لقاء خاص

دونالد رامسفيلد .. الحرب الأميركية على أفغانستان

هل ستتعاون أميركا مع ما تسميه الجناح المعتدل في طالبان؟ ولماذا تقصف طائراتها أهدافا أفغانية مدنية كإذاعة الشريعة؟ وهل ستعيد واشنطن النظر في وجودها العسكري في الخليج؟ أسئلة يجيب عليها وزير الدفاع الأميركي.

مقدم الحلقة

حافظ الميرازي

ضيف الحلقة

دونالد رامسفيلد – وزير الدفاع الأميركي

تاريخ الحلقة

19/10/2001

– إمكانية تعاون أميركا مع المعتدلين من حركة طالبان
– القصف الأميركي والتفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية
– تعاون حلفاء أميركا ضد ما تسميه الإرهاب
– الموقف الأميركي الداخلي من توسيع الحرب ضد الإرهاب
– إعادة وجهة النظر الأميركية في الوجود العسكري في الخليج

undefined
undefined

حافظ الميرازي: مشاهدينا الأعزاء، مرحباً بكم في هذه الحلقة من (لقاء خاص)، لقاء خاص مع وزير الدفاع الأميركي (دونالد رامسفيلد) نلتقي معه في مكتبه بمبنى البنتاجون الأميركي.

شكراً جزيلاً على إعطائنا هذه الفرصة للقائك، ودعني أبدأ أولاً بسؤال سيسأله لكن بالطبع أي صحفي في واشنطن وهو: تقييمك وتقديرك للأعمال العسكرية حتى الآن؟

دونالد رامسفيلد: ما نقوم به من خطوات لا يقتصر فقط على الجوانب العسكرية بل هي أوسع نطاقاً من ذلك، فهي خطوات دبلوماسية واقتصادية، إضافة إلى كونها عسكرية، وهي كلها مهمة، لأن المرء عندها يفكر بالآلاف من الأبرياء الذين قتلوا هنا في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم على يدي الإرهابيين، فنحن نتبع خطة عريضة متواصلة من أجل إفشال خطط الإرهابيين.

حافظ الميرازي: وماذا عن الأنشطة العسكرية التي تتولاها وزارتكم بالطبع؟

دونالد رامسفيلد: نحن نشعر أننا نحقق تقدماً منتظماً وبطريقة مدروسة، وقد درسنا المسائل بكل عناية وتريث، وتوخينا الدقة في اختيار الأهداف، وواضح أن الهدف هو التصدي لإرهابيي تنظيم القاعدة الموجودة في أفغانستان وحركة طالبان المهمة جداً في إيواء الإرهابيين.

إمكانية تعاون أميركا مع المعتدلين من حركة طالبان

حافظ الميرازي: سبق أن قلت قبل بدء الأعمال العسكرية إن هناك إناساً طيبين في طالبان وهناك أشرار، هل مازلت عند رأيك أم غيرته؟

دونالد رامسفيلد: أعتقد أن ما قلته هو الحقيقة، لأن ما نقوم به من مجهود ليس موجهاً إلى الشعب الأفغاني، وليس ضد أي عرق أو دين، إنما هو ضد الإرهاب. والإرهابيين والأفراد المسؤولين عن إيوائهم، ونعلم أن هناك عدداً من الناس في أفغانستان لا يؤيدون القاعدة ولا يؤيدون طالبان.

وفي الواقع هناك أناس داخل طالبان لا يريدون بقاء القاعدة في بلادهم، و لو فكرنا بكل الضرر الذي لحق بالأفغان والفقر وسوء المعاملة أننا نفضل الذي يفضلون رحيل الإرهابيين، وأعتقد أن هناك عدداً كبيراً في أفغانستان يودون ذلك.

حافظ الميرازي: إذاً لا يزال بإمكانك مد يدك للطيبين في حكومة طالبان وليس فقط أفغانستان والتعاون معهم؟

دونالد رامسفيلد: نحن نأمل أن هؤلاء الناس والشعب الأفغاني ومنهم ضد القاعدة وقيادة طالبان سينجحون في إيقاف الإرهابيين عند حدهم ومنعهم من إلحاق كل هذا الأذى الذي تسببوا فيه بالعالم.

