الملف الأسبوعي

مكررة

ما أولويات الإدارة الأميركية في حربها على أفغانستان؟ وما حجم الكارثة الإنسانية هناك بين الشتاء القارس والقنابل الذكية؟ وموقف الدول العربية من الحرب الأميركية على أفغانستان؟ الجمرة الخبيثة ومن يرسل الخطابات؟
مقدم الحلقة جميل عازر
ضيوف الحلقة – ،
تاريخ الحلقة 04/11/2001

– أولويات الإدارة الأميركية في حربها على أفغانستان
– المشهد الفلسطيني بين الصلف الإسرائيلي والجهود الدولية لحل القضية
– الكارثة الإنسانية في أفغانستان بين الشتاء القارس والقنابل الذكية
– موقف الدول العربية من الحرب الأميركية على أفغانستان
– الجمرة الخبيثة ومن يرسل الخطابات؟


undefinedتوفيق طه: أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، ومعنا هذا الأسبوع: مع استمرار القصف الأميركي واقتراب شهر رمضان، تساؤلات عن أولويات الإدارة الأميركية في حربها على أفغانستان.

رغم الاستجابة الإسرائيلية للضغط الدولي لوجوب بدء المفاوضات مع الفلسطينيين الدبابات الإسرائيلية تواصل التوغل في أراضي السلطة الفلسطينية. وكارثة إنسانية على حدود أفغانستان مع إيران وباكستان، والجهود الدولية تحاول التعامل مع المعاناة الإنسانية قبل حلول الشتاء الأفغاني القارس.

أولويات الإدارة الأميركية في حربها على أفغانستان


undefinedتثور تساؤلات جدية حول استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان، فعلى الرغم من بدء القصف بواسطة طائرات B52 إلا أن هناك الكثير من الشكوك التي تثور حول قدرات تحالف الشمال القتالية، وما يثير قلق الأميركيين اقتراب شهر رمضان، وبدء الشتاء الأفغاني المرعب، فاستمرار القصف أثناء شهر رمضان يهدد بإثارة غضب الجماهير الإسلامية، أما الشتاء الأفغاني القارس فسيحول دون استمرار القصف بصورة فعالة، ورغم تصريح الرئيس الأميركي بأن الحملة ماضية قدماً أثناء رمضان إلا أن البعض في العالم الإسلامي مازال يحدوه الأمل في أن تتغير وجهة نظر الأميركية.

تقرير/ حسن إبراهيم: تبدو إحداثيات المشهد الأفغاني مشوشة لدى صانع القرار الأميركي رغم مرور حوالي شهر من بداية الحملة العسكرية على أفغانستان، بملامح الحيرة الموقف من استمرار القصف أثناء شهر رمضان، فقد رد بعض أعضاء الإدارة الأميركية على مناشدة بعض قادة العالم العربي والإسلامي بإيقاف القصف إبان شهر رمضان بأن المسلمين أنفسهم لا يوقفون القتال أثناء هذا الشهر.

