لما ننظر إلى وسائل لعلاج التوتر وسوء الفهم بين الجانبين، نفتكر أن الشروط الأساسية إنها شروط سياسية واقتصادية، لا.. ربما نتناول موضوع شروط الحوار، لا تتم أي حوار بين.. بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين في البعد الديني قبل أن نحل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي في هذه المنطقة، لا تتم أي نوع من الحوار بين المسيحية الأميركية والإسلام العراقي، وتستمر الغارات القاتلة على العراق، فهذا مفتاح لما قلته على الصف الثاني أو.. اللبعد الديني في الخلاف الحالي، أنا كتبت عن وظيفة البعد الثقافي والديني..

أحمد منصور: في الصراع.

د. فرانسوا بورجا: في الصراع، هناك كتبت تقريباً.. جاء الحركة الإسلامية كيكمل الحركة الاستقلالية، بعد ما ركز الصراع أو الحرب الاستقلالي على البعد السياسي وأدى إلى الاستقلال، ثم ركز على البعد الاقتصادي، وأدى إلى فترة التعميمات من قناة السويس إلى النفط، ثم دخل فترة سميتها ثقافية أكثر من دينية، وأنا قلت أن صعود الحركة الإسلامية كان نوع من استمرار الحركة الاستقلالية عن الغرب من الجانب السياسي والاقتصادي إلى الجانب الثقافي غير أن أنا ثابت في اقتناعي أن القيم..

أحمد منصور [مقاطعاً]: مش هأقدر أنتزع منك تنازل كامل، ألا أستطيع أن أنتزع منك تنازلاً كاملاً؟!

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: القيم مشتركة إلى حد كبير، القيم مشتركة إلى حد كبير، والاختلاف هو في قدرة احترام القيم أكثر مما هو في قيم مختلفة… في وجود قيم مختلفة.

أحمد منصور: دكتور هاني.. دكتور هاني الديب من لندن، اتفضل يا دكتور..

[حوار متداخل غير مفهوم]

د. هاني الديب: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام.. لو سمحت تخفض صوت..

د. هاني الديب: والله، من الإنصاف لابد إن إحنا نذكر أن هناك أمرين…

أحمد منصور [مقاطعاً]: أرجو.. دكتور هاني، اسمح لي.. اسمح لي، أرجو أن تخفض صوت التليفزيون.. أرجو أن تخفض صوت التليفزيون، اتفضل.

د. هاني الديب: بالنسبة هناك عاملين في مسألة إشاعة العداوة والبغضاء ضد المسلمين: هناك عوامل متبعة للمسلمين، وعوامل أخرى موجودة من الغرب، الغرب بيحتضن ويبرز شخصيات تدَّعي أنها دعاة إسلام، وهم أسوأ النماذج لعرض صورة الإسلام، وتفرد لهم مساحة إعلامية مما يتيح أداة لتشويه صورة الإسلام..

أحمد منصور [مقاطعاً]: دكتور هاني، أرجو تخفيض.. يا دكتور هاني، أرجو أن تخفض صوت التليفزيون وتتحدث بإيجاز لو سمحت، اتفضل.

د. هاني الديب [مستأنفاً]: النقطة الموجودة في المسلمين في مسألة أنهم بيساعدوا في هذه الصورة السيئة، الأمر الأول: هو عدم اكتراث الدول الإسلامية بتحسين صورتها الثقافية والإسلامية في الغرب، ولكن الحكومات الإسلامية والعربية تهتم بإظهار صورتها السياحية المحببة لجذب السياح كالفرعونية وغيرها.

والأمر الثاني: هو الجاليات الكبيرة الموجودة الإسلامية سواء كالباكستانية أو غيرها، والتي تمثل نماذج سيئة في تعاملاتها اليومية مع الغرب، الغرب أيضاً بيقوم بإبراز أعمال السفه والإسراف اللي بيعرضها العرب خاصة الخليجيين في أوروبا وفي بلادهم، وهذه الأعمال كان أبرزها وآخرها زيارات الملوك والأمراء العرب في أوروبا، وما تعرضه لهم صحيفة "Guardian" البريطانية في أعدادها الأخيرة، كذلك إطلاق مصطلحات منفرة على الأفراد والجماعات الإسلامية كالمتطرف، والإرهابي، والأصولي، والراديكالي، وهي مصطلحات تخرج من الغرب.