حافظ الميرازي: هل تستهدفون بالقتل فقط إذاً السيئين في طالبان؟

دونالد رامسفيلد: جهود بلدان التحالف، وهناك العشرات من الدول المشاركة
-كما تعلمون- ينصب على الأهداف العسكرية ومراكز القيادة، والسيطرة لطالبان.
وتنظيم القاعدة ومعسكرات تدريب الإرهابيين، مع توخي الحذر لتلاقي إلحاق الضرر بالمدنيين ومن لا علاقة له بالإرهاب.

القصف الأميركي والتفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية

حافظ الميرازي: لكن بعض القرى قصفت، ويوجد تصور بأنكم استهدفتم قرية بعينها أكثر من مرة لضرب أشخاص معينين فيها، بغض النظر عن الضحايا المدنيين؟

دونالد رامسفيلد: بالطبع هذا ليس صحيحاً، فنحن نهتم اهتماماً كبيراً بمسألة الضحايا المدنيين، وينبغي علينا ذلك. تذكر الآلاف من الضحايا الأميركيين الأبرياء الذين قتلوا على أيدي الإرهابيين، وما فعلناه هو ممارسة قدر عظيم من الحذر، ولكن في الواقع ومع وجود كل هذه القنابل والذخائر والصواريخ وهي تتطاير هنا وهناك في بلد فإن سقوط ضحايا غير مقصودين يصبح أمراً لابد منه، ولو فكرت بالأمر لوجدت أنه صحيح أن قوات التحالف تلقي بالقنابل على أهداف عسكرية، لكنه صحيح أيضاً أن هناك قدراً عظيماً من النيران المضادة للطائرات تأتي من قوات طالبان على الأرض موجودة ضد الطائرات، وذخائر المضادات أيضاً تقتل الناس عندما تعود الأرض، وهناك أيضاً حرب مستعرة منذ سنوات، وهناك التحالف الشمالي المؤلف من القبائل والفصائل المناوئة لطالبان، والتي تتبادل إطلاق النار فيما بينها مما يجعل من الصعب معرفة من تسبب في سقوط الضحايا المدنيين في كل مرة.

حافظ الميرازي: أهذا من فعل الأفغان أنفسهم، خصوم طالبان؟

دونالد رامسفيلد: أو يمكن أن يكون من نيران طالبان الأرضية، هناك حادثة واحدة نعتقد أن ذخائر أطلقناها أخطأ أهدافها وقتلت أربعة أشخاص وجرحت آخرين، وهذا شيء نأسف له كثيراً.

حافظ الميرازي: هل هناك أي مسؤولية قانونية أو تعويض لأولئك الناس الذي اعترف البنتاجون رسمياً أنه أصابهم خطأ؟

دونالد رامسفيلد: ما يجب أن نتذكره هو أن الولايات المتحدة كانت أكبر مقدم للمعونات الإنسانية لأفغانستان هذا العام، ومن قبل الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر، وقد قدمت الولايات المتحدة ما قيمته مائة وسبعة وثلاثون مليون دولار من المساعدات الغذائية لأفغانستان، وأعلن الرئيس (بوش) مؤخراً عن برنامج مساعدات غذائية بقيمة ثلاثمائة وعشرين مليون دولار خارج برنامج إلقاء المساعدات التي تنفذه الطائرات العسكرية فوق أفغانستان، وإن لم تخني الذاكرة فقد ألقينا في الأيام القليلة الماضية نحو مائتين وخمسة وستين ألف وجبة غذائية في الأراضي الأفغانية من البنتاجون وحده.

حافظ الميرازي: هل تعتبر إذاعة مدنية مثل إذاعة (الشريعة) التي قضت، وأعلن البنتاجون ذلك بالصور، هل تعتبرها هدفاً مدنياً أم عسكرياً؟

دونالد رامسفيلد: لا شك أن محطتي الإذاعة والتليفزيون الموجود في أفغانستان تحت سيطرة طالبان، حيث لا يوجد أي شيء يمكن أن يوصف بأنه صحافة حرة أو إعلام حر، بل كانت وسائل دعاية لطالبان وللناس الذين يؤون الإرهابيين والقاعدة.

