المحاربون القدامي
المحاربون القدامى

وسام حرية إيطاليا

في ذاكرتهم أيام لا تنسى تراها في عيونهم، أيام قضوها تحت أطلال قنابل طائرات الفرنسيين والإنجليز في ظل طغيان الفاشيين والنازيين، فواجهوها وقاوموها إلى أن نالوا وسام حرية إيطاليا.

– ريمو دلاجزاري..السعي إلى الحرية والديمقراطية
– فالكيريا تيرادورا..الدفاع عن الحقوق المدنية

– ماريو بيانكي..دور الحزب الشيوعي الإيطالي

– تريزا فرجلي..دور النساء في نجاح المقاومة الإيطالية

لا يعلم الإنسان شيئا ولا يمكنه أن يفعل شيئا بدون الذاكرة.. الشاعر الإيطالي الكبير جاكومو ليوباردي 29/9/1798: 14/6/1837.

ريمو دلاجزاري..السعي إلى الحرية والديمقراطية

[تعليق صوتي]

العاشر من يونيو حزيران 1940، تندفع الفاشية إلى ذروتها ويعلن موسوليني للجماهير المحتشدة في ساحة فينسيا دخول إيطاليا في الحرب العالمية الثانية إلى جانب ألمانيا ضد فرنسا وإنجلترا، من هذه اللحظة ولسنوات قادمة تتحول إيطاليا إلى أطلال تحت القصف ويسقط النظام الفاشي بدوره تحت هذه الأطلال في الخامس والعشرين من يوليو تموز عام 1943 بتوقيع إيطاليا مع الحلفاء على استسلامها بعد تحالف دام لسنوات مع الرايخ النازي الألماني بزعامة هتلر. أيام قليلة بعد الاستسلام ويحتل الألمان إيطاليا والجيش الإيطالي مشتت على جبهات عديدة وفي سبتمبر أيلول من نفس العام كان الميلاد الحقيقي للمقاومة المسلحة في إيطاليا في مواجهة الفاشيين والنازيين على السواء ولم تكن المسألة بالنسبة للمقاومة الإيطالية هي الاستمرار في حرب خسرتها إيطاليا إنما بداية لحرب جديدة، حرب تحرير شعارها طرد الألمان المحتلين وحليفهم الفاشي الذي أقام جمهورية موسوليني..

ريمو دلاجزاري- مناضل إيطالي: الهدف الأول للمقاومة وحسب تعليمات قادتها والعسكريين والسياسيين كان ضرب الفاشية والقضاء عليها.

[تعليق صوتي]

الزمن حفر على وجه هذا الرجل علامات أبى هو إلا أن يوثّقها، صبيا حارب في صفوف المقاومة الإيطالية بمسقط رأسه إقليم فينتو الشمالي، عاد من الحرب لينضم إلى الحزب الشيوعي وليكّرس حياته لتوثيق الحرب ببعديها السياسي والإنساني. وبالرغم من أنه لم ينل حظه من التعليم إلا أنه أصبح كاتبا ومؤرخا يُعتد به في إيطاليا ومازال وهو على أعتاب الثمانين من عمره يرفع راية الديموقراطية والتحرير.. ريمو دلاجزاري.

