صورة عامة - الشريعة والحياة 27/5/2012
الشريعة والحياة

التشريع والأخلاق

تستضيف الحلقة الداعية والمفكر الإسلامي يوسف القرضاوي ليتحدث عن موضوع المنهج الأخلاقي في الدين الإسلامي وفضائل مكارم الأخلاق، ما موقع الأخلاق من الإسلام؟ وكيف يتجلى البعد الأخلاقي للفقه الإسلامي؟ وهل الأخلاق كمالات أم هي ضرورات؟

– موقع الأخلاق في الدين الإسلامي
– المنهج الأخلاقي وقيم العبادات

– العلاقة بين الفقه والأخلاق

– فضائل مكارم الأخلاق

‪يوسف خطاب‬ يوسف خطاب
‪يوسف خطاب‬ يوسف خطاب
‪يوسف القرضاوي‬ يوسف القرضاوي
‪يوسف القرضاوي‬ يوسف القرضاوي

يوسف خطاب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]  ما موقع الأخلاق من الإسلام؟ وكيف يتجلى البعد الأخلاقي للفقه الإسلامي؟ وهل الأخلاق كمالات أم هي ضرورات؟ التشريع والأخلاق هو موضوع حلقة اليوم من الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أهلا بفضيلتك دكتور. 

يوسف القرضاوي: أهلا بك أخي يوسف جزاك الله خيرا.

موقع الأخلاق في الدين الإسلامي

يوسف خطاب: وجزاكم، في البداية ربما يقول البعض تكون هذه نقطة الافتتاح بالنسبة لموضوعنا، أن الإسلام لم يأت بجديد، كما لم تأت المسيحية بجديد ولا اليهودية، لأن الأخلاق منصوص عليها بالفطرة منذ بدء الخليقة، حتى الأديان الوضعية أيضا فيها الحث على الأخلاق، لو نناقش هذه النقطة.