حافظ الميرازي: إذاً إذاعة (صوت أميركا) التابعة للحكومة الأميركية يمكن اعتبارها هدفاً مشروعاً لطالبان إن سنحت لهم الظروف؟

دونالد رامسفيلد: انظر إلى المسألة من هذه الزاوية، صوت أميركا إذاعة تمولها الحكومة الأميركية، ولكنها مستقلة لتقول ما تشاء، وليست خاضعة لسيطرة وزارة الخارجية.

حافظ الميرازي: إذاً يتوقف الأمر على الرسالة الإعلامية وبتحليل مضمونها تقررون ما إذا كنتم تقصفونها أم لا؟

دونالد رامسفيلد: أعتقد أن على كل طرف أن يتخذ قراراته الخاصة، وقرارنا كان على أساس أن محطتي الإذاعة والتليفزيون وسيلتا دعاية لطالبان والقاعدة لإدارة شؤونها، وبالتأكيد كانتا هدفين مشروعين.

حافظ الميرازي: نحن نتحدث هنا عن أهداف عسكرية وأحد المسائل الخلافية والمهمة جداً هي حول تعريف الإرهاب، إنها مسألة تحول أحياناً دون التعاون بين شعوب ودول المنطقة والولايات المتحدة، هل تعتبر أي هدف عسكري في حرب بين القاعدة والولايات المتحدة هدفاً مشروعا؟ إذا اعتبر أعضاء القاعدة مبنى البنتاجون هدفاً عسكرياً، هل يعد ضربة إذاً عملاً إرهابياً أم عملاً من أعمال الحرب؟

دونالد رامسفيلد: مصطلح الإرهاب بالطبع له تعريفات كثيرة، والناس لديهم آراء مختلفة حول ما يعنيه بالضبط، بالنسبة لي شخصياً أعتقد أن كلمة الإرهاب تعني عملاً يستهدف ويقتل أناساً أبرياء، وهدف الإرهاب هو إرهاب الناس وتغيير سلوكياتهم، وعليه فأنا أعتبره حالة يقرر فيها فرد أو مجموعة أفراد أنهم يريدون ترويع فرد أو دولة، والطريقة التي ينفذون بها ذلك هو بمهاجمة الناس الأبرياء وقتلهم، هذا بالنسبة لي هو ما تعنيه كلمة الإرهاب.

حافظ الميرازي: إن بعض الحجج التي يطرحها الجانب الآخر بغض النظر عن موافقتنا مع ذلك أم لا إن مركز التجارة العالمي هدف مدني واضح يجب ألا يوصف الاعتداء عليه إلا بالعمل الإرهابي، أما البنتاجون فشأنه شأن مركز قيادة طالبان العسكري الذي يقصف الآن، ما رأيك؟

دونالد رامسفيلد: رأيي أنه سؤال لا علاقة له بالأمر، والسبب الذي يدفعني إلى قول ذلك هو أن البنتاجون والولايات المتحدة لم تكونا تلحقان الضرر بأحد فيما يخص طالبان أو القاعدة، ولكن هؤلاء الناس قرروا أن من مصلحتهم مهاجمة رمز من رموز الولايات المتحدة وبدؤوا بمركز التجارة العالمي والبنتاجون كبرهان على ما يريدون تحقيقه، وأعتقد أن محاولة وضع ذلك في إطار مشروع باعتباره هدف حرب أو لا هو تحميل للمعنى أكبر مما يحتمل.