ريمو دلاجزاري: ساهمت شخصا مع رفاقي في عمليات كثيرة بمناطق متعددة مثل فيتوريو فينتو، كاستل فرانكو وتريفيزو وشمال إيطاليا في مقاطعة فينسيا، هاجمنا الكثير من معسكرات الكتائب السود والحرس الجمهوري وكانت هذه العمليات تنتهي غالبا بانتصارنا والاستحواذ على أسلحة وبزات عسكرية وذخائر ومؤن غذائية، من مهامنا الحساسة أيضا كان تحجيم نشاط الجواسيس الفاشيين الذين يدلون بالمعلومات للشرطة ويوجهون نقاط التفتيش لعرقلة تحركاتنا. آنذاك كنا في بداية الشباب أو بالأحرى صبية، صحيح كان بجانبنا رجال ذو خبرات وتجارب عسكرية في ألبانيا، يوغسلافيا وروسيا، كانت تجربتنا في غاية الصعوبة ومليئة بالهموم لأنه كان علينا مواجهة أفواج العدو المنظمة عسكريا والتي كانت قادرة على التوغل بدباباتها حتى في أضيق الطرق وأكثرها وعورة وكانوا مسلحين بمدافع رشاشة وقنابل يدوية، لقد كانت مواجهات صعبة للغاية، إن إطلاق النار على أي إنسان أمر صعب خاصة إذا كنت تعلم أن من بينهم إيطاليين، أيضا الإيطاليين المتعاونين مع الألمان فقد كان من الصعب التمييز بينهما خاصة في الحقول الزراعية كان من المستحيل تمييز فريق عن الآخر لأن لون بزاتهما العسكرية كان درجات متقاربة من اللون الأخطر، كان موقفا عصيبا ولكن يجب القول أنه كان هناك غضبا هائلا من هؤلاء الفاشيين الذين لولاهم لوجد الألمان أنفسهم وحيدين في إيطاليا ولانتهت الحرب قبل ذلك بكثير وكان من الممكن تجنب الكثير من الآلام والهموم، في الكثير من الاشتباكات المسلحة التي شاركت فيها لم يكن سهلا إطلاق النار على شاب آخر تراه على ناصية الطريق من الممكن أن يكون في نفس عمري ولكن تلك هي الحرب وضروراتها، الآن حين أتوجه للإدلاء بشهادتي أمام طلبة المدارس يسألونني كيف هي مشاعرك آنذاك، أجيبهم أنه من الصعب فهم ما حدث وقتها دون العودة إلى وقع تلك السنوات والحرب القائمة، كانت حرب وحشية تجمد المشاعر كما أحب أن أصفها للشباب الذين يصغون إلي وأعتقد في ذلك لأنني عايشته بنفسي، فقط الحرب قادرة على إبراز المزيج الغريب داخل الإنسان، داخل كل إنسان هناك مزيج من أشياء جميلة وأخرى لا حدود لقبحها وهذا يتجلى في الأوقات العصيبة، حين نتحدث عن مرحلة الشباب التي احترقت وهذا ما ينطبق عليّ، لا أقصد تعبيرا أدبيا يستخدم في الروايات بل هو تعبير واقعي عن وشم يلازمك طوال حياتك ولا يعني شيئا أن تبدو سعيدا في الحياة العامة والمناسبات، هذا بلا مبالغة عبارة عن قناع خارجي لا يعكس ما بداخلك، في بعض الأحيان خلال الانسحاب اضطررنا للقتال وجها لوجه مستخدمين الخناجر والسكاكين، كانت الحرب لفظ يبدو هو الآخر تعبيرا أدبيا حرب حتى النهاية إما أنا أو أنت. ماذا تبقى بداخلنا من تلك الأحلام القديمة، الكثيرون من عناصر المقاومة شباب أو عجائز كانت لنا أحلامنا، كانت هناك مناقشات وحوارات ساخنة رؤى وخطط كنا نطرحها، كنا نأمل أن تكون دماء الشباب الذين ضحوا بحياتهم ثمنا لتحقيق شيء أفضل وبالفعل أدت إلى تغيير الأحداث لأن العدو بفضل تضحياتنا قد خسر الحرب وفزنا نحن بها، الويل لو كان النصر لهم لكانوا موجودين إلى الآن بأحكامهم العسكرية ومعسكرات التعذيب الألمانية، من حسن الحظ كان النصر لنا والآن مَن يصغي إلينا من الشباب يجب أن يعلم أن الحرية تم تحقيقها وأنه من الممكن ممارسة حق التصويت والتعبير عن كافة الأفكار بالرغم أن أحلامنا لم تتحقق كاملة.

فالكيريا تيرادورا.. الدفاع عن الحقوق المدنية

فالكيريا تيرادورا- مناضلة إيطالية: نعم لقد حاربت.