الإدارة الأميركية تحاول -بصورة ما- الظهور بمظهر من يخوض حرباً عسيرة، فوزير الدفاع الأميركي يتحدث عن تمكن القوات الأميركية من السيطرة على الأجواء الأفغانية، كأنه كان لدى طالبان قوات جوية تنافس الطائرات الأميركية، ولتقليل شأن المعارضة للقصف على أساس إنساني يحاول المسؤولون الأميركيون التشكيك في مصداقية صور الدمار والضحايا التي تبثها قناة (الجزيرة)، وبعد أن تمكن الساسة من إقناع المواطن الأميركي بجدوى العمليات العسكرية فلابد إذاً من استمرار هذه الحملة، كما يقول البريطانيون والأميركيون، لكن لتحقيق أي غرض؟ إن كان الهدف هو تدمير البنى التحتية لأفغانستان فهذا إذاً هدف يحققه القصف العنيف الذي بدأ منذ السابع من أكتوبر، ولم يتوقف يوماً واحداً، هذا على الرغم من أن البنى التحتية في أفغانستان قد دمرت بصورة فعلية منذ أمد طويل نتيجة الحروب المستمرة في ذلك البلد المنكوب، أما إن كان الهدف هو أولاً: القضاء على تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، وثانياً: إسقاط حكومة طالبان واستبدالها بحكومة أكثر تمثيلاً للطوائف والأعراق الأفغانية المتعددة، فذلك أمر لا يمكن تحقيقه إلا بعد حرب طويلة لا مناص لخوضها من دخول القوات الأميركية البرية بصورة مكثفة، وهنا أيضاً يتضح تخبط الإدارة الأميركية، فمنذ اليوم الأول لقصف صرح رئيس الجمهورية (جورج بوش) بأن بلاده تريد القضاء على الإرهاب لا إسقاط الحكومات، لكن هذا تغير سريعاً، وأضحت الإدارة الأميركية تصرح علانية بعزمها على إسقاط حكومة طالبان، لكن خوفهم كان من البديل القادم، فلا يمكن لباكستان أهم جارات أفغانستان قبول حكومة لا يكون لعنصر البشتون تمثيل قوي فيها، وبالتالي أتى التردد الأميركي في تدمير كامل قوة طالبان لدعم تحالف الشمال في المرحلة الحالية، وعلى الرغم من أن أوزباكستان وطاجيكستان ومن ورائها روسيا تريد نظاماً أقل بشتونية في كابول، وتخشى من وجود أميركي دائم في آسيا الصغرى إلا أن الولايات المتحدة لا يمكنها المغامرة باستفزاز باكستان التي تخشى وجود نظام معادٍ لها في كابول. يعتقد بعض المراقبين أن حسابات ما بعد طالبان أغرقت الولايات المتحدة في دوامة سياسية أبعدتها عن هدفها الرئيس، وأنه لابد من تحديد استراتيجية أميركية واضحة قبل تحول أفغانستان إلى مستنقع من الطراز الفيتنامي يصعب التخلص من أوحاله.

المشهد الفلسطيني بين الصلف الإسرائيلي والجهود الدولية لحل القضية


undefinedتوفيق طه: التناقض الذي أصبح ديدن المواقف الإسرائيلية صار يشكل إحراجاً لأصدقاء الدولة العبرية قبل أعدائها، ولعل في الاستجابة الإسرائيلية لضغوط ومناشدات رئيس الوزراء البريطاني، ثم توغل الدبابات الإسرائيلية في غزة واغتيال واختطاف ناشطي حركة المقاومة الإسلامية حماس، لعل في ذلك أدلة على أن صانع القرار الإسرائيلي يريد أن ينهي كل مقاومة فلسطينية قبل التفكير في المفاوضات. من ناحية أخرى هناك أدلة على أن صانع القرار الغربي أخذ يتعامل مع إسرائيل بشيء من نفاذ الصبر، نظراً لاعتبارات الحرب ضد أفغانستان وتداعياتها.

