الشريعة والحياة

التنازع والتنافس والتفرق

تستضيف الحلقة الكاتب والمفكر الإسلامي الدكتور عبد الكريم بكار ليجيب على التساؤلات التالية: ما الفرق بين التنازع والتنافس؟ وما علل التنازع وأسبابه؟ وكيف السبيل إلى علاجه؟ هل تعدد التيارات الإسلامية يعتبر تنافسا مشروعا أم تنازعا منهيا عنه؟
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عبد الكريم بكار‬ عبد الكريم بكار
‪عبد الكريم بكار‬ عبد الكريم بكار

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46] ويقول سبحانه وتعالى أيضا {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:105] ما الفرق التنازع والتنافس؟ وما علل التنازع وما أسبابه؟ وكيف السبيل إلى علاجه؟ "التنازع والتنافس والتفرق" موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الدكتور عبد الكريم بكار الكاتب والمفكر الإسلامي مرحبا بكم فضيلة الدكتور. 

عبد الكريم بكار: يا مرحبا حياكم الله. 

الفرق بين التنافس والتنازع 

عثمان عثمان: لفظ التنافس جاء بمعنى ايجابي في القرآن الكريم أما التنازع فجاء بالمعنى السلبي بداية ما الفرق بين هذين المصطلحين؟ 

عبد الكريم بكار: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله التنافس لما ورد في القران الكريم كما قال تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:26] في ذلك أي في الرحيق المختوم أو النعيم المقيم في الجنة، إذن التنافس الذي ورد  هنا ورد في التنافس في عمل الخير وفي الشأن الأخروي، أما في الشأن الدنيوي فالتنافس في الحقيقة أحيانا يكون تنافسا شريفا وبريئا وجيدا كما يحصل من التنافس بين بعض الطلاب لما يتنافسون على المرتبة الأولى والثانية فهذا شيء جيد، لكن هذا ليس هو الأكثر، الأكثر في التنافس أنه في الغالب يكون متصلا بانحطاط المدنية ومتصلا بانحطاط الأخلاق لأن التنافس في الغالب يتم بطرق غير مشروعة كما نعرف مثلا في سياسات الطرد من الأسواق؛ لما يأتي تاجر كبير فيخفض الأسعار إلى درجة أنه يخسر حتى يطرد المنافسين من السوق وينفرد في السوق بعد ذلك ويرفع الأسعار كما يشاء. 

عثمان عثمان: في طبيعة الحال هذا الموضوع سنتطرق له في سياق الحلقة، ما هو التنازع؟ 

عبد الكريم بكار: التنازع هو التخاصم وهو التشاجر والحقيقة التنازع أحيانا يأخذ شكلا عنيفا مثل النزاع المسلح الذي يتم بين بعض الدول وأحيانا يكون عبارة عن تجاذب كما لما تقول والله فلان تتنازعه رغبات متعددة، فالتنازع أحيانا يكون لطيفا وأحيانا يكون خشنا بل يكون مدمرا، لكن في الغالب يميل التنازع، يميل إلى أن يكون مؤذيا يلحق الضرر بالآخرين على حين إن التنافس في الغالب لا يلحق الضرر بالآخرين. 

عثمان عثمان: لكن الأخ محمد بوشنيش يقول أن التنافس قد يؤدي إلى بناء ممالك داخل جسم المؤسسة للحفاظ على المواقع القيادية وهو ما ينتج عنه الفساد فكيف عالج الإسلام هذه الجزئية؟ 

عبد الكريم بكار: تماما الإسلام لما يعالج مثل هذه القضايا يعالجها بالخلق الإسلامي أو بالأدب الإسلامي بمعنى أنه أنت لما تنافس تتبع وسائل مشروع في المنافسة وأيضا تراعي مشاعر الذين تنافسهم لأنك إذا لم تراع مشاعره ستؤذيه ويؤذيك أنا أعتقد أن التنافس بين الأقران دائما موجود وأحيانا يكون بصورة خفية وأحيانا يكون بصورة ظاهرة ولذلك كثير من علماء الحديث قالوا لا تقبل شهادة الأقران في بعضهم لما واحد يجرح بعض أو يتكلم على بعض منافسيه أو بعض أقرانه فإن شهادته لا تقبل فيه لأن التنافس بين الأقران معروف، ولكن كما قلت لك الذين يتقيدون بالخلق الإسلامي وبالأدب الإسلامي وبالمبدأ الإسلامي أثناء عملية التنافس هم قلة ولذلك أنا في نظري أن استطاع الإنسان أن يبتعد عن المماحكة وعن الاحتكاك في التنافس، دائما في التنافس كلما اقترب من بعضهم أكثر يصبح التنافس أسوء يعني حتى مثلا في الألعاب الرياضية في عندك في  تنافس في الألعاب الرياضية مثل المصارعة والملاكمة هذه فيها كسر عظم بينما عندما يكون هناك مسافات بين المتنافسين بتكون منافسة ألطف، فلذلك أنا أقول لا بأس في الإنسان أن ينافس لكن يبتعد عن الاحتكاك لأن الاحتكاك في الغالب يؤدي إلى سوء الأخلاق بين المتنافسين. 

قواعد التنافس السياسي وأشكال التنازع 

عثمان عثمان: ضربت مثلا على التنافس في المجال الاقتصادي في المجال الرياضي، ماذا عن التنافس في العمل السياسي هل هو نوع من أنواع التنازع أم أيضا هناك تنافس سياسي؟ 

عبد الكريم بكار: أكيد التنافس في المجال السياسي من نوع آخر لأنها السياسة في الأساس هي لا تقوم على النقاء يعني ليست هناك سياسة ليس فيها تقية ليست هناك سياسة ليست فيها مناورة دائما السياسة فيها ظاهر وباطن وهذا له أسبابه طبعا، فالتنافس دائما في المجال السياسي يأخذ أحيانا شكل فضائحي يعني ترتب المؤامرات وترتب التهم وترتب المقالب والأفخاخ فالتنافس في المجال السياسي يغلب عليه دائما السوء، لكن شر لا بد منه لأنه إذا منعنا التنافس في المجال السياسي فهذا يعني أننا سنصير إلى استبداد، في حال الاستبداد أسوء بكثير، نتائج الاستبداد وعواقب الاستبداد أسوء بكثير من نتائج التنافس السياسي. 