[تعليق صوتي]

فالكيريا تيرادورا مناضلة إيطالية تركت دراستها للحقوق مع اندلاع الحرب العالمية الثانية لتنضم إلى صفوف المقاومة المسلحة في مواجهة الفاشية والنازية، فالكيريا التي تنتمي لأسرة ثرية لم يتوقف نضالها بانتهاء الحرب وإعلان الجمهورية الإيطالية، ظلت وهي عضو جمعية المقاومين الإيطاليين اسما بارزاً في الدفاع عن الحقوق المدنية. وبعد عشرين عاما من نهاية الحرب حصلت فالكيريا على رتبة عريف بالجيش الإيطالي ومُنحت الميدالية الفضية تقديرا لنضالها المسلح مع المقاومة الإيطالية.

فالكيريا تيرادورا: بالطبع تعلمت استخدام الأسلحة، في البدايات كان بحوزتنا البنادق التي حصلنا عليها من مخازن الأسلحة بعد تسريح الجيش الإيطالي في معسكرات مدينة جوبيو، كانت المخازن مليئة بالأسلحة والمتفجرات التي استخدمناها في تفجير الجسور وهناك القنابل اليدوية الإيطالية باليلا صغيرة حمراء وسوداء حين تنفجر بالكاد تحدث شظاياها بعض الخدوش، بعدها عرفنا القنابل الحقيقية وكانت تأتينا من الإنجليز وتسمى سايب والتي كنا نسميها أناناس، كنا نهاجم الحافلات الألمانية ونستولي على أسلحتهم وكنا نستخدم القنابل المضادة للدبابات والمجنزرات التي لديها مقبضاً خشبياً يسهل عملية رميها. حاربت أيضا من أجل تحرير المرأة التي لم تكن تتمتع بحقوق تذكر، كانت المرأة بلا قيمة وهذا الوضع يتعارض مع ثقافتي فقد ولِدت في عائلة مثقفة متحضرة لذلك أفهم أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، كلاهما يملك عقلاً بغض النظر عن الجنس، أما في العائلات الريفية فكانت المرأة تطلب الإذن من زوجها إذا أرادت شراء حذاء أو أي شيء آخر كالذهاب للسوق لبيع الطيور التي يربونها كالدجاج والحمام والديك الرومي، فكانوا لا يأكلونها كانوا بحاجة لبيعها لشراء مستلزمات الخياطة أو الصوف. رأيت هذه المعاملة للمرأة والتي لم تكن في منتهى السوء لكنها كانت في مرتبة أقل من الرجل ومن هنا جاء اهتمامي لمعرفة الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في الحضارة العربية.. أقصد المجتمع العربي، نحن النساء قدّمنا الكثير من التضحيات في حركة المقاومة، كانت تضحيات من نوع مختلف، كان علينا أن نكون أكثر شجاعة ومهارة وفي حالة تأهب دائم لنظهر للرجال والمجتمع الذكوري أننا على مستوى الموقف. نحن مَن ساعد على تحرير إيطاليا، من الواجب أن نتذكر معركة كاسينو حيث مات الكثيرون بولنديون، إنجليز وكذلك الكثير من الأميركان، زيارة واحد لمقبرة آنسيو كافية لمشاهدة آلاف القبور لمن جاؤوا ليموتوا في إيطاليا ليس من أجل إيطاليا فقط بل محاربة النازية أيضا والقضاء على شخصية مثل هتلر في ألمانيا، الحروب تقوم لأسباب اقتصادية لا من أجل المبادئ لكننا حاربنا من أجل مبادئنا وتحرير وطننا، دوافع مَن يقرر الحرب دائما اقتصادية السوق بلغة اليوم، أشعر بالمرارة الآن وأنا أرى دستورنا الذي ولِد بالمقاومة وسطرته أيادي رجال كانوا في صفوفها من قضاة وقانونيين حاربوا الفاشية والنازية، اليوم يهاجمون الدستور بشتى الطرق، يسعون لهدمه ويهاجمون القضاة والعدالة، العدالة يجب أن تكون أعلى من الجميع، الناس سواسية أمامها حتى الحكام في هذا البلد، نرى الآن أن القانون أصبح نسبيا يكتبون قوانين تلائم مصالحهم ولا أحد يستطيع محاسبتهم بينما يُسجن الفقراء إذا سرقوا قطعة خبز، أشعر بالمرارة أيضا لأن المقاومة لم تحقق كل ما كنا نصبوا إليه انتصار السلام والعدالة الاجتماعية خاصة العدالة الاجتماعية، من الظلم رؤية الناس يموتون جوعا لا تكفيهم معاشاتهم ولا يستطيعون حتى شراء اللبن، على الفقراء أن يحتاروا بين الحليب أو الاكتفاء بالشوربة. لاحظ التفاوت بين أناس لديهم مليارات وآخرين لا يملكون الخبز، أختم شهادتي بشيء من المرارة، أود القول أن ما قمت به المقاومة أنا على استعداد تام لتكراره مرة أخرى.