تعاون حلفاء أميركا ضد ما تسميه الإرهاب

حافظ الميرازي: لو انتقلنا إلى التعاون الذي تحصلون عليه من حلفاء أميركا في العالم العربي والإسلامي، ما مداه الآن مع باكستان؟

دونالد رامسفيلد: أعتقد أن عدد الدول في العالمين العربي والإسلامي وخارجهما من التي عرضت دعمها كان ضخماً، وكان شيئاً رائعاً حقاً رؤية التجاوب والتعبير عن القلق إزاء أعمال الإرهاب هذه والدعم والتماسك ووحدة الصف التي تم تحقيقها. لقد أعلنت كل هذا البلدان دعمهما بالطريقة التي أرادتها لذلك ولمشاركتها كذلك، وهو يختلف بالتأكيد من بلد لآخر، ونحن نتفهم ذلك فكل بلد منظوره المختلف نوعاً ما، وله تاريخه المختلف، ويعيش في جوار مختلف، وهذا من وجهة نظري ووجهة نظر الولايات المتحدة أمر مفهوم تماماً، ولكنه كان دعماً رائعاً حقاً.

حافظ الميرازي: هل سمحت لكم السعودية مركز القيادة والتحكم في قاعدة الأمير سلطان؟

دونالد رامسفيلد: هدفي هو الحصول على الحد الأقصى المستطاع من الدعم الذي أستطيع الحصول عليه من الدول الأخرى ومن الناس الآخرين، وحتى من أناس داخل البلدان الأخرى، كما هو حاصل من ناس داخل أفغانستان حالياً، وأعتقد أن الطريقة التي يمكن بها الحصول على الحد الأقصى من المساعدة هو أنه لكل بلد أن يقرر لنفسه المدى الذي يستطيع بلوغه أولاً في التصدي للإرهاب والكلمات والجمل التي يلجأ إليها كل بلد لوصف طريقة مشاركته، وأعتقد أن هذا هو الأنسب بدلاً من قيامي أنا بتوصيف كيف يدير كل بلد من نحو مائة أو مائة وخمسين بلداً في العالم..

حافظ الميرازي: لكن هل أنتم راضون 100% عن مثلاً في بلد كالسعودية؟ لو بدأنا به على سبيل المثال.

دونالد رامسفيلد: أنا سعيد بتلقي الدعم من كل بلد في المنطقة والتي نتلقى الدعم منها، وهذا يشمل كل البلدان تقريباً، وأنا أدرك حقيقة حساسية الموقف وأن لكل بلد أن يفعل ذلك بالطريقة التي تريحه وتتلائم مع ظروفه.

حافظ الميرازي: لديك أكثر من أو حوالي 20 ألف جندي أميركي في مصر الآن لمناورات النجم الساطع، ماذا ستفعل بهم حين ينتهون؟

دونالد رامسفيلد: لم أقم فيما مضى بممارسة استقراء المستقبل للناس، ويبدو لي أنه من الأفضل ألا نناقش القضايا الاستخبارية والعملياتية، لهذا ألتزم بسياسة ثابتة تقوم على أساس عدم التكهن حول المستقبل.

حافظ الميرازي: إن سبب سؤالي هو أنهم يتدربون سنوياً على أرض صحراوية وليس جبلية مثل أفغانستان، وهناك حديث عن أن هناك أشخاصاً في أميركا واسمك يذكر هنا كثيراً يريدون توسيع الحرب ضد الإرهاب لتبدأ بالعراق فوراً بعد أفغانستان، فهل هذا تقدير سليم للموقف؟

الموقف الأميركي الداخلي من توسيع الحرب ضد الإرهاب

دونالد رامسفيلد: واضح أن بإمكانك تقييم الوضع بأي طريقة تشاء وكذلك الآخرون، وما.. كما قلت فإنني لن أخوض فيما يمكن أن تفعله أو لا تفعله الولايات المتحدة في المستقبل، ولكننا نعلم بعض الأشياء عن ذلك، فنحن نعلم أن رئيس الولايات المتحدة هو الذي يتخذ القرارات وليس وزير الدفاع أو غيره، ونعلم أيضاً أن الرئيس قد أعلن عزمه على اجتثاث الإرهابيين أينما كانوا. إن أسلوب الدفاع ضد الإرهابيين لا يقوم على الدفاع الذاتي، لأن الإرهابيين يمكن أن يهاجموا في أي وقت وفي أي مكان، وببساطة عليك أن تأخذ المعركة إليهم، وهذا ما أعلنه الرئيس وما يقوم به.