عثمان عثمان: المعارضة السياسية للأنظمة القائمة هل تعتبر نوعا من التنافس أم تعتبر تنازعا على السلطة؟ 

عبد الكريم بكار: الأمر قريب من بعضه فيما أرى، نحن لا نعمم أكيد هناك أناس يعارضون من أجل الإصلاح وليس لهم مطامع في السلطة ولكن معظم الأحزاب السياسية تتطلع إلى أن يكون لها دور في السلطة أو أن هي تستلم السلطة لكن كما قلت إذا لم يعجبك شيء فانظر إلى بدائله وحين إذن تستطيع أن تقومه تقويما صحيحا، المنافسة السياسية سيئة ولكن الأسوأ منها أن لا تكون موجودة. 

عثمان عثمان: إذا لم تكن موجودة فنتحدث هنا عن استبداد. 

عبد الكريم بكار: تماما لأنه في لاعب سياسي وحيد يتصرف كما يشاء لا يخاف من أحد لا يخشى المساءلة وبالتالي السلطة المطلقة فساد مطلق. 

عثمان عثمان: لماذا يقع التنازع والخلاف فضيلة الدكتور ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ذلك؟ 

عبد الكريم بكار: حقيقة الأسباب مركبة وكثيرة وكثير من هذه الأسباب موضوعي يعني أولا اسمح لي أفصل فيها قليلا لأنه بعض الناس يظن أن كل تنافس وكل تنازع وكل خلاف هو شر، الحقيقة في أنواع كثيرة من الخلاف هي شيء لابد منه شئنا أم أبينا العقل البشري حين يتعامل مع الأشياء لا يتعامل بطريقة مباشرة وإنما يتعامل عبر أدوات أدوات، أدوات العقل أدواته في الفهم في التحليل في الإدراك أدواته هي المفاهيم المصطلحات التعريفات وهذه كلها للأسف مصابة بالقصور الذاتي وهي جزء من قصور نظم اللغة، نظم اللغة في التعبير وفي الشرح وفي التفسير وفي الفهم وفي الإدراك كل نظم اللغة في كل اللغات مصابة في القصور وبالتالي نريد أشياء ولا نجد التعبيرات المناسبة عنها، ومن هنا سوء الفهم في الخطاب وفي الحديث وفي إدراك الأشياء سوء الفهم ليس شيئا نادرا وإنما شيء شائع جدا في عندنا قضية لما نحن نأتي لنقيم الواقع يعني لما أقول نحن والله نتنافس في الإصلاح وهذا من أجمل أنواع التنافس أنه الواحد يقدم لبلده شيء جيد حسب ما يستطيع، دائما التنافس في الإصلاح يقوم أساسا على تشخيص الواقع، الواقع المعيش هو ذو طبيعة زئبقية تحاول أن تمسك به ولكن في الحقيقة أنت لا تحصل على شيء مع أننا نستخدم الأرقام والمسوحات والإحصاءات ولكن هذه كلها في النهاية نتائجها نسبية، لما نختلف في فهم الواقع يترتب عليه الخلاف في علاج الواقع تماما كما يختلف طبيبان في تشخيص حالة مريض النتيجة للخلاف في التشخيص هي الخلاف في المعالجة وفي الأدوية التي ستكتب، أيضا الجهل من أكبر أسباب التنازع والتنافس الأمم لما تكون في حالة تخلف وفي حالة بدائية ما بصير في تفريق لدى الناس بين الحقائق المطلقة أو خلينا نقول الحقائق الثابتة وبين وجهات النظر فالذي معرفته محدودة يتعامل مع وجهات النظر على أنها حقائق ثابتة وبالتالي فهو يتعصب لها ويدافع عنها ومستعد أن يقاتل من أجلها، هلأ حين الإنسان لما ينضج لما يفهم يعرف أن هذه هي تنويعات على الحقيقة وتلوينات على الحقيقة وليست هي الحقيقة، الحقيقة المشتركة موجودة ولكن أيضا لما ندخل بالتفاصيل فطبيعي أن نختلف وأعذرك وتعذرني بل أحيانا لما ندخل، أنا أقول لما ندخل بالتفاصيل لا مناص من الخلاف أبدا وهناك قاعدة في هذا الموضوع هي أننا كلما اتجهنا باتجاه الأصول والكليات والمشاهد الكبرى يكون الخلاف نادرا، حين نأتي إلى الفرعيات وإلى الجزئيات وإلى التفاصيل يصبح الاتفاق نادرا بل يصبح دليل مرضي يعني إذا نحن كنا نتفق إذا اتفقنا بالتفاصيل فهذه مشكلة معنى ذلك أننا لا نجتهد ولا نفكر وهذا يعني أن بعضنا يقلد بعضا، طبعا الاستبداد أيضا هو سبب من أسباب أيضا النزاع لأن المستبد يعتمد على طائفة يعتمد على طبقة يعتمد على قبيلة يعتمد على حاشية ويغدق عليها الخير ويظلم الباقين فيؤجج الأحقاد بالإضافة انه في الاستبداد تنعدم الشفافية، يصبح تدفق المعلومات قليلا وهنا يبدأ التحليل السطحي، يعني  العقل بدون معرفة هباء لا شيء، أنا أشبه العقل بطاحون تدور هذه الراحة التي كانت تطحن بها النساء في البيوت والمعرفة هي الحب الذي نضعه في تلك الراحة فطبعا في حالات الاستبداد تكون المعلومات شحيحة والمنشور منها لا يكون موثوقا لدى الناس لأن الذين ينشرون معلومات لهم مصلحة في كيفية معينة منها. 