كذلك جعل ضرب الحركات الإسلامية في البلاد الإسلامية كأحد عوامل التقارب مع الغرب، وتثبيت أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية، كما أن الغرب كذلك يسعى إلى إزكاء الحروب داخل الدول الإسلامية، والاستعداء على المسلمين، وخلق رموز تكون عداء، فهل يمكن أن يكون أسامة بن لادن هو العدو الأكبر لأميركا اليوم، والذي تبرزه كل المحطات وكل الإذاعات العالمية، أم أن هناك مشاكل أخرى موجودة في أميركا من الداخل وفي الغرب أكثر خطراً في الحقيقة من أسامة لادن الذي يظهر بصورته ذو اللحية الإسلامية كأحد المظاهر..

أحمد منصور [مقاطعاً]: شكراً لك يا دكتور، شكراً جزيلاً، الآن.. الآن بروفيسور بورجا، أنتم متهمون كغربيين -وأنت ربما أشرت إلى هذا في المقدمة- من أن وسائل الإعلام لديكم تركز على الصور السلبية الموجودة لدى المسلمين، وتظهرها بشكل فيه استفزاز للعقلية الغربية، وأنه يعطي صورة سلبية عن المسلمين؟!

د. فرانسوا بورجا: هذا صحيح إلى حد كبير، هذا صحيح أن –مثلما قلت لحضرتك في البداية- أن هناك تحالف، والعامل الغربي لا شك أنه يلعب دور رئيسي لاستغلال وجود الهامش المتطرف اللي يرفض حتى وجود التليفزيون، وحتى الآن نجد مجموعات يرفضون التليفزيون، يرفضون الصورة، استغلال هذا الهامش المتطرف لمصالح الأنظمة في الغرب، أو لمصالح الدولية، إذا.. يعني تنتمي إلى أساليب تعامل غير أن ذكرنا دور الأنظمة الحاكمة في العالم العربي، ذكرنا الهامش المتطرف للحركة الإسلامية.. ما ذكرناه ولكن وذكره..

أحمد منصور: أضافه لك الأخ أحمد المناعي من باريس.

د. فرانسوا بورجا: الأخ أحمد المناعي، دور الهامش المتشدد.

أحمد منصور [مقاطعاً]: في الغرب.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: من الجيل.. من جيل المثقفين العرب، يوجد كذلك تعاون بين هامش المتشددين، أنا أتذكر من كلام رئيس حزب في شمال أفريقيا -ليس من اللازم أن نركز على بلد معين- الذي أتيح له الفرصة أن يقوم بتصريحات خطيرة للغاية في وسائل الإعلام الغربية، فهو قال: الجيل الإسلامية الذي تقاتلها في ضاحية مدن أوروبا، هو نفسه الذي نقاتله في عاصمتنا العربية، شوف التنسيق..

أحمد منصور: نوع من التحريض حتى ضد المسلمين في أوروبا.

د. فرانسوا بورجا: ضد قدرة الإنسان الغربي لتطور صورة عقلانية موضوعية من المشاكل.

أحمد منصور: أخ فرج من ألمانيا، اتفضل.

فرج بولعشى: مرحباً.

أحمد منصور: حياك الله، اتفضل.

فرج بولعشى: لدي مداخلة –حقيقة- تميل إلى رأي الدكتور بورجا، وكنت قد كتبت سلسلة حول (صدام الحضارات) وعنونتها.. يعني أعيدت إلى مبدئها الأساسي، وهي أنها صدام مصالح وليست صدام حضارات بالمعنى الدقيق، وأما الدين هو عبارة عن واجهة تتوسل بها القوة كلما تنهض، وضع الإسلام.. نرى أننا نحن كأننا نريد أن يفهمنا الغرب، أو نستعطف الغرب، أو نريد من الغرب أن يتركنا وشأننا، بينما نحن متداخلين في الغرب، والغرب متداخل فينا، وضعفنا هو -حقيقة- صورتنا المشوهة التي نصنعها بأنفسنا، فإذا كنا بشكل جيد، فبالتأكيد سنكون جيدين، أو لا يعنينا أن نكون جيدين أو رديئين عند الآخرين، بقدر ما نحن يهمنا أن نكون جيدين مع أنفسنا.

