الشريعة والحياة

القرن الماضي من حياة الأمة

أحوال المسلمين مطلع القرن العشرين، الدعوة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني، تقييم الحركات السياسية الإسلامية خلال القرن المنصرم، أسباب تقلص الروح التصالحية في المجتمع، أساليب تنشئة القاعدة التعليمية على مواجهة التحديات.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيف الحلقة:


حسن الشافعي: رئيس الجامعة الإسلامية العالمية – إسلام آباد

تاريخ الحلقة:

05/10/2003

– أحوال المسلمين مطلع القرن العشرين
– الدعوة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني

– تقييم الحركات السياسية الإسلامية خلال القرن المنصرم

– أسباب تقلص الروح التصالحية في المجتمع

– أساليب تنشئة القاعدة التعليمية على مواجهة التحديات


undefinedماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

موضوعنا لهذه الحلقة سيكون حول القرن الماضي من حياة الأمة الذي وُلدت فيه مجموعة كبيرة جداً من الحركات، كلها تقريباً اتفقت على التشخيص بأن الأمة تعاني من مجموعة من الإشكالات الداخلية والخارجية الكبيرة التي لابد من التصدي لها.

بعض هذه الحركات تزيَّ بالزي الإسلامي، وحمل الفكر الإسلامي، وطالب بالإصلاح على أساس إسلامي، بعضها ظن أن الحل يكمن في فكرة أخرى في توجُّه آخر، ولهذا شهدنا مجموعة من الحركات القومية واليسارية والشيوعية حتى الماركسية.

ومع ذلك وبعد مرور قرن من الزمان زادت التحديات لنكتشف مع نهاية القرن الماضي ومطلع القرن العشرين أننا نعيش في وضع أسوأ مما عشناه في مطلع القرن الذي انصرم، مطلع القرن العشرين.

تسيطر على الأمة بشكل عام حالة من الإحباط غير المسبوقة، أهم ما يميزها هذا الخوف من المستقبل، لأول مرة تستشعر الأمة بكافة شرائحها، بكافة أجيالها، بمتعلميها، بجهلتها بأن ثمة ما يحاك لمستقبلها، وأنها تقبل نحو المجهول بطريقة سريعة وبطريقة غير محسوبة، وأهم من هذا ليس الخيار بيدها.

لمناقشة هذا الموضوع وإلامَ ولماذا انتهينا إلى ما نحن فيه؟ يسعدني أن يكون معي الدكتور حسن الشافعي، والدكتور حسن الشافعي هو (رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد) منذ ست سنوات تقريباً، خريج جامعة القاهرة – دار العلوم، كما هو خريج الأزهر أيضاً عام 1963.

حاصل على الدكتوراه من لندن عام 77 من كلية الدراسات الشرقية والإسلامية (ساوس) عام 7؟

د. حسن الشافعي: 77.

ماهر عبد الله: 77، حاضر في جامعة القاهرة، شارك في تأسيس الجامعة الإسلامية، ثم عاد ليدرِّس فيها منذ العام 98، الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، والجامعة كانت محاولة من بعض مفكري الأمة، مصلحيها، أكاديمييها لتقديم نموذج تعليمي أكاديمي متميز ليس حكومياً صرفاً، لكن في نفس الوقت ليس منبتاً عن الحكومات العربية والإسلامية، كما أنه لم يكن إسلامياً حركياً صرفاً رغم إنه أيضاً لم يقاطع الحركية الإسلامية، كان هناك تعاون ربما نادر بين كثير من مَنْ يُصنفون على أنهم من الإسلاميين، وفي حقيقة الأمر تعني المهتمين بالشكل.. بالشأن الإسلامي وليس بالضرورة من الحركيين الإسلاميين، ولكن أيضاً كثير من الحكومات العربية والإسلامية قدَّمت لها الدعم، ولعله في أثناء الحديث سنعرض إلى جزئية متعلقة باعتبار أن هذه تُقدِّم نموذج لما يجب عليه.. يجب أن يكون عليه العمل المؤسسي إذا أحب أن يعني يمتلك (إيفوس) إسلامي، ما يميزها هو ما يُسمى بالإيفوس، لا أدري إذا كان هناك كلمة عربية بديلة لكلمة الإيفوس.

سيدي، أولاً: أهلاً وسهلاً بك في (الشريعة والحياة).

د. حسن الشافعي: أهلاً بكم وسهلاً.

ماهر عبد الله: أنت كتبت في موضوعنا هذا من قبل في فكرنا الحديث والمعاصر.

د. حسن الشافعي: آه.


أحوال المسلمين مطلع القرن العشرين

ماهر عبد الله: لك كتاب أعتقد منشور بها.. بهذا الاسم، باختصار شديد بحكم السن، أنا لن أتهمك بالشيخوخة ولا بالعجز يعني، لكن أنت أدرى مني بحكم المتابعة وبحكم السن بما كانت عليه الأمة في مطلع القرن، طبعاً هذا ليس زعم بأنك يعني عشت أكثر من قرن، كيف عشنا بدايات القرن العشرين مقارنة مع ما نعيشه الآن في ها الجو الإشكالي؟ هل نحن أكثر أملاً؟ هل نحن أكثر إحباطاً؟ هل محاولاتنا الآن أقرب إلى الصحة مع أقراننا، أمثالنا، صورنا المرئوية التي عاشت قبل مائة سنة؟

د. حسن الشافعي: شكراً لك. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد: فأظن حق عليَّ أولاً أن أحييك وأن أحيي هذا البرنامج، وأنا مقيم في قطر في زيارة محدودة، ولكن شاء الله تعالى أن ألتقي (بالجزيرة) وبمشاهديها في العالم العربي وفي أنحاء العالم.

ماهر عبد الله: نعم، حياك الله يا سيدي.

د. حسن الشافعي: فهذا ما أحمد الله تعالى عليه، ثم الكسب الشخصي في اللقاء معك.

ماهر عبد الله: الله يخليك.

د. حسن الشافعي: بالنسبة للسؤال الكبير الذي ألقيته، الواقع إن ما قمت به في هذا الكتاب أو الكتيب هو محاولة لرصد الحالة المصرية، وإن كان في الحقيقة يمكن أن تكون نموذجاً لما هو كان جارياً -وما يزال جارياً- في أنحاء أخرى من العالم الإسلامي، وأيضاً أنا ركَّزت في هذا الجزء الأول من ذلك الكتاب، لأنه لم يكتمل على بعض مسائل أهمها التعليم، ولكن إذا أردنا المقارنة العامة -كما تفضلتم- حال الأمة بوجه عام في مطلع القرن الماضي وحالها في نهايته أنا أظن بأنه هناك أشياء إيجابية وهناك جوانب أخرى أو نتائج أخرى سلبية أظنك.. أظنك ألمحت إلى أهمها، وهو الشعور العام نحو الحاضر والمستقبل، الواقع إنه في مطلع القرن الماضي كان هناك نفس الإحساس أو التطلُّع إلى النهضة، وهذه كلمة، لكن إذا أردنا يعني قليلاً من الإيضاح فهو التطلع إلى استئناف الحضارة الإسلامية، وكانت التيارات السائدة أو الدعوات السائدة عندئذ تتراوح ما بين طرق متعجِّلة يغلب عليها الطابع السياسي مثل جمال الدين، وطرق أخرى فيها نوع من النضج والإدراك للمشكلة الحضارية مثل محمد عبده باختصار، وفي نفس الوقت كانت هناك..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أود يعني سمح لي أستوقفك دقيقة على نقطة عابرة، يعني أنت في تقديرك إن محاولة محمد عبده كانت أكثر نضجاً من جمال الدين؟

د. حسن الشافعي: أنا أعتقد إنه محاولة محمد عبده كانت أكثر نضجاً من حيث إن هو اعتمد التعليم وسيلة لولادة المستقبل، وهذه نقطة.. نقطة نضج، يمكن للتوجيه السياسي وللحركات السياسية أن تحدث شيئاً، ولكنها لا تبني بناءً حضارياً، يمكن أن تغيِّر بعض الأوضاع إلى حين، لكن إذا أُريد كما قلت..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب تسمح لي..