عثمان عثمان: لكن دكتور يعني حين يصبح هذا التنازع صفة من صفات كل شرائح المجتمع أو الحالات السياسية الموجودة هنا أو هناك كيف يمكن تفسيره؟ 

عبد الكريم بكار: تفسيره أنه في مجتمع مريض يعني النخب حقيقة أول شيء طبعا الحكومات بتتحمل مسؤولية كبيرة تجاه هذا الأمر لأن من واجب الحكومات ومن واجب النخب والصفوات من واجبهم هو تكتيل المجتمع بمعنى جعل المجتمع يسير في تيارات ثقافية وفكرية سياسية راشدة تقوم على اجتهاد لكن كلها إطار منطق معقول ومقبول، لما الحكومات لا تقوم بهذا الواجب وتحمل الناس على لون واحد من الاتجاه ومن التفكير هذا بهذه الحالة يعبر الناس عن الإكراه عما أكرهوا عليه يعبرون عنه بنقد لا معنى له بفوضى فكرية لا أحد يرضى عن أحد ولا أحد يرضى عن أي شيء والسبب أنهم منعوا من أن يعبروا تعبيرا حرا عما يعتقدون وعما يرون، أيضا موضوع النخب وهذا كان المؤرخ العظيم آرنولد توينبي كتابه المختصر دراسة التاريخ أشار انه يبدأ انهيار الحضارة حين تعجز النخب عن يعني حين تفقد النخب الجاذبية لا تستطيع أن تجذب الجماهير إليها، فالإنسان أما ليس عنده فكر كافي لجذب الآخرين أو ليس عنده أمانة أو ليس عنده خلق يعني غير قادر فلما تضعف جاذبية النخب وجاذبية المفكرين والمثقفين حينئذ يصبح الناس تائهين لا يعرفون ماذا يصنعون؟ وحينئذ أيضا يكثر النقد غير المؤسس وغير المؤصل وتكثر الأقوال التي لا تستند إلى أي حقيقة فهذا الحقيقة وأنا أعتبر لما يسود التنازع هو ليس سببا هو نتيجة، إذا أصلحنا في الشأن السياسي وأصلحنا أيضا في شأن النخب وفي شأن الثقافة، طبيعي الإنسان سيقدر قيمة الكلمة ويعرف متى ينقد ويعرف متى يكف عن النقد. 

عثمان عثمان: اسمح لنا نأخذ لو سمحت مفتي البقاع في لبنان الشيخ خليل الميس، السلام عليكم فضيلة الشيخ. 

خليل الميس: ألو. 

عثمان عثمان: السلام عليكم. 

خليل الميس: وعليكم السلام. 

عثمان عثمان: يقول الله عز وجل: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46] متى يكون التنازع.. 

خليل الميس: وعليكم السلام ورحمة الله. 

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور نتمنى أن تخفض صوت التلفاز قليلا بارك الله فيكم. 

خليل الميس: أولا نقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

عثمان عثمان: وعليكم السلام. 

خليل الميس: نعم، عندنا نحن عناوين ثلاثة كما طرحتموها "التنازع والتنافس والتفرق" والقرآن الكريم يجيب على هذا بقوله تعالى: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46] وفي التنافس يقول تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:26] أما التفرق معروف {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[ آل عمران: 103] إذن عندنا أمر منهي عنه وهو التنازع وكأن التنازع هو من يريد أن يذهب بغيره وأن يبقى هو وحده، أما التنافس ففيه سباق لتحصيل الأمر الأهم وهذا أمر معروف، وأما طبعا الاعتصام والتفرق يرى يأتي ويقابل الاعتصام {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[ آل عمران: 103] فإذًن مجتمع لا تنافس فيه ما أظن موجود، ومجتمع لا اعتصام فيه اللي هي بحبل الله جميعا غير موجود، ومجتمع من شأنه التنازع فهو يؤول إلى الانهيار وكأنني بهذه العناوين الثلاثة مطلوب إلينا نحن اليوم أن نتنافس في الخير وأن نعتصم بحبل الله جميعا وعندها فلا نتنازع وإلا تذهب فنفشل وتذهب ريحنا، هذا الأمر صحيح قريب من بعضه وربما فيه شيء من التشابك ولكن والله أعلم أن التنازع هو ما فيه نزع الآخر، إلغاء الآخر بينما التنافس فيه تسابق على الأمر الأهم وهو مطلوب، والتفرق كأنه هنا وحدة الأمة  {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[ آل عمران: 103] فعناوين ثلاثة مضامينها مختلفة وأمران مطلوبان التنافس وهو مطلوب وأمران منبوذان أو يعني مطلوب عدم وجودهم هم التنازع والتفرق، ونحن في أمتنا اليوم الحقيقة المطلوب أن نتنافس في الخير وألا نتنازع وينبغي علينا أن نعتصم بحبل الله جميعا فعلا، وأنا اقترح أن تكون هذه العناوين الثلاثة الحقيقة مادة بمؤتمر علمي ما أحوجنا إليه في أيامنا هذه، ونشكركم على طرح هذه المفاهيم التي تحتاج منا إلى تأصيل وتحتاج من علماء الأمة إلى بيان أكثر فأكثر، نعم مطلوب منا أن نعتصم بحبل الله، مطلوب منا أن نتنافس فيما يعود على أمتنا بالخير، وعندها نكون لن نتنازع ولا نتنازع بإذن الله سبحانه وتعالى.