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،{رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]، }رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، خير ما أحييكم به أيها الإخوة والأخوات تحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واسمح لي يا أخ يوسف أن أتحدث قبل أن أجيب عن سؤالك عن موضوعين كبيرين نزلا بأمتنا في هذه الآونة ولزاما علينا، لا بد أن نتحدث عن هذين الأمرين، الأمر الأول يتعلق بسوريا الشقيقة، ما جرى في الحولة من مجزرة هائلة، بعضهم يقول 105، 120، بعضهم بقول 200 شخص منهم عشرين طفل، أطفال ونساء وشيوخ، ناس مدنيون قتلوا ، الجيش الذي يصرف عليه الشعب السوري من عصارة قوته وقوت أولاده المليارات أصبح يقتل الناس الذين يمولونه، يقتلهم، كل يوم قتل، كل يوم، رأيت هذا، وبعدين تأتي الدبابات والقنابل والمدفعية، وراجمات الصواريخ وأحيانا تشترك الطائرات، يعني وبعدين الجنود والشبيحة، وكل هؤلاء يقتلون الناس بغير حق، إلى متى هذا؟ لا بد لأمتنا أن تقف ضد هذا الظلم المتجبر في الأرض، المستكبر بغير الحق، المتألّه، لا بد للأمة، أمتنا العربية وجامعة الدول العربية، لا بد أن تقف ضد هذا، نطالب الجامعة العربية ونطالب منظمة التعاون الإسلامي ونطالب الأمم المتحدة ونطالب مجلس الأمن الدولي، ونطالب كل الأحرار والشرفاء في العالم أن يقفوا ضد هذا الظلم الذي يذبح الناس ذبحا، هذا لا يجوز السكوت عليه أبدا، وأنا أطالب السوريين الذي يعملون في هذا الجيش، الأحرار، الشرفاء، أن يتركوا هذا الجيش، وأن يأخذوا أسلحتهم وينضموا إلى الجيش الحر، وأنادي العرب جميعا أن يكونوا قوة تُعين الجيش الحر، لا بد، يعني إلى متى تظل الناس تقتل وكوفي أنان، إلى متى يظلون؟ يعني هذا لا يجوز أبدا، الأمة كلها مطالبة أن تقف لمواجهة هؤلاء الظلمة، وأن يرمى الظلم بمثله، بطغيان أيضا، بقوة أخرى، لا يقاتل القوة إلا بالقوة، ولا السلاح إلا بالسلاح، السلاح اللي بدافع عن الباطل هذا يجب أن يكون هناك سلاح يدافع عن الحق{أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] أنا أنادي بهذا، أنادي كل من عنده ذرة من إيمان من خُلق أن يقف مع هؤلاء المظلومين الذين يذبّحون كل يوم، وأنادي خطباء المساجد في كل البلاد العربية والإسلامية أن ينادوا الأمة أن تقف مع هؤلاء وأنادي الجميع أن يدعو على هؤلاء الظلمة، في سجودهم، في خلواتهم، في أسحارهم، أن ينادوا الله، يا رب، يا جبّار، يا قهّار خذ خصمك الباغي، الظالم بشار، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، خذ هذا الوحش الأسد وهكذا، يجب أن تقف الأمة كلها ضد هذا الظلم، ولا بد أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، هذه كلمة لا بد منها في هذه الناحية، الأمر الثاني، ما حدث في مصر، فوجئ المصريون وفوجئ العالم العربي والعالم الإسلامي والناس جميعا أن يأتي أحد الفلول، أحد النظام البائد، الفاسد، الظالم، يأتي الرجل الثاني، هذا يعني شيء عجيب، والحقيقة إنه يعني الذي خفف من هذا العجب أنه استطاع أن يأخذ أصوات إخواننا الأقباط، وهذه مشكلة، وأنا أنادي المسلمين أن لا يقفوا ساكتين على هذا، لماذا لا يتكلمون مع الأقباط؟ الأقباط يظنون أن هذا الشفيق معهم ويعمل لمصالحهم، والله لا يعمل لمصالحهم، النظام السابق لم يعمل لمصالحهم، اتهمهم ولفق لهم أشياء هم براء منها، يجب أن يتصل الناس العقلاء في مصر بالأقباط ويتفاهمون معهم حتى يستطيعوا أن يقسموهم على الأقل، ما يكونش كلهم، معظمهم مع هؤلاء، قليل منهم الذين، نحن لا بد أن نعمل على أن، الشعب المصري أمام الآن قسمين، إما قسم مع الثورة أو قسم مع أعداء الثورة، ما فيش إسلاميين وغير إسلاميين الآن، محمد مرسي يمثل الثورة، والآخرون يمثلون أعداء الثورة، فمن مع الثورة؟ ومن مع أعداء الثورة؟ لا يجوز لأحد أن يقول: نشوف أحمد شفيق عنده إيه؟ والله لو عنده ما عنده، هؤلاء مرفوضون من الشعب تماما، لا يجوز للشعب المصري أن يسمع لهؤلاء، أنا أنادي الأمة كلها الشعب المصري كله بمسلميه وأقباطه، وليبرالييه، وإسلامييه، والرجال والنساء والشباب والشيوخ، أريد الجميع أن يقفوا صفا واحدا مع الثورة المصرية، لا يجوز أن نقبل هؤلاء أبدا، نحن للأسف وثقنا بالمجلس العسكري، والمجلس العسكري هو الذي أعطى هؤلاء الفرصة، كان يجب من أول الأمر إنه يصدر قانون يمنع هؤلاء لمدة عشر سنوات، خصوصا الكبراء منهم، الذين يعني رأسوا الوزارات، ورأسوا الأحزاب، ورأسوا مجلس الشورى، ورأسوا مجلس الشعب وقادوا السفينة، هؤلاء لا يجوز أن يعود أحد منهم لمدة عشر سنوات على الأقل، هذا كان يجب ولكن للأسف لم يعمل هذا المجلس الأعلى، على الشعب إنه يقوم بهذا، هذه مهمة الشعب، كل الشعب يجب، الإخوان أخطئوا في بعض الأشياء، نصحح، الإخوان ليسوا معصومين، الشعب عليه أن يصحح للإخوان، ويقول لهم أخطأتم في كذا وعملتم في كذا، نحن معكم ولكن لا بد أن تصححوا المسيرة، ويسير الكل من أجل مصر، مصر هي أم الجميع وبلد الجميع، ولا بد أن يكون مستقبلها بأيدي أبنائها، لن نترك أبدا هذا البلد يضيع ويذهب إلى هؤلاء الذين أفسدوا البلاد، أفسدوا الحياة السياسية، ضيّعوا الأموال، سرقوا الأموال، نهبوا الأموال، هرّبوا الأموال، هتكوا الأعراض، انتهكوا الحرمات، عملوا كل اللي عملوه، خلاص كفاية اللي عملوه، إحنا ما بنحبسهمش ولا، نقول بس اتركونا ما تبقوش تدخلوا علينا وتتميعوا وتقولوا الشعب، إحنا مع الثورة، كيف تكونوا مع الثورة وكنتم ضدها ومن أعدائها، هذا ما أريد أن أقوله وأدعو إخواني المصريين جميعا إلى أن يقفوا وقفة رجل واحد ضد هذا الطغيان الذي يريد أن يعود مرة أخرى إلى البلاد وإلى العباد، ليفسد البلاد ويذل العباد، هذا ما لا يمكن أن يكون أبدا، ثم نعود إلى سؤالك وهو موقف الأديان من الأخلاق، الأخلاق جزء لا يتجزأ من أي دين، وخصوصا من الدين الإسلامي، الدين الإسلامي يهتم بالجانب الأخلاقي، الأخلاق في الإسلام بيعتبرها الإسلام جزء من الإيمان، الإيمان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام، (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) الحياء شعبة من الإيمان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) اعتبر مهمته مهمة أخلاقية، حتى إن الإسلام يعتبر العقيدة نفسها من الأخلاق، الله تعالى يقول {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13] اعتبر الإسلام التوحيد عدلا والظلم شركا، هذا جعله من صميم الأخلاق، لأن العدل والظلم هذه قيم أخلاقية، فحتى العبادات نفسها الإسلام جعل آثارها آثار أخلاقية، {إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45] خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] الصيام} {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183]، الحج، {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ}[الحج: 37] النبي عليه الصلاة والسلام يقول ( رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) لا قيمة لعبادة لا تؤثر في النفس ولا تؤثر في الأخلاق، من أجل هذا كمان اهتمام الإسلام بالجانب الأخلاقي، فالجانب الأخلاقي جانب مهم جدا من هذا الدين، ولهذا نحن نقول الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق، ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاث، عقيدة وشريعة وأخلاق، العقيدة اللي نعبر عنها باسم الإيمان، ما فيش في القرآن كلمة عقيدة، عقيدة أي ما يعتقده الإنسان، في جانب نظري يجب أن يعتقده الإنسان بعقله وقلبه، إنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن هناك آخرة وحسابا وجزاءا، وجنة ونارا، وهناك أنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وإلى آخر هذه، دي عقائد، بعدين هذه العقائد لا بد أن يكون لها عمل، تنتج عملا، إذا العقائد لم تنتج عملا لم تصبح عقائد، إذن عقائد ميتة، العقائد الحقيقية هي التي تؤثر في الشخص، وتؤثر في حياته وتنتج سلوكا، فمن أجل هذا كان هناك الإيمان، يثمر عملا، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[النساء:57] العمل ده هو اللي نسميه الشريعة.