د. حسن الشافعي [مستأنفاً]: إذا خصت بالنهضة إنها استئناف للحضارة.

ماهر عبد الله: طيب تسمح لي.. تسمح لي أقاطعك..

د. حسن الشافعي: تفضل.

ماهر عبد الله: أنت ميَّزت محمد عبده عن شيخه الأفغاني بأنه كان أكثر مؤسساتية، وذكرت تحديداً مسألة التعليم.

د. حسن الشافعي: نعم.

ماهر عبد الله: أنت رئيس جامعة أيضاً صاحبة مشروع تزعم أن سبب ولادتها وجود أزمة تحاول أن.. أن تسد فيها نقص، الآن حتى نكون إحنا عمليين الولايات المتحدة تشعر أنه العالم العربي والإسلامي يعاني من مشكلة، وهذه المشكلة في صميم جوهرها التعليم، لماذا تحتج ويحتج أمثالك من المهتمين بالشأن الإسلامي عندما تنبهنا الولايات المتحدة إلى هذا الخلل علماً بأنك تقر به قبل أن تنتبه أو تتنبه إليه أميركا، بدليل أنك ساهمت مع مجموعة أخرى من.. من الأفاضل في تأسيس هذه الجامعة؟

د. حسن الشافعي: هذا صحيح، أنا أظن إن التنبُّه إلى إشكالية التعليم أو إلى مشكلة التعليم بدأت منذ محمد عبده، ولكن أيضاً تلاميذ محمد عبده أو الجيل التالي له قام بدور جيد في هذا الصدد، ونتيجة أيضاً تطور الأحداث يعني بعد نحو ربع قرن أو ثلث قرن ومجيء أحد تلاميذه وهو محمد مصطفى المراغي مثلاً إلى مؤسسة ضخمة مؤسسة تعليم وهي الأزهر في نهاية العشرينات أو الثلاثينات في أول مرة، لأنه تولَّى مرتين، كان في الحقيقة يحاول أن ينفذ فكر محمد عبده، وأنا في الكتيب البسيط الذي أشرت إليه قلت إن أنضج محاولات التطوير للتعليم الديني وبالأخص مؤسسة الأزهر في مصر تلك التي تمت في مطلع الثلاثينيات 31 أو 32 والتي على أساسها أُنشئت الكليات الثلاث: كلية اللغة العربية، وأصول الدين، والشريعة، وأُنشئ أيضاً ما يُسمى بتخصص المادة لتكوين الأساتذة الذين يعملون في هذه الجامعة، وحدث طبعاً في ذلك الحين خلاف حول الجامع والجامعة وأيهما أفضل، وطبعاً لا نقول بأن الطريقة الأزهرية القديمة كانت خطأً أو كانت يعني فاشلة 100%، ولكن نقول إنها كانت تعاني مما يحس به الناس الآن نحو التعليم الديني، وهو أن الدارسين في هذا المجال يحتاجون إلى أن يتصلوا بالعالم المعاصر، وأن يدركوا حقائقه، وأن يتهيئوا لمواجهة المشكلات التي تعانيها الأمة.

ماهر عبد الله: طب هذا.. هذا بيؤكد يعني يعني أن أعيد طرح السؤال عليك، إذن لماذا نتحسس كأمة عندما تنبهنا الولايات المتحدة الأميركية إلى أننا نعاني من هذه الأزمة؟

د. حسن الشافعي: أنا في الحقيقة لا أعتقد أن الأمة لم تتنبه، وأنها إنما جاءها التنبيه من الخارج، ولكن ما كنت أحاول أن أبينه أن هناك محاولات مستمرة لمواجهة هذا الموقف.. إحساس بأن هناك مشكلة، ولكن محاولات متعددة لمواجهتها، كان أبرزها ما أشرت إليه في مطلع الثلاثينيات، وبعد نحو ثلث قرن آخر أو ربع قرن جاءت محاولة أخرى، لكن أنا أظن أن الأولى كانت أرشد، لأنها كانت انبثاقاً ذاتياً من داخل الحياة الأزهرية نفسها، وأيضاً استجابة للدور العملي الوطني الذي قام به علماء الأزهر فيما يُسمى ثورة 19، فإحساس المجتمع المصري نفسه وإحساس الحياة الأزهرية بوجوب تطوير وسائل ومفهوم إعداد العالم الديني أو العالم الأزهري هو الذي أعطى هذه المحاولة رشدها، بينما كانت الأخرى فوقية أكثر منها انبثاقاً من داخل الحياة الأزهرية، يعني.. يعني حضرتك أشرت إلى أنه في الربع الأخير من هذا القرن حدث إحساس آخر بهذه المشكلة وهو ظهور ما يسمى بالجامعات الإسلامية، لأنه الذي حدث أنه في أحد.. أحد مؤتمرات المؤتمر الإسلامي.. منظمة المؤتمر الإسلامي صدر قرار بإنشاء ثلاث جامعات، واحدة في إسلام آباد، والأخرى في كوالالمبور، والثالثة في إفريقيا، وبدأت هذه الثلاث وربما ظهر إلى جانبها مؤسسات أخرى، فكان هذا أيضاً إحساساً بأهمية التعليم في مستقبل الأمة، وهذا بدأ منذ ربع قرن قبل أن تأتي التوجيهات الخارجية أو التنبيهات الخارجية، فإحساس الأمة بأن هذا المرفق بالذات هو باب المستقبل أو هو نافذة المستقبل، وإحساس الأمة أيضاً بأن الذي يجري ليس على المستوى المطلوب هو أن الأمور تقتضي محاولات للإصلاح أو نموذج جديد للعمل موجود وتعبِّر عنه هذه المحاولات المتعاقبة سواء منها ما على تفاوت درجاتها في.. في النجاح أو في الرشد، وأنا أظن بأن التعليم الديني، وهذا هو ما يعني يثير التعقيبات الراهنة يحتاج.. وبالأخص إذا جاز لي يعني بما أني يعني واحد من.. من العرب أو من العالم العربي، لكني أقيم الآن في منطقة جنوب شرق آسيا وبالذات في عاصمة باكستان، أنا أظن إن التعليم الديني قام برسالة طيبة خلال القرون الأخيرة في ظل احتلال بريطانيا، ولكن نتج عن هذا نوع من التقوقع، العادة دائماً عندما يحس الناس بأنهم معزولون وأنهم في خطر أنهم يميلون إلى التقوقع.

ماهر عبد الله: طب تسمح لي نستوقفك دقيقة بس نتوقف مع فاصل، هنعود لمواصلة هذا الحوار.

د. حسن الشافعي: تفضل.. تفضل.

ماهر عبد الله: نذكركم قبل الانتقال إلى الفاصل بأنه بإمكانكم المشاركة معنا في هذه الحلقة إما على رقم الهاتف: 4888873.

أو على رقم الفاكس: 4890865.

أو على الصفحة الرئيسية (للجزيرة نت) على العنوان التالي:www.aljazeera.net

[فاصل إعلاني]


الدعوة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني

ماهر عبد الله: سيدي، تحدثت عن رؤيتك لحالة من التقوقع تصف.. تصبغ الحالة الدينية التعليم الديني، من أيام قليلة فضيلة شيخ الأزهر تحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، مازال سؤالي قائم إذن لماذا نتحسس عندما ينبهنا الآخرون إذا كان في هذا الإقرار يعني بأن هناك أزمة نعاني منها، نواجهها، نحاول إصلاحها، ألا يمكن لنا أن نحسن الظن بأن الذي ينبهنا إلى هذا الخلل من الخارج يقول.. يرى مثلما ترى هذا التقوقع، يرى مثلما يرى شيخ الأزهر بأنه لابد من شيء من التعديل في الخطاب الديني، فلماذا لا نحسن الظن به ونقول أنه ثمة دعوة للخير لهذا الأمة في هذه التنبيهات؟

د. حسن الشافعي: في الحقيقة أنا لا أدعو إلى سوء الظن بأي حال، وإن كان في العادة أنا كما قلت لحضرتك، ويعني دعني أستشهد بشيء بسيط: كان (سقراط) يقول: إنني أمتهن مهنة أمي، كانت أمه قابلة تستقبل المواليد، غير أنني أستقبل الزراري العقلية، فالزراري العقلية أو الأفكار التي ستتولد من هذا الحوار أنت المسؤول عنها، إن كانت سليمة فهي تعود إليك وإن كانت غير ذلك، فنسأل الله المغفرة.