عثمان عثمان: شكرا سماحة مفتي البقاع كنت معنا من لبنان، فضيلة الدكتور أنقل لكم يعني بعض ما جاءني على الإنترنت، الأخ حمزة الحاج يقول التنازع منهي عنه { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:46]  والتنافس مطالب به المسلم وخصوصا في أعمال البر والخير كما تقدم سماحة المفتي منذ قليل، الأخ سمير جبل يقول التنافس قد يكون مفيدا في معظم الأحيان لأنه يقوي روح المثابرة لكن التنازع يفتت الأمة لكن هناك سؤال من الأخ محمد يقول: هل تعدد التيارات الإسلامية يعتبر تنافسا مشروعا أم تنازعا منهيا عنه؟ أسمع الإجابة على هذا السؤال بعد أن أذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

الضوابط الشرعية للتنافس بين التيارات السياسية

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان التنازع والتنافس والتفرق مع فضيلة الدكتور عبد الكريم بكار، فضيلة الدكتور يعني سؤال الأخ محمد يقول يتحدث عن اختلاف التيارات الإسلامية اليوم هناك تيارات متعددة أحزاب متعددة، أفكار متعددة في ساحة العمل الإسلامي هل يعتبر ذلك نوعا من أنواع التنافس أم يعتبر تنازعا؟

عبد الكريم بكار: لا أعتقد أنه تنازع وربما لا يكون تنافسا أيضا الخلاف بين الجماعات الإسلامية يشبه كثيرا الخلاف بين الفقهاء كما أنك لا تستطيع حمل الناس على مذهب واحد فأنت أيضا لا تستطيع حمل العاملين في الساحة الإسلامية على رؤية واحدة، أكيد في لهم تشخيصات مختلفة للواقع لهم آراء إصلاحية وهناك في كثير من الأحيان يكون هناك تخصصات يعني أنت تجد بعض الجماعات متخصصة مثلا في نشر العلم، بعضها تركز على التربية بعضها يركز على الإغاثة فلا أعتقد أولا أنه يمكن جمع الناس على شيء واحد ما داموا سيعملون إذن سيختلفون؛ لكن الذي يجب أن ننتبه إليه هو قضية التعصب قضية التحزب.

عثمان عثمان: يعني كيف يدار هذا الاختلاف في إطار الوحدة وحدة الصف الإسلامي؟

عبد الكريم بكار: تدار في إطار يعني أن نتفهم موضوع الخلاف يعني إذا كنت أنت لا ترضى أن تمضي معي فاعذرني إذا لم امض معك ويمكن أن يصبح هناك تنسيق بين هذه وأنا أدعو يعني نحن الآن عندنا في سوريا على سبيل المثال نشأت مؤسسات شرعية ودعوية كثيرة خلال السنتين الماضيتين ربما تقترب من عشر مؤسسات، أدعو هؤلاء حتى يخف التنافس وحتى يشكلوا كتلة متجانسة ويكون صوتهم قويا ويستطيعوا توجيه الشارع وإرشاد الناس أن يقيموا مثلا مكتب للتنسيق فيما بينهم في الأفكار الكبرى في الأشياء المتفق عليها وإن اختلفوا لا بأس يختلفون ويكونون متعددين ولكن يشكلون مع هذا تيارا فكريا واحدا على قدر الإمكان، فالحقيقة هذا التنوع وهذا التعدد اعتبره ظاهرة صحية لأن جمع الناس أساسا على رجل واحد غير ممكن وليس فيه مصلحة.

عثمان عثمان: لكن يكون على اختلاف التنوع وليس على اختلاف التضاد.

عبد الكريم بكار: هم مختلفون اختلاف تنوع، حتى لو عملت جماعتان إسلاميتان في مجال واحد وأيضا لا أرى في هذا مشكلة لا أرى فيه ذا مشكلة لأنه ربما يكون لإحدى الجماعتين قيادة مقتنعة بها ولكن باقي الناس غير مقتنعين بهذه القيادة.

عثمان عثمان: لكن عندما يصل هذا الاختلاف، اختلاف التنوع إلى اختلاف التضاد إلى تكفير الآخر.

عبد الكريم بكار: هذه تصبح قضية مختلفة لما نصل إلى المكايدات ونصل إلى التكفير ونصل هذا يكون من جملة الأخطاء التي تصاحب في العادة الأعمال الجماعية، وهنا لا بد من النصح لا بد من حتى الزجر في بعض الأحيان من اجل أن نخفف نحن من هذه أما أن تمنع الناس من أن يعملوا أنت لا تستطيع أن تمنعهم وأن تكرههم أن يتحدوا أنت لا تستطيع أن تكرههم، فلا تستطيع إلا أن تخفف من الآثار الجانبية والأضرار التي تترتب على يعني عمل الناس في أطر متعددة وهذا ليس موجود فقط في المجال الدعوي هذا موجود في المجال الاقتصادي موجود في المجالات الاجتماعية في تنافس بين الطبقات وبين المناطق أيضا بين الطوائف وبين.. فما أمامك غير أنك ترشد وأن تنبه، وهم عليهم أيضا كما قلت مسؤولية أن ينسقوا فيما بينهم، التنسيق يبني ثقة وهذه مهمة جدا بين الناس، التنسيق يوحد خطوات عريضة وخطوطا عريضة فيما بينهم بدل أن يمضوا مع الشائعات يستطيعون التحقق مما يروى عن بعضهم في بعض، فالتنسيق أعتقد هو الحل الأمثل لا عدم العمل ولا أن يعملوا في إطار واحد أو في مجموعة واحدة.

ضعف النخب الثقافية أحد أسباب التنازع

عثمان عثمان: تحدثت قبل الفاصل دكتور عن أحد أسباب التنازع الموجود في المجتمع الإسلامي هو ضعف النخب الثقافية التي ينبغي أن تدير هي المجتمع، هل هناك نقص في هذه النخب وفي هذه الكوادر الثقافية والفكرية أم أننا أصبحنا  أصبحت هذه الكوادر في مكان من الضعف بدل أن تقود المجتمع أصبح المجتمع يقودها؟ 

