سري للغاية

الأخ الكبير ح 2

ما هى أسباب إعطاء بريطانيا أرض قاعدة منوذهيل لأميركا؟ وماطبيعة نشاط القاعدة ومدى إمكانياتها؟ وما هي قائمة أهداف القاعدة؟ وما هى أسباب المعارضين البريطانيين لوجود القاعدة ونشاطها؟ وهل للقاعدة دور في دعم المصالح التجارية الأميركية؟.

مقدم الحلقة:

يسري فودة

ضيوف الحلقة:

عدة ضيوف

تاريخ الحلقة:

09/12/1999

– أسباب إعطاء بريطانيا أرض قاعدة منوذهيل لأميركا
– طبيعة نشاط القاعدة ومدى إمكانياتها

– قائمة أهداف القاعدة

– المعارضين البريطانيين لوجود القاعدة ونشاطها

– دور القاعدة في دعم المصالح التجارية الأميركية

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

يسري فوده: إذا كان وعد بلفور عام 1917م وعداً ممن لا يملك لمن لا يستحق، وصاحب الشأن منسي، فإن من كانت يوماً ما حتى قبيل الحرب العالمية الثانية أعظم دولة في العالم بريطانيا، وعدت من أصبحت بعد الحرب أعظم دولة في العالم الولايات المتحدة الأميركية بقطعة من الأرض على أرضها، هي نفسها هنا في مقاطعة (يوركشاير) في شمال إنجلترا.

لم يكن الهدف من وراء ذلك إيواء شعب يزعم أن له حقاً في العودة، بل إيواء جيش من الجواسيس -هنا في هذا المكان- مجهزين بأحدث الأجهزة الإلكترونية، وظيفتهم التنصت عليك وعليَّ وعلى حكامنا، وعلى كل دابة على وجه الأرض..

ألفيتان من التجسس التقليدي بأساليبه المختلفة، والألفية الثالثة تعد بالكثير في إطار مرحلة جديدة، لم يعد من الحاسم زرع جاسوس في مكتب مسؤول أو في قصر أحد حكام دولة عربية -على سبيل المثال- للحصول على معلومة أو معلومتين، ينتقل ذلك الآن إلى ملفات الروائيين وكتَّاب السينما، أي مواطن، أي مؤسسة، أي حاكم كي يحقق هدفاً ما لابدَّ له أن يستخدم وسيلة ما للاتصال، أي وسيلة، ربما تكون بريداً عادياً أو إلكترونياً، ربما تكون هاتفاً سلكياً أو لاسلكياً، ربما تكون بأي شكل من الأشكال.

لماذا ينبغي –إذن- على العم (سام) أن يزرع جاسوساً وراء كل مواطن أو داخل كل مؤسسة أو في عقل كل حاكم في كل دول العالم؟! إذا كان يمكن له أن يفعل ذلك كله، وأكثر من ذلك كله، وهو جالس في مقعده هنا بأقل التكاليف؟! أهلاً بكم إلى أكبر قاعدة للتجسس الإلكتروني في العالم.

المكان: فوق تل (منوذ) في مقاطعة يوركشاير.

الزمان: السبت، الثالث من الشهر، كل شهر.

لسنوات طويلة منذ عام 94 بات الهواء الطلق بيتاً لهؤلاء النساء، للسنوات الثلاث الأولى كل يوم، ومن بعد ذلك كل شهر، وبين هذا وذاك نفاق بريطاني وغرور أميركي وإحباط يلف هؤلاء النسوة، لا يطفئ شعلته إلا اعتزازهن بما يفعلن.