تقرير/ سمير خضر: في كل مرة تتقدم فيها الدبابات الإسرائيلية داخل مناطق السلطة الفلسطينية ترتفع عبارات، ونغمات، ودعوات تكاد تكون متشابهة، إذ تبدأ إسرائيل بالقول أنها لا تنوي البقاء، وستنسحب حالما ما يعم الهدوء، وتليها السلطة الفلسطينية التي تتحدث عن عدوان إسرائيلي سافر وعن دعوة المجتمع الدولي للتدخل، ثم تدخل واشنطن على الخط وتتطالب إسرائيل بالانسحاب، وتطالب السلطة الفلسطينية بتهدئة الأمور، هذا الموقف تكرر مراراً منذ بدء الانتفاضة قبل ثلاثة عشر شهراً، ولم يكن يثير اهتماماً كبيراً على الصعيد الدولي، ولكن ومنذ الحادي عشر من سبتمبر بدأ صبر الإدارة الأميركية بالنفاذ، فـ(شارون) يعمل من حيث يدري أولا يدري على تقويض دعائم التحالف الذي تبحث عنه واشنطن في حربها ضد ما تسميه "الإرهاب"، وهذه الحرب لا تريد واشنطن أو أي دولة غربية أن تبدو وكأنها حملة صليبية جديدة، حملة ضد العرب أو المسلمين، ولهذا فإن دعم العرب والمسلمين لها ولو نظرياً يشكل أساساً متيناً يمكن واشنطن من الاستمرار في حملتها ضد أفغانستان، طالبان، لكن العرب أجمعوا منذ البداية على أن حل المشكلة الفلسطينية يشكل الخطوة الأولى للقضاء على مصادر ومنابع الإرهاب الدولي، وطالبوا واشنطن بالضغط على إسرائيل للوصول إلى حل نهائي لهذه المشكلة المستعصية إن هي أرادت حقاً كسب تأييد الشارع العربي والإسلامي، وبالطبع لا تستطيع واشنطن شن حرب على جبهتين في آن واحد جبهة أفغانستان وجبهة شارون، وآخر ما تبحث عنه هو تدهور الوضع في الشرق الأوسط بشكل يعيق حملتها الأفغانية، وبدأت تظهر بوادر أزمة بين الإدارة الأميركية وحكومة الشارون، أزمة سطحية بطبيعة الحال، ونابعة من عدم تجاوب رئيس الحكومة الإسرائيلية مع رغبات واشنطن في تهدئة الأوضاع، حتى لا تخسر الولايات المتحدة حلفاءها العرب، وهكذا وجد (شارون) نفسه مؤخراً في موقف محرج للغاية، فهو من ناحية يتعرض لضغوط شعبية ويمينية للقضاء على السلطة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى يتعرض إلى تقريع علني من حلفائه الأميركيين، وأصبح هامش المناورة أمامه محدد للغاية ولم يكن من المفاجئ أن يعلن أمام رئيس الحكومة البريطانية عن تشكيل فريق تفاوض إسرائيل برئاسته بهدف التوصل إلى صيغة اتفاق مع الفلسطينيين.

أما (توني بلير) المبعوث غير الرسمي لجورج بوش، فقد خاطب الجانبين بعبارات سئما منها منذ سنين ويعتبرانها مجرد أحلام وردية لا تمت إلى الواقع بصلة فقد أشار توني بلير إلى أن الطرفين يريدان التوصل إلى السلام، وفقاً لاتفاق أوسلو، وسيأتي الوقت الذي تحدث فيه هذه المعجزة، فلماذا إذاً تستمر المواجهات إذا كانت ستتوقف في يوم ما، ولما لا يكون هذا الوقت اليوم؟

الفلسطينيون من جهتم لا يرون في مثل هذه الأمنيات سوى شيئاً واحداً، عدم قدرة الغرب على حمل إسرائيل على وقف تقدم دباباتها، التي تريق مزيداً من الدماء وبالتالي تزيد من أعداد الناقمين، ليس على إسرائيل وحدها، بل على الغرب برمته.

توفيق طه: وللتعرف على أبعاد المشهد الفلسطيني، تحدث إلى (الكاتب والخبير في الشؤون الفلسطينية) الدكتور بشير نافع وسألته أولاً عما إذا كان الغرب عاجزاً فعلاً أم غير راغب في ممارسة ضغط كافٍ على إسرائيل يرغمها على الانصياع لإدارة السلام؟

د. بشير نافع (خبير في الشؤون الفلسطينية – لندن): الغرب عاجز وغير عاجز بمعنى أن الغرب يستطيع، الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تستطيع بالفعل أن تفرض ضغط على إسرائيل.. أن تفرض ضغطاً على إسرائيل، وأن تنجز تحول رئيسي في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ولكني أعتقد أن القيادات السياسية الغربية تفتقد إلى الصلابة الأخلاقية –إذا أدت- لتفرض هذا الطلب أعتقد أن الطبقات السياسية الغربية، على جانبي الأطلسي تخاف من النفوذ الإسرائيلي، من النفوذ اليهودي في العالم، وفي نفس الوقت ربما يخافون من انتصار عربي إسلامي في الشرق الأوسط أو مما يؤدي إليه انتصار عربي إسلامي في الشرق الأوسط على دولة إسرائيل.

