سري للغاية

أسرى طالبان والقاعدة في غوانتانامو الأميركية

القبض على الأسرى بين قوات التحالف والأميركان والخيانة، نقلهم من سجن باراتشينار إلى سجن كوهات ثم إلى غوانتانامو، الأسرى وإخفاء جنسياتهم وعددهم وجهل الأهالي بأحوالهم, معاملتهم في غوانتانامو.

مقدم الحلقة:

يسري فودة

ضيوف الحلقة:


عدة شخصيات

تاريخ الحلقة:

04/04/2002

– القبض على الأسرى بين قوات التحالف والأميركان والخيانة
– نقل الأسرى من سجن باراتشينار إلى سجن كوهات

– معاملة الأسرى من كوهات إلى غوانتانامو

– الأسرى وإخفاء جنسياتهم وعددهم وجهل الأهالي بأحوالهم

– معاملة الأسرى في غوانتانامو

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

يسري فوده: بعد مرور هذه الفترة كلها وهم يدفعونهم صباح مساء إلى أكواخ الاستجواب، يعترف الأميركيون بأنهم لا يملكون دليلاً واحداً يصمد أمام أية محكمة لإدانة هؤلاء، اخترعوا لهم تصنيفاً لم نسمع به من قبل، لا هم إذن أسرى حرب، ولا هم إذن مجرمون، فماذا هم؟ لديهم مشاكلهم ولدى من يدافعون عنهم، لكن لدى الأميركيين أكبر مشكلة.

مثال آخر على أن الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة بين الضعيف والقوي مفاهيم زئبقية تتقافز في هواء ساخن، لا يحدد معناها للآخرين في لحظة ما إلا من يملك القوة.

قناة (الجزيرة) تفتح ملف الذين لا أب لهم ولا أم، وتطرح التساؤل: لماذا إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية حقاً ربة الحرية المدنية والسياسية والقانونية، لا تزال واشنطن عاجزة حتى الآن عن استيعاب هذا الدرس، أنك لا تستطيع أن تدعي أنك تحارب من تدعي أنهم أعداء الحضارة الغربية عن طريق ضرب المبادئ الأساسية لهذه الحضارة نفسها، هؤلاء الذين عبروا جبال كهذه قبل أن يقعوا في الأسر نجحوا من حيث لم يقصدوا في الإلقاء بالولايات المتحدة الأميركية نفسها، وبالحضارة الغربية كلها إلى معسكر أشعة إكس.

(بورتوريكو) محمية أميركية تقع على أرضها أكبر قاعدة بحرية في العالم، كان لابد لي من أن أمر من خلالها أولاً إن كنت أريد أن أستكمل رحلتي إلى أصحاب الأزياء البرتقالية، طبيعة ساحرة وشمس وهواء وما لذ وما طاب كانت جميعاً خلفية ملونة لموضوع متناقض الألوان ترسم في النهاية لوحة سُريالية، شاطئ لا تبني متأمرك الهوى يقابله على الشاطئ الآخر معقل الشيوعية في هذا القطاع من العالم، كوبا على بعد ساعة من الآن.

في الصباح الباكر بدأنا تنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة لنا من القوات المسلحة الأميركية، وصلنا إلى قاعدة (روزفلت) في الموعد المحدد، فيما كان ضباط العلاقات العامة يتأكدون من شخصياتنا كنت أكتشف أنني الصحفي الوحيد من خارج الولايات المتحدة باستثناء سلسلة من الإجراءات الأمنية المشددة حملت هذه المهمة من بدايتها ملامح الرحلة المدرسية، من هذه اللحظة أنتم وأنا في قبضة أعظم قوة عسكرية في العالم.

كان الأميركيون قد اختاروا ذكرى مرور 4 أشهر على أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول موعداً لنقل أول مجموعة من الأسرى، نقلونا نحن الصحفيين من (بورتوريكو) على طائرة مدنية، شحنوهم هم الغنائم من قندهار على طائرة عسكرية للبضائع.

السيناتور دانواي (لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الأميركي): توجد قواعد مكتوبة للقتال للبحرية والجيش والطيران، لكن الأمر هنا يختلف عن ذلك، كيف يمكن أن تتعامل مع رجال ونساء يؤمنون بأن أكبر جائزة هي الجنة.

يسري فوده: كنا نعلم إلى أين نحن منقولون، ملف من المعلومات صادر عن القيادة الجنوبية للقوات المسلحة الأميركية.

جيم ويلش (الخبير الطبي لمنظمة العفو الدولية): لا نعلم إنه كان الأسرى قد قيل لهم إلى أين هم مقتادون؟ أو مدة الرحلة أو مصيرهم، ولا ندري حالهم داخل الطائرة التي نقلتهم.

يسري فوده: قدموا لنا طعاماً وشراباً ثم تركونا في حالنا واستراحوا، أما هم فقد حلقوا رؤوسهم ولحاهم ولم يتركوهم لدى ذلك.

السيناتور دانواي: علينا أن نتذكر أن اختطاف طائرة لا يتطلب بالضرورة سلاحاً نارياً، فإن كان هؤلاء يؤمنون بأن مبتغاهم هو الموت، فإن من السهل أن يكسروا إحدى نوافذ الطائرة.