عبد الكريم بكار: نعم نحن القاعدة العامة عندنا من كل شيء شيء ولكنه ليس كافيا، هذه القاعدة العامة ولكن نحن نعاني حقيقة من مشكلة الكيف، مشكلة النوعية وهذا ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام في حديث القصعة من أن مشكلة المسلمين في آخر الزمان ((لما قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل)) فأنا أتصور أن النخب اللي فاهمة تماما الزمان الذي تعيش فيه فاهمة تماما متطلبات المجتمع متطلبات الحياة العصرية التي تستطيع أن تدمج أيضا بين العقائد والأصول والأفكار والمبادئ الإسلامية الكبرى وبين متطلبات العيش في زمان كزماننا هؤلاء أنا اعتقد أننا نشكو من فقر مريع فيهم في العدد وفي النوعية، وهذه أنا اعتقد هي مسؤولية كليات الشريعة، مسؤولية المدارس الشرعية مسؤولية الجامعات الدعوية الكبرى التي لم تخرج لنا ممن يستطيع أن يسد هذه الثغرات ويقود فعلا المجتمع قيادة راشدة ويستطيع كما قلت تكتيل المجتمع وتأطير المجتمع في تيارات عريضة  تعمل وتنتج وتخدم البلاد وتنصر الملة وتنفع الخلق، فهذا الفقر هو احد أسباب أن الجماهير متفرقة لأنها لا تجد القوى الجاذبة لها والتي تمكنها من أن تسير في مسارات جيدة وصحيحة. 

عثمان عثمان: ذكرتم أن الاستبداد هو احد ابرز أسباب الفرقة والتنازع سواء كان على مستوى المؤسسات، على مستوى الجمعيات، على مستوى الأسرة حتى بين الأب وأولاده والأخ الكبير، وحتى على مستوى الأنظمة هل يمكن اعتبار العدل هو الضمانة لعدم وقوع التنازع والفرقة؟

عبد الكريم بكار: أكيد،  يعني أنا أقول أول شيء الاستبداد هو يمثل نوع من الضغط غير المشروع على الناس والقاعدة العامة "كل شيء ينشىء تحت الضغط ينال حظه من التشويه" ولهذا نعم لما بصيرفي عدل، يعني التنوع اللي موجود في المجتمع سواء على مستوى العقائد أو على مستوى الفكر أو حتى على مستوى الاقتصادي، مستوى الأحساب والأنساب، في تنوعات كثيرة في المجتمع، هذا التنوع يجب أن يدار أساسا بالعدل ثم بالتسامح والإحسان والاعتراف أن هذه التعددية أمر واقع وطبيعي بل أقول أن التنوع إذا أدير كما قلت بالعدل والتسامح والإحسان والالتفاف حول المصلحة الوطنية العليا إذا أدير بهذه الطريقة فإنه يصبح مصدرا للثراء ومصدرا للإلهام ومصدرا للإبداع، لكن كل هذه المعاني بدون العدل لا قيمة لها وأنا اعتقد أنه حين ينتشر الظلم في المجتمع لا يبقى هناك شيء مقدس، الناس يستبيحون كل شيء حتى التآمر على الوطن يصبح مباحا حين يشعر الإنسان بظلم فادح.

عثمان عثمان: ما أهمية السياسة دكتور هنا في إثارة الخلافات أو تصارع الرغبات؟

عبد الكريم بكار: أهمية السياسة، لأنه السياسة بما تملك من أدوات بما تملك من سلطة بما تملك من مال تستطيع هي أن توجه المجتمع في الطريق الصحيح أو أن توجهه في الطريق الخاطئ، والمفروض أنه يوجد تنوعات يعبر عن هذه التنوعات في الإطار العام والحقيقة هذه هي الرؤية الإسلامية، الإسلام لما فتح العالم ونصف الكرة الأرضية دخلها الإسلام، الإسلام راعى هذه القضية، قضية نحن نسمح بالتنوعات لكن في الإطار، خذ مثلا مسألة الملابس لم يثبت أبدا أن الإسلام أمر شعبا من الشعوب أن يتخلى عن زيه الوطني، لكن الإسلام وضع خطوط عريضة قضية الستر قضية أن الثوب ألا يصف وألا يشف وفي شيء يتعلق بالاحتشام ويتعلق بالمروءة، لكن الإسلام لم يلزم الناس بأن يلبسوا زيا معينا ولذلك أن تراعى التنوعات حقيقة، نحن ندعم الخطوط العريضة التي تشكل الأرضية المشتركة ونسمع بالتنوعات ضمن هذه الأطر التي نتفق عليها، المجتمع الإسلامي قادر على أن يفعل هذا لماذا؟ لأننا عندنا أركان الإيمان عندنا أركان الإسلام، أركان الإيمان ترسم الفضاء النظري للعقل المسلم، أركان الإسلام ترسم السلوك العملي للفرد المسلم، في عندنا المعلومة بالدين ضرورة، وهذا شيء كثير يعني الذي يعرفه العالم والجاهل مثل أمهات الكبائر مثل أمهات المعاصي الفرائض الواجبات والآداب الإسلامية الكبرى هذه كلها بتشكل إطار وضمن هذا الإطار يكون لدينا تنوعات ويكون لدنيا تفريعات ويكون لدينا  خلافات، وأنا أقول إذا اتفقنا في الأصول فأنه لا يضرنا الخلاف في الفروع بالعكس الخلاف في الفروع يصبح في توسيع على الناس بدل أن يمضوا على مذهب واحد يكون هناك مذاهب، بدل أن يلزموا طريقة واحدة في العمل يكون لديهم طرق ويكون لديهم خيارات، ودائما التنوع هو مرتبط بالحضارة يعني كلما تحضر الناس أكثر صار لديهم تنوع أكثر صار لديهم خيارات أكثر صار لديهم فرص أكثر، بينما لما يكون الناس قريبي عهد ببداوة أو شديدي التخلف يعيشون الحياة الضرورية ليس هناك خيارات وليست هناك بدائل هناك لون واحد يحصلون عليه بصعوبة، لذلك ننظر إلى التنوع انه شيء ايجابي ولكن بشرط أن نتمكن من إيقافه عند حدود معينة أو كما قلت نؤطره بالأصول والثوابت والكليات التي نؤمن بها.

عثمان عثمان: نأخذ دكتور محمد عبد الكريم أستاذ أصول الفقه في جامعة الإمام من الرياض، السلام عليكم دكتور.

محمد عبد الكريم: وعليكم السلام ورحمة الله.