على كل حال، ليس بالضرورة أن تكون التنبيهات الخارجية باطلة أو خاطئة أو لا تعبِّر عن واقع، ولكن أنا أردت أن أذكِّر حضرتك بشيء واحد، وهو المقارنة بين محاولتين للإصلاح، وفي داخل نفس المؤسسة الأزهرية، لعل حضرتك استشهدت، فاعتقادي وقد حاولت أن أثبت هذا في دراسة علمية في ذلك الكتاب أن محاولات مطلع الثلاثينيات كانت أرشد وأن الظروف كانت أفضل، والفرق أن ذلك كان انبثاقاً ذاتياً من داخل الحياة الأزهرية والفكر الأزهري نفسه، وأيضاً الفكر الوطني لأن المؤسسات تحتضنها مجتمعات، وكان هذا اعتداداً واعترافاً بدور الأزهر في الحركة الوطنية، وأن الفترات القادمة أو النهضة المنشودة تقتضي أزهرياً جديداً أو متعلماً جديداً، هذه واحدة.

أما ذلك الآخر التي تم في مطلع الستينات مع ما فيه من جوانب إيجابية، وأنا أحد من عاصروه أو شاركوا فيه، عانوه طالباً ثم معلماً، فكان فوقياً، كانت طريقة للإصلاح تستهدف الإصلاح، والفكرة فيها سديدة، ولكن لأنه لم يكن انبثاقاً ذاتياً وإحساساً من داخل الحياة، لم ينجح، ففي العادة أن الأفكار وإن كانت صحيحة، ولكن إذا جاءت.. وهذا ينقلني أيضاً إذا أذنت لي إلى الحالة في جنوب شرق آسيا، ومنها شبه القارة الهندية الباكستانية، إنه هناك مؤسسات تعليمية، -كما قلت- قامت بدور تاريخي، على الأقل حفظت العقيدة والتراث، في ظل حكم استعماري لم يكن يهتم بهذا اللون من التعليم، بل كان يعزله ويعزل أصحابه، هؤلاء ليسوا مستعدين بالرغم من الإحساس، يعني بعض كتابهم هناك مثلاً الشيخ تقي عثماني كتب كتاباً بعنوان "نظرة في تاريخ التعليم الديني في الهند وباكستان" هو يعترف بأن هناك نوعاً من القصور أو نوعاً من ضيق الأفق التربوي داخل هذه المؤسسة، وأن هناك أيضاً نوعاً من التشدد إن لم نقل التعصب المذهبي، بل أحياناً يكون تعصب طائفي وليس مذهبياً فحسب، مذهب يعني نوع من الفكر، إلى غير ذلك، فالإحساس بالمشكلة موجود، ولكن لأن هناك توجيهات حتى من الداخل، ولكن من سلطات تريد أن تؤثر على هذه المؤسسات التي لم تعهد هذا النوع من التدخل الخارجي، فهم ليسوا مستعدين، ولذلك نحن نعتقد أنه لو تم نوع من التفاعل والتعاون بين الجامعة الإسلامية كمؤسسة تربوية جامعية وبين تلك المؤسسات، وهذا ما شرعنا فيه بالفعل، ربما يكون أنجح من محاولات سلطوية.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله: مرحباً بكم مجدداً في هذه الحلقة من برنامج (الشريعة والحياة) والتي نستضيف فيها الدكتور حسن الشافعي (رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد)، والذي كتب حول موضوع حلقتنا أكثر من.. من كتاب، بعضها تحدثنا عنه قليلاً في هذه الحلقة عن فكرنا الحديث والمعاصر، بعضها كتب يمكن إدراجها عموماً تحت باب الفلسفة، "الفلسفة الإسلامية منهج وتاريخ"، و"مدخل إلى دراسة علم الكلام الإسلامي".


تقييم الحركات السياسية الإسلامية خلال القرن المنصرم

سيدي، تحدثنا عن التعليم ذكرت أو أشرت إلى تجربتين، حاولت أن.. أن تقارن بينهما، بلا شك أن التعليم مسألة مهمة وخطيرة وحساسة، لكن ثمة مسألة أخرى، محور آخر إذا شئت، بُعد آخر في محاولة الخروج كانت أو تمثلت ببروز مجموعة من الحركات السياسية التي اعتمدت على أيديولوجيات على قناعات، على أفكار بعضها إسلامي وبعضها غير إسلامي، خلال القرن ومنذ نهايات القرن التاسع عشر وهناك حديث عن ضرورة تجديد أيضاً سياسي، بعضهم نادى بالتعليم الديني.. التعليم كجزء منه، لكن مع سقوط الخلافة وتفتت الأمة دويلات كان واضح إنه صار توجه سياسي ظهرت حركات إسلامية، ظهرت قومية، ظهرت حركات يسارية على مختلف توزيعات الطيف اليساري، بعد مرور هذا القرن مازالت هذه الحركات ربما بنفس الأسماء وعلى الأرجح بنفس المسميات أيضاً، يعني حتى التجديد، باختصار في.. في هذه المائة سنة التي انقضت، كيف ترى بأثر رجعي محاولات هذه الحركات خلال السنوات الماضية؟

د. حسن الشافعي: بسم الله الرحمن الرحيم. دعني أحاول أن أعود إلى السؤال الأول الذي بدأتم به مشكورين هذا الحوار، وهو المقارنة بين مطلع القرن العشرين ونهايته، بالرغم من التسليم بأن هذه المحاولات بدأت في التاسع عشر أو..، ولها تاريخ وتراث، الواقع إن أي مقارنة لأن السؤال الأساسي هو لماذا يشعر الناس بالإحباط والخوف من الحاضر والمستقبل؟

أنا أظن إنه من واجبنا أن نحاول بنوع من صفاء الذهن وهدوء الأعصاب أن نستعرض اللحظتين التاريخيتين البداية والنهاية، فأول ما أريد أن أذكره في هذا الصدد أن حالة البلاد العربية والإسلامية في ذلك الحين وحالتها في سنة 2000 مثلاً تختلف كثيراً إيجابياً لصالح اللحظة الراهنة، فقد كان العالم العربي -على الأقل كما نعلم جميعاً- كله تحت الاحتلال، حتى إن محمد عبده الذي ذكرناه لم يستطع أن يعود.. يدخل مصر مرة أخرى إلا بنوع من التواؤم مع السلطة الشرعية والسلطة الفعلية حينذاك المتمثلة في (كرومر) أو غيره، نعم لا أقول إن الرجل غيَّر أفكاره أو مبادئه، ولكنه لكي يمارس دوره اضطر لهذا التواؤم، الأمر يختلف الآن لأن إحنا عندنا بؤرات من.. من عدم اكتمال الاستقلال، لكن تم ضرب من الاستقلال في عديد من البلاد الإسلامية والعربية، بل في كلها إلا أجزاء صغيرة.

الأمر الثاني: وهو ما أشرتم إليه إنه حدث حربان عالميتان وبينهما حَدَثَ حَادث ضخم بالنسبة للعالم الإسلامي وهو سقوط الخلافة العثمانية.

الأمر الثالث: أنه تنامى جداً، بل كاد يسيطر على الساحة العربية والإسلامية المشروع الصهيوني الذي قام في فلسطين.