يسري فوده: كانت لنا نحن عيون وكانت لطائرتنا نوافذ، لم تكن لطائرة البضائع التي نقلتهم نوافذ ولا كانت لهم هم في تلك اللحظات عيون، ولا آذان ولا أنوف ولا شفاه ولا أصابع ولا كرامة.

جيم ويلش: ومن الصعب أن نجد مبرراً لذلك سوى أنه اعتداءٌ على كرامة المعتقلين فإن حرمانهم من الحواس وحلق رؤوسهم هي أساليب شائعة لبلبلة المعتقلين وتهيئتهم للاستجواب.

كريستوفر روس (وزارة الخارجية الأميركية): كما تعرفون كل شخص موجود على الأراضي الأميركية له كل الميزات.. المزايا الدستورية فما كنا نريد أن نعطي لهؤلاء المجرمين أو المشتبه بهم هذه.. هذه الضمانات.

يسري فوده: مسلمون يقتادهم مسيحيون ويهود إلى أرض شيوعية، (جوانتنامو) أرض كوبية تخضع للسيطرة العسكرية الأميركية ولا تخضع لقوانين الولايات المتحدة، يعترف الأميركيون أنهم لذلك اختاروها، هبطت طائرتنا على المدرج نفسه الذي هبطت عليه طائرتهم، لابد أننا الآن على بعد أمتار من معسكر أشعة إكس.

القبض على الأسرى
بين قوات التحالف والأميركان والخيانة

يسري فوده: يشير آخر إحصاءٍ إلى أن حوالي 4 آلاف وثمانمائة ممن يقال أنهم ينتمون إلى طالبان أو القاعدة قد وقعوا في قبضة قوات التحالف والأميركيين، لكن عدداً من هؤلاء لم يقعوا في تلك القبضة إلا عن طريق قبضة أخرى.

أبو عمر (مجاهد تمكن من الهرب): توجهت للقائد وسألته.. قائد الاخوة سألته عن قضية الانسحاب هل.. هل هناك ترتيب معين؟ يعني الآن بندخل باكستان، هل فيه أحد بيستقبلنا؟ هل هناك ترتيب معين؟ فكانت الإجابة بأنه سندخل باكستان عند أول قبيلة ونقول لهم نحن مسلمون.

يسري فوده: تسرب بعضهم عبر الحدود الشرقية إلى غربي باكستان على مجموعات، كان من بينها مجموعة بلغ قوامها حوالي 130 مقاتلاً عبروا إلى هذه المنطقة القبلية بعد عيد الفطر بيومين، لأول مرة منذ استقلالها عام 47 تنشر باكستان قواتها المسلحة على هذه الحدود.

رحيم الله يوسف زاي (صحفي باكستاني التقى ببن لادن): لكن باكستان فعلت ذلك لإرضاء الأميركيين، وكان متوقعاً أن يحاول هؤلاء المقاتلون الفرار إلى باكستان، وقد حدث وقيل لنا إنه قُبض على حوالي 200 بمساعدة رجال القبائل المحليين.

أبو زيد (مجاهد تمكن من الهرب): فخرجنا بتوفيق من الله عز وجل خلال الأودية وكان انسحاب –ولله الحمد- يعني موفق وجيد، لم يقتل ولا أخ.. ما قتل أحد و… أحد الأخوة مات من البرد فقط يعني في الطريق والبقية كلهم خرجوا بتوفيق من الله عز وجل، ووصلنا إلى باكستان ودخلنا عند قبيلة (السانكاني).

الشيخ/ جاود إبراهيم باراتشا (رئيس المجلس الأعلى للسنة في باكستان): المجاهدين نزل بطريق الجبال الثلج اسمه (كوهي سافي) وقرية سرق كل عرب وأشياؤهم وأسلحة معهم وفلوس ظلت معهم.

ملك/ إسلام شاه (من أعيان القبائل الحدودية): استولوا على أسلحتهم وما يملكون واتخذوهم رهائن قبل أن يسلموهم إلى السلطات الباكستانية، وعندما ذاع الخبر خرجت القرى المجاورة عن بكرة أبيها.

أبو عمر: الذين كانوا يكرموننا يلبسون الجاك.. وفي أيديهم السلاح والشر في أعينهم، أيقظونا من المنام يعني فوجئنا ما الذي يحصل؟ فقالوا لنا: سنوزعكم خمسة خمسة ونرتب لكم ترتيب ننقلكم إلى (بيشاور)، وحقيقة بعضنا يعني بطيبته سُرَّ يعني دخل قلبه السرور لهذا الأمر، والبعض الآخر كان وجل من هذه المسألة، يعلم أن خلفها شيء، مؤامرة تُدار ولا ندري يعني عن أبعادها، أخذونا وكنا في خط سير واحد، ذهبنا وكانت نقطة التجمع في مسجد من المساجد في هذه القبيلة.

الشيخ/ جاود إبراهيم: إذا أصحاب القرية طبعاً يعرفون بهذه السرقة هم بالمايك يُعلن أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل مكة وأهل المدينة سُرق بقرية (المنجال)، ولهذا كل القبائل دخل في قرية (المنجال) وكل قرية في النار.