[فاصل إعلاني]

ماريو بيانكي.. دور الحزب الشيوعي الإيطالي

[تعليق صوتي]

من عمله في إصلاح الدراجات الهوائية بورشة أبيه حتى أصبح ماريو بيانكي رئيسا للجمعية العسكرية النظامية للتحرير، في حي سان لورنزو انضم ماريو إلى صفوف المقاومة المسلحة وهو في السادسة عشرة من عمره وحتى تحررت روما عام 1944 بعدها تطوع في الجيش النظامي من أجل التحرير التام لإيطاليا، بعد الحرب عاد ماريو للعمل في ورشة أبيه إلى جانب وجوده كعضو بارز في الحزب الشيوعي الإيطالي.

"
الحرب انتهت بالنسبة للكثيرين مع تحرير روما أما بالنسبة للعديد منا لم يكن الأمر كذلك، أردنا مواصلة المعركة للنهاية والقضاء على النازيين والفاشيين تماما
"
        ماريو بيانكي

ماريو بيانكي- رئيس الجمعية العسكرية النظامية للتحرير: حين بدأت المقاومة الشعبية في روما وإيطاليا مَن كان مؤهلا لخوض هذه المعركة كان الحزب الشيوعي الإيطالي فقد عُرف بريادته في خوض تلك المعارك خاصة نضاله السري ضد الفاشية مما أدى إلى هروب الكثيرين من عناصره إلى خارج إيطاليا ومَن بقى كان مصيره السجون والمعتقلات، كان الحزب مؤهلا على المستوى التنظيمي فوّظف خبرته لخدمة المقاومة المسلحة، أذكر تلك الليلة حين تم إعلان استسلام إيطاليا اعتقد الكثيرون أن الحرب قد انتهت أما مَن كان واعيا بالحالة السياسية فقد أدرك أن الوضع بات أكثر تعقيدا ومن هؤلاء كان والدي الذي قال حينها لا يجدي الكلام الآن نحن بحاجة للسلاح. تمثلت قيادة المقاومة في منظمة يسارية شبه عسكرية عرفت بـ مناضلو الشعب، أعضاؤها وقياداتها كانوا من الشيوعيين والاشتراكيين وغيرهم وفي بداية المقاومة التي قادتها هذه المنظمة ساندها الكثيرون من سكان حي سان لورنزو وانضموا لصفوفها لمحاربة الفرق الفاشية بوسائل عديدة مثل إطلاق النار وإلقاء الحجارة من النوافذ. في عام 1934 كانت ورشة والدي لتصليح الدراجات مكانا للتجمع وكثيرا ما كانت اللقاءات تجمع مناهضي الفاشية للحديث والتشاور حول إمكانية المساهمة في المقاومة وهكذا قامت الشرطة بسحب رخصة الورشة بدعوى أنها وكر لأعداء الفاشية والمتآمرين على الحكم، أُغلقت الورشة ولم يعاد تشغيلها إلا عام 1938 بعد أربع سنوات وظل والدي عاطلا عن العمل أربع سنوات وكان مسؤولا عن تسعة أطفال ولم يستطع الحصول على عمل حكومي أو غيره فمَن لم يكن يملك بطاقة الحزب الفاشي كان من المستحيل توظيفه خاصة في الوظائف الحكومية. في ورشة أبي كان يتم تصنيع المسامير ذي الأربعة رؤوس، كنا نبعثرها في الشوارع التي تمر بها سيارات الألمان فتتوقف مجبرة وتنفصل عن باقي السيارات وساعتها تبدأ مهاجمتها من قِبل الفرق المسلحة الجاب وكانت هذه الفرق معروفة بأسلوبها فهي تباغت بالهجوم تضرب ثم تهرب، فلا يمكن مواجهة الأعداء الألمان أو الفاشيين وجها لوجه فهم أكثر عددا وأفضل تسليحا، كنا نضربهم بقنابل المولوتوف لنحرق السيارة العسكرية أولا وعلى ضوء النيران نرصد حركتهم ونطلق الرصاص عليهم، كان من الضروري اختيار