آن لي (حملة النساء على قاعدة تل منوذ): بدأت حملتي على قاعدة منوذ هيل عام 85 عندما اعتدت الذهاب إلى (جرينم كومن) حيث قاعدة صواريخ (كروز) الأميركية. كان هناك الكثير من النساء يشتركن في حملات وتظاهرات، ولكن هؤلاء منا اللائي يعشن على بعد 300 كيلو متر قلن: لماذا لا نركز على القاعدة الأميركية هنا، ونعرف المزيد عنها، ونفعل شيئاً حيالها؟

(كاميرات سرية)

يسري فوده: أطبق الليل على القاعدة الأميركية، ذات مساء تسللت (آن) وصاحباتها عبر الأسلاك الشائكة والأسوار الشاهقة والكاميرات اللاقطة، غير عابئات بما قد يحدث، هذا عمل يعاقب عليه القانون البريطاني، يعلمن ذلك، لكنهن يعلمن أيضاً أن أي تصرف يؤخذ بحقهن في جانب من القاعدة من شأنه فقط أن يدفع بالقاعدة كلها إلى دائرة الضوء.

أثناء الدقائق القليلة التي توفرت لهن، قبل أن يكتشف وجودهن، وضعت النساء أيديهن على عدد من الوثائق النادرة، يكشف بعضها لأول مرة حصول هذه القاعدة على جائزة من (واشنطن) لجهودها في حرب الخليج.

(الأخ الكبير- الجزء الثاني)


أسباب إعطاء بريطانيا أرض قاعدة منوذهيل لأميركا

مضى أكثر من 45 سنة على وعد وزارة الحرب البريطانية منح الجيش الأميركي 500 فدان لبناء قاعدة عسكرية، استلمتها وكالة الأمن القومي الأميركية N.S.A عام 66، وبعد ثمانية أعوام بدؤوا في تركيب أطباق لاقطة عملاقة، لإخفائها بنوا حولها قباباً تضاعف عددها بصورة غير عادية. اليوم يسميها السكان المحليون (كرات الجولف) لكن بين السكان المحليين في بلدة أصغر من أصغر ضاحية في القاهرة حوالي ثلاثة آلاف أميركي يعملون في القاعدة، ومعهم زوجاتهم وأولادهم.

طوني بن (مجلس العموم البريطاني- حزب العمال الحاكم): قاعدة منوذ هيل إحدى القواعد الأميركية في بريطانيا المتفق عليها بعد الحرب، وتم تبريرها في إطار استخبارات الحرب الباردة، ولكنها اتسعت لتشمل التجسس الصناعي والتنصت على الأفراد والحكومات، وهي انتهاك لحق هذا البلد في تقرير شؤونه، وقد بنيت على أساس موافقة أميركا على منح بريطانيا قنبلة نووية، لأننا لا نملك رادعاً مستقلاً رغم تظاهرنا بذلك، وفي المقابل تتحكم أميركا في جميع أجهزة الاستخبارات البريطانية، ولا أعتقد أن هذا اتفاق جيد لنا أو للسلام أو للعلاقات الدولية.


طبيعة نشاط القاعدة ومدى إمكانياتها

يسري فوده: بعد الجولة الأولى من عملية اختراق القاعدة، تحصي النساء غنائمهن، وثائق كهذه وقع معظمها الأدميرال (وليام ستوديمان) المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية تتراوح بين نشرات داخلية إلى ما هو بالفعل سري للغاية، سري، خاص للاستخدام الرسمي، سري للغاية، شفري.

هذه القائمة من المشروعات السرية تكشف أن داخل القاعدة أكثر من 300 نظام للتنصت الإلكتروني تابع لوكالة الأمن القومي، هذا بعض من أسمائها الحركية:

Troutman- Ultrapure- Totaliser- Moonpenny- Silver weed- Ruckus.

تكشف لنا الوثائق طبيعة هذه القباب، لكن ما لا تراه هنا هو أغلى قطعة في القاعدة إذ إنها توجد في الفضاء، وهي أسطول من الأقمار الاصطناعية يسمى (فولتكس) يكلف الواحد منها أكثر من مليار دولار، تكشف الوثائق أيضاً مدى أهمية القاعدة بالنسبة لوكالة الأمن القومي في أنشطة ما يسمى استخبارات الإشارة المعروفة –اختصاراً- باسم (SIGINT). قاعدة تل منوذ أضخم قاعدة ميدانية تملكها الوكالة، وهي مسؤولة عن استثمار تقدر قيمته بمليارات الدولارات في مجال استخبارات الإشارة.