توفيق طه: يعني.. يعني تريد أن تقول إن ارتباط السياسة الغربية بإسرائيل كممثل لمصلحتها يعني هو ارتباط أيديولوجي يدخل في صلب عقيدة الغرب؟

بشير نافع: هو.. هو الأسس.. أسس العلاقة بين الغرب وبين إسرائيل هي –كما قلت- هي أسس ثقافية ودينية وإيديولوجية، ولكن في الـ 10، 15 سنة الأخيرة هناك دلائل متزايدة على إن إسرائيل لا تخدم المصالح الغربية يعني في حرب الخليج إسرائيل أجبرت على السكوت نهائياً على الوقوف على جانب الحلبة، والآن إسرائيل، لا أحد في الغرب يريد لإسرائيل أن يكون لها أي دور بأي شكل من الأشكال فيما يسمى الآن بالحرب على الإرهاب في الغرب، فهناك دلائل الآن متزايدة، دلائل عديدة أنه ارتباط إسرائيل بالسياسات الغربية لا يخدم السياسات الغربية في.. في المنطقة، ولكن المشكلة ليست في قوة الجذور الدينية والثقافية والأيديولوجية في العلاقة بين الطرفين المشكلة في ما يسمى يعني افتقاد الرؤية، افتقاد رؤية كبيرة وعظيمة للمستقبل ولمستقبل العالم ككل لدى الطبقات السياسية الغربية الحاكمة.

توفيق طه: يعني.. وهو هل يدرك شارون ذلك، يعني هل هذا ما يجعله مطمئناً إلى أن الغرب لن.. لن يحاربه إذا رفض الضغوط التي يوجهها إليه؟

د. بشير نافع: لا.. هو.. هو طبعاً شارون لا أعتقد أن شارون يفكر على هذا المستوى يعني.. يعني طبعاً شارون هو الجنرال العسكري له تاريخ طويل في الحروب، ولكن لا أستطيع أن أرى أن شارون رجل صاحب رؤية استراتيجية كبيرة ورجل يرى العالم بكل تعقيداته، لا هذا ليس هناك أدلة على هذا، ولكن شارون الحقيقة هو الآن، في هذه المرحلة، شارون يخاف، يعني شارون يخاف من إنه الغرب في.. على المستوى البراجماتي على الأقل إنه الغرب يرى إن إسرائيل عبء عليه، عبء أخلاقي عليه، عبء سياسي عليه، وإنه في النهاية يضطر.. يضطر لتقديم تنازلات للجانب العربي والإسلامي يضطر لأن يضغط بشكل ما، ليس كما نريد ربما، ولكن أن يضغط بمستوى يعتبر غير مقبول من قبل الجانب الإسرائيلي.

توفيق طه: إذاً كيف يمكن للفلسطينيين أن يستفيدوا من هذا الضغط الأميركي والأوروبي على إسرائيل، في الوقت نفسه يحافظون على وحدتهم الوطنية لأننا نعلم أن هناك من يرفض يعني الحديث مع شارون ويواصل العمليات ويدعو إلى مواصلة العمليات العسكرية.

د. بشير نافع: يعني من حق الفلسطينيين المقاومة، وهذا الحق ينبغي أن يؤكد بكل الأشكال، يعني لا ينبغي للفلسطينيين أن يصابوا بالرعب مما يسمى بهذا الخطاب، خطاب الحرب ضد الإرهاب، الذي تقوده الولايات المتحدة، هناك حق أصيل، هناك حق تاريخي وقانوني ودولي للشعوب في أن تقاوم المحتلين، وأنا أعتقد إنه على الفلسطينيين أن يستمروا في هذا لأنه في النهاية هذا هو الذي سيسقط شارون ويسقط السياسات.. سياسات شارون، ولكن ينبغي الحذر في الوقت نفسه من.. من تنفيذ أعمال أو عمليات غير مدروسة سياسياً، غير حكيمة تهدد الوحدة الوطنية الفلسطينية، أو تقوض موقع الرئيس الفلسطيني.