يسري فوده: حرقوها.

جاود إبراهيم: حرقوها.

اللواء/ جاود إقبال جيحه (إدارة الأزمات بوزارة الداخلية الباكستانية): اتخذنا كل الإجراءات الممكنة على حدودنا كي نمنع هؤلاء من دخول باكستان، فدعمنا إجراءات الأمن وأمسكنا بكثير من الباكستانيين والأجانب وألقينا بهم إلى السجون، وبالطبع يخضعون لعمليات الاستجواب.

جاود إبراهيم: دخل في السجن (باراتشينار) واحد أسبوع كلهم في سجن الـ (باراتشينار)، عددهم 156.

كساب العتيبي (قريب الأسير أنور الشمري): الباكستانيون –للأسف الشديد- تعاملوا مع الأسرى هؤلاء بطريقة -إن صحت- مُقرفة يعني وطريقة خبيثة لأنهم لا مبدأ لهم وأقصد طبعاً من يعمل في عند الحكومة لا أقصد الباكستانيين بشكل عام فأصبحوا يعني يبتزون، فالانتهازية والنفعية يعني بأبهى صورها ظهرت في باكستان، صاروا يتكسبوا من خلف يعني هؤلاء الشباب المجاهدين.

أبو زيد (مجاهد تمكن من الهرب): ما كنا نتوقع هذه الخيانة العظمى الخيانة الكبرى، يعني التي ليس لها حدود أصلاً لا في معايير الإنسانية ولا الشرعية أيضاً، من.. خاصة من الجيش الباكستاني، الجيش الباكستاني الذي شعاره "إيمان –تقوى- جهاد"، ولكن ربما هذه شعارات، كنا نتوقع منه النصرة ومساندة ليكن حتى في الحق، وأيضاً الخيانة لم تكن وها الخذلان هذا لم يكن مقتصراً على الجيش الباكستاني، كانت الخيانة خيانة الأمة بأسرها، الأمة الإسلامية خانت نفسها بنفسها، نحن أمرنا الله –عز وجل- بالقتال فقاتلنا وفعلنا ما نستطيع، ولكن تحزب علينا أعداء الله عز وجل، نحن فرض الله علينا.. عز وجل علينا القتال، (كتب عليكم القتال)، فرضه علينا فقاتلنا وسنقاتل وعليها –إن شاء الله- إلى أن نقتل في سبيل الله عز وجل، وتحزب علينا أعداء الله عز وجل، (إذ يأتوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون)، والله هذا كان حالنا، (هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً)، فهذا البلاء، وأيضاً خذلتنا الأمة على رأسها العلماء الذين في هذه المرحلة العصيبة كانوا ينظرون ويكتبون المذكرات التي يتلطفون فيها بالكلمات مع (بوش) وأعوانه، ويشدون فيها علينا، ويسفهون أحلامنا.

رحيم الله يوسف زاي: وعندما نقلوا بعد فترة من سجن (بارا تشينار) إلى سجن (كوهات) وقعت حادثة عندما حاول بعض السجناء الهرب، فتمكنوا من التغلب على السائق والحراس ووقعت معركة.

عبد الرحمن غُل (الشرطة القبائلية): لم أكن داخل الحافلة التي وقعت.. كنت داخل الحافلة الأولى، وعندما وصلت سمعت صوت وقوع حادثة فهرولت فوجدت المعركة قد بدأت بين هؤلاء المقاتلين والجنود الباكستانيين لم أكن أدري لماذا كان هؤلاء يتقاتلوا بعضهم مع البعض الآخر.

الشيخ/جاود إبراهيم باوتشا: هم يقولون للشرطي نحن بدون الطعام، ونحن بدون الشاء، ونحن بدون الماء، ونحن بدون النوم فلهذا وقف لنصف ساعة للشاء، شرطة تقول لهم: لأ.

كساب العتيبي (قريب الأسير أنور الشمري): بعض الأخوة –نسأل الله أن يتقبلهم- تأكدوا من الأمر، تأكدوا إن في الأمر خديعة، فأخذوا بعض الأسلحة من قبل الجنود الباكستانيين، فبدءوا يرشون على الباكستانيين فحصلت مجزرة قُتل فيها ثمانٍ من الشباب المجاهدين، أربعة منهم من السعودية والآخرين من أماكن أخرى، وقُتل أيضاً ثمان من قبل الجنود الباكستانيين.

رحيم الله يوسف زاي (صحفي باكستاني التقى بن لادن): وفر بعضهم إلى تلك المنطقة القبلية ووفقاً لتقارير رسمية لا يزال ستة منهم مفقودين بعد أن آواهم رجال القبائل مرةً أخرى.

الشيخ/جاود إبراهيم باوتشا: بالهليكوبتر هم يعلنون بالمايك أريد العرب أريد العرب أريد العرب، بعضهم يبيعون بالنسبة..

يسري فوده: يعني أعلنوا عن مكافأة للقبض على العرب الفارين.

جاود إبراهيم: نعم.

يسري فوده: هذه من خلال ميكروفونات.

جاود إبراهيم: من ميكروفونات، من طيارات، ومن هليكوبتر.