نقصد أن.. أيضاً نقطة ثانية أن الغرب أغراب، وليس غرب أو كتلة واحدة، فهو غرب سياسي وعسكري، وله حلفه، وله تصوراته الاستراتيجية، وأيضاً هو غرب الثقافة، وغرب الليبرالية، وغرب الديمقراطية، وغرب الذي نتزود منه في.. تقريباً في كل مظاهرنا العصرية.

أحمد منصور: شكراً لك.

فرج بولعشى: عفواً، كما أن الإسلام إسلامات، وليس إسلام واحد، فهو إسلام البسيط الإنساني الكوني، القيم الأصلية التي يتفق عليها حول كل الديانات، هو الذي.. الإسلام الذي نفقده، فنحن في الحقيقة لسنا مسلمين، وهناك الإسلام الذي نراه في الصورة، وهو إسلام مشوه ورديء.

أحمد منصور [مقاطعاً]: يا أخ سعد.. يا أخ فرج..

فرج بولعشى [مستأنفاً]: إسلام الاستبداد بالقوة، إسلام الاستبداد الشرقي، وهذا هو الذي يفضح صورتنا عند الغرب، وهذا هو اللي نشوه به أنفسنا.

أحمد منصور: شكراً لك.. شكراً لك، هناك تداخل فيما طرحته من الأفكار، وإن كان هو يدعي أنه يتفق معك في بعض الأشياء بالنسبة لأن طبيعة الصراع ليست صراعاً دينياً، الأخ سعد السيد من الرياض، اتفضل.

سعد السيد: آلو.

أحمد منصور: بإيجاز لو سمحت، لأنه لم يعد لدي وقت، اتفضل.

سعد السيد: عفواً، الحقيقة فيه موضوع مهم، أنا لاحظت أن الدكتور ما أشار له بدرجة أهميته على الوضع على الخارطة، اللي هو البصمة المخابراتية الإسرائيلية، يعني هي لها وجود مؤثر بالشرق الأوسط، وعلى الإعلام الغربي، وعلى الإعلام الأميركي، ولها مصلحة مؤثرة في أنه يكون فيه صورة معينة عن الإسلام، نلاحظ مثلاً بعض النماذج مثل انفجار نيروبي مثل كثير من الأمور للمخابرات الإسرائيلية فيها بصمة واضحة، ومع ذلك يعني…

أحمد منصور [مقاطعاً]: سؤالك مهم.. سؤالك مهم يا أخ سعد.

سعد السيد [مستأنفاً]: غير الشيء هذا مثلاً عندك ميلوسوفيتش، ميلوسوفيتش مثلاً هذا نعلم جميعاً أنه ما يمثل الثقافة الأرثوذكسية، أنا أعرف الأرثوذكس يعادونه ويعتبرونه هو شيوعي بالمقام الأول، ويقال بأنه له علاقة مع الموساد، هناك مصلحة في ضرب الثقافتين اللي هي الأرثوذكسية والإسلام مع بعض، لأن كلاها أكثر تطرفاً تجاه السامية، ما يسمى بالسامية، يعني اغتصاب امرأة في البوسنة، أو اغتصاب امرأة في كوسوفو ماذا يمثل بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية؟ هذا شيء غير معقول مضموناً، أو معنىً.

أحمد منصور [مقاطعاً]: شكراً لك.

سعد السيد [مستأنفاً]: وبيصير أنه هناك –فعلاً- أمور تدبر في.. يعني وراء الكواليس، وينظر لها الناس بنظرة سطحية جداً.