[فاصل إعلاني]

توفيق طه: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نتابع هذه الجولة في الملف الأسبوعي، وفيه أيضاً: من يرسل الخطابات الملوثة بالجمرة الخبيثة؟ ألا يمكن أن يكون العدو من داخل الولايات المتحدة؟

الكارثة الإنسانية في أفغانستان بين الشتاء القارس والقنابل الذكية


undefinedمعاناة اللاجئين الأفغان تجل عن الوصف، فهم قد شردوا بمئات الآلاف عن ديارهم، وأوصدت الأبواب في وجوههم بقسوة، والإنسان الأفغاني المحظوظ في هذه الأيام الدامية هو من تحول إلى رقم في سجلات واحدة من منظمات الإغاثة لعله يجد لقمة تسد رمقه، أو خيمة تحميه من الشتاء الذي أصبح على الأبواب ومع أخطاء القنابل الأميركية الذكية التي تجد طريقها دائماً إلى الأقوات القليلة في مخازن الصليب الأحمر الدولي إن المعاناة فاقت حدود المعقول.

تقرير/ خالد القضاة: لا ذنب لهم سوى أن في بلادهم حرباً تدور منذ نحو ربع قرن، خبروا العيش في الخيام إلا من شمر عن ساعده ليبني حجرة من طين تقيه لسعات البرد، قبل أن تسفعه الرمال، لكن العيش في خيمة أو بين جدران من الوحل المجبول هما سيان، معاناة ما بعدها معاناة، فقد تقست جلودهم وما يتوسدون متكأً ولا يعرفون كيف يكون الأثاث الوثير، إنها قصة قديمة جديدة أصبحت حزينة، كحزن كل ما هو أفغاني، لقد تكالبت الأيام عليهم وأصبح في وجوهم حكايات عجزت حتى الأمم المتحدة عن غوث لهفتها، فلماذا عجزت؟ الواضح أن قدرة الأمم المتحدة على مواصلة عملها في أفغانستان تواجهها مصائب جمة، بسبب تدهور الوضع الأمني وفقدان سيادة القانون والنظام في مناطق عدة، فأصبت قدرتها على الاستمرار في تنفيذ عملها تتلاشى يوماً بعد آخر، وعلى المنظمة الدولية أن تبحث عن حل وليكن في دول الجوار أولاً، كي تنقذ عشرات الآلاف من الهلاك، قبل حلول الشتاء الذي أصبحت قسوته على الأعتاب، غير أن باكستان وإيران الدولتين المعول عليهما لديهما من الأسباب ما يمكن وصفها بالمبررة، فباكستان يعيش فيها ملايين اللاجئين الأفغان بحيث أصبح وجودهم هناك مبعث قلق من الناحية الأمنية، وبالفعل برز ذلك في المظاهرات التي يسيرها اللاجؤون ومناصروهم، وفي شح الموارد التي أصبحت الملايين تتقاسمها مع أهل البلاد، وهذا الحال لا يختلف عنه لدى إيران، سوى أن العدد يقل عن ذلك، ولم تستطيع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلا انتزاع وعود من طهران، بأنها قد تقيم للاجئين مخيمات، ولكن على الجانب الأفغاني من الحدود مشكلة اللاجئين الأفغان هي أن معظم كهول ونساء وأطفال فقراء وجوعى أعياهم المرض وتطاولت عليهم الحروب، يتركون الوطن فراراً من آتون الحرب إلى ديار لا تختلف كثيراً عن هاتيك الديار، أكياس الدقيق أو الحصص الغذائية التي تسقط عليهم من غير المعتقد أن تسد رمقاً لشعب هتك صمته أزيز الرصاص وهدير الطائرات ولم يعد يفرق أحدهم بين قنبلة أبت إلا أن تنفجر فيه وبين حصة من الغذاء تتداولها أصابعه عارفاً بأنه قد لا ينال أخرى، حتى وإن عاش منهم من عاش فإن البرود الملحوظ في وقفة المجتمع الدولي قد تجعله ردحاً طويلاً من الزمن على قارعة الطريق.

موقف الدول العربية من الحرب الأميركية على أفغانستان


undefinedتوفيق طه: الدول العربية التي كانت في طليعة من دان الهجوم على الولايات المتحدة، وفي طليعة من أيد الحرب على ما أسماه الرئيس الأميركي بالإرهاب تجد نفسها الآن في موقف شديد الحرج، فالدمار الذي يحدثه القصف الأميركي في أفغانستان بصورة يومية يوقع حكومات هذه الدول في حرج كبير مع شعوبها، ومن ناحية أخرى ترفض الولايات المتحدة التوقف عن قصف أفغانستان في شهر رمضان وهو ما قد يعطي دفعة قوية للمعسكر الرافض للحرب الأميركية.