المنهج الأخلاقي وقيم العبادات

يوسف خطاب: طيب، فضيلة الشيخ، استحضار قيمة العبادات، يعني كما تفضلت فضيلتكم وقلت، {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ}[الحج:37] كما تحدثنا عن الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45] كلها أمور تؤدي في النهاية إلى الفضيلة وإلى اكتمال الأخلاق من خلال تصرفات الإنسان، حينما يقصر الإنسان وحينما يحيد عن طريق الأخلاق القويمة، في هذه الحالة هو لا يستحضر قيمة العبادات التي يؤديها وأنها فقط أصبحت مجرد شعائر وحركات تؤدى.

يوسف القرضاوي: هذا غلط، الإسلام لا يريد من العبادة مجرد الأداء الظاهري، العبادة لا بد أن تؤدى، أهم شيء في كل عبادة إيه؟ أول شيء مطلوب في العبادة شيء اسمه النية، شرط أساسي ولهذا جاء أول حديث في كتاب صحيح البخاري وكثير من كتب المؤلفين مثل أربعين النووية وخمسين الرجبية وكتب السيوطي وغيرها، أول حديث هو حديث سيدنا عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) اثنين رايحين في خط واحد، كل واحد راكب جمل من مكة إلى المدينة، واحد، هذا كتب له هجرة في سبيل الله والثاني ليس له من الهجرة شيء، اثنين ماشيين مع بعض وباسم الهجرة، ولكن هذا نيته الهجرة وواحد ثاني نيته امرأة يتزوجها، حبيبته راحت سافرت المدينة فلازم يسافر وراءها، فالأعمال بالنيات، ولذلك العلماء اهتموا بهذا الحديث اعتبروه ثلث الإسلام، سيدنا الإمام أحمد اعتبر حديث الأعمال بالنيات ثلث الإسلام، والثلث الثاني حديث ( من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد) والحديث الثالث (الحلال بيّن والحرام بيّن) وبينهما مشتبهات إن دا حديث يبيّن فعل المأمورات، وترك المحظورات، واتقاء الشبهات، فاعتبر هذه الأحاديث، والإمام الشافعي، قال في هذا الحديث ما قال، اعتبره حديثا عظيما، الإمام عبد الرحمن المهدي يقول يدخل في صلب كل باب من أبواب العلم، الإمام الشافعي يقول يدخل في سبعين بابا من أبواب العلم، اهتم العلماء بهذا، حديث إنما الأعمال بالنيات ولذلك العبادة التي تؤدى مجرد أداء ظاهري ربنا سبحانه وتعالى قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] مصلين وربنا قال لهم ويل، عذاب عند الله، لماذا؟ لأنه يصلي الصلاة لا يؤدي لها حقها، الصلاة التي يؤدى لها حقها لازم يكون فيها أمرين أساسيين، الخشوع،{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:1-2] الخشوع دا أمر قلبي،  والأمر الآخر، المحافظة على الصلاة، تؤدي كل صلاة في وقتها، تكون حريص إن لا تضيع منك فمن يضيّع الصلاة حتى ينتهي وقتها، هذا ربنا قال عنه {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿٤﴾الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }[الماعون:4-5] فلذلك ليس المهم أداء العبادات والشعائر الدينية وقلبك غافل عنها، هذا ليس هو المطلوب، لازم يكون قلب حاضر.