اللواء/ جاود إقبال جيمه (إدارة الأزمات بوزارة الداخلية الباكستانية): نعم، أعتقد أننا أمسكنا بهم جميعاً، وقد كان رجال القبائل في منتهى التعاون معنا، وكان لذلك دور حاسم في الإمساك بالذين فروا، وبفضل تعاونهم استطعنا أن نستعيدهم جميعاً.

رحيم الله يوسف زاي: أما الذين قُتلوا من تنظيم القاعدة فقد دُفنوا في منطقة (كورام رجينسي) حيث توجد مقابرهم على جانب الطريق، وقد زُينت بالأعلام، ويزورها الناس للصلاة.

نصر الله خان (شاهد عيان): خمسة نفر هذا فيه موجود، و3 نفر فيه موجود هذا باكزي، 3 نفر فيه موجود باكزي، كله عشرة نفر، أيوه.

يسري فوده: ومين.. من دفن الشهداء؟

نصر الله خان: أنا دفن أنا، أنا دفنا هذا الشهداء، سوَّى الجنازة، بينما.. واحد كل نفرين يجي مسلم، كل مسلم يجي سني مسلم.

الشيخ/جاود إبراهيم باراتشيا: بدمهم، وبطيبهم، وبلباسهم عطور ليس من الدنيا، وكل الملايون مسلمين ينظرون هذا المنظر، بدم الشهداء عطر، ولكن ليس من الدنيا

نقل الأسرى من سجن باراتشينار إلى سجن كوهات

يسري فوده: مرَّ يوم ومرت ليلة علمنا بعدها أن هؤلاء الأسرى أُلقي بهم جميعاً إلى سجن كوهات.

الشيخ/ جاود إبراهيم باراتشا: معضلة في سجن كوهات من العسكرية والباكستانية أحسب، ولكن جاء أميركيون في السجن

يسري فوده: دخلوا إلى السجن؟

الشيخ/ جاود إبراهيم باراتشا: دخلوا في السجن، وهم يفتشون بطريق حيوان ليس بالإنسان.

يسري فوده: ماذا فعلوا؟

جاود إبراهيم باراتشا: هم يقيدون اليد ورجل..

يسري فوده: الأميركيين هم الذين قيدوكم؟

جاود إبراهيم: نعم.. نعم.. نعم، أميركيون، وقطع لحيتهم

يسري فوده: هنا في سجن كوهات؟

جاود إبراهيم: قبل جلس في الطيارة على المطار يعملون هذا.

اللواء/ جاود إقبال جيمه: نعم، قام الأميركيون باستجواب بعضهم كما قام الأميركيون بتسليمنا البعض من أفغانستان وأمور كهذه.

رحيم الله يوسف زاي: أُغريت باكستان بمساعدات اقتصادية، وكانت هناك أيضاً ضغوط دبلوماسية، ومن ثّمَّ أُجبرت باكستان على الانضمام إلى الحرب التي قادتها أميركا على الإرهاب، ولكنني أعلم أن باكستان لو كانت اعترضت لكانت وقعت في ورطة كبيرة.

معاملة الأسرى من كوهات إلى غوانتانامو

يسري فوده: سال لعاب الأميركيين أمام هذا الصيد الثمين، فبدءوا يطلبونهم واحداً واحداً، من سجن كوهات شُحن أسرى المجاهدين إلى حيث كان للأميركيين موعد آخر معهم، هنا في مطار كوهات، في هذه المنطقة بعينها، هكذا في الهواء الطلق، فرزوهم واحداً واحداً، حلَّقوا رؤوسهم ولحاهم، كبلوهم من أعلى إلى أسفل، وخلَّعوهم ملابسهم قطعة قطعة

الشيخ/ جاود إبراهيم باراتشا: وهم يقولون عندنا خوف بلحية، وخوف بلباسهم، وعلى المطار كل العرب اللباس خرج وواحد بقى فقط، ويدهم ورجلهم كلهم…..

يسري فوده: في السابع من يناير/كانون الثاني عام 2002 رفع الشيخ جاود إبراهيم دعوى أمام المحكمة العليا في بيشاور على أساس أن قيام باكستان بتسليم العرب إلى الأميركيين يُخالف الشريعة الإسلامية، والدستور الباكستاني، وحقوق الإنسان، أرفق بها طائفة من أسماء هؤلاء العرب وجنسياتهم، لكن الأميركيين كانوا أسرع منه، من هذا المدرج طاروا بهم إلى حيث لم يكونوا يعلمون.

وصلت الأنباء إلى قاعدة (جوانتنامو) فخرجت المصفحات وحافلات الاحتجاز، وجنود المشاة، والشرطة العسكرية، وحرس السواحل يعبرون بين شطري القاعدة في اتجاه مدرج الهبوط، وصلنا بعد دقائق، وصلوا هم بعد ثمانٍ وعشرين ساعةً مُكبلين، مُنعنا من تصويرهم فقط نشاهدهم بالعين المجردة من بعد مائة متر، ونسجَّل الصوت.