ورابعاً: أن هذه الفترة فيما بين الحربين العالميتين أو في خلال النصف الأول من القرن على الأقل في الربع الثاني من هذا القرن كان هناك عصر ليبرالي يتمتع الحكم الوطني الذي نشأ في هذه البلاد أو أكثرها بنوع من الليبرالية في الحكم أو الحكم الدستوري القائم على الحريات وحقوق الإنسان، كل هذا كان له أثر.. آثار طيبة وآثار سلبية كما نعلم، وما أشرتم إليه من أنه الحركات التي ظهرت خلال هذه الفترة وبالأخص في النصف الأول طبعاً لم تكن كلها إسلامية، نعم ربما أنا أركز على الجانب الإسلامي، لأننا في برنامج (الشريعة والحياة) ولأننا نتكلم فعلاً عن ما يمكن أن يقدمه الدين للحياة، وهو الدين الإسلامي، ولكن الحركات اليسارية وإذا أخذنا مصر نموذجاً ولها امتداد.. امتداداتها في البلاد الإسلامية الأخرى، ربما أكثر من مصر، فقد بدأت منذ بداية العشرينات، ووصلت إلى وجود بارز في الأربعينات وأواخرها وفي مطلع الخمسينات، المشهد في نهاية القرن في الحقيقة يعطي نوع من الجزر أو من التقلص للاتجاهات اليسارية على اختلاف درجاتها، وأظن هذا يعني يمكن أن نتفق عليه، بل يتفق عليه أصحابه أنفسهم إذ يبحثون عن مقولات جديدة وأطروحات جديدة لكي يمارسوا دورهم في النهضة، أنا لا أقول هؤلاء الناس عملاء أو أنهم خارجون عن الإطار النهضوي أو الحضاري، هم يحاولون بأسلوبهم أن يحققوا نفس النهضة.

ماهر عبد الله: صحيح.

د. حسن الشافعي: وربما كان لهم دور ينبغي أن نعتد به، ولكن الآن اختلفت الدعوة التي كانوا أو الأطروحة التي كانوا يتبنونها، ومالوا إلى ضرب جديد من الأسلوب النهضوي الحضاري، فإذا جاز أن ننتقل من النصف الأول إلى النصف الثاني، وأنا أعتبر نفسي لا أدعي أنني شاهد قرن كما يسمي الناس أنفسهم، ولكن شاهد نصف قرن على الأقل، فنصف القرن الأخير من القرن الماضي شهد -كما أشرتم- حركات واتجاهات عديدة، بعضها امتداد لما كان في النصف الأول، وبعضها أشياء جديدة، أعتقد إنها إذا كانت موجودة في مصر فأمثالها موجودة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فهناك اتجاه الحركات العنيفة التي تتبنى العنف في تغيير المجتمع، وهناك امتداد للاتجاه الإصلاحي الذي بدأ في النصف الأول، وهناك أيضاً بقاء لبعض الاتجاهات اليسارية والمتحررة، وهناك اتجاهات سلفية متفاوتة أيضاً تتبنى هذا النهج السلفي، فهذه الحركات مارست دورها خلال النصف الثاني تقريباً أو إن شئت الثلث الأخير من هذا القرن، وأنا أظن بأنه حصيلة الإنجازات كانت محدودة نعم لا أنكر بأن هذه الحركات جميعاً أعطت نوعاً من الوعد ونوعاً من الخبرة بأساليب.. يعني ما كان.. ما أشرنا إليه من اختلاف بين جمال الدين ومحمد عبده تجسد في بعض هذه الاتجاهات، وأيضاً ما كان ينادي به محمد عبده من الاستعلاء على المذهبيات والعودة -نوع من السلفية الليبرالية أو المتحررة- والعودة إلى الكتاب والسنة دون التزام بمذهبيات، ظهر أيضاً.. ولكن ظهرت مقابلات له، فهناك من يقول: لأ، لابد من تحديد النهج الحضاري الجديد بأن يكون سلفياً بمعنى مواجهة الأفكار الأخرى الإسلامية، وقد يعجب البعض إن هو يحارب مثل (دون كيشوت) يعني خصوم غير موجودين على الساحة، كان.. كأن يتكلم عن الاعتزال أو نحوه، وأيضاً الاتجاهات العنيفة التي أشرت إليها كانت نوعاً من الرفض..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: بس تسمح لي يعني أنت تحاول أن تعطي صورة فيها شيء من.. من الإيجابية، لكن يعني لو سألنا السؤال التالي بغض النظر عن إنه الأفغاني كان مستعجلاً ومحمد عبده كان أكثر عمقاً، تلك المرحلة شهدت مجموعة من الرموز، لو.. لو اختصرنا المسألة رمزياً في مجموعة من الشخصيات، كنا نسمع في تلك المرحلة عن شخصيات تركت بصمات، كل العالم الإسلامي من السلطان عبد الحميد إلى إنجلترا.. إلى فرنسا كان.. تعرف جمال الدين الأفغاني أنه صاحب مشروع، محمد عبده صاحب مشروع، الإنجليز اعترفوا به، الأزهر اعترف به، الحكومة المصرية اعترفت به، ساطع الحصري ترك بصمات، بغض النظر عن رأيك في.. في توجهاته وحقيقة مضامين ما دعا إليه، كان مجموعة من الشخوص التي تركت بصمات واضحة تتحدث عن مشاريع، بغض النظر عما آلت إليه هذا المشاريع.. هذه المشاريع، جزء من سوداوية الصورة التي نعيشها اليوم إنه غياب الرمزية، يعني مَن.. أو كم شخصية إسلامية اليوم؟، إسلامية بالمعنى العام في باكستان، في الهند، من مختلف التيارات التي تجاوزت حدودها القُطرية مثلاً؟ يعني ممكن أعطيك مثالاً نتحدث مع فضيلة العلامة الدكتور القرضاوي شخصية متميزة بلا نقاش لو استثنينا هذه الشخصية، من هي الشخصية المسلمة العابرة للقارات، العابرة للحدود؟

د. حسن الشافعي: أنا أعتقد..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: التي فرضت نفسها، وتتحدث عن مشاريع تهم الأمة من حيث هي أمة؟

د. حسن الشافعي: أما عن شخصيات كما عبرتم واقترضتم هذا التعبير عابرة للقارات فهي موجودة فيما أظن إلى جانب الدكتور يوسف القرضاوي، وقبله وبعده فأنا لا.. يعني لا أنسى في هذا الصدد مولانا أبو الحسن الندوي، لقد كان شخصية ضخمة بكل المقاييس عابرة للقارات، ومارس هذا الدور نحو أربعين عاماً على الأقل إن لم يكن خمسين عاماً، لا شك إن الشيخ محمد الغزالي في مصر، وكذلك الشيخ الشعراوي مارس.. مارس نوعاً من التأثير الفكري في العالم العربي على اتساعه، وربما في أجزاء من العالم الإسلامي.

المشكلة التي أشرت إليها بنوع من الفوضوية أو نوع من الاضطراب نعم، الفكر الديني والخطاب الديني -إن جاز لنا أن نقول هذه العبارة- أصابه أو اعتراه نوع من الفوضى ونوع من الاضطراب وهو الذي أثمر ما نعانيه الآن من إحباط، لأنه هذه المحاولات العنيفة أثبتت فشلها، وأيضاً الدعوة السلفية المتشددة بدأت تشعر بأنها ليست الجواب الصحيح عما يواجهه العالم الإسلامي، وأن الانشغال بقضايا العقيدة إلى حد تكفير الآخرين أو الحكم على الأشاعرة أو على أبي حنيفة أو على الماتريدية بأنهم خارجون، ليس هو العمل الصحيح..