في ملفات الوكالة التابعة للبنتاجون تحمل القاعدة الرقم الشفري

(F-83)N.S.A Field Station ، هذا القباب المسماة (Runway) تمثل حلقة وصل بين القمر الاصطناعي الذي يلتقط المعلومة وجهاز الكمبيوتر الذي يتعامل معها. أما هذه Moon penny فمهمتها اعتراض الاتصالات الفضائية للدول الأخرى.

هذا المبنى الحديث يسمى (Thistle) داخله مركز عملاق للحاسبات الآلية، أما هذا القطاع من القاعدة فيمكن اعتباره أضخم مركز لتحليل المعلومات في العالم، داخل مبنى العمليات هذا الذي يمتد مسافة 400 متر توجد درة التقنية الأميركية..

هذا الرجل كلفه البرلمان الأوروبي رسمياً بالتحقيق في مسألة التنصت الإلكتروني من كافة النواحي الفنية، والقانونية، وكذلك السياسية، والعسكرية، والاقتصادية..

دنكن كامبل (خبير الاتصالات الإلكترونية): فيما يتضخم حجم الاتصالات في العالم، تتطور في الوقت نفسه أنظمة آلية معقدة للتعامل معها وتحديد المكالمات أو الرسائل ذات الأهمية، فمثلاً تركز الحاسبات أولاً على البريد الإلكتروني، ثم على التليكس، ثم تتحول إلى الفاكسات، ويتعرف الحاسب آلياً على النص سواءً بالإنجليزية أو السلوفانية أو العربية أو العبرية، يقرأ النص ويفهمه جيداً، وداخل الحاسبات قوائم طويلة من الأهداف، أسماء أشخاص، أماكن، سلع، أنشطة عسكرية، اقتصادية، سياسيون، وبالمقارنة يتم تحويل اتصال ما إلى القسم المعني داخل النظام نفسه.

يسري فوده: عندما تجري مكالمة دولية لابد لهذه أن تمر عن طريق قمر اصطناعي، هذه إحدى محطات الإرسال يمكنها التعامل مع مائة ألف مكالمة هاتفية في آن معاً. يوجد في العالم حوالي خمس وعشرين محطة كهذه، في مركز التحكم في القمر الاصطناعي يعلمون أنهم حين يرسلون مكالمتك إلى الفضاء تصبح أنت حقاً في الفضاء متاحاً لكل من هب ودب.

لإثبات ذلك قام (دنكن كامبل) بتجربة فريدة، أمام القاعدة أحضر طبقاً فضائياً كهذا الذي -ربما- تستقبل من خلاله قناة (الجزيرة) في هذه اللحظة، وجهه نحو قمر الاتصالات فوق المحيط الأطلسي، وشرع مع نساء الحملة في التنصت، بإضافة مذياع عادي إلى جهاز الاستقبال، يمكنك أن تتخير بين المكالمات المختلفة، هذه المعدات كلفت أقل من 1500 جنيه إسترليني، تكلفة معدات القاعدة تحسب بالمليارات!!

دنكن كامبل: لو ضربت مثلاً بمكالمة عادية من الشرق الأوسط إلى مكان آخر، تأكد من أن أميركا تتنصت، وكذلك بريطانيا وفرنسا وروسيا، وربما أيضاً إسرائيل والصين وجنوب أفريقيا، ودولة أو دولتان في الشرق الأوسط. إنها أشبه بإذاعة على الملأ!!


قائمة أهداف القاعدة

يسري فوده: هؤلاء فقط الذين يعملون داخل القاعدة يعلمون قائمة الأهداف قبل أن يسمح لهم بالعمل فيما يسمى البرامج السوداء، يخضعون من أجل ذلك لفحوص استخباراتية، فإذا اجتازوها يقسمون قسم الولاء بعدم إفشاء سر قائمة الأهداف حتى مماتهم.

مرة واحدة انشقت موظفة أميركية، وخرجت إلينا ببعض الأسرار

(مارجريت نيوشن) عملت في عدد من هذه البرامج السوداء داخل القاعدة بين عامي 77 و 84، قالت للكونجرس الأميركي: إن وكالة الأمن القومي ممثلة في قاعدة تل منوذ لا تلتزم في قائمة أهدافها وأساليب المراقبة لا بالأخلاقيات ولا حتى بالدستور الأميركي.