المنطقة المناسبة لمداهمة الألمان فهذه العمليات المسلحة كانت تتم في أوقات حظر التجوال وعليك أن تجد من يستضيفك ويكون مستعدا للمخاطرة والسماح لك بالخروج في تلك الساعة ومن ثم العودة إلى بيته بعد تنفيذ العملية وإلا ستكون النهاية. فرق المقاومة عبارة عن خلايا منفصلة، خليتي كانت مكونة من أربع أو خمس عناصر ونجهل أفراد المقاومة الآخرين وكانت هذه هي الوسيلة الأفضل لسرية وتأمين المنظمة في حال وقوع أحدنا بأيدي العدو لا يستطيع الاعتراف بأكثر من أربع أو خمس عناصر، كنا نستخدم أسماء حركية أنا مثلا اسمي في المقاومة كان نيقولا وليس ماريو، ساهمت أيضا بنقل الأسلحة إلى داخل جامعة روما في عربات لنقل الخضراوات وذلك تمهيدا لانتفاضة روما الشعبية لحظة وصول الحلفاء إلى ضواحيها وكان على انتفاضة روما أن تختلف عن انتفاضة نابولي العفوية التي شكلت صفحة مهمة في تاريخ المقاومة الإيطالية، انتفاضة روما تم التخطيط لها من قِبل لجنة لتحرير الشعبية لذا كانت محكومة بخطة وفكر عسكري متميز ولكن انتفاضة روما لم تتحقق فالألمان كانوا خائفين من مواجهة الشعب لهذا اتفقوا مع الحلفاء والفاتيكان ولجنة التحرير الشعبية على الانسحاب سلمياً من مدينة روما لكنهم لم يحترموا الاتفاق وقاموا ببعض الانتهاكات أثناء انسحابهم. الحرب انتهت بالنسبة للكثيرين مع تحرير روما أما بالنسبة للعديد منا لم يكن الأمر كذلك، أردنا مواصلة المعركة للنهاية والقضاء على النازيين والفاشيين تماما ومن أجل ذلك كانت هناك دعوة وطنية مخلصة بخلاف الوطنية الحالية الزائفة، أتكلم عن وطنية زعيم الحزب الشيوعي بالميرو تولياتي الذي كان آنذاك بمنصب وزير العدل ودعا شباب المقاومة الشيوعي في المناطق المحررة للتطوع من أجل تكوين جيش نظامي لتحرير إيطاليا، استجاب الكثيرون للدعوة وكنت واحدا منهم وبلغ شعار التحرير ذروة تأثيره وسحره، بدأ تحرير المدن تباعا ونزل رجال المقاومة من الجبال وخرجوا من مخابئهم في المدن وانضمت ميليشيات الجاب والساب وأخيرا أصبح الأمر ممكنا التحرير من هذه الحرب البعثية التي دامت لسنوات. عاد السلام والديمقراطية وبدأ الناس في التعبير عن أفكارهم واحتفلوا بنهاية الحرب، حرب الكرامة، حرب الشعب الإيطالي، لولا انتصارنا على النازية والفاشية لما ولِدت الوحدة الأوروبية، ستون عاما من السلام في أوروبا لأننا انتصرنا على الشوفينية والفاشية، كل هذه الإنجازات تحققت يفضل المقاومة. في لقائي القادم مع شباب جامعة روما سأقول لهم أنتم الآن طلبة جامعيون في طريقكم للتخرج سيلازمكم العِلم طوال حياتكم لكن الديمقراطية شيء مختلف، الحصول عليها لا يعني امتلاكها للأبد، يجب الدفاع عن الديمقراطية بالحضور الدائم والعمل المتواصل، نعم نحن حصلنا على الديمقراطية لكننا لسنا خالدين وستتولون أنتم زمام الأمور من بعدنا وعليكم الدفاع عن هذه القيَّم فاعلموا جيدا من الآن، إن الديمقراطية يجب حمايتها بالحضور والمشاركة الدائمة حتى يكون الحكم للأغلبية لا للأقلية.