أسباب تقلص الروح التصالحية في المجتمع

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: تسمح لي بس كونك ذكرت.. ذكرت العنف، ألم تصبح ظاهرة الآن ملموسة لكل من يراقب هذا الوضع على مدار القرن هو أحد تتويجات الفكر الإسلامي، بغض النظر عن التفاصيل، نحن نتحدث عن.. عن مسار عام، عندما تتحدث عن قرن لا يمكن أن تدخل في التفاصيل إلا لتذكر مثالاً أو مثالين، لكن كتوجه عام ألا ترى أن قضية العنف، قضية الاستباحة، التكفير، التخوين إذا كان الخطاب قومي، الإخراج من الملة، الاتهام هنا والاتهام هناك، أليس هو الطابع العام.. يعني مازال الفكر العربي والإسلامي، وأنا لا أقصد هنا الإسلامي الحركي، كل من هو مسلم، حتى لو كان مسيحي مسلم ثقافة، ثقافة الحوار، ثقافة التصالح، لم تكن هي النتيجة لمائة سنة من هذه الحركات من الإصلاحات التعليمية، مازال مجتمعنا يفتقر إلى ثقافة تصالح، ثقافة تصالح المجتمع مع نفسه والحركات فيما بينها، بغض النظر الإسلامية فيما بينها أو الإسلامية مع القومية، أو هذه وتلك مع.. مع اليسار، كيف لنا أن.. أن ننظر بإيجابية ونحن نرى أن المنحنى يسير باتجاه تكريس انعدام هذه الروح التصالحية في المجتمع؟

د. حسن الشافعي: أشاركك تماماً أنه من.. من أكثر الظواهر السلبية في حياتنا المعاصرة هذا النوع من التخوين والتكفير بصوره المختلفة، بصرف النظر عن أن هذا يقع من إسلاميين أو حتى يقع من يساريين يخوّنون خصومهم، أو يقع ضد يساريين أو إلى آخره، وهذا مما يضيف إلى حالة الإحباط الراهنة، لأنه إذا كان الكل يتخاونون ويتهمون بعضهم البعض، فمن الذي يمكن الاعتماد عليه عندئذٍ؟ هناك لا شك حرص أو حاجة إلى ثقافة الحوار وإلى نوع من الثقة المتبادلة، وإلى نوع من الاعتداد بمحاولات الجميع إلى الخروج من المأزق النهضوي والحضاري، وأنا أظن بأنه أخريات هذا القرن شهدت نوع من الفشل للتيارات المتشددة والعنيفة، ليس العنف فقط في.. في اليد أو السلاح، ولكن -كما أشرتم- التخوين هو سلاح من استخدام العنف الفكري، فأنا أظن إنه برغم ما شهده النصف الثاني من القرن الماضي من ظهور وتنامي الحركات العنيفة، ليس فقط في مصر، وإنما في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي، وبالرغم من أن هذا كان أيضاً استجابة أو نوع من التأثر لظروف محلية وخارجية، يعني إحنا تكلمنا عن المشروع الصهيوني، وتكلمنا أيضاً عن سقوط الاتجاه الليبرالي، وتناقصه أو ضعفه وغلبة أساليب أخرى في الحكم، ليس فقط في بلد واحد، وإنما في عديد من البلاد، هذه الظروف أضافت أو أعطت فرصة لنشوء هذه الاتجاهات العنيفة، فلا ينبغي أن نغفل ذلك، يعني نحن لا ندين فقط هؤلاء، وإنما نقول إن أخريات القرن شهدت نوع من التوصل إلى نتيجة لفشل هذه الاتجاهات، وأنها ليست هي الجواب الصحيح لمن يبحث عنه.

ماهر عبد الله: طيب اسمح لي نسمع من الإخوة المشاهدين، نسمع من الأخ عبد اللطيف الشرع من فلسطين، الأخ عبد اللطيف تفضل.

عبد اللطيف شرع: بسم الله، السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله، تفضل.

د. حسن الشافعي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: تفضل.

عبد اللطيف شرع: بسم الله، السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام تفضل يا أخ عبد اللطيف.

د. حسن الشافعي: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد اللطيف شرع: هذه يا أخي مشاركة بسيطة إن شاء الله ومختصرة جداً، أقول: إن هذه الحلقة وأمثالها محاولات لتسليط الضوء على مشاكل الأمة، كما هي محاولات لحل هذه المشاكل التي تحيط بالأمة، وهنا كان الكلام عن الحركات الإسلامية وغيرها، ودورها في حياة الأمة، وهنا أقول أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يجلس يبحث عن المشاكل من أجل وضع حلول لها، ولكن بدأ التأسيس لحياة جديدة، فكان العمل الدؤوب من أجل البناء الجديد، رغم وقوف كل الطواغيت في وجهه عليه السلام، وهنا أختصر فأوجه هذه الرسالة للأمة تحت عنوان "أثر الكهوف في حياة الأمة المسلمة"، واختصاراً لهذا العنوان العجيب، الذي يندرج تحته كثير من المعاني، أذكر الأمة المسلمة بأن هناك سورة كاملة من القرآن الكريم سماها الله عز وجل سورة الكهف، وهي تحكي قصة الفتية المؤمنين، كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدأ الدعوة من كهف، فكانت انطلاقة الدعوة من غار حراء، وكذلك كانت انطلاقة الدولة من كهف، من غار ثور، وقصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الكهف، فالكهوف لها أثر في حياة الأمة المسلمة، وهنا أيها الإخوة، أيتها الأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها نقول: أننا اليوم يجب علينا أن نلتف حول المجاهدين الصادقين من أبناء الأمة، الذين ليس لهم مأوى إلا الكهوف، فالإسلام -كما قال صلى الله عليه وسلم- بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، فالإسلام بدأ غريباً من الكهوف وها هو يعود غربته من جديد ومن أجل بناء الأمة…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أخ.. أخ عبد اللطيف، يعني أنا أعتقد إنه هذه يعني نكتة أدبية راقية جداً، ولفتة ذكية، أما إذا كنا سنتفق مع نتيجتها أو لا.. فموضوع ثاني.

عبد اللطيف شرع[مستأنفاً]: من أجل بناء الأمة من جديد وإعادة نهضتها، وهذه بشرى…

ماهر عبد الله: مشكور جداً يا أخ عبد اللطيف مشكور جداً، قلت لك يعني لفتة بلا.. بلا شك أدبية، وأظن شاعرية لطيفة تستحق أن.. أن.. أن ينظر فيها لكن نسمع التعليق بعدين من الدكتور عليها، نسمع أولاً من الأخ جعفر عبد الرازق من قطر، أخ جعفر تفضل.

جعفر عبد الرازق: السلام عليكم أخي ماهر.

ماهر عبد الله: عليكم السلام، تفضل.

جعفر عبد الرازق: وتحية لضيفك الكريم، هو يعني ابتداءً أنا لست في السلك التربوي، ولكن أريد أسمع من أخونا الدكتور حسن يعني هو الآن يتربع على قمة الهرم التعليمي في رئاسته للجامعة الإسلامية، وهو يدرك أهمية التعليم في بناء هذه الأمة، فلا أدري إن كانت له يعني تعليق أو رأي في اهتمام الأمة الإسلامية بعكس رأس الهرم، وهو قاعدة الهرم، ابتداءً من.. من أبناء.. أبناءنا وتلامذتنا في.. في المدارس الابتدائية، لأنهم هم يعني أمل هذه الأمة في المستقبل، إن كانت يعني أجيالنا أو جيلنا قد يعني فُقد فيه.. يعني منه الأمل، فلا ندري يعني مدى اهتمام الأمة الإسلامية بقاعدة هذا الهرم، نرجو يعني سماع تعليق الدكتور.

ماهر عبد الله: مشكور جداً الأخ جعفر. سيدي، سؤال الأخ عبد اللطيف أعتقد كان واضح لك، لك تعليق عليه، يعني هذه.. هذه حالة الأمة، يعني لسان حال الأخ عبد اللطيف، هو لسان حال -أزعم- القطاع الأوسع من الأمة العربية والإسلامية، أنت تعيش حالة حصار لا يسمح لك بالتنفس ولا بالراحة ولا بالعيش ولا بالنهوض ولا بالتعليم، فليس (ذكاء) كما قال الأخ عبد اللطيف إلا الكهوف والانتقال في.

د. حسن الشافعي: أثر نموذج للرسول صلى الله عليه وسلم أو أثر جهات خاصة؟

ماهر عبد الله: كلاهما.