[صوت طائرة سلاح الطيران الأميركي من طراز C141 على متنها عدد من أسرى طالبان والقاعدة فبراير/شباط 2002]

ما أقسى أن تُشاهد إنساناً –أي إنسانٍ- يحاول وهو مُكبَّل، وهو معصوب العينين أن يهبط في شيء من الكرامة والكبرياء، ثم يُركَّع رغم أنفه.

الرائد/ستيفن كوكس (مدير العلاقات العامة/قاعدة غوانتنمو): لدينا محتجزون هددوا حراساً، ليسوا كثيرين، حفنة من المحتجزين، ولكن بالتأكيد هددوا حراسنا، ترتيباتنا الأمنية هنا متعددة المستويات، ولا توجد لدينا نية للسماح لأي محتجز بإيذاء أيٍ من جنودنا.

الكولونيل/ تيري كاريكو (قائد معسكر أشعة إكس): قبل فترة عض محتجز حارسه، هذه هي أخطر حادثة حتى اليوم، كانت هناك حوادث أخرى كرش المياه أو عدم تنفيذ الأوامر، السيطرة الإيجابية على المحتجزين لا تسمح بكثير من الفوضى، فترتيبات الأمن هنا قوية وإيجابية، ولدينا نظام أمني متعدد الطبقات كما ترى.

يسري فوده: معسكر أشعة إكس، تحت أشعة كوبا الساطعة طوال اليوم يقع على دائرة العرض نفسها التي تقع عليها أم درمان، به 320 زنزانة حديدية، ترى الأسير داخلها من جوانبها الأربعة، طول كل منها متران، وعرضها متر وثمانية أعشار، يُسميها المسؤولون الأميركيون وحدات، ويسميها الصحفيون الأميركيون أقفاصاً للحيوانات.

دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الأميركي) لماذا تستخدم كلمة أقفاص؟ أتريد أن تُثير الناس كي يظنوا أنهم حيوانات؟ ليس من اللائق أن تستخدم هذه الكلمة.

يسري فوده: يُسمح للأسير أو المحتجز –كما يُفضل الأميركيون أن يصفوه- بمغادرة قفصه مرة إلى دورة للمياه ميدانية مفتوحة الباب، ومرةً، أو مرتين، أو ثلاث مرات، أو عشراً إلى غرفة للاستجواب، وحين يغادره لا يغادره إلا مُكبَّل اليدين مأزور الخصر، مصفد القدمين بصحبة اثنين على الأقل من جنود المشاة، وحتى هذه الأغلال الحديدية التي لا ترحم لا توافق مواصفاتها تلك التي تسمح بها قوانين أميركا لتكبيل أعتى المجرمين، يطعمونهم ما يقيم الأود، ويلبسونهم حُللاً تبدو في الصور زاهيةً، فإذا لمستها لمست خشناً 65 من قوامه بوليستر صُنع في المكسيك، تقشر جلد وجهي من حرارة الشمس بعد يومٍ واحد، وأنا أرتدي ألطف الأقطان، فما بالك بارتداء الخيش أربع وعشرين ساعة كل يوم تحت لهيب شمس كوبا، وأنا أتحدث عن الشتاء لا عن الصيف، هؤلاء الذين لا أب لهم ولا أم، إما أنهم أسرى حرب، فأين حقوقهم؟ وإما أنهم مجرمون، فأين التهم الموجهة بحقهم؟

كريستوفر روس: نحنا نعتبر الموجودين في جونتنامو محتجزين ولا نعتبرهم أسرى حرب، الطالبان الموجودين في أفغانستان والذين تم القبض عليهم هادوليك نعتبرهم أسرى حرب، ولكن في جونتنامو كل الموجودين من غير أسرى الحرب.

دونالد رامسفيلد: وهناك حديث غير دقيق بشأن الأسرى في مقابل المحتجزين، وأحد أهم ملامح اتفاقية جنيف هو التمييز بين المحاربين الشرعيين والمحاربين غير الشرعيين، وهنا الخطورة على جيشنا والجيوش الأخرى أن نخلط المحاربين الشرعيين وغير الشرعيين

كمال السماري (منظمة العفو الدولية): أول حاجة.. أول شيء اتفاقية جنيف، وُجدت قبل أن يتسلم الدكتور …. وزير الدفاع (رامسفيلد) مناصبه.. منصبه كوزير، اتفاقية جنيف موجودة قبل، فبالتالي لا صلاحية.. لا صلاحية لا لهم، ولا لأي مسؤول سياسي، أو لأي وزير أن يؤول حسب مصالحه أو حسب نزواته اتفاقية جنيف، الاتفاقية الثالثة، والاتفاقية الرابعة، والبند الرابع من الاتفاقية الثالثة، وهي واضحة صريحة بخصوص هذا الشأن.

يسري فوده: تُحدد اتفاقية جنيف لعام 49-، التي وقعت عليها الولايات المتحدة- أسرى الحرب في أنهم أولاً: أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، وهو ما ينطبق على قوات طالبان. وثانياً: أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، وهو ما ينطبق على تنظيم القاعدة.

أنتونيلا نوتاري (لجنة الصليب الأحمر الدولية): هذا صراع دولي مسلح، ومعنى هذا أن اتفاقية جنيف تنطبق على الموقف، ومعناه أيضاً أن من حق أي مقاتلاً قُبض عليه أن يكون أسير حرب، على الأقل يُفترض ذلك حتى يثبت العكس.