دور النساء في نجاح المقاومة الإيطالية

[تعليق صوتي]

تريزا.. التجسيد الحي لدور النساء في نجاح المقاومة الإيطالية، تمَثل دورها في دعم المقاومة بشتى الوسائل كنقل المعلومات، مراقبة الطرق، توفير المخابئ للفارين والتنظيم النسائي للقيام بهذه الأعمال في مقاطعة ريجو إيميليا بشمال غرب إيطاليا، تحولت حياة تريزا إلى نضال دائم في الحرب وبعدها وحتى يظل النضال في الذاكرة كان كتابها المثير عام 2004 قصة محاربة إيطالية.. تريزا فرجلي.

"
المقاومة الإيطالية ضد الفاشية ساعدت على كتابة نصوص الدستور الإيطالي الحالي وأهمها الديمقراطية، المساواة، احترام الإنسان ورفض العنصرية
"
        تريزا فرجلي

تريزا فرجلي- مناضلة إيطالية: كنت طالبة في مستوى أقل مما هو مألوف الآن فأنا ابنة لفلاح فقير جدا كما الغالبية آنذاك في إيطاليا وكان أحد المتضررين من الأزمة الاقتصادية في 1928 وكذلك كان من مناهضي الفاشية منذ بداية المقاومة. وحينما اتضح ضرورة مشاركة الشعب ضد تلك الحرب الغير عادلة المؤلمة والمرفوضة كان من الطبيعي أن يتخذ والدي موقفا سياسيا ويشارك في تنظيم المقاومة. وبالنسبة لي وكان عمري وقتها 16 عاما كان علي التطوع مع المقاومة كمرشدة للطرق وناقلة للأخبار، كانت إحدى واجباتي اصطحاب شخصيات هامة في حركة المقاومة لدى عودتهم من المنفى أو من المعتقلات الفاشية خارج إيطاليا، كان هؤلاء من قادة المقاومة الذين بدؤوا بتشكيل لجنة التحرير الشعبية وتحديدا فرق المقاومة في المدن وكان بإمكانها العيش بشكل عادي نهارا ومقاومة الفاشية ليلا. كان والدي يقود بعضا من هذه الفرق والنوع الثاني هو الفرق المسلحة في الجبال وبدأت تتشكل في فبراير أو مارس 1994، كان في صفوفها العديد من الجنود الإيطاليين الهاربين والشباب الذين رفضوا التطوع في جيش جمهورية موسوليني الفاشية وظلوا مختبئين حتى التحاقهم بفرق المقاومة، مهمتي الأساسية كانت مرافقة قادة المقاومة لتجنب نقاط التفتيش وإرشادهم للطريق الآمن فكثير منهم كان يجهل الطرق الجبلية أو المناطق الزراعية حولها، فكنت أتقدمهم للتأكد من أمن وسلامة الطريق لأحذرهم إذا ظهرت بعض المخاطر بإرشادات متفق عليها ليختفوا عن الأنظار في الحقول أو أحد البيوت وأحيانا كنت أنقل بعض الوثائق وكانت في الغالب عبارة عن أوامر أو شهادات تعريف مكتوبة على قصاصات صغيرة كنت أخبئها تحت شعري الذي كان طويلا آنذاك فكنت أضفره ضفائر صغيرة وأخبئ بداخلها قصاصات الورق وإذا كانت الأوامر مكتوبة على أوراق كبيرة كنت أخبئها في سلال الخضراوات تحت البطاطس أو التفاح أو أضعها وسط كتبي بسلة الدراجة وأحيانا أحشرها في داخل أغلفة الكتب السميكة مبعثرة ليصعب فهمها في حال وقوعها بأيدي الفاشيين، أما المهمة المثيرة فكانت اصطحاب الشباب المتدربين إلى الجبال، كنت أعرف الطريق.. تصحبهم إحدى رفيقاتي إلى قرب مقبرة القديس باولو حيث ألقاهم وكالعادة نتبادل الإشارات في حالة الخطر لينتظروا أو يختبؤوا، بعدها أستلمهم أنا وأرافقهم حتى معسكرات المقاومة في الجبال، طبعا كنا نصعد بالدراجات ثم نواصل على الأقدام وبعد انتهاء المهمة كان يجب أن أصطحب دراجاتهم أثناء