د. حسن الشافعي: بسم الله الرحمن الرحيم. أنا أولاً أشكر كلا الأخوين، وأعتقد بأنه من ينادي بالحوار فتبادل الأفكار على هذا النحو هو الذي ينضج.. ينضجها، فبالنسبة للسؤال الأول الأخ الأستاذ عبد اللطيف عن أثر بوجه عام أثر القرآن الكريم ونهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، رغم ما كان يواجه -كما قال- من عديد من الطواغيت، نحن متفقون تماماً لا شك أنه ليس بيننا خلاف على ذلك، لكني أقول له إن تنزيل القرآن على الظروف الراهنة هو المسألة، فليست المسألة أن أقول كل الحركات الإسلامية تقريباً كلها تنادي بالعودة إلى الكتاب والسنة، ولكن المسألة هو كيف يمكن أن ننزل الهدايات القرآنية؟ وأيضاً أن نستعيد النموذج النبوي في الظروف الحاضرة؟

وأما دور الجهاد و.. فنحن جميعاً نعتقد بأن واجب الأمة هي أن تواجه، وقد أشرنا إلى أنه من مواريث نصف القرن الأول تنامي المشروع الصهيوني، وهذا هو الذي وضع الأمة في مواجهة مع قوى محلية ودولية، فنحن لا نتهرب من المشكلات، نحن نرصدها ونوصفها، ونتكلم عنها بكل أمانة، لكن يبقى إنه كيف يمكن أن نعود فنستخدم، هناك من يقول بإتباع السيرة النبوية سنة بسنة وعاماً بعام، ويعني مجرد استنساخ نفس الوضع القديم، وأنا أظن بأن هذا الأسلوب قد أثبت فشله، وأن المسألة تحتاج إلى عقول مجتهدة ومفكرة لكي تنزل الهدايات القرآنية والنبوية على الواقع المعاصر.

ماهر عبد الله: طيب، كان فيه جزئية أخرى من كلام الأخ عبد اللطيف، اللي هي الجزئية الأولى، أنه الرسول صلى الله عليه وسلم يعني لم يجلس لتحليل سلبيات وإيجابيات العصر الماضي، هو لم يشغل نفسه بذلك أبداً، إنما هو انطلق -كما زعم الأخ عبد اللطيف- بتأسيس مشروع جديد لحياة جديدة.

د. حسن الشافعي: أنا أعتقد أن هذا غير صحيح، وأرجو أن يقبل مني الأخ عبد اللطيف وأمثاله، أن القرآن الكريم إذا كان قد تحدث عن العقيدة الإسلامية، فقد تحدث أيضاً عن العقائد الأخرى، وناقشها تفصيلاً، وتعرض لها بالبرهان، ووضع هذا النهج (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) وساق الحجج، ليس فقط على صحة الأطروحة الإسلامية وإنما على فساد وبطلان ما يخالفها، فهذا هو القرآن، ولو أننا عدنا إلى النهج القرآني فمعنى ذلك أن لابد أن نحدد مسار النهضة، وأن نبين المخاطر التي تترصدها وهذا هو ما نحاوله الآن، وما يحاوله غيرنا، نحن فقط نلقي الضوء على بعض هذه المحاولات التي تمت في القرن الماضي، فالواقع إنه الاتباع الحقيقي لمنهج القرآن الكريم هو هذا الأسلوب، وأن نتعرض للأطروحات المختلفة التي طرحت للخروج من المأزق الحضاري، وأن نحاول أن نتعرف بشيء من الإبداع والاجتهاد أنسبها للظروف الراهنة، فهذا ما أقوله للأخ عبد اللطيف، أما بالنسبة لأخونا جعفر إذا أذنت..


أساليب تنشئة القاعدة التعليمية على مواجهة التحديات

ماهر عبد الله: سؤال الأخ جعفر كان عن.. هو.. هو اتهمك بالجلوس على قمة الهرم التعليمي، سؤاله الأول..

د. حسن الشافعي: أنا لا أدعي طبعاً أنني من رجال القمة ولا شيء، وأنا مجرد معلم في نظر نفسي، ولكن الذي حدث…

ماهر عبد الله: لأ، هو.. هو سؤاله.. سؤاله إنه هو الاهتمام حتى ما تفضلت به في.. في.. في هذا الحوار، تحدثت عن الأزهر، تحدثت عن الجامعة كأنه انصرف الذهن عندما نتحدث عن التعليم ينصرف الذهن إلى المراحل المتأخرة من التعليم، يعني إذا سمح لي الأخ جعفر بإعادة صياغة جزء من كلامه، هو.. هو الأساس ليس هنا، يعني هذه مرحلة تتويجية يصبح فيها الطالب قادر على الأخذ والعطاء معك، لكن في مرحلة أخرى الطالب يسلم لك تمام الإسلام عقله وذهنه، لأنه غير قادر على.. على غير هذا، إلى أي مدى؟ هل كان هناك مشاريع في القرن الماضي؟ هل نحن الآن واعون بأهمية هذه المرحلة؟ ولعله عندما يجري الحديث الآخر والتنبيه هو للمرحلة السابقة هذه، خصوصاً إنه هو تحدث عن المدارس الابتدائية تحديداً.

د. حسن الشافعي: هناك نقطتان في هذا الصدد بالنسبة للأخ الأستاذ جعفر، أولاً أنني أشاركه تماماً في أهمية القاعدة، ولا قمة إلا إذا كانت هناك قاعدة، والدليل على هذا أننا بدأنا كلامنا بالحديث عن نموذج أو مثال شبه القارة الهندية الباكستانية، وأن التعليم الديني هناك ما ملامحه الراهنة، وماذا يرجى له؟ فنحن عندئذ كنا نتكلم على القاعدة وليس عن القمة، ولكن النقطة الثانية أن القمة في غاية الأهمية.

ماهر عبد الله: القاعدة التعليمية.. القاعدة التعليمية حتى لا نفهم خطأ بس.

د. حسن الشافعي: التعليم في.. التعليم الديني في شبه القارة، هو كلام عن قمة.. عن قاعدة التعليم الإسلامي، وهذا لا تُنكر أهميته، ولابد لنا من البحث عن نموذج جديد وطريقة جديدة لإصلاحه، وقد تعرضنا للعديد من هذه الجوانب، وذكرنا أمثلة، وكيف أن الأفكار الخارجية أو الأفكار السلطوية لا تلقى رواجاً كبيراً، بل تلقى مقاومة في الحقيقة، حتى لو كانت صحيحة في ذاتها.

الأمر الثاني: أن المسؤول بالقمة أو التعليم الجامعي، هو الذي يعد القيادات، فهو الجزء التوجيهي في العملية التعليمية بل في ما يسمى بقيادة النهضة أو التنمية، قادة التنمية هم الذين يعدون في التعليم الجامعي، وليسوا يعدون في التعليم ما قبل الجامعي، نعم هذه تُوّرِّد، فهي الموارد وهي المصادر، ولكن القادة الذين يصوغون وينفذون على الأقل النمط أو النموذج التنموي والحضاري، هم أولئك الذي تعدهم الجامعات، ومن ثم كانت الأهمية، ولذلك أنا أستسمحك في أن نعود فنتكلم عن هذا النموذج الذي بدأ في ثلث القرن الأخير، أو في ربع القرن الأخير الماضي، بما يسمى أو بما سمي بالجامعات الإسلامية.

ماهر عبد الله: طيب أنا سنعود إليه، بس خلينا نسمع من أولاً من الأخ عبد الكريم الأحمد من المملكة المتحدة، أخ عبد الكريم، تفضل.

عبد الكريم الأحمد: أهلاً يا أخ.. أخ ماهر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: وعليكم السلام، حياك الله.

عبد الكريم الأحمد: أحييك وأحيي ضيفك الكريم، وما راح أخد من وقتك كثير، لأنه نبهوني بعض الإخوان.

ماهر عبد الله: تفضل.