أحمد منصور: شكراً لك يا سيدي، في ظل هذا الجو المتوتر في العلاقة بين الإسلام والغرب هل هناك مجال أو فرصة للحوار؟

د. فرانسوا بورجا: طبعاً.

أحمد منصور: كيف؟ ما هو شكل هذا الحوار؟ ومن الذي سيقوم به؟

د. فرانسوا بورجا: أنتم، ونحن، وكل..

أحمد منصور [مقاطعاً]: نحن لا نمثل شيئاً، هناك صناع القرار والسياسيين يستمعون إلى هنتنجتون، وليس إلينا نحن.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: أعرف.. نعم، بس فيه مساحة للحوار، لكن لهذا الحوار شروط، لا مساحة للحوار قبل أن نحل المشاكل السياسية والاقتصادية قبل كل شيء، كما قلت لا حوار بين المسيحية الأميركية والمواطنين العراقيين المسلمين قبل أن تنتهي الحصار القاتل على البلد.. تمام، اسمح لي أن أعطيك مثل شخصي كي أمثل ما.. ما هي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: باقي دقيقتين، ولذلك في دقيقتين نريد أن..

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: في دقيقتين، ما هي متطلبات الحوار، بعد ما نحل المشاكل السياسية والاقتصادية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أنت ترى بداية لابد من حل المشاكل بين الغرب والعالم الإسلامي.

د. فرانسوا بورجا [مستأنفاً]: الشروط.. الشروط النفسية هي قدرتنا لتجاوز الانتماء الديني والثقافي، وأنا أعطيك مثال قريب شوية، أحياناً أنا أدافع عن بعض مواضع المسلمين، مثلاً في سياق الحرب الأهلية في الجزائر، ماذا يحدث؟ ما هي ردود أفعال الطرفين: الطرف الغربي ربما يقول: يا دكتور فرانسوا، على أساس أنت مؤيد لمواقف المسلمين، أنت مسلم، أسلمت، لا شك أنك أنت أسلمت، لكن ما هي رد فعل الطرف الإسلامي، يقول كذلك: فرانسوا، نظراً إلى أنك تؤيد بعض مواقفنا في هذه الظروف الصعبة، يعني لماذا لا تسلم؟ وهاتين الموقفين خاطئين بالنسبة لي، لأن لهما قاسم مشترك، والقاسم المشترك أن كل منهما ترفض قدرة الآخر لتجاوز الانتماء الديني والثقافي لكي يحقق أحداث عالمية مشتركة حقيقية، الغربي.. الغربي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هذه نقطة مهمة الآن…

د. فرانسوا بورجا مستأنفاً]: الغربي ينظر للمسلم الذي يقبل شرب البيرة في وقت الصلاة كأنه مسلم متسامح، والمسلم ينظر للغربي اللي يؤيد بعض مواقف سياسية كأنه على هامش دخول قبول عبادات الدين الإسلامي، وهناك مشكل يعني جوهري..

أحمد منصور [مقاطعاً]: للأسف انتهى الوقت، والذي أشرت إليه هام للغاية، لأن معظم ما أشرت إليه أنا من المفكرين الغربيين أيضاً هم ليسوا مسلمين، ويواجهون بنفس المشكلة، وهذا يؤكد أن هناك سوء فهم من الطرفين، بكلمة واحدة، في ظل هذا الواقع المتردي، هل ترى الفرصة متاحة للحوار أم للمواجهة؟

د. فرانسوا بورجا: أنا مقتنع أن التحدي هو بذات تجوز إشكاليات الصراع، لا أقول إن هذا هدف صح، لكن..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني صراع أم مواجهة؟ كلمة واحدة؟

د. فرانسوا بورجا: أفتكر أن بفضل قناة (الجزيرة) سنوجه إلى السلام والحوار إن شاء الله.

أحمد منصور: شكراً لك بروفيسور بورجا.

د. فرانسوا بورجا: أنا أشكرك.

أحمد منصور: كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الختام أنقل لكم تحية فريقي البرنامج من لندن، والدوحة، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من لندن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.