أحد ضحاياها من الأفراد أميركي من أصل عربي هو عابدين جبارة (محامي الحريات المدنية) الذي مثل نقطة صغيرة على قائمة الأهداف الطويلة في البرامج السوداء داخل القاعدة، لكن الأمر استغرق ثمانية عشر عاماً قبل أن يتمكن من إجبارهم قضائياً على تدمير الملف الخاص به.

عابدين جبارة (محامي الحريات المدنية): إن الأمر أشبه بالأخ الكبير، يتجسس على الناس في كل مكان، لو كنت بريطانياً، فرنسياً، هولندياً، أو من أي جنسية، لا تتمتع بأي حقوق على الإطلاق.

يسري فوده: تكشف الوثائق أن قائمة الأهداف تضم قطاعين رئيسيين، يخضع كل منهما لقسم منفصل عن الآخر: قسم CTAR-1 يتعامل مع ما تسميه وكالة الأمن القومي الهدفA، وهو الاتحاد السوفيتي المنحل، أما قسم CTAR-2 فيتعامل مع ROW بقية العالم Rest of the world. نحن العرب من بقية العالم، لكن لهم بنا اهتماماً من نوع خاص.

دنكن كامبل: قد تأكدت من ذلك بنفسي، فعندما كتبت تقريري للبرلمان الأوروبي، اتصل بي مسؤولون في الحكومة المصرية كانوا على وشك شراء برنامج كمبيوتر من شركة أميركية، وقالوا: يا إلهي! لقد ذكرت في تقريرك أن في هذا البرنامج ثغرة متعمدة يمكن للأميركيين التنصت من خلالها علينا، فقلت له: نعم، لو اشتريتم هذا البرنامج للحكومة المصرية فإنكم تسهلون الأمر على الأميركيين للتنصت.

وليس في ذلك بالمناسبة ما يخجل مصر، إذ أن الحكومة السويدية، ورغم حرصها الشديد على أمن المعلومات إلا أنها وقعت في الخطأ نفسه، فاشترت البرنامج الأميركي لاستخدامه في كثير من منظماتها الحكومية.

يسري فوده: وماذا حدث بعد ذلك؟ هل اشترته الحكومة المصرية؟

دنكن كامبل: لم يخبروني، وإن كنت أظن أنهم قرروا البحث عن شيء آخر.

يسري فوده: لدى قناة (الجزيرة) أدلة على أن من بين العاملين في هذه القاعدة من يتحدث العربية، ربما أفضل مني ومنك، فضلاً عن آخرين يتحدثون الفارسية والعبرية ولغات أخرى، لدينا أيضاً أدلة على أن هذه القاعدة لعبت دوراً كبيراً أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، كما لعبت دوراً أكبر قبيل وأثناء وفي أعقاب الاجتياح العراقي للكويت.

كيف استطاعت ذلك وهي على بعد آلاف الأميال؟! نعلم الآن أن طائرة شبح لم تقلع من هنا، ولا انطلق من هنا صاروخ (باتريوت) ولا صدرت عن هنا إمدادات لوجستية، لكن ما قامت به القاعدة لم يكن بأي معيار عسكري عملاً هامشياً، تلخص دورها في التنصت على اتصالات القيادة العراقية ووزاراتها وأركانها وقواتها المسلحة، وهو دور استحقت عنه القاعدة جائزة خاصة، كما ورد في النص لجهودها في عمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحراء، في سياق التنصت على الشرق الأوسط هناك أماكن أخرى من هذا النوع، بعضها على حدود الوطن العربي، وبعضها الآخر في قلبه.

باتريك سيل (خبير شؤون الشرق الأوسط): مكان آخر كهذا يوجد في البحرين، ففي البحرين مكان يدعى (جيت وايز) استخدمه الأميركيون للتنصت، ومنه كانت تعمل اللجنة الخاصة على أبواب العراق.