عبد الكريم الأحمد: بس أحب أطرح لأول مرة نقطة حقيقة أنا أبيِّن عندي خطف سابقاً، وإنه اتهمني كلمة كبار إخواننا مع الأسف بعض العلماء، دائماً يحبون يخرجوني من الملة، وردت تهم لشيخنا الكريم القرضاوي في حلقة من حلقاته بأنه تحريف، أنا ذكرت بأن الشيخ عبد الودود.. عبد الودود شلبي هو سكرتير الشيخ محمد.. محمود شلتوت وليس البشري، سليم البشري، وجلَّ من لا يخطئ.

فالمهم أنا عندي نقطة أساسية، قد يتفق معي الضيف الكريم، يمكن هو قاري الدستور اللي وضعه (سيرجي نيجاييف) اللي.. المسمى بالعدمية، والحركات العدمية، والثورية العدمية، حقيقة اللي يطلع على حركاتنا الإسلامية، لأول مرة الشخص القاري لهذا الدستور مال سيرجي نيجاييف، يشوفه بالفعل كأنه مطبق فعلاً بالفعل.. بالفعل.. تطبقه حركاتنا الإسلامية بحذافيره، واحدة من عندها.. واحد من عنده..

ماهر عبد الله: ممكن أخ عبد الكريم إذا عندك جوال بس تبعده عن الهاتف اللي في يدك، ok، تفضل.

عبد الكريم الأحمد: أنا قطعته.. قطعت هذا جاري الاتصال، قطعته بس.. بس أكلم.. أكلم.. أكلم.. أكلم في نفس النقطة، أذكر لك النقطة..

ماهر عبد الله: تفضل.. تفضل.. تفضل..

عبد الكريم الأحمد: من أحد المبادئ سيرجى نيجاييف لأنه حقيقة جداً به أفكار جداً عظيمة، الواحد إذا يطلع بيها بيشوفها بالفعل تطبقها بعض الحركات الإسلامية، يقول بأحد مسائل.. المبادئ اللي بيقول فيها، يقول يعني.. يجب أن يؤمن الثوري في أعماقه إيمانا نهائياً بأنه قد قطع كافة علاقاته بالمجتمع قولاً وعملاً، وألغى ارتباطه بالحضارة الإنسانية وقوانينها وأخلاقياتها، ووقف منها جميعاً موقف العداء الحاسم، وأن العلاقة الوحيدة التي تقوم بينه وبين المجتمع هي تدمير ذلك المجتمع، يعني أنت شفت تياراتنا التكفيرية كلها تدمير أساسي للمجتمع، أنا حتى لا أتهم أنا سابقاً، لأنني أدافع عن طائفة وطائفة، مجرد لإحقاق الحق لا أكثر، لأنه حقيقة إحنا .. بعض الحركات.. بعض حركاتنا الدينية تريدنا أن نعيش بأجسادنا في الوقت المعاصر وعقولنا في الماضي، بخلاف ما نبهنا به القرآن والرسول الكريم، بأن عقولنا أنت تعيش.. في.. في الأوقات المعاصرة، وليس بأجسادنا ويكفي بأن عندنا آيات كثيرة، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، هذا خطاب للعقل وليس للبدن، يعني قلت اللي اجعلوا أبداننا، ألبسوا تزيوا بالزي الأولي السابقين السلف، لكن اجعلوا عقولنا في العصر المعاصر حتى لكي نصارع هذا.. هذا نصارع التيارات هذه..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب أخ عبد الكريم يعني اسمح لي.. اسمح لي بالمقاطعة، واسمح لي أختلف معك، أنا ظني أنه هناك ترابط بين الجسد وبين يعني مازال حتى اللباس هو ترميز للعيش في.. في مرحلة، لكن على كل الأحوال هي لسماع رأي الدكتور مش.. مش رأيي في الموضوع، بس نسمع من الأخ صلاح عبد الحي من الأردن، الأخ صلاح تفضل.

صلاح عبد الحي: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام، تفضل يا أخ صلاح.

صلاح عبد الحي: إن.. إن إنقاذ هذه الأمة لا يأتي بالهوى، وإنما باتباع طريق الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) وسبب انحطاط الأمة يعود إلى سبب رئيس، هو الجهل في فهم الإسلام، فلذلك يجب على الفئة التي تتصدى لنهضة الأمة، أن تتمتع بالفهم الصحيح للإسلام، بفهم واقع القضية، ثم إنزال الحكم الشرعي عليها، عند.. عند ذلك يكون الإجابة الصحيحة، فنحن نريد عملية إنقاذ، لا عملية تعليمية، لأن العملية التعليمية محكومة وليست حاكمة في هذا العصر، فلذلك الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قام بعملية إنقاذٍ ربانية بوحي من الله، فقام بإنزال الأساسيات، العقيدة وما يتعلق فيها، وبانتقاد المجتمع بشكل أساسي بجميع رموزه من الحاكم، إلى العقيدة، إلى المعاملات أو بعض المعاملات، فهز المجتمع من أساسه بذلك، ثم أخذ يدعو إلى طلب النصرة، ولذلك حينما أوجد رأياً عاماً في المدينة المنورة منبثق عن وعي عام، طلب النصرة من أهل القوة فاستجابوا له في المدينة المنورة، وكانت المدينة المنورة لا يطبّق فيها أي حكم شرعي إلا الصلاة على اختيار، ولكن ساد المدينة المنورة وعيٌ على الإسلام بشكل عام بعقيدته.

ماهر عبد الله: طب أخ.. أخ صلاح أظن أنه الفكرة واضحة وبنسمع إن شاء الله برضو تعليق من الشيخ عليها.

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله: سيدي، الأخ عبد الكريم الأحمد، قبل العدمية و.. وسيرجي نيجاييف، نعيش بأجسادنا في هذا العصر وروحنا في الماضي، أنا أعتقد إنه تعبير جميل ويصف الكثير من وضعنا، ألا تعتقد أننا كمجتمع متديِّن..

د. حسن الشافعي: أننا؟

ماهر عبد الله: أننا كمجتمع متديِّن نغترب عن عصرنا أكثر من غربة من.. من نتهمهم بالتغرب والتغريب، هم يغتربون جغرافياً فيلجئون إلى الغرب ويستعيرون منه، ونحن نغترب تاريخنا بأن لا نعيش عصرنا ونلوي عنق النصوص أو نفهمها فهم مَنْ لا علاقة له بواقعنا ونصر أن نسقطه عليها، تعبيره نعيش بأجسادنا في هذا العصر وروحنا في الماضي، هل تتفق معه؟ أن البعض منا على الأقل هذا؟

د. حسن الشافعي: أنا مع تقديري للأفكار التي أدلى بها الأخ الأستاذ عبد الكريم واتفاقي معه في بعض ما قال كحديثه عن الميل العاطفي أو غلبة العاطفة على أوساطنا يعني أوساط العاملين في هذا نصف القرن الأخير، والحاجة إلى الفهم العقلي لموقفنا، أتفق معه تماماً، لكن أختلف معه فيما قال سواء ما نسبه إلى الأستاذ عبد الودود شلبي، وهو من قادة رجال الأزهر، وإن لم يكن سكرتير للدكتور للشيخ محمود شلتوت، وأيضاً من ناحية أخرى هو أن النص الذي جاء به أو الفكرة هي في الحقيقة تنتمي أكثر إلى الأستاذ سيد قطب في "معالم في الطريق" إلى آخره.

ماهر عبد الله: لأ.. لأ اسمح لأ لا، هو بس تعبير إنصافا للأخ عبد الكريم إنصافاً في موضوع الدكتور عبد الودود شلبي هو كان يصلح معلومة سابقة، هو لم ينسب له ما قال، في المرة الماضية قال كلام، فيما يتعلق بالفكرة العدمية هذه..