تقرير/ سمير خضر: هل تحول توني بلير إلى مجرد ساعي بريد للإدارة الأميركية، أم مبعوث خاص للرئيس جورج بوش؟ في كلا الحالتين لم يسلم رئيس الحكومة البريطاني من انتقادات مواطنيه الذين يتهمونه بإهمال السياسة الداخلية لبلاده والانشغال بقضية لا تلقى التأييد الكافي في بريطانيا، لكن مؤيدي بلير يصفون جولاته المكوكية بالحاسمة والضرورية وبأنها تشكل حجر الأساس للدبلوماسية الهادئة، فكثير من الدول التي تعول عليها واشنطن في حربها ضد ما تسميه بالإرهاب تشعر بالقلق حيال السياسة الأميركية سواء في أفغانستان أو خارجها، وعلى رأسها الدول العربية التي ترى في الحرب الدائرة حالياً جسماً غريباً عنها قد يمتد يوماً ما ليشملها أو على الأقل يشمل مصالحها ومكانتها، ورغم أن معظم الدول العربية أعلنت صراحة إدانتها للهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر أيلول الماضي ونأت بنفسها عن كل عمل إرهابي وخاصة عن تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، فإن كثيراً من هذه الدول ترى في الهجمات التي تتعرض لها أفغانستان مجرد رد انتقامي أميركي لا يمكنه بأي حال وضع حد لظاهرة الإرهاب في العالم، كما أن معظم، إن لم نقل كل الزعماء العرب لا يزالون يتساءلون عن معنى كلمة "إرهاب" في قاموس الحضارة الغربية؟ هل هو الإرهاب الموجه ضد الحضارة الغربية فقط، هل هو إرهاب الأفراد فقط، أم إنه ظاهرة أعم وأشمل من ذلك بكثير؟ وفي هذه الحالة كيف يمكننا تصنيف ما تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية، مجرد دفاع عن النفس -كما يقول شارون وأنصاره داخل إسرائيل وخارجها- أم إن في الأمر شيئاً آخر؟ وهل هناك قانون دولي يسري على الجميع وقانون آخر يتم تفصيله على مقاس الدولة العبرية وفقاً للظروف؟ كل هذه تساؤلات حاول توني بلير طمئنة محدثيه حولها، فالولايات المتحدة ورئيسها صنفا العالم إلى دول تساند واشنطن وأخرى تساند الإرهاب، ولا مكان إذن لغير ذلك، وهكذا نجد دولة مثل السعودية تتهم من قبل أعضاء في الكونجرس بتمويل الإرهاب لأنها ببساطة تمارس دورها التاريخي في دعم المدارس الدينية وبناء المساجد في شتى دول العالم، ونجد دولة مثل سوريا تصنف من قبل وزارة الخارجية الأميركية كدولة راعية للإرهاب لأنها تنادي بالتفرقة بين الإرهاب والنضال من أجل تحرير الأراضي المحتلة، أما مصر حليفة الغرب منذ ربع قرن فإنها تتعرض إلى انتقادات واسعة في وسائل الإعلام الأميركية لأنها لم تعلن انضمامها رسمياً إلى التحالف الذي تقوده واشنطن، لذلك جاء توني بلير إلى المنطقة من أجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومحاولة إقناع العرب بأن هذه الحرب ليست موجهة ضدهم أو ضد الإسلام، وكأن زعماء المنطقة بحاجة إلى دروس في هذا المجال.

الجمرة الخبيثة ومن يرسل الخطابات؟


undefinedتوفيق طه: وأخيراً يسود الرعب هذه الأيام الولايات المتحدة بسبب جرثومة الجمرة الخبيثة التي ترسل على شكل مسحوق أبيض داخل الرسائل البريدية، ولم يفكر كثيرون في أجهزة الإعلام الأميركية في احتمال أن تكون فئات غاضبة من داخل المجتمع الأميركية شنت هذا الهجوم البيولوجي انتقاماً لما تسميه جرائم الحكومة الفيدرالية، فغضب هذه الجماعات قد تضاعف منذ أحداث طائفة الديفيدينز وحريق (ويكو) عام 94 وتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية الذي نفذه (ديموثى ماكفاي)، ومن يدري فقد تثبت الأيام أن لهم ضلعاً في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، حقا من يدري!!