يوسف خطاب: نعم، فضيلة الدكتور نستكمل الحوار في التشريع والأخلاق في هذه الحلقة من الشريعة والحياة لكن بعد الفاصل، مشاهدينا الكرام، نعود إليكم بعد الفاصل، ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

العلاقة بين الفقه والأخلاق

يوسف خطاب: من جديد أهلا بكم وهذه الحلقة من الشريعة والحياة وموضوعنا التشريع والأخلاق، أرحب بك من جديد فضيلة الدكتور، فيما يتعلق بالفقه والأخلاق الإمام الغزالي انتقد تخصيص الفقه بمعرفة الفتاوى والفروع وقال إن هذا الفقه هو من علوم الدنيا، بينما كان الفقه يطلق على علم طريق الآخرة، الذي من ضمنه الفتوى، وفقه عمل الجوارح، ما هي حقيقة الفقه؟

يوسف القرضاوي: الفقه في نظر القرآن والسنة هي فهم الحقائق الكونية والحقائق الدينية فهما عميقا يردها إلى أصولها ويستفيد العبرة منها، حينما تقرأ كلمة فًقه ويفقهُ في القرآن الكريم يتبين لك هذا الأمر، الله تعالى يعني قال وهو الذي يعني { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: 65] عن المشركين قال: {كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: 65] والهدف في القرآن المكيّ، يعني قبل أن تأتي الأحكام، الأحكام شرعت في المدينة، القرآن المكي كان قرآن يتكلم عن العقائد وعن الأخلاق وعن قصص الأنبياء، وعن الآخرة وعن هذه الأشياء، لم يشرع في مكة إلا الصلاة في السنة العاشرة وبعد ذلك كل الأشياء شرعت في المدينة، ولكن لما يأتي القرآن ويتكلم { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: 65] في سورة الأنعام، وحتى لما ذكر في السور المدنية أيضا ربطها مش بالأحكام الجزئية لأ بالمقاصد العامة، وربنا سبحانه وتعالى يعني ذم المشركين بأنهم لا يفقهون، والمنافقين بأنهم لا يفقهون، والمؤمنون بأنهم يفقهون، يفقهون أسرار الكون، ويفقهون أسرار الدين، أما الذي يعرف أشياء من أطرافها ولا يعرف في أعماقها شيئا فليس هذا فقها، الفقه الموجود في القرآن الكريم، نتتبع لفظ يفقه في القرآن نجد هذا، في سورة الأنفال، في سورة الحشر، في السور المختلفة، وكذلك الأحاديث، (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ما معنى يفقهه؟ يفقهه مش هي المفروض يعرف أحكام الوضوء وأحكام الرضاعة وأحكام الكذا ويحفظ عندنا لا عندنا هذا ليس هو المصطلح الإسلامي حسب ما جاء به القرآن والسنة، لكن بعد ذلك المسلمين جعلوا إن اللي يعرف هذه الأشياء يحفظ هذه الفروع هو الفقيه، ليس هذا هو الفقه في نظر القرآن والسنة، الفقه في نظر القرآن والسنة استعمال العقل في فهم منظورات هذا الكون وماذا وراءها واستعمال العقل في فهم أسرار هذا الدين ولماذا شرع الله هذه الأشياء؟ فهذه هي حقيقة الفقه لذلك الإمام الغزالي قال الفقه اللي يقولوا عليه ده مش من علوم الدين، يرى العلوم الأحوال بتتبع الأحوال اللي يختلف فيها الناس ولذلك القضاة يحكموا في هذه الإيه؟ الأشياء: واحد سرق مال واحد، واحد غصب أرض واحد، واحد اعتدى على واحد هذه الأشياء إنما مالوش دعوة بما في القلوب وبما في هذه الأشياء ولذلك الإمام ابن رشد في كتابه "بداية المجتهد" في آخر كتاب من هذا الكتاب كتاب القضاة، في آخر الكتاب قال إنه الكثير مما في هذا الكتاب لا يدخل فيه الأخلاق لأنه الفقه هذا يدخل فيما يمكن أن يدخل فيه القضاء الأشياء الظاهرية، الأشياء الباطنية اللي عليها حياة الإنسان خصوصاُ حياته في الآخرة ونجاته عند الله ووراءها جنة ونار هذا ما الوش علاقة لأنه معظمها أشياء من السلوكيات المندوبة المستحبة في الإسلام وهذا لا يدخل، معظم ما يحكم فيه القضاة إما الفرض وإما المحرم لا يدخل في المكروه ولا يدخل في المستحب فهذا هو ما ينبغي أن نعرفه.