العودة وكانت الدراجات آنذاك باهظة الثمن لأنها تقريبا وسيلة التنقل الوحيدة لهذا كان الألمان والفاشيون يصادرونها لمعرفتهم بأهميتها في عمليات المقاومة، فأحيانا كنت أعود ومعي دراجات لأتركها في مكان معلوم كي يأخذها أقارب أو أصدقاء المقاومين فيما بعد وكان من أهم واجباتي تنظيم النساء وكان تنظيمهم هاماً جداً وإن لم يعط حقه حتى الآن فمن الصعب التفكير في خوض حرب مقاومة كهذه دون الاعتماد على مساعدات الخطوط الخلفية وأكثر تلك المساعدات كانت تأتي من النساء ليس فقط لتوفير أماكن لإخفاء المقاومين وخاصة القادة الذين كانوا دائمي التنقل بين المدن والمعسكرات الجبلية وكانوا بحاجة دائمة لمكان يؤويهم فقد كان لازماً أن يغيّروا دائما مواقعهم، كان خطراً بقاؤهم لفترة طويلة في مكان واحد. في الجبال كنت أعقد اجتماعات مع أهالي المناطق المحررة لأخبرهم بمخططاتنا لما بعد الحرب، نتكلم عن الديمقراطية والحرية وعن حق التصويت وقد بدأ آنذاك رجال المقاومة في حث أهالي المناطق المحررة على انتخاب محافظي بلديات إذ لم يكن في هذه المناطق تحت الحكم الفاشي أي نوع من النظام وكانت الحاجة ماسة إلى مَن ينظم الخدمات كالمدارس مثلا، لم يتم أبداً اعتقالي خلال نشاطي بالمقاومة ولكن بالقرب من منزلي في قرية كافرياكو تم اعتقال اثنتين من رفيقاتي اللاتي كنت مسؤولة عن تنظيمهن ولا أدري إن كان ذلك بسبب وشاية أو قُبض عليهما في نقطة تفتيش وقد تعرّضن للتعذيب الوحشي على أيدي الفاشيين، ما فعله الفاشيون بنساء المقاومة في سجن كان يدعى سجن الخدم لن نعرف أبداً تفاصيله فإذا كانت إحداهن ما زالت على قيد الحياة ربما تحكي الآن بعد مضي ستين عاما، أغلب المناضلات روين فقط الأشياء العامة ورفضن وصف التعذيب بدقة، كان تعذيباً قذراً ترك آثار نفسية عميقة خاصة على النساء وعلى الرجال أيضا كما قرأت مؤخراً في محاضر جلسات محاكم التعذيب أنهم كانوا يؤذون رجال المقاومة في أعضائهم التناسلية مما ترك عواقب صحية ونفسية لازمتهم طوال حياتهم، تأكدنا أن الفاشيين كانوا يكوون الأعضاء التناسلية للرجال ويقتلعون أظافرهم. لفت انتباهي شهادة لمناضلة تعرّضت للتعذيب ذكرت معلومة لا أستطيع تحمل بشاعتها، كان هناك فاشيون يقومون بالتعذيب وآخرون يتفرجون وأولئك كانوا يستمتعون بالمشاهدة خاصة عندما يكون التعذيب مخزي ولا أخلاقي وهاتين الكلمتين مجزي ولا أخلاقي كافيتان لتخيّل مدى البشاعة. بدون المقاومة الإيطالية ضد الفاشية كان من الصعب كتابة دستورنا الحالي لأن نصوص الدستور الإيطالي تحمل تلك المبادئ الحرية، الديمقراطية، المساواة، احترام الإنسان ورفض العنصرية، تعظيم القيم الإنسانية والمساواة بين الرجل والمرأة. كل ذلك تحقق بفضل الدور الذي لعبته المقاومة، بعد صعود اليمين إلى حكم إيطاليا وتأثير سياساتهم على السلام، الحرية والديمقراطية مما يشكل تهديد حقيقي نعيشه اليوم سألتني زوجة ابني قائلة كنا نعتقد أن جيلكم أمن لنا كل شيء، منحتمونا الحرية، الديمقراطية والحياة الكريمة وحق التعليم ولكننا اكتشفنا أن علينا أن ندافع مرة أخرى عن هذه المكتسبات ولذا قررت أن أنشر تجربتي في كتاب قصة محاربة إيطالية.