تقرير/ حسن إبراهيم: الجمرة الخبيثة (الإنثراكس) رعب انتشر في أرجاء الولايات المتحدة انتشار النار في الهشيم، ومنذ إرسال الخطاب الأول إلى السيناتور (داشني) وحتى آخر ضحية فإن الأمر يزداد غموضاً، فقد أصيب عاملون في مصلحة البريد وصحفيون وعاملون في المستشفيات وغيرهم، ما يثير رعب الشعب الأميركي هو أن الإدارة الأميركية تبدو حائرة بصورة غير مسبوقة ولا يعلم أحد حتى الآن من الذي يقوم بهذه الجريمة، وكالعادة تسابق من يصنفون كخبراء في الإرهاب إلى اتهام أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ونقب البعض في دفاتره القديمة فتحدث عن برنامج العراق لإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، بل ودعى بعضهم إلى الرد بالمثل وتصاعدت أصوات تنادي باستخدام القنابل النووية المصغرة ضد العراق، لكن أين الدليل؟ فالجراثيم التي أرسلت على شكل مسحوق لم تكن في تعقيد تلك التي تنتجها معامل السلاح البيولوجي، لكنها كذلك لم تكن من إنتاج هواة ما زاد الطين بله هو تصريح المسؤولين الأميركيين بأنهم تلقوا إنذاراً من مصادر موثق بها تفيد بأنه سيقع هجوم إرهابي ضخم في غضون الأيام القادمة، وبالتالي ازداد الذعر وإجراءات التحوط، لكن لما لا تبث أجهزة الإعلام الأميركية احتمال أن يكون الإرهاب من داخل الولايات المتحدة، ألا يمكن أن تكون هناك جماعات يمينية تحس بالغبن تجاه واشنطن وسياساتها تريد محاولة الانتقام فيمن تعتبرهم ضحايا للحكومة الفيدرالية، (ديفيد كوريش) وأتباعه الذين قضوا نحبهم احتراقاً في (ويكو) بولاية تكساس، (تموثى مكفاي) الذي أعدم بعد إدانته بتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في (أوكلاهوما سيتي)، وعشرات من قيادي الحركة الفوضوية مثل (ثيودور كازنسكي)، (أليوني بومر)، أو مرسل القنابل الذي حكم عليه بالسجن المؤبد بدون الحق في العفو بسبب حسن السلوك، ثم ما يسمونه اضطهاد الحكومة –التي يسيطر عليها الصهاينة حسب تعبيرهم- اضطهادها للمنظمات التي تدعو إلى نقاء العنصر الأبيض مثل (الكوكلاكسلان) و(Arian nation) أو الأمة الآرية أو النازيين الجدد، ألا يمكن أن تكون هذه المنظمات التي تريد تدمير كل ما يرمز إلى أميركا الحديثة مسؤولة عن إرسال هذه الطرود الملوثة؟ ولو سمحنا لأنفسنا بالتساؤل: ألا يمكن أن تكون مسؤولة عما حدث يوم الحادي عشر من أيلول سبتمبر؟ فهناك قاسم مشترك أعظم يجمعها ألا وهو الإيمان بيوم حسم عظيم يشابه النبوءات التي يؤمنون بها في الكتاب المقدس خاصة في السفر الأخير من الإنجيل الذي يتحدث عن (أرمجدون) أو المعركة الأخيرة.

لكن على ما يبدو فإن التساؤل عن هذا الاحتمال قد يصرف الأنظار عما تعتبره الحكومة الأميركية معركة لا هوادة فيها ضد الإرهاب النابع من العالم العربي والإسلامي.

توفيق طه: بهذا نأتي مشاهدينا الكرام إلى ختام جولتنا في (الملف الأسبوعي) ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت.

وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا توفيق طه يستودعكم الله.