 آلية الخروج من مأزق الفرقة والنزاع

عثمان عثمان: نتحدث عن أسباب عدة للنزاع والتفرق هل هناك من سبل هل هناك من رؤية واضحة للخروج من هذه المعضلة ومن هذا المأزق؟ 

محمد عبد الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم، أحب بس قبل أن أتكلم بالرؤية، من الواضح أن التنازع أصلا لا ينشأ إلا بسبب النبذ يعني كل طرف ينابذ طرف كل طائفة هي الحق والأخرى هي الباطل، الإصرار على استئصال الأطراف الأخرى بالقمع بالتقيد باستعداء السلطة لا شك مولد رئسي ومهم جدا للتنازع والاختلاف، أيضا التعصب ربما أشار له الدكتور بشكل واضح لأن التعصب هو بالأصل خلاف القضايا السوية، هو إجبار وقهر على قناعات وعادات فكرية ومذاهب وتيارات ولذلك ينشأ عن تنازع شديد وتنافر مهما كان المتعصب عليه حقاً لذلك الله عز وجل يقول {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة:256] {لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية:22] {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}[ق:45] كل هذه في الحقيقة تعطي دلالات واضحة على مشكلة التعصب. 

عثمان عثمان: تتحدث عن الرؤية دكتور.. 

محمد عبد الكريم: نعم. 

عثمان عثمان: رؤية للعلاج.

محمد عبد الكريم: نعم، ما يتعلق بالرؤية في كل مجتمع يجب أن يفهم الناس أنه في كل مجتمع أن هناك أناس آخرين لا يؤمنوا بالحق الذي تؤمن به فما العمل؟ عندما نريد أن نقدم رؤية وحل بالتأكيد إما أن نراجع التجارب القديمة والتجارب الحديثة القائمة وأحيانا نحاول استنساخ تجربة قد لا تنجح في بيئتنا، بالتجربة الحديثة استطاعت بعض الدول الحديثة بمفهوم المواطنة ربما النجاح نسبياً في حل التنازعات التي تنشأ في حالة طبيعية بين البشر، لكن من المهم أيضا التنبه أن المواطنة أيضا نجحت بسبب وجود تشريعات وافرة بالحقوق الفردية يعني تعطي الفرد القدرة على الشعور بذاته بعيدا عن الجماعة أيضا أصبح الفرد لا يشعر بأن هناك من يستحق الانتماء الوطن هو الأحق بالانتماء، وليست الطوائف أو الملل أو الأحزاب، من معضلات أيضا التنازع في الأساس أصلا مشكلة التعصب لفئة أو لطائفة، التعصب في الحالة الحديثة انتقل لمشترك عام وهو الوطن الجامع يعني استحق كل فرد الحقوق بموجب عصبيته والحقوق أخرى تشعره بالاستقلال والعدل، أصبح الوطن أهم لديه من القبيلة الجماعة المذهب الفئة الشيخ المريد هؤلاء لكل واحد منهم حسابات مدمرة لعقله لاستقلاليته وذاتيته وأيضا أصبحت الشراكة في الوطن لم تلغ بقاء الجماعة والمذهب كمكونات ثقافية فكرية لا يمكن أن تزاحم قيمة المواطنة، أصبحت المواطنة أكثر قيمة من التعصب لفئة أو طائفة  يعني من هنا يمكن أن تكون المواطنة حلاً في بعض المجتمعات بحسب نوعية التشريعات.

عثمان عثمان: هناك من يرى في الوثيقة التي وضعها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة ربما نموذجا مناسبا للقضاء على الفرقة والتنازع وربما أن يسود نوع من العدل سواء سميناها مواطنة أو غير ذلك؟ 

محمد عبد الكريم: نعم التجربة النبوية يلحظ كل من قرأ ميثاق المدينة يراها أهم وثيقة تاريخية في التعايش لأجل السلم الوطني أو مثلا دحر التناقض اللي ينشأ بسبب اختلاف الدين لكن أيضا هناك من يرى ميثاق المدينة أنه نجح بسبب ظهور قيم الإسلام على القيم الأخرى بما انه من المستحيل أن ينجح الميثاق في ظل ضعف القيم الإسلامية  فهم يرونه ناجح لأن الكلمة لم تكن حين ذاك لغير المسلمين، فكل التنوع الذي كان موجود كان يعيش في ظل دولة قادرة على منع الآخرين من نفوذ عقائدهم، هناك تجارب أخرى أيضا في بعض الدول الإسلامية للتعامل مع مشكلة التنازعات يمكن رؤيتها كرؤية أو النظر لها كواحدة من المعالجات لكن قد تكون فاشلة يعني هذه الرؤية هي رؤية التقطيع يعني يكون داخل المجتمع الواحد عدة مجتمعات ما ترتبط إلا برابط الجنسية فقط  وتقل بين الجماعات المشتركات العامة ويصبح داخل الدولة الواحدة قوانين لكل حالة وتكثر الاستثناءات وفي الغالب يؤدي هذا التقطيع إلى مجتمع مليء بالتناقضات في داخله ربما يصل إلى حالة تستعصي على الفهم لماذا؟ لان كل طائفة تحاول أن تعيش في هذا المجتمع  بالحد الأعلى من قيمها بلا تنازل، والتنازل لا يعني سوا الذوبان أو تمييع مبادئها.