ما يكل ثيودولر (مراسل صنداي تايمز في قبرص): لا يقتصر الأمر على استخبارات الشرق الأوسط، فلو نظرت إلى القواعد البريطانية، تجد أن لدى الأميركيين اتفاقاً لاستعمال طائرات ( U) التجسسية من القاعدة البريطانية في (أكراتيري) على الساحل الجنوبي لمراقبة اتفاقات السلام في الشرق الأوسط، وفي شرقي (قبرص) لديك الكتيبة البريطانية التاسعة التي تستخدم معدات معقدة، وتستخدم هذا المكان كقاعدة للتنصت على الشرق الأوسط. لست أدري ماذا يلتقطوا، لكنهم يمررونه إلى مقر القيادة في (تشالتمونت).

باتريك سيل: في الأيام الخوالي كان البريطانيون .. كانت مصلحتهم الطريق إلى الهند، أما المصدر الآخر للاستخبارات فهو إسرائيل، ترى الإسرائيليين يصادقون المارونيين والأكراد وسكان جنوب السودان، وأيضاً الدول المحيطة بالعرب مثل تركيا وإيران وإثيوبيا، كل ذلك يتطلب مجهوداً كبيراً من النشاط الاستخباري.


المعارضين البريطانيين لوجود القاعدة ونشاطها

يسري فوده: قبل أعوام قليلة ظهرت فجأة في صدر القاعدة لافتة تعلن انتماءها للقوات الجوية الملكية البريطانية، لا ممثلو الشعب يصدقون ذلك، ولا بطلتنا آن، قررت اقتحام القاعدة مرة أخرى، هذه المرة في وضح النهار.

نورمان بيكر (مجلس العموم البريطاني- حزب الديمقراطيين الأحرار): البريطانيون لا يحبذون إعطاء تفاصيل اتفاقاتهم، لقد طلبت في البرلمان قائمة بالاتفاقات العسكرية بين أميركا وبريطانيا، وكنت أظن أن هذا سؤالاً سهلاً، ولكن الرد جاء بأن هذه المعلومات لا يحتفظ بها مركزياً، وأنا أجد من الصعب تصديق أن مثل هذا النوع من المعلومات لا يحتفظ به مركزياً في وزارة الدفاع، ولا يمكن تقديمه إلى البرلمان.

وفي الواقع علمت بتفاصيل ذلك من أميركا بفضل قانون (حرية المعلومات) بل حتى عن طريق الإنترنت، فلماذا لا تستطيع وزارة الدفاع إمدادي بذلك؟! الإجابة: لأنهم لا يريدون لنا أن نعرف.

طوني بن: أن نكون مجرد حاملة طائرات للقوة الأميركية لا يتفق تماماً ووظيفة الدولة المستقلة.. إن السياسة الأميركية واضحة، حاصروا كوبا، وحاولوا قتل القذافي، وخانوا الفلسطينيين، وحاولوا حصار كوريا الشمالية، ويوغسلافيا، لأنهم لا يتوافقون والنموذج الأميركي، ولقد تورطنا -نحن أنفسنا- في حروب من أجل المصالح الدولية الأميركية، وعلينا أن نتخذ موقفاً حيال مثل هذه القضايا.

آن لي: جاء الدليل على ذلك في المحكمة عندما سألت ضابطاً في وزارة الدفاع عن قانون القوات الجوية الملكية الذي كنت أحاكم بمقتضاه، سألته إن كان قائد القاعدة من القوات الجوية الملكية، فقال: لا، قائد القاعدة عقيد أميركي.

يسري فوده: في خطاب رسمي يعترف وزير الدولة البريطاني لشؤون الدفاع بأن الأرض التي تملكها وزارة الدفاع البريطانية في تل منوذ أتيحت على حد تعبيره لوزارة الدفاع الأميركية لبناء قاعدة اتصالات، ويضيف أن القاعدة جزء لا يتجزأ من شبكة دولية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية تدعم مصالح المملكة المتحدة والولايات المتحدة وحلف الأطلسي.كانت آن ولا تزال في محاولاتها لاستثارة المسؤولين عن أمن القاعدة كي يقبضوا عليها، خيَّب هذا الضابط أملها، واكتفى بقوله إنه سيرفع تقريراً بهذا الشأن. عندما سألته على أي أساس سيرفع تقريره؟ ذكرني بما كنت أعرفه وتعرفه آن، وتعرفه أسوار القاعدة، بهذا القانون العسكري الذي دخل حيز التنفيذ منذ

فبراير/ شباط عام 96، ويمنع الاقتراب من هذه القاعدة.