حافظ الميرازي: إذاً الوزير (باول) كان محقاً في وصفه، حين علَّق على قول نائبك دكتور (بول وولف ويتس) بأننا نريد إنهاء الأنظمة، وصفه باول بأن الدكتور وولف ويتس لا يعبر إلا عن نفسه.

دونالد رامسفيلد: أولاً: لم يعني السيد وولف ويتس القول إنه موجود لإنهاء وجود أنظمة حكم، بل إنهاء وجود إرهابيين وإيقاف الإرهابيين في العالم، وكان ما قاله خطأ نقلياً لكلامه وقام بتصحيحه لاحقاً، ووزير الخارجية باول وأنا والسيد (وولف ويتس) كلنا نؤيد سياسات الرئيس بوش ونحن جميعاً على اتفاق حوله.

حافظ الميرازي: إذاً إنهاء الأنظمة أو الأنظمة الإرهابية يجب ألا يكون مطروحاً على جدول الأعمال، الحرب فقط ضد القاعدة، أم هناك أهداف لما بعد حرب أفغانستان؟

دونالد رامسفيلد: ربما أسأت تفسير سؤالك، لأن التصريح الذي نقل عن الدكتور (وولف ويتس) كان شيئاً صححه هو لاحقاً، أما موقف الرئيس والذي هو موقفي، وموقف وزير الخارجية (باول)، وموقف الدكتور (وولف ويتس) هو أن الولايات المتحدة ستقوم بتعقب الإرهابيين في شتى أنحاء العالم لتمنعهم من إرهاب الناس، وكذلك إقناع الدول التي تؤوي وتدعم، وتحتضن الإرهابيين، وتقدم لهم الدعم المالي، وتسهل لهم أعمالهم الإرهابية وأن توقفها عن فعل ذلك.

حافظ الميرازي: هناك تصوُّر في العالم العربي بين الناس والسياسيين بوجود معسكرين في هذه الإدارة: الحمائم والصقور، ويفترض أنهم يتصورونك زعيم الصقور، أما الوزير باول فهو رمز الحمائم في الإدارة، إلى أي مدى هذا التصور صحيح أو إن أمكن لك تصحيحه؟

دونالد رامسفيلد: بالطبع هذه ليست طريقة مفيدة للتفكير بالأمور بهذا الشكل، فأنا أعمل مع (كولن باول) كل يوم، ولدينا آراء متشابهة في معظم القضايا، ولكننا نختلف أحياناً حول بعض الأمور، وأنا أختلف مع زوجتي حول بعض الأمور أيضاً، لذا فهذا لا يعني الكثير، وباول صديق جيد، ونحن نجد نفسينا على اتفاق في معظم الوقت تقريباً، ولكن هناك شيء عن الصحافة، فهم يحبون أن يستيقظوا صباحاً ويخلقوا صراعات ليكتبوا عنها، ويبدو أن من الأسهل للإعلام تناول الشخصيات بدلاً من المضامين والقضايا والاستراتيجيات والاتجاهات إذا ما حولت الأمور إلى قضايا تنقسم فيها الشخصيات إلى من هو سيئ أو جيد، ربما يسهل ذلك عليك تناول الموضوع ربما، ولكنه ليس بالأمر النافع، إنني أتسلى بقراءة هذه الأمور أحياناً، ولكن عموماً زوجتي وأولادي يعرفون أنني إنسان لطيف.

حافظ الميرازي: لكن البعض يرى أنك تعود إلى هذه الإدارة وأنت تحمل عقلية واستراتيجية الحرب الباردة منذ عهد الرئيس (ريجان)، بل والرئيس (نيكسون).

دونالد رامسفيلد: أعتقد أن الوقت مختلف كثيراً الآن، وأشعر أنني إنسان مختلف والعالم مختلف أيضاً، ويبدو لي أن التعامل بأسلوب كل قطاع يتنافس مع غيره الجيوش والأساطيل والقوات الجوية كلها تتنافس فيما بينها والحاجة إلى أن تكون أميركا قوة عظمى تردع قوة عظمى (…) تتمثل بالاتحاد السوفيتي هو زمن انفض كان ينتمي إلى قرن مضى.