الأسرى وإخفاء جنسياتهم وعددهم
وجهل الأهالي بأحوالهم

يسري فوده: يعتبر الأميركيون أسماء الأسرى وجنسياتهم من الأسرار العسكرية، لكننا نستطيع أن نكشف أنهم يقبضون الآن بشكل مباشر على 544 إجمالاً، 300 في جوانتنامو، و244 في أفغانستان ينتظرون الترحيل.

ينتمي هؤلاء إلى ست وعشرين جنسية مختلفة، للأفغان نصيب الأسد، يليهم السعوديون، وعددهم مائة بين أفغانستان وكوبا.

يوجد أيضاً في كوبا ثلاثون يمنياً، وخمسة وعشرون باكستانياً، وثمانية جزائريين، وستة كويتيين، وخمسة بريطانيين، وأعداد أخرى متفرقة من الشيشان، وفرنسا، وبلجيكا، واستراليا والسويد، وغيرها، كما يوجد في أفغانستان مواطنون من الأردن، وسوريا، والبحرين، وتونس، والمغرب، والعراق، وإندونيسيا، وبنجلادش، وغيرها.

في منتصف يناير/كانون الثاني عام 2002 وصلت مكالمتان هاتفيتان من وزارة الخارجية البريطانية إلى بلدة صغيرة في شمال غربي إنجلترا اسمها (تبتون)، في مدخلها لوحة تقول: هذا ليس معسكر أشعة إكس، لكن الرسالة كانت: أبناؤكم في معسكر أشعة إكس.

حبيب رسول (شقيق الأسير شفيق رسول): في البداية ظننا أنها دعابة، شفيق شاب آسيوي عادي، نشأ في إنجلترا، إنه مجرد شاب عادي لم يسبب لنا مشاكل مع أحدٍ على الإطلاق، شاب ذكي مجتهد في دراسته، وكنا نفكر في التأسيس لعمل تجاري، فنصحته بالذهاب إلى باكستان لتعلم الكمبيوتر، فقال إنها فرصة جيدة لإنجاز شيء في الحياة.

والد الأسير (عاصف إقبال): ذهبت إلى باكستان مع زوجتي كي نختار عروساً لولدنا، ثم طلبنا من عاصف أن يحضر إلى باكستان عندما عثرنا على عروس مناسبة في أكتوبر/تشرين الأول، بعد أسبوع ذهب إلى كراتشي لزيارة بعض الأصدقاء، لكنه اختفى.

إيان بيلي (عضو مجلس العموم البريطاني): تحدثت إلى وزارة الخارجية بهذا الشأن، وكذلك لعائلاتهم، وأفهم أن أعضاءً من الصليب الأحمر قد زاروهم وهم راضون عن حالتهم البدنية، ولا توجد لدى الصليب الأحمر أي شكوى من معاملتهم، وقد أكد ذلك مسؤولون في وزارة الخارجية نقلت هذه الأخبار إلى العائلات، وهم مقتنعون بأن هذا تقييم عادل.

جيرارد راسل (وزارة الخارجية البريطانية): ليس لنا انتقادات للولايات المتحدة من معاملة السجناء أو احتجازهم، إننا واعيون يعني من أن هؤلاء احتمالاً يشكلون خطراً كبيراً، يعني لا يمكن أن أقول أنهم مدانين طبعاً لم يحاكموا بعد، ولكن لم يكونوا في أفغانستان لسبب السياحة، يعني كانوا هناك للمشاركة في الأحداث هناك.

مشتاق أحمد (صديق عائلة الأسير شفيق رسول): إنهم يوحون بأن هذا المبنى كان يستخدم من قبل القاعدة وطالبان والمتعاطفين معهم للقاء، وهي أكذوبة فجة، إن حقوقنا الأساسية قد انتهكت من قبل الصحافة بطريقة غير مسؤولة وقد رأيت صوراً استفزازية تحض على العنف خاصة في هذه الفترة المتوترة المليئة بالدعاية.

حبيب رسول: بكل تأكيد منذ حدث ذلك تلقينا مكالمات من أناسٍ أساءوا إلينا وخطابات تهديد سلمناها للشرطة، إننا نعيش في منطقة أغلبية سكانها من البيض، وليس هذا في صالح صورتنا، ولا يساعدنا في شيء.

جيرارد راسل: وأيضاً يعني طبعاً أعطتنا الحكومة الأميركية تأكيدات بهذا الشأن، ولا أتوقع يعني طبعاً، يعني أن يكون هناك أي سوء معاملة، وهذا يعني شيء نحن والأميركان متفقون عليه.

مشتاق أحمد: نتوسل إليهم بحق الإنسانية، هذا ولدٌ صغير برئ، إذا كنتم وجدتموه في مكان لم يكن مفترضاً أن يوجد فيه نريدكم أن تشركونا في هذه المعلومات، لا نعتقد أنه قادر على القيام بمثل هذا، ويجب قول الحقيقة للعالم بأسره، ولا ينبغي لهؤلاء الصغار أن يستخدموا في لعبةٍ سياسية.