عثمان عثمان: شكرا الدكتور محمد العبد الكريم أستاذ أصول الفقه في جامعة الإمام كنت معنا من الرياض، دكتور أهمية الأخلاق النفسية في علاج الكثير من مظاهر التنافس والتفرق؟

عبد الكريم بكار: نعم، لو تأملنا في حالات الافتراق التي تحصل بين الناس لوجدنا انه ليست هناك أسس فكرية تستحق أن يبتعد الناس عن بعضهم بعضاً وإنما هناك في الغالب تحسسات نفسية أحيانا يكون هناك حسد أحيانا يكون هناك واحد أساء لشخص بكلمة خشنة لم يستطع تقبلها فافترقا، أنا أقول إذا اختلفنا فلنختلف كما يختلف شخصان كريمان متدينان خلوقان، أنا لي صديق عاش مع زوجته أكثر من ربع قرن وطلقها ولم يستطع الناس أن يعرفوا لماذا؟ يسألون الزوج فيقول ما في نصيب أن شاء الله ربي يكتب لها الخير وكذا، يسألون الزوجة تقول ما استطعنا أن نستمر أن شاء لله ربي يكتب له الخير وهو أبو أولادي وكذا، لما يختلف الإنسان ويتقيد بالخلق الإسلامي وبالأدب الإسلامي يقول والله نحن لم نستطع أن نتفق لا يكون هناك  تشهير ولا يكون هناك نميمة ولا يكون هناك غيبة ولا يكون هناك طعن، ولذلك الناس الخيرون الطيبون العلاقة معهم جيدة لأنه إذا اختلفت معهم في طريقة لحل الخلاف، لكن الناس اللي ما عندهم أخلاق ما عندهم تهذيب ما عندهم آداب يجب أن تكون حذر معهم لأنه أي خلاف معهم ممكن يقيمون الدنيا ولا يقعدوها،  لذلك قضية العفو وقضية التسامح ولكن الأساس يجب أن ننظر نحن للخلاف انه شيء طبيعي وأكيد كما وجدنا شيء نتفق عليه ربما أيضا يعرض لحياتنا شيء يجعلنا نفترق ولا تقوم القيامة إذا افترق شخصان أو تصدعت جماعة المهم أن لا نتحول من أصدقاء إلى أعداء.

عثمان عثمان: في موضوع الاختلاف دكتور النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث: ((سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فأعطنيها، وَسَأَلْتُه ألا يُهْلِك أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فأعطنيها، وَسَأَلْتُهُ أَلا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا)) هل يؤثر ذلك في تصورنا عن وحدة الأمة؟ 

عبد الكريم بكار: نعم أنا أقول أنه الاختلاف في الآراء وفي الأفكار وفي الأمزجة وفي الأهواء وفي المصالح هو معقد  الحياة الاجتماعي يعني معقد الابتلاء في الحياة الاجتماعية يكون ذلك الاختلاف، ولذلك هذا ابتلاء الله عز وجل ما ضمن لن ألا نختلف ولكن علمنا كيف إذا اختلفنا نلتزم بآداب الخلاف يعني أنا قضية وحدة الأمة هذا المصطلح في الحقيقة هو مصطلح ذو جذور عميقة في نفسية المسلم حتى أن اكبر كتلة إسلامية اسمها أهل السنة والجماعة لأن نزوع المسلم على مدار التاريخ لن يكن إلى الدولة وإنما إلى الأمة وارتباط الوجدان دائما بالأمة، المسلمون على مدار التاريخ أيضا تحملوا الكثير من الأذى في سبيل ألا يفترقوا وفي سبيل الحفاظ على وحدة الكلمة لكن في زماننا هذا، هذا المدلول وحدة الجماعة ووحدة الكلمة اعتقد صار له تكييفات جديدة وتجسيدات جديدة تختلف تماما عما كان الأمر في الماضي يعني في الماضي كثير من الشباب إلى الآن يحملون في أذهانهم دولة إسلامية هي أشبه بإمبراطورية كما كان الأمر في الماضي الآن ما عاد فيه يعني أميركا لما حاولت انه تعمل نفوذ إمبراطوري في العراق في أفغانستان في الصومال وفي غيرها كلها هزمت لأن هذا الزمان ليس زمان الإمبراطوريات العولمة الآن في الحقيقة قضت على فكرة الإمبراطورية وقضت أيضا على فكرة الدولة القومية وصارت الآن الناس الفكرة الأقوى الآن هي الدولة القطرية وليس لا القومية ولا الإمبراطورية . 

عثمان عثمان: الولايات المتحدة الإسلامية يعني. 

عبد الكريم بكار: أنا أتمنى انه نحن نقول لما يكون لدينا قضية كبرى جزئها إلى اصغر أجزاء ممكنة، الوحدة السياسية الآن في نظري ثلث المسلمين يعيشون كأقليات في دول وهؤلاء يقينا ما يستطيع تعمل معهم وحدة سياسية، الاتحاد الأوروبي ظل في مفاوضات  50 سنة حتى وصل إلى هذه الحالة من الاتحاد الآن وهي حالة ليست اندماجية إلى الآن في دول أوروبية رفضت استخدام اليورو كعملة، ولذلك أنا أقول انه وحدة الأمة الآن لا نضيع الممكن ونحن نطلب المستحيل إذا أردنا أن نعمل نحاول على المستوى الاقتصادي نقيم سوق إسلامية مثلا مشتركة على المستوى السياسي نقيم مثل مكتب سياسي موسع أشبه بخلية أزمة يتابع شؤون المسلمين ويجمع صفوف المسلمين أيضا على المستوى الاجتماعي على مستوى الأسرة على مستوى التعليم نتعاون يصير هناك تكامل بين جامعات متخصصة.. 

عثمان عثمان: هذا بحاجة إلى إطارات على مستوى الدول القطرية القائمة دكتور من أهم مقاصد الشريعة ربما هو لزوم الجماعة وتجنب الفرقة والاختلاف هذا المقصد كيف يمكن إنزاله على ارض الواقع خاصة في موضوع السوري الآن؟ 