ولكن هناك العديد من الناس الذين يبدو أنهم لا يزالون يعيشون في عصر الحرب الباردة، أنا لست منهم، ومنذ قدومي إلى وزارة الدفاع تعاملنا مع مشكلات القرن الحادي والعشرين وليس مشكلات الحرب الباردة، ولهذا السبب عملنا من أجل تغيير الوزارة لتتمكن من التعامل مع التهديدات والتحديات الجديدة، وأن تسألني: كيف نفعل ذلك؟

أقول بقلق كبير: سبب ذلك وجود أسلحة قوية جداً، وبسبب انتشار هذه التقنيات، التي من الواضح أنها تصل إلى أيدي بعض الناس الذين يحاولون إرهاب العالم، وتذكر قضية الجمرة الخبيثة مثلاً، وتخيَّل لو أن إنساناً استيقظ صباحاً وقرر أن ما يود فعله ذلك اليوم هو وضع كمية من بكتيريا المرض في مظروف وإرساله إلى شخص بريء، إن هذا يتطلب عقلية معينة، أعتقد أن العالم سيكون في حال أفضل من دون وجود أناس بمثل هذه العقلية.

حافظ الميرازي: وهل تنتمي هذه العقلية لثقافة بعينها؟

دونالد رامسفيلد: لا أعرف ذلك، وربما كان هناك على مر التاريخ الإنساني إرهابيون في كل شكل ولون وتوجه.

حافظ الميرازي: البعض يخشى بسبب ما حدث منذ الحادي عشر من سبتمبر أربعون أو خمسون شخصاً خططوا وتمكنوا بأسلحة بدائية جداً من سكاكين ومقصات من إحداث كل هذا الدمار بالولايات المتحدة وبقلبها، ثم الولايات المتحدة تحشد كل هذه القوة العسكرية للتعامل مع طالبان وكأنها ند لأميركا، مما يجعل الناس هنا يتساءلون: ما الذي سيحدث لو واجهنا الصين أو قوة عسكرية حقيقية، إن كان هذا ما تفعله ضد حكومة مثل طالبان وقلة من الناس تمكنوا من اختطاف أربع طائرات في وقت واحد؟

دونالد رامسفيلد: أعتقد أنك لو كنت أميركياً لنظرت إلى ما حدث هنا في البنتاجون وفي مركز التجارة العالمي، وفكرت بآلاف الذين قتلوا والآلاف الذين فقدوا أعزاء لهم، فلن يكون من السهل عليك أن تهوِّن من شأن الأمور هكذا، وتقول بسبب هذا فقط، ما حدث هو أن الإرهابيين استطاعوا استخدام أميركا ضد أميركا، استطاعوا استخدام حريتنا ومجتمعنا الحر كوسيلة للإضرار بمجتمع حر نحن بلد مفتوح وديمقراطي، وحدودنا مع كندا عملياً مفتوحة، وحدودنا مع المكسيك هي كذلك، والناس يدخلون ويخرجون في بلدنا بحرية، ونحن لا نقضي كل وقتنا حاملين أسلحتنا لحماية أنفسنا.

ونحن نتوقع الأفضل من إخواننا في الإنسانية، ولكن عندما تقرر مجموعة من الناس أننا مخطؤون وأن علينا ألا نتوقع الأفضل من إخواننا في الإنسانية، فإن علينا أن ندرس ما يجب فعله إزاء ذلك، ولكن وربما كما يوحي سؤالك بأن ما حدث ليس بالأمر الجلل، ولماذا لا نقبل به ولا نفعل شيئاً؟ فإن المشكلة في ذلك أن الأسلحة التي يمكن استخدامها قوية جداً، وربما سيكون الضحايا بمئات الآلاف وليس الآلاف في المرة القادمة.