يسري فوده: على الأقل يعلم هؤلاء أين أبناؤهم، معظم أهالي الأسرى العرب لا يعلمون حتى إن كان أبناؤهم على قيد الحياة.

حمزة الجوفي: والله يا سيدي ما فيه أي أخبار، إنما أدري وين، وين راح الموقع.

يسري فوده: طيب.

حمزة الجوفي: هل هو حي ولا ميت، ما بدي أن..

علي بن عواض العسيري (سفير السعودية لدى إسلام آباد): لدينا مناوب 24 ساعة بتستقبل هذه المكالمات المملكة، ولنرى أرقام قلنا عنها في الجرائد في المملكة تلقينا تقريباً إلى هذه اللحظة تقريباً 46 اسم معروف إنه.. اسمه كامل واسم أهله ووسيلة الاتصال، وكيف ممكن.. نتصل فيهم لو حصلنا على معلومات، اتصلت أنا فوراً بمعالي وزير الداخلية الباكستاني وطلبت منه إذا كان هناك سعوديين بين هؤلاء اللي هم يطلق عليهم الأفغان العرب نود من التعرف عليهم وبعث المسؤول عن الرعايا للتأكد من هوياتهم، لأنه المشكلة في.. في من كانوا في داخل أفغانستان، كانت هناك أسماء رمزية أبو حفص، أبو فلان، فليس هناك اسم حقيقي على أساس تقدمه للسلطات للتعرف على شخص من مواطني دولتك.

اللواء/ جاود إقبال جيمه: لا يمكنني التعليق على ما إذا كان ذلك رسمياً أو غير رسمي، لكننا تلقينا طلباتٍ من دول عربية بعينها، وقمنا بالرد عليها وفقاً لقوانين البلاد.

علي بن عواض العسيري: فعليهم الصبر وعليهم الدعاء إنه نوصل إلى نتيجة مع الحكومات، لأنه السفارة بكافة إمكانياتها ستكون في.. في إطار التنسيق فقط لا غير، ليس بيدها شيء السفارة، ونحن نثق بأن الله -سبحانه وتعالى- معنا، وإنه الحكومات التي نطالبها سواء الحكومة الأفغانية والحكومة الباكستانية، ونلمس بكل أمانة أنها جادة في مساعدتنا في البحث عن مواطنينا.

كساب العتيبي: لكن الخبر اليقين وصل تقريباً قبل أسبوعين ما في.. في باكستان لا أعلم حقيقة هل هو تم نقله إلى كوبا أم لم يزل في باكستان، لكنهم تأكدوا إنه في باكستان عن طريق يعني بعض الأشخاص الموثوقين.

يسري فوده: ليست تماماً فكرة جيدة أن يلقي الصحفي بنفسه إلى بؤرة الحدث، لكن مأساة أم أو أب أو أخ فوق كل اعتبار، هكذا تقوم قناة (الجزيرة) بالتوسط لدى الصليب الأحمر لعل هؤلاء يعلمون على الأقل إن كان أبناؤهم على قيد الحياة، أفلحت هذه الوسيلة لدى بعض الأسر الكويتية، عندما قارن الصليب الأحمر هذه البطاقات التي يملؤها الأهل بتلك التي يملؤها الأسير.

أنتونيلا نوتاري: يمكنه أن يسجل بياناته مع الصليب الأحمر، يملأ ما نسميه بطاقة أسير الحرب التي نحتفظ بها في سجلاتنا طالما استمر اعتقاله، ويسمح لنا ذلك بتعقبه حتى إذا تم نقله.

معاملة الأسرى في غوانتانامو

يسري فوده: سمح الأميركيون للصليب الأحمر بالإقامة على أرض المعسكر، لأنهم يعلمون أن هؤلاء لا يتحدثون إلى الصحفيين عما يرونه إلا بعد خراب مالطه.

في إطار حملة العلاقات العامة نفسها عينوا لهم قساً مسلماً، هذه هي الترجمة الحرفية لمهامته، وهم يجهلون أن المسلم لا يحتاج إلى واسطة للوصول إلى ربه.

يسمحون لهم بالصلاة خمسة مرات في اليوم داخل أقفاصهم، وهم يجهلون أن المسلم لا يحتاج إلى تصريح من أحدٍ للصلاة برموش عينية أو حتى في قلبه، لكنهم حين يأتون إلى المحَكّْ لا يسمحون لهم بأداء فريضة صلاة الجمعة، إذا نودي للصلاة من هنا يسعون إلى ذكر الله، لكنهم لا يذرون أقفاصهم.

النقيب/ سيف الإسلام أبو هنا (سلاح البحرية الأميركي): على ضوء الظروف، هل ينبغي لذلك أن يحدث؟ دينياً نعم، ولكن هل يمكن له أن يحدث؟ ربما لا لأسباب أمنية، لقد قدمت نصيحتي بأنها فريضة دينية، ولكن هل يمكن أن نخاطر بحياة البعض، حتى من بين هؤلاء المحتجزين؟ عليَّ أن أثق في حكم رؤسائي.

يسري فوده: لدى الأميركيين مشكلة، لديهم مشكلة متعددة الأبعاد، أخلاقية، قانونية، سياسية، دينية، أمنية تضعهم في مواجهةٍ إن لم يكن مع النفس فأمام رأي عامٍ دولي بدأ يتنامى.