ضابط شرطة بريطاني: لأن هناك قانوناً يخص القاعدة كما تراه واضحاً، والسيدة لي انتهكت هذا القانون باختراق القاعدة، ورغم علمها التام بمعنى هذا القانون تسلقت إلى الداخل.

يسري فوده: ولكنها لم تكسر شيئاً. أليس كذلك؟

ضابط شرطة بريطاني: بلى لقد كسرت القانون البريطاني.

آن لي: لماذا لم تقبض علي إذاً؟

ضابط شرطة بريطاني: إنك تفهمين تماماً. وقد قلت لك إنني سأقدم بلاغاً رسمياً بذلك، أنت تعلمين ذلك، سأكتب تقريراً بشأنك. شكراً.

نورمان بيكر: هناك تقرير حديث أعدَّ للبرلمان الأوروبي أقرأ لك بعضاً مما جاء فيه:

"في أوروبا يتم التنصت بانتظام على جميع الاتصالات بالبريد الإلكتروني أو الهاتف أو الفاكس عن طريق وكالة الأمن القومي الأميركية التي تنقل هذه المعلومات الأوروبية عبر (لندن) ثم عبر الأقمار الاصطناعية إلى (فورت ميد) في أميركا عبر قاعدة منوذ هيل .. إذن هذا تقرير رسمي يؤكد أن تلك القاعدة مصفاة للمعلومات الاقتصادية، فقد حاولوا التقليل من شأن التقرير، لكن أحداً لم يشكك في صحته.


دور القاعدة في دعم المصالح التجارية الأميركية

هاوارد تيشر (مجلس الأمن القومي الأميركي): بشكل عام لا أعتقد أن الحكومة الأميركية يمكن أن تتجسس على الحكومة البريطانية أو أن تأمر وكالة الأمن القومي بجمع معلومات عن كيانات الحكومة البريطانية وأفرادها، ورغم ذلك لا أستبعد أي شيء في هذا المجال. فالمصالح القومية هي المصالح القومية، ورغم تقارب علاقاتهما فإن مصالح كل منهما تختلف أحياناً، ولذا لا نستبعد أي شيء خاصة في هذا المجال.

يسري فوده: باعتراف هذا الرجل، وبأدلة توفرت بين أيدينا سمح الأميركيون لأنفسهم بالتجسس على البريطانيين من أرض بريطانية، على هامش ذلك تجسسوا أيضاً على السعوديين أثناء مفاوضات على شراء صفقة من طائرات (التورنيدو) البريطانية.

هاوارد تيشر: كانت أميركا دائماً قلقة من شراء الحكومة السعودية أسلحة متقدمة غير أميركية، وكنا ندرك أن منع ذلك مما يفتح المجال لشركة أميركية من شأنه خدمة مصالحنا التجارية، وإن لم يكن ذلك على قمة الأولويات.

دنكن كامبل: بالتأكيد، هذا هو الحال في الشرق الأوسط، وخاصة في السعودية فما يشتريه السعوديون يتجسس عليه الفرنسيون مثلاً، لا لأنهم يشكون في وجود عملية إرهابية، بل لأنهم يريدون سرقة الصفقة من الأميركيين، وهؤلاء يريدونها أو يريدون سرقتها من البريطانيين، وهؤلاء يريدون سرقتها من الروس، ولذا فإن أي أحد يتفاوض مع السعودية لن تكون لديه أسرار، لأن كل واحد يريد سرقة الصفقة من الآخر.