ونحن ملزمون كحكومة بتوفير الأمن والدفاع وفق الدستور، ونحن ننوي عمل ذلك، والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي بأن نقول للعالم أجمع: أننا لن نسمح بأن تسرق منا حريتنا ومجتمعنا الحر أن يؤخذ منا، وإننا لن نسمح بمقتل الآلاف من الأميركيين الأبرياء ولا نفعل شيئاً إزاءه، ونحن ننوي تعقب الذين فعلوا ذلك وأنواع الناس الذين يعتقدون أنهم يريدون فعل ذلك وأن نوقفهم عند حدهم.

إعادة وجهة النظر الأميركية في الوجود العسكري في الخليج

حافظ الميرازي: أشار الرئيس (بوش) إلى أن البنتاجون أو وزارة الدفاع يعيد التكيُّف مع أوضاع ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، فماذا عن الوجود العسكري الأميركي في الخليج؟ خصوصاً في السعودية وغيرها، والذي يفترض على الأقل أنه أوجد تلك العداوة من أفراد القاعدة وغيرهم؟ هل تعتقد أن الأمر يستحق البقاء هناك؟

دونالد رامسفيلد: أعتقد أنه منافٍ للمنطق أن نقول إن وجودنا هناك يفترض أنه وراء ما حدث، أنا لا أعرف ماذا يجعل شخصاً ما أن يبالغ في تضخيم فكرته عن نفسه، بحيث يفكر بأن له القوة، لأن يخرج ليقتل الآلاف من إخوانه في البشرية، هذا ليس جزءاً من أي دين أو أية ثقافة، بل هو نمط سلوكي غريب وشاذ وخاطئ.

حافظ الميرازي: لكن الوجود العسكري الأميركي هل سيستمر هناك مهما كان الثمن أو التكلفة؟

دونالد رامسفيلد: الوجود العسكري الأميركي حيثما هو يعتمد على استعداد البلدان المعنية للقبول به، وبالكيفية التي تريد، ونحن لا وجود لنا في مكان لا يريدنا أصحابه، ولا نقيم فوق أرض أحدٍ رغماً عنه، ولا نحتل أرض أحد، ولا نحاول الاستحواذ على أي شعب، ونحن في أي بلد يقرر أهله أنهم يريدوننا فيه من أجل الحماية، ولو فكرت بالأمر لوجدت أن الولايات المتحدة تدخلت وأنقذت الكويت من غزاة خارجيين وهي دولة مسلحة، الولايات المتحدة ساعدت المسلمين في البوسنة وكوسوفو، والولايات المتحدة ضمن التحالف وفرت المساعدة للصومال وهي دولة مسلمة أخرى، وكنا أكبر مساهم في تقديم المساعدات الإغاثية لأفغانستان منذ وقت طويل قبل الهجمات الإرهابية الأخيرة، للولايات المتحدة سجل في مساعدة الشعوب الأخرى، ولا أطماع لديها في أرض أو شعب.

حافظ الميرازي: لكن الناس ينظرون أيضاً إلى الدعم الأميركي لاحتلال الأراضي الفلسطينية أو التغاضي عن القتل المستهدف للفلسطينيين أحياناً، ولا أدري ما موقفك منه؟

دونالد رامسفيلد: الولايات المتحدة عملت جاهدة من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وهي حريصة على إحلال السلام في الشرق الأوسط، الرئيس (بوش) والوزير (باول) عملا جاهدين من أجل ذلك، ونحن لم نتفق مع تصرفات بلدان ومع المنظمة الفلسطينية في ذلك الجزء من العالم في عدد من المناسبات، ونحن لا نتفق مع الكثير من الناس ومع بعض حلفائنا في أوروبا أحياناً، ولكن الإيحاء بالقول بأن أزمة الشرق الأوسط، وأن وجود سفينة حربية أميركية أو طائرة أميركية في بلد في الشرق الأوسط هو السبب للقاعدة أو الإرهابيين لأن يأتوا إلى الولايات المتحدة وأن يقتلوا الآلاف من الناس، هو أسلوب غير جيد في التفكير.

حافظ الميرازي: Thank you very much, sir.