يحاولون الخروج من هذه المعجنة، ولا يعلمون كيف سمحوا لبعض الصحفيين بالزواج بهم، لكنهم لم يسمحوا لهم بأن يناموا معهم، عذراً للتشبيه، لكن هذه هي الحقيقة، فلا سمح لنا بالحديث مع الأسرى، ولا حتى بالوقوف أقرب من مائة متر منهم، ولا سمح لنا بالتجول بمفردنا، ولا بالانفراد بالصليب الأحمر أو بقائد القاعدة أو حتى بذلك القس المسلم، لكنهم يحاولون الخروج على أية حالٍ من هذه المشكلة بما يحفظ ما يرونه هيبة أميركا، كان رئيسها قبل وصولي بأسبوع قد أعلن أن مقاتلي طالبان على الأقل سيتلقون معاملة أسرى الحرب.

لم يكن لذلك صدىً حين وجهت السؤال للمسؤول الأول داخل القاعدة.

اللواء/ مايكل لينيرت (قائد القوة 160): الحقيقة ببساطة أننا أُمرنا بأن لا نعتبرهم أسرى حرب، وقد تحدثت من قبل عن بعض الأشياء التي لا نسمح لهم بها فيما تسمح لهم بها إتفاقية جنيف، فنحن لا نوفر لهم مثلاً أدواتٍ موسيقية أو أدوات علمية، وهذا فقط مجرد مثال.

يسري فوده: سبتمبر/ أيلول، أكتوبر/ تشرين الأول تغير وجه العالم واختلفت قواعد اللعبة، لكن للإنسانية طبيعة هشه تغيرت مع كل هذا الذي تغير، لا يستطيع المحايد مقاومة إحساسٍ بأن هؤلاء الذين أوتي بهم إلى هنا يُستخدمون أداةً في سبيل النقاهة النفسية للشعب الأميركي دون وجه حق، وعبرةً لمن لا يعتبر دون وجه حق، ورمزاً إلى جبروت راعي البقر دون وجه حق، لكن ثمة هدفاً أكثر عملية، لا يشعر الأميركيون بخجلٍ وهم يعترفون به استجواب من لا حق لهم في استجوابهم، أسير الحرب حقه ألا يتحدث عن اسمه وعن رتبته، والمجرم حقه ألا يتحدث إلا في حضور محاميه، لكن هؤلاء الذين لا هم هذا ولا ذاك يُدفعون كل يوم بعضهم مُكرهاً على قدميه وبعضهم مخدراً على نقالةٍ إلى هذه الأكواخ، المكان الوحيد على أرض المعسكر الذي زودوه بمكيفات للهواء، داخلها لا ندري تماماً ماذا يحدث حتى يحصل الأميركيون على معلومات يقولون إنه في منتهى الخطورة.

اللواء/ مايكل لينيرت: لن نتعرض لما إذا كانوا يتطوعون أو لا يتطوعون، ولكنني أعتقد أن لدى المحتجزين معلومات بالغة الأهمية لم يعترفوا لنا بها، ولكن تزيد الصورة وضوحاً أمامنا يوماً بعد يوم بشأن المعلومات التي في حوزتهم.

يسري فوده: تفوح رائحة عملاء الاستخبارات من داخل الأكواخ ومن حولها، وملفاتٍ تجيء وتروح، يقال لنا في يناير/ كانون الثاني إنهم أسوأ السيئين سوءاً، فيلقى بهم جميعاً إلى هذه الأقفاص وتدرس أدمغة الذين يؤمنون بأن أكبر جائزة هي الجنة، ثم يقال لنا في مارس/ آزار إنهم لا يملكون دليلاً واحداً يصمدُ أمام أي محكمة لإدانة هؤلاء فلا يتساءل أحد ماذا تفعلون إذن بهم حتى الآن؟ لكن الإدارة الأميركية ترصد 60 مليون دولار أخرى لبناء معسكر جديد بين قوسين (أكثر إنسانية) في موقع آخر من القاعدة يسمى (ريديورينج) يتسع في مرحلته الأولى لأكثر من أربعمائة أسير، ويتسع بعد ذلك لاستقبال المزيد من أفغانستان، أمامنا إذن طريق طويل.

يمر الزمن علينا سريعاً خاطفاً ونحن نبحث عن منطق يجمع الزوايا من هنا وهناك. يمر الزمن بطيئاً مملاً على سكان هذه الأقفاص من شروق الشمس حتى غروبها أشعة إكس، ومن غروب الشمس حتى شروقها أضواء كاشفة، جيراننا يحملون عنا أمتعتنا ويسامروننا، جيرانهم هؤلاء، نعيش بينهم صباح مساء ونطوف حولهم –كما عبر زميل أميركي- كما نطوف بالحيوانات ويراد لنا أن نفهم أنهم مفترسون، نحمل حقائبنا ونرحل، يبقون هم، لن يسامح التاريخ أميركا إن كان من بينهم برئ واحد.

الشيخ/ جاود إبراهيم بارتشيا: الشيخ أسامة قال: (لا تحزن إن الله معنا).