طوني بن: أجهزة الاستخبارات تحصل على رواتبها كي تكذب CIA، KJB، M16 ،M15 كلهم بلا استثناء يعملون لمصلحة الحكومة التي تدفع رواتبهم، وهم يرون من صميم عملهم التجسس الصناعي، ومن ثم فإنه في حالة صفقة أسلحة بين بلدين يرون لها تأثيراً على تجارة السلاح الأميركي فإنهم لا يجدون صعوبة في التنصت وفي الضغط لتحويل الترتيبات التجارية لصالحهم.

(فيديو منزلي)

يسري فوده: فيما يتواضع الكبرياء الإنجليزي أمام معطيات الواقع، يوعز الأميركيون إلى دوائر السلطة في لندن، فيوعز هؤلاء إلى المجلس البلدي حيث تقع القاعدة باستصدار حكم قضائي بإزالة مخيمات النساء.

يختلط التواضع بالنفاق فتكون حجة الإزالة توسعة الطريق حول القاعدة، اليوم بعد مرور هذه السنوات كلها منذ بدء الحملة عام 94، لا يزال كثير من السكان المحليين إما جهلة بما في ديارهم أو ببساطة غير عابئين.

مواطن بريطاني1: لا أعتقد أنها تؤثر فينا.

مواطن بريطاني2: إنها ليست قاعدة للتنصت بل قاعدة لمواجهة الخطر النووي.

مواطنة بريطانية1: لابد أن يكون هناك نوع من الدفاع ونظام الاستخبارات وعلينا أن نثق بمن صوتنا لهم في الحكومة.. على ما أعتقد..

مواطنة بريطانية2: أعلم أن لديهم مشاكل و.. سأكون فقط.. تعلمون أن.. أعني.. أن ذلك لا يحدث هنا فقط.. بل يحدث في كل مكان.. وأنا لدي أصدقاء كثيرون يعملون في القاعدة وهم جيران لي.. وما يفعلونه ليس من شأني.

آن لي: في هذه المنطقة يعتمد كثير من الناس في أرزاقهم على وجود الأميركيين في منوذ هيل. فعلى سبيل المثال يؤجرون لهم عقارات أو يبيعونهم سلعاً وخدمات، أو ربما لدى بعضهم وظائف داخل القاعدة.

إن القاعدة مرتبطة إلى حد بعيد بالاقتصاد المحلي، ونحن نحاول الإعلان عن ذلك. فمثلاً سجنوا زميلتنا (هيلين جون) لأنها كتبت على جدار مجلس العموم "أغلقوا قاعدة منوذ هيل"، "أوقفوا حرب النجوم"، وكانت على وشك أن تكتب "ارفعوا العقوبات عن العراق" قبل أن تمسك بها الشرطة.

يسري فوده: بقيت الشعارات وتغيرت الأولويات على أرض الواقع، فلماذا تكون هذه القاعدة استثناءً؟! سكن ليل الحرب البادرة، تبدلت الوجوه واختل التوازن، وخلت قمة السلطة إلا من الأميركيين، يجد هؤلاء القابعون تحت هذه القباب بين أيديهم وقتاً وطاقة وأموال العالم، ماذا يفعلون؟ يفتشون عن أولويات جديدة.

الأدميرال ويليام تيرنر (مدير وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً): بدأ الناس يتفهمون أن مجتمع التجارة جزء أساسي في الدفاع عن بلدنا، ففي لحظات بعينها يمكنك القيام بعمل ما بمساعدة شركة من بلدك، حدث مثلاً عندما كنت مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية عام 79 أن جاءني قائد إحدى محطاتنا في دولة أجنبية، وقال: إن أحد عملائه في تلك الدولة أتى صدفة بمعلومات عن دخول ثلاث شركات أجنبية في مناقصة على عقد ضخم ضد شركة أميركية، فاستغربت وسألته: ماذا فعلت؟ فقال: ليست لدينا سياسة في هذا الشأن.

فلم أفعل شيئاً، وقد أدى ذلك بي إلى إعادة التحقيق في أولوياتنا، فوجدت أن هناك مقاومة شديدة في وكالة الاستخبارات المركزية وفي الحكومة للقيام بمثل هذا العمل بحجة أنه لا يليق بنا .. إلى آخره، ولكن ذلك لم يعجبني.