ريمو دلاجزاري: الماضي يعود مرة أخرى، ليست دعاية ولا رأي شخصي إنه واقع فأحد متطوعي جمهورية سالو الفاشية هو الآن عضو في حكومة بيرلوسكوني، يوجد وزير في الحكومة الإيطالية كان متطوعا في جمهورية سالو وقد صرّح مراراً باستعداده لتكرار ما قام به في تلك السنوات، هذا الرجل يشارك اليوم في سنّ القوانين، القوانين التي تؤثر في حاضرنا وفي مستقبل شباب إيطاليا.

فالكيريا تيرادورا: تخيّلوا.. لقد عاد الفاشيون لحكم إيطاليا، هم أسياد الموقف الآن، العقلية الفاشية. صحيح أنهم لا يرتدون القمصان السوداء لكن العقلية لم تتغير ماذا يعني هذا؟ جلادو الماضي الذين قتلوا رجال المقاومة، نحن الممثلون الشرعيون لوطننا كنا جنود بلا بزات عسكرية ولكن كان جنود اليوم يحاولون مساواتنا بهؤلاء الذين كانوا مجرد خونة في خدمة الألمان، أمر يشعرنا بالمرارة.

ماريو بيانكي: كنا نأمل في إيطاليا عادلة يتمتع فيها كل مواطن بنفس الفرّص في الحياة حسب طاقاته، لا حسب إمكاناته المادية كما يحدث للأسف.

تريزا فرجلي: إنها الحقيقة.. هذه الحكومة تحاول محو جذورنا.

ريمو دلاجزاري: نجن نشعر بالخيبة والإحباط ويمكن القول أننا منهكون ويبدو من الحوارات مع رفاق المقاومة، يبدو أنه من المستحيل أن تنتهي خدمتنا، لقد كنا جنودا آنذاك قضيتنا قرابة عام ونصف ويبدو أنه ليس بالإمكان تسريحنا أو حصولنا على التقاعد الاجتماعي، نعتقد أنه قد حُكِم علينا مؤبدا، حُكِم علينا أن نحارب ونناضل من أجل الدفاع عن الأشياء الأساسية التي كانت جزء من أحلامنا، تلك الأحلام لم تتحقق واليوم يحاول الكثيرون النيل منها لتحطيمها.