يوسف خطاب: طيب فضيلة الدكتور في إطار التعريف اللي فضيلتك تفضلت به في البداية في ضوء الآية كذلك {كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65] في هذه الحالة بالنسبة للمسلم العادي رجل الشارع العادي في دنيا المسلمين سيقول في هذه الحالة لو حاولنا أن نصنف المسلين علماء المسلمين فنجد أن أكثر من 90% منهم لا يمكن أن نصبغ عليهم صفة أنهم فقهاء ولكن هم إما دعاة عاديون يرتفعون في مستوى علمهم وإدراكهم لمفهوم وأصول الدين بدرجات بسيطة عن المواطن العادي، هو يستطيع فقط أن يدعو إلى الله لكنه ليست لديه الأدوات ولا البصيرة ولا العلم الكافي لفهم الحقائق الكونية الدينية، لا يستطيع أن يرَى الأصول ويستفيد العبر منها بالتالي هؤلاء لا يمكن أن نتبعهم ويكونوا هم كما يقولون كأنهم "مشايخ طرق".

يوسف القرضاوي: ولكن يمكن أن نجد من الناس العاديين جداً وليسوا متخصصين من يفقه الدين، من يعرف العبرة من طلوع الشمس وغروبها ومن النجوم وما فيها ومن الماء وجريانه، السنن الكونية والأشياء التي يراها الناس يفقهها يعني هذا ما نريده من المسلم، القرآن لما ييجي يخاطب ما بيخاطبش العلماء والناس المتخصصين، بيخاطب الناس كلها الناس اللي عندها عقول نحن نريد من الناس أن يفقهوا الدين ويفقهوا السنن ويفقهوا ما أراده الله سبحانه وتعالى، هذا ما نريده من الجميع، أما العلماء الذين نريدهم نريد العلماء أن يعرفوا أن الدين قسمان: أولاً الدين عقيدة وشريعة، عقيدة أمور يعتقدها الإنسان وأعمال يشرعها الله وفيها حلال وفيها حرام وفيها فرض وفيها سنة وفيها مكروه وفيها مستحب لازم يعرف هذه الأشياء هذه اللي يسميها الشريعة، والشريعة أيضاً قسمان: فيها شريعة تتعلق بالأحكام وشريعة تتعلق بالمكارم، الإمام الراغب الأصفهاني صاحب كتاب مفردات القرآن وتفصيل النشأتين وكتب كثيرة له كتاب اسمه "الذريعة إلى مكارم الشريعة"، مكارم الشريعة ديه إيه؟ الأخلاق يعني فيه أحكام وفيه أخلاق فمكارم الشريعة لا بد أن يعرفها العالم ويدل الناس عليها بجوار الأحكام التي تترتب عليها صلاح الأمر أو فساده يعني صحته أو بطلانه سنيته أو بدعيته هذه الأشياء لا بد منها ولكن لا بد أن يكون إلى جوارها شيء يكملها، العلماء في وقت من الأوقات اللي عاب عليهم الإمام الغزالي وسمى الفقه علم الدنيا لأنه بيهتمش بالآخرة، بيهتم بالأمور اللي يدخل فيها القضاء واللي نفصل فيها بين الناس، لا العلماء بعد ذلك أضافوا علم الأخلاق وأصبح هو من العلوم الأساسية في علم التصوف علم السلوك الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" كتابه قسمه أربعة أقسام: قسم العبادات الربع الأول، وقسم العادات الربع الثاني والربع الثالث سماه المهلكات والربع الرابع الأخير سماه المنجيات، المهلكات دي كلها أخلاق فاسدة حب الدنيا، حب المال، حب الجاه، الرياء، الحسد، الغضب، الكبر كل هذه أخلاق مذمومة وهي من الأعمال الباطنة، فيه أعمال ظاهرة وأعمال باطنة، كثير من الناس يهتم بالأعمال الظاهرة الأعمال الباطنة هي التي يبني عليها الأساس، {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر}، {الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} يعني الأحاديث والآيات الكريمة واضحة في هذا المعنى، فجعل المهلكات الأخلاق السيئة، والمنجيات الأخلاق الصالحة: التوبة، الإخلاص، الصدق، الصبر، الصبر على البلاء، الشكر على النعماء، الخوف والرجاء، التذكر، المحبة، التفكر في الآخرة كل الأشياء هذه كلها أخلاق طيبة فنحن لكي نريد من العلماء لا بد للعالم أن يجمع الأمرين يجمع أحكام الشريعة ولا ينسَ مكارم الشريعة، الفقهاء حتى تجد لهم في أواخر الكتب أشياء يسمونها الجوامع، الجوامع اللي ما تدخلش تحت باب معين يأتي فيها بقى إيه؟ الأشياء التي تؤدي إلى  الفضائل النفسانية كما يقول العلامة بن رشد، الفضائل للنفسانية لا بد أن يكون عند العالم قدر منها وهذا ما انتهى إليه العلماء لم يعودوا يكتفون بأنه يأتي فقط بالأحكام الظاهرة للصلاة ولكن يضيع روح الصلاة، ما هي روح الصلاة؟ الخشوع فلا بد أن يجمع هذا إلى هذا؛ لا يكتفي بأنك تمتنع عن الأكل والشرب ولكن أنت تأكل لحوم الناس بالغيبة بالنميمة بالكذب بالكلام في الباطل، {أن يحكى أخاه المسلم} هذا يضيع فلا بد للعالم المسلم أن يجمع بين هذه الأشياء العقيدة والشريعة، والشريعة بمعناها الفقهي ومعناها الأخلاقي بحيث يكون موسوعة إسلامية، الإسلام لا يفرق بين هذه الأشياء يجمعها مع بعضها البعض لما تجد قول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] هذا نسميه بر العقيدة، العقيدة خمس أشياء دول آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ } [البقرة: 177]، هذا العمل بر العمل وبعدين يأتي بر العبادة { وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ }[البقرة: 177] هذا بر العبادة، وبعدين{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ } [البقرة: 177] بر الأخلاق، فجمع بين بر العقيدة وبر العمل وبر العبادة وبر الأخلاق، كل أنواع البر {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] لا صدق في غير ذلك. فالإسلام طريقته إنه يجمع هذه الأشياء ولا يفرق بينها، لا يجوز للإنسان يقول العبادة وما عدا العبادة، طب العبادة من أساسها الزكاة شوف الزكاة ديه أصلها تدخل في باب الضرائب والتشريعات المالية ولكن جعلها عبادة، فريضة من الفرائض ثالث أركان الإسلام فلا بد للمسلم أن يجمع كل هذه الأشياء في حياته العملية.

فضائل مكارم الأخلاق

يوسف خطاب: طيب فضيلة الدكتور شاعت تسمية الأخلاق بمكارم الأخلاق أو هي الفضائل كما يسميها البعض هذه التسمية ربما أوقعت في وهم البعض تصور أن الأخلاق هي نافلة أو هي زائدة من الفضل أو الزيادة ما مدى صحة ذلك؟

يوسف القرضاوي: والله هذا إن هذا شاع عند المسلمين حتى أن بعض علماء الأصول علماء المقاصد الذين اهتموا بتأصيل مقاصد الشريعة وهذا عمل عظيم جداً أن يهتموا بأن للشريعة مقاصد كلية بجوار الأحكام الجزئية هذا شيء إن اهتم به غاية الاهتمام وهو عمل عظيم ومن أهم من دعا إليه الإمام الحرمين والإمام الغزالي ثم وسع فيه الإمام الشاطبي وقبله الإمام القرافي، الإمام الشاطبي اهتم بهذا في كتابه الموافقات وفي كتبه الأخرى، فنحن نهتم بهذا الجانب الأخلاقي لا نفصل بين الأمرين أبداً، سؤالك إيه قلت لي؟

يوسف خطاب: فضيلتك البعض يعتبرها نافلة أو هي شيء مكمل وليست أساساً.