يسري فوده: بعدما تولى الأدميرال (تيرنر) إدارة CIA أُنشئ قسمٌ جديدٌ داخل وزارة التجارة مهمته استقبال المعلومات من الاستخبارات الأميركية التي يمكن أن تستخدمها الوزارة لدعم المصالح التجارية الأميركية. مكتب التنسيق الاستخباراتي سري للغاية، لكننا -رغم ذلك- علمنا باستخدام قانون حرية المعلومات أن معلومات حساسة وصلت إلى المكتب عن طريق القاعدة تصنف على هذا الأساس (sensitive comportmented information).

لا يتعلق السؤال في مجال التجسس التجاري بما إذا كانت أفرع الاستخبارات الأميركية توفر معلومات لشركات أميركية على حساب منافسيها، إذ إن لكثير من الشركات الأميركية العملاقة علاقة مباشرة بوكالة الأمن القومي نفسها، أقمار (إنتل سات) مثلاً تصنعها شركة LORAL، وكذلك المحطات التي تتجسس على هذه الأقمار، شركة LOCK HEED تصنع الطائرات والصواريخ، وأقمار التنصت لحساب وكالة الأمن القومي.

تكشف الوثائق تغلغل LOCK HEED و LORAL في إدارة قاعدة هيل منوذ، داخل القاعدة هذه هي المساحة المخصصة لشركة LOCK HEED وهذه المساحة المخصصة لشركة LORAL وهذا هو كل ما للبريطانيين، قائمة الأهداف تتسع يوماً بعد يوم.

هاوارد تيشر: وكالة الأمن القومي تمدنا بمعلومات التنصت بناء على قائمة الأهداف لديها. أذكر مثلا أن كلمة (تورنيدو) وكلمة (بانافيا) وما يتعلق بطائرة بعينها كان لها أن تمثل أولوية استهدفناها، وأردنا معلومات عنها.

نورمان بيكر: الواقع أنها موجودة كمصفاة للاتصالات التي يتنصتون عليها عبر أوروبا لمصلحة الشركات الأميركية، وأنا في غاية القلق، لأنه لا توجد مصلحة واضحة في ذلك للحكومة البريطانية، بل ربما كذلك يتنصت الأميركيون على الاتصالات البريطانية لمصلحتهم الخاصة.

يسري فوده: الجديد على قائمة أهداف القاعدة، حرب النجوم، موضوع يستحق في ذاته وقفة أخرى.

آن لي: لقد أضافوا سلكاً جديداً يمر في هذا الاتجاه، وآخر مرة اخترقت القاعدة كنت أمشي بحذاء هذا السلك، فاكتشفت أنه يصل إلى مبنى العمليات الجديد الذي سيستخدم في حرب النجوم، أثناءها كان هناك خمسة ضباط وكلب، وقد توسلت إليهم أن يقبضوا عليَّ، ولكنهم قالوا: لا، لا، لا. نعم، نحن إرهابيون إسلاميون.

طوني بن: إذا أردت التعامل مع الأمر، عليك أن تغلق القاعدة، والقواعد الأميركية الأخرى في بريطانيا، وإذا فعلت ذلك سيجردنا الأميركيون مما يوصف بالرادع المستقبل، فما تسمع به من علاقة خاصة تقتصر في الواقع على الأسلحة النووية يعيروننا إياها، وفي المقابل نفعل ما يأمروننا به.

يسري فوده: إذا لم يكن يهمنا كثيراً ما إذا كانت الدولة الضيف الولايات المتحدة الأميركية تقتسم غنائم سرقاتها أو لا تقتسم مع الدولة المضيفة بريطانيا، فإن الغنائم نفسها ينبغي أن تهمنا، وينبغي أن تهمنا أكثر من ذلك كيفية الحصول على هذه الغنائم.

أكبر تَحدٍ يواجه المواطن العربي، والحاكم العربي من باب أولى هو تحدٍ من نوع علمي تقني، إذا لم نكن نحن العرب في القرن الحادي والعشرين أهلاً له، فإن إلمام هؤلاء الجالسين تحت هذه القباب بنوع ألبستنا الداخلية.. نتيجة طبيعية!! طيب الله أوقاتكم.