عبد الكريم بكار: في سوريا الجريحة الحقيقة في يعني نحن الحمد لله كنا قبل أيام وأنا اشكر إخوانا هنا في قطر لان الحقيقة بذلوا جهود رائعة وعظيمة من اجل تحقيق الائتلاف الوطني الذي حصل الحقيقة، نحن في سوريا يمكن أن يساعدنا العالم ولكن علينا أولا أن نساعد أنفسنا أنت بإمكانك أن تأخذ الحصان إلى النهر لكن لا تستطيع أن تجبره على الشرب، فنحن في الحقيقة في هذه اللحظة الحرجة حيث يهدم البلد ويقتل الألوف الأساس نحن نعتصم بالله عز وجل أولا ثم بوحدة الكلمة، وحدة الكلمة أنا لا أرى الآن شيء يوحد السوريون كفكرة المواطنة لأن هم جميعا في وطن واحد نتجاوز التنويعات العرقية الكثيرة الموجودة في سوريا والمذهبية نقول نحن لنا مشكلة واحدة مع نظام يقتل الناس أن أملي أن تنفذ ذخيرة النظام قبل أن يقتل آخر إنسان سوري، فنحن مشكلتنا مع هذا النظام وليس مع أي شي آخر نتعاون حتى نخلص من هذه المشكلة وبعد ذلك سوريا حقيقة، حقيقة يجب أن تكون وطنا للجميع يعني إذا أنت لم تعش عزيزا في بيت يعني في ارض إبائك وأجدادك أين يمكن أن تعيش لذلك من حق من حق أي إنسان سوري أن يأخذ كل حقوقه كاملة وأن يعيش حياة عزيزة كريمة وأيضا {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر:18] أكيد ويجب وهذا نحن نصصنا عليه في النظام الداخلي للائتلاف الوالغين في الدماء يجب أن ينالوا أن ينالوا حسابا عادلا ومحاكمة عادلة ولكن {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر:18] لا يأخذ احد، لا يأخذ احد بذنب أحد، نحن نريد من إخواننا المجاهدين وهذا الاتفاق الحقيقة ما كان له أن يتم لولا الدماء العزيزة التي بذلت ولولا الجهود الهائلة التي تبذل الآن في حركة الثورة، نرجو من إخواننا أن يوحدوا الكلمة وأن يقتربوا من بعضهم أكثر وأن كل واحد يشتغل في تخصصه يعني أهل السياسة يشتغلون في السياسة وأهل القتال يشتغلون في القتال وأهل الإغاثة يشتغلون في الإغاثة، ما يصير في تنازع ادوار، أنا الذي لاحظته أنه من أكثر ما أثار النزاع في الساحة السورية هو التفكير في المستقبل، التفكير في المستقبل انه طيب ما شكل الدولة التي ستكون في المستقبل؟ التفكير في هذا الموضوع الآن مدمر أنا في نظري مدمر بكل ما تعنيه الكلمة ولذلك في الائتلاف نحن في نص واضح جدا أن هذا الائتلاف يجب ينتهي، ينتهي يتفكك عند سقوط النظام وتشكيل مؤتمر حوار وطني يفرز حكومة انتقالية، الحكومة الانتقالية تكلف لجنة دستورية هذه اللجنة الدستورية تقوم بوضع دستور للبلاد ويطرح للانتخاب والاستفتاء العام وتقوم أيضا بتنظيم الانتخابات ولذلك أنا أرجو من إخواني في الداخل جميعا لا تفكروا لمسافات ابعد لأن هذا سيضعفكم الآن  وسيبذر بينكم الخلاف، الناس بذلوا الكثير من الدماء نصف البلد هدم لا لنحصل لا على نصف كرامة ولا على نصف حق ولا على نصف دولة يجب أن نحصل على دولة كاملة تليق بالتضحيات الهائلة التي بذلها الناس ويعيش كل الناس فيها أحرار كراما وأعزة مع تكافؤ للفرص كامل، كامل يكون هناك تحت شعار. 

عثمان عثمان: تحت شعار المواطنة الذي يجمع كأبناء الوطن الواحد. 

عبد الكريم بكار: كل أبناء الوطن نعم ما عندنا ما عندنا شيء آخر يجمع الآن سوريا فيها تنوع كبير جدا يجب أن نبني إطارا يتجاوز كل هذه التنوعات يقوم كما قلنا قبل قليل أولا على العدل ثم على الإحسان والتسامح والالتفاف حول المصلحة الوطنية العليا. 

عثمان عثمان: ألا يمكن لهذا التنوع الذي تتحدث عنه أن يكون عامل ثراء لسوريا الوطن؟ 

عبد الكريم بكار: أكيد لكن بشرط العدل اعدل مع الناس أعطي فرصا متكافئة للناس احم جميع الناس ابعد التميز الطائفي الذي دمرنا على مدار نصف قرن أبعد هذه، وسيتحول حقيقة هذا التنوع إلى مصدر للثراء وللإبداع وللتكامل، التنوع هو قدرنا ويجب أن نقبل بهذا ونعامله برشد بالإعلام يعني الإسلام في عمل شيء عظيم الإسلام هو أنه هو نقل السلطة من القوة الخشنة التي تتمثل في المال وفي القتال وفي السلاح إلى القوة الناعمة اللي تقوم على المعرفة تقوم على الضمير تقوم على العرف وهذه النقلة كانت في أول كلمة تنزل في كتاب الله أول كلمة في أول آية في أول سورة هي كلمة {اقرأ} في شيء ما يعرفه كثير من الناس انه الجزيرة العربية بأكملها دخلت في الإسلام كم كانت التكاليف البشرية الذين قتلوا من المسلمين في كل معارك تحرير الجزيرة العربية كانوا بحدود 300 شخص والذين قتلوا.. 

عثمان عثمان: عن أي فترة زمنية تتحدث عنها؟ 

عبد الكريم بكار: كل فترة تحرير في زمان النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الجزيرة العربية في الإسلام حتى كانت رسلها تصل إلى اليمن، كل تحرير الجزيرة العربية كلف 1600 شخص وهؤلاء يقتلون في سوريا الآن في الأسبوع الواحد لماذا؟ لأن الإسلام اعتمد على العرف اعتمد على الضمير اعتمد على المعرفة على جاذبيته ومنطقيته الخاصة في إدخال الناس في الإسلام، أرجو نحن أن نستخدم نفس القوة، قوة المعرفة قوة التسامح قوة العرف قوة التفاهم. 

عثمان عثمان: شكرا فضيلة الدكتور عبد الكريم بكار الكاتب والمفكر الإسلامي كنت معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات فريق البرنامج والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.