يوسف القرضاوي: قال العلماء الذين يهتموا بالمقاصد إنه الجانب الأخلاقي هذا يعتبر من التحسينات، هم قسموا الأشياء التي جاء الإسلام ليحققها ثلاثة مراتب: الضروريات والحاجيات والتحسينات.

يوسف خطاب: نعم.

يوسف القرضاوي: الضروريات الأشياء التي لا يعيش الإنسان بغيرها، بدونها يهلك يموت، يضيع فديه قالوا فيها أنها الضروريات الخمسة اللي هي حفظ الدين، الدين هو أساس الضروريات وبعدين حفظ الناس الحياة والصحة وبعد ذلك النسل إنه أولادك وذريتك إنهم يستمروا من بعدك، ينتقل هذا من جيل إلى جيل وبعدين العقل إنه  لا بد ما ميزه عن الحيوان العقل فلا بد من حفظ العقل لا يجوز لنا أن نهمل العقل ولا أن نضيعه بالسكر والمخدرات وهذه الأشياء وبعدين المال وبعضهم يضيف العرض كمان فهذه اعتبروها الضروريات، الحاجيات: الأشياء التي لا بد للناس منها وأنها يترتب عليها أنهم يموتوا إذا تركوها إنما تصبح حياتهم ضيقة مثل أن يكون للإنسان بيت يسكن فيه، الزواج، البيع، الشراء، الحاجات دي كلها تعتبر من الحاجيات وبعدين التحسينات إحنا نسميها  الكماليات اعتبروا إن الأخلاقيات من التحسينيات وهذا خطأ، أنا أرى إن الأخلاقيات بعضها يجب أن يعتبر من الضروريات أصول الأخلاقيات وبعضها تدخل في الفرائض: الصدق، الأمانة، العدل هذه الأشياء أساسية بدونها تفسد الحياة، لا بد أن نعتبر هذا من الضروريات وبعضها حاجيات وبعضها تحسينيات..

يوسف خطاب: وما أضفتموه فضيلتكم في الحرية..

يوسف القرضاوي: يعني الآداب، آداب الأكل والشرب والبيع والشراء فهذه ممكن تدخل في التحسينيات، إنما بعضها يدخل في الضروريات وبعضها يعتبر ترك من المحرمات يعني الزنا وشرب الخمر وهذه الأشياء هذه لا يمكن أن نعتبرها أمور تحسينية هذه أمور أساسية فيجب أن نناقش هؤلاء الفقهاء الذين قالوا هذا الأمر وأنا لا أسلم أنا أرى الأخلاق ضروريات الأخلاق الأساسية التي تتعلق بأصول حياة الناس وبدونها ترتبك الحياة والدنيا لا يكون لها مكان فهذه أشياء أساسية..

يوسف خطاب: فضيلتكم أنت تحدثتم عن مقاصد الشريعة الخمسة كما أسلفت قبل قليل عن حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال وبعضهم زاد الحرية وأنتم تقترحون زيادة الأخلاق، الحرية كمستجد من ضمن المستجدات التي نعيشها في إطار ما يسمى بالربيع العربي ألا توضحون لنا ذلك؟

يوسف القرضاوي: أنا كنت أقول دائماً في هذا البرنامج قلت في حلقات كثيرة إنني أرى الحرية أمراً يجب أن يهتم به الناس قبل أن ينادوا بتطبيق الشريعة ينادوا بتطبيق الحرية، قبل ما نطبق الشريعة نحقق للناس الحرية لأنه إذا لم يكن لهم حرية لن يطبقوا الشريعة لازم نعطيهم الحرية، يكون لهم حق في حياتهم يكونوا هم سادة الحياة لا يكون هناك من يأمرهم فيطيعوا كأنهم قطيع من الغنم، لا! سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)  كلمة سيدنا عمر هذه أصبح تفتتح بها الدساتير، الحريات في الشعوب المختلفة وفي الأمم المتحدة إن الناس يكونون أحراراً متساوين، فنحن يجب أن نقر الحرية، الحرية هي أمر أساسي حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التدين وحرية العقيدة والحرية السياسية، كل هذه الحريات أمور أسياسة وهي من الفطرة هي داخلة إن الإسلام دين الفطرة ولذلك من حفاظه على الفطرة أن يحافظ على الحرية فنحن نؤمن بالحرية ونؤمن بالأخلاق أيضاً إن الأخلاق مكملة للفطرة الأخلاق يعني أصول وفروع، أصول الأخلاق هي شيء أساسي في الدين، إنما الفروع تدخل في حكم الفروع في الصلاة وفي غيرها، كل عمل له أصول وله فروع، له شعب تتفرع عنه، نحن ننادي بأن أصول الأخلاق يجب أن تكون في الأمور الأساسية في الإسلام ويجب أن يهتم بها دعاة الإسلام ومعلمو الإسلام، ومفقهو الناس في الدين، هذا هو الواجب على الجميع.

يوسف خطاب: نعم، طيب فضيلة الدكتور في ثلاث دقائق أو أقل ربما كما أسلفنا في البداية، الرسول صلى الله عليه وسلم جاء متمما لمكارم الأخلاق، وليعبر عن الأخلاق بالإيمان، الإيمان كما أسلفتم أيضا هو عملية مستمرة ولها فروع عجيبة اسمها شعب الإيمان، لكن على أرض الواقع، يفترض وفي ضوء الحديث (أن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، أقدر الناس على تعليم الناس مكارم الأخلاق هم حكامهم، لكن هذا على أرض الواقع أكثر الناس يعني يحتاجون لمكارم الأخلاق هم الحكام وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه.

يوسف القرضاوي: وهذه مشكلة، مشكلة أن حكام المسلمين الأصل أن يكونوا معلمين، سيدنا عمر يبعث الولاة إلى الناس، يقول إنما بعثتهم معلمين لكم ولما يجد واحد منهم قصّر مثلا في أمر الصلاة يقول له لأ إن الناس إذا ضيعوا الصلاة كانوا لما هو أدنى منها أشد تضييعا، لازم تهتم بالصلاة، الناس يعلموا الناس، الحاكم في الأصل هو معلم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاكم يعلم الأمة، (وأنا لكم مثل الوالد) فالحاكم حينما يكون كل عمله الأمر المادي فقط، لا بد نهتم بطعام الناس وشرابهم وسكنهم ولباسهم وحياتهم المادية، هذا الإسلام جاء به ولم يهمل شيئا من هذا، لا بد أن نعترف بهذا، ولكن لا نقف عند هذا وحده، لا بد أن نكمل هذا، لأن الإنسان كائن عاقل، الإنسان حيوان ناطق، يعني ناطق يعني مفكر، النطق هنا التفكير مش بس الكلام، يفكر،{خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن:3-4] أن البيان هو المعبر عن الإنسان، لا بد أن نعنى بالإنسان كله، الإنسان هو جسم، وعقل، ووجدان، وروح، كل هذه تحتاج إلى غذاء، الجسم نغذيه بالرياضة والعقل نغذيه بالثقافة، والروح نغذيها بالعبادة، والوجدان نغذيه بالفنون، الفنون المهذبة، مش الفنون التي يستخدمها الناس للإفساد، لأ الفنون شيء راقي يجب أن يرق الناس به، لا بد أن نكون المجموعة التي يريدها الإسلام للارتقاء بحياة الناس، نريد حياة راقية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24] يبعث فيكم الحياة، لا يبعث فيكم الموت، الإسلام لا يريد إنسانا ميتا ولا جماعة ميتة، يريد أناسا أحياء، الأحياء إنما يحيون بعقولهم، ويحيون بقلوبهم، ويحيون بضمائرهم، ويحيون بأعمالهم، هكذا ينبغي أن تكون الأمة، هذا الأخلاق التي يريدها الإسلام، يريدها أخلاقا كاملة، في كل ناحية من نواحي الحياة، في المعاملات، في البيع والشراء، ( رحم الله امرئ سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى) كل ناحية من النواحي يجب أن يكون فيها العبادة فيها أخلاق، المعاملات فيها أخلاق، صلة الرحم فيها أخلاق، الجوار في أخلاق، كله لازم الأخلاق تكون مهيمنة على حياة الإنسان المسلم، فردا، أو في أسرة، أو في مجتمع أو في دولة، أو في أمة كبيرة، أو في العلاقات الإنسانية كلها يجب أن تسود الأخلاق وهذا ما يأمر به الإسلام وما يدعونا إليه الإسلام، وأعظم ما مدح الله به محمد صلى الله عليه وسلم، لم يقله إنك كثير الصلاة أو كثير الصيام، {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4] وهكذا يجب أن تكون أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

يوسف خطاب: صلى الله عليه وسلم، في ختام هذا اللقاء نشكر فضيلتك دكتور، فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذا اللقاء، شكرا جزيلا لك، ومشاهدينا الكرام أشكر لكم حسن المتابعة، دمتم في أمان الله، السلام عليكم.