د. حسن الشافعي: صحيح، أنا في الحقيقة أعتقد أظن إن الوسط الإسلامي عموماً في.. في الوقت الراهن يرى الانطلاق من إيمان الأمة وإسلامها وأن تجريد الناس من عقائدهم تماماً ومحاولة البداية من الصفر هذه أثبتت فشلها، ونفس دعاة هذا الاتجاه الآن يراجعون أنفسهم، والكثيرون منهم يعودون فيتبنون أفكار التي كانوا يناقضونها أو يعارضونها، وهذا أكبر دليل على أن هذا الاتجاه قد أثبت فشله، وإحنا كنا منذ قليل نتكلم عن العنف، ليس العنف اليدوي أو بالسلاح وإنما العنف الفكري أيضاً، فيعني اتهام الناس في عقائدهم أو إخراجهم من الملَّة وإدِّعاء البدء من.. من غار حراء أو البدء من دار الأرقم، أنا أظن أن هذا ليس هو نهج أئمة الأمة في كل عصورها، الكل ينطلق من إيمان الأمة بما في ذلك حتى قادة الفكر السلفي كالإمام ابن تيمية وغيره.

فأنا أظن إنه أول ما ينبغي أن نتفق عليه هو التسليم بإسلام الأمة وأننا لا نبدأ من الصفر، وأن هذه العدمية يعني قد جنت على الحركة الإسلامية وأنها هي الأساس الفكري الحقيقي للاتجاهات العنيفة، كل ما نشأ بعد ذلك من عنف عملي إنما هو نتيجة..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: ما.. ما دمت صريحاً بهذه الطريقة.

د. حسن الشافعي: العنف الفكري.

ماهر عبد الله: مادام.. مادمت صريحاً بهذه الطريقة وإنصافاً لإنه المسألة ليست مقصورة على ما قاله الأخ عبد الكريم الأحمد على بعض التيارات السلفية، مَن نظَّر لهذه الحدية اللى سماها هو العدمية هو سيد قطب في "معالم في الطريق" وخصوصاً في.. في الجزء الأول الذي يتحدث عن جيل القرآن الفريد، كان يصر إصرار عجيب على أن كل صحابي كان يترك كل ما له ربقة الجاهلية من عنقه ليدخل الإسلام عارياً، مازال سيد قطب يقدَّم للناس رغم هذه الفكرة على أنه المفكر الإسلامي الواجب الاتباع، أغلب الحركات التي لجأت إلى العنف وإلى التكفير في التجربة المصرية اتكأت على فكر سيد قطب، لم تقم أي من الحركات الإسلامية بمراجعة سيد قطب، نعم، بعض الهامشيين ناقشوه على مسائل عقيدية سطحياً وأخذ بأحاديث الآحاد لم يأخذ بأحاديث الأحاد، بس جوهر فكرة تكفير المجتمع، مجتمع الجاهلية، وجوب الخروج عليه، لم يناقش أحد ولم يحاكم أحد سيد قطب، ربما يعني يعني لجلال قدره اللي اكتسبه بالشهادة بالتضحية بالجهاد بـ..، أليس مسؤولاً عن.. عن التأسيس لهذا الخط الفكري الإسلامي في العشرين سنة الأخيرة؟

د. حسن الشافعي: يعني أطرح أفكاراً متواضعة، الأولى: إنه يعني ليس الأمر قاصراً على مصر فيما أظن، بل إن هذه الأفكار مع تقديرنا البالغ لصاحبها وإيماننا بأنه يجب أن يعبر عن أفكاره، كانت مثار أو أساساً لاتجاهات عنيفة خارج مصر أيضاً، وليس هذا أوان استعراض ذلك.

الأمر الثاني: أن يعني المواجهة أو الرد أو المناقشة الفكرية على الأقل، أنا أظن أنها بدأت ولكن بدأت على استحياء، وبدأت ضعيفة، وربما ما تزال ضعيفة، وأذكر في هذا الصدد أن بعض الناس تناقش وهو بين يدي ربه ولا أفتري عليه، وهو أحد شيوخنا الشيخ محمد الغزالي، فكان يرى أن هناك نوعاً من الحرج في التعرض لهذه الأشياء، وإن كان قد تعرض بطريق غير مباشر، نعم كان يتعرض في مطلع الخمسينيات وبأسلوب مباشر، ولكن انتهى به الأمر إلى أن يتناول هذه الأفكار بطريقة غير مباشرة، وأحسب أن رجل هذه الحلقة -الذي شاءت الظروف فقط أن أحل محله- الدكتور القرضاوي له أيضاً محاورات وله مراجعات في هذا الصدد هي هامة جداً ومن أهم ما كان، لكن أنا أعترف معك أن مسؤولية جيلنا ومسؤولية هؤلاء الذين عاصروا هذه الأفكار على الأقل وعاشوها، وأيضاً لهم مسؤولية نحو المجتمع والأمة، أنهم يجب أن يناقشوا الآن، لقد آن الأوان لكي تناقش هذه الأفكار وتناقش النتائج التي أفضت إليها والأسس التي قامت عليها، وما دمنا نبحث عن ترشيد للنهضة، أو منبع جديد لها، أو تبني أحد الأطروحات القديمة فلا مناص لنا من أن نواجه هذه القضية وأن يكون هناك حوار فكري ونقد فكري أمين ومحترم لهذه الأفكار ولما أفضت إليه.

ماهر عبد الله: طب اسمح لي قبل ما نجاوب على سؤال الأخ صلاح.

د. حسن الشافعي: أيوه.

ماهر عبد الله: نسمع بس من الأخ سالم عبد الله من الأردن، الأخ سالم تفضل.

سالم عبد الله: السلام عليكم ورحمة الله.

ماهر عبد الله: وعليكم السلام والرحمة، تفضل.

سالم عبد الله: بارك الله فيكم، برنامج يعني الحقيقة يعني برنامج شيق وجميل، ويطرح قضية أساسية ومهمة، يعني إن إصلاح الواقع حكماً هو مسؤولية المسلمين لأن هذا هو واقعهم، وبالتالي إصلاح الجزئيات تؤدي إلى الإصلاح العام، والخلل الموجود ليس في جانب من جوانب الحياة أو جانباً واحداً، وإنما هو موجود في كل أنظمة المجتمع التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والعسكرية والدفاعية، وخلل هذه النظم هو في النظام العام الذي تنبثق عنه هذه النظم، وهو النظام السياسي أو النظام العام، وكون أننا نحن مسلمين نؤمن بأن ديننا دين مكتمل يحمل كل الأحكام والعلاجات لكل خلل في الأمة، إذن يجب أن يكون العلاج من أحكام الشرع ومن ديننا وبالتالي إصلاح جزئية من جوانب المجتمع الذي يواجه خلل هو عبارة عن ترقيع لنظام يعني مهترئ، إنما إصلاح النظام السياسي ككل وإعادة الإسلام إلى دفة الحكم والسلطان، أي أنه هو الذي يتحكم في كل الأمور، ونحن نؤمن بذلك بأن العلاجات كلها موجودة من الناحية الاقتصادية والتعليمية والسياسية وكل الأنظمة والعلاج الداخلي والخارجي لكافة…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب أخ.. أخ سالم، اسمح لي بالمقاطعة، لأن النقطة جوهرية وفي صميم الموضوع وواضحة جداً، نسمع من الأخ أبو عبد الرحمن محمود من مصر، أخ أبو عبد الرحمن، تفضل.

أبو عبد الرحمن محمود: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.

د. حسن الشافعي: عليكم السلام ورحمة الله.

أبو عبد الرحمن محمود: أنا بأختصر كلامي في نقطتين في قصدي يعني نقاط محددة، يعني للأسف الشديد نحن نتكلم باسم الإسلام، البرنامج اسمه (الشريعة والحياة)، أي طرح لابد يكون له دليله من الكتاب والسُنة عشان الناس تفهم، إنما الطرح الفكري ده هو اللي عامل المتاهات وعامل..، وكأن الأمة يعني يائسة ما فيش موطن.. موطن للاتفاق، مع إن إحنا الرسول.. ربنا -سبحانه وتعالى- بيَّن لنا المخرج من الفتنة (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) طيب هل الطرح اللي مطروح الآن سواء في البرنامج الآن أو فيما قبله من برامج، ردوا الأمر إلى ما كان عليه (…) الأول (…)، نحن نردد دائماً نقول إنه لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح أولها، طب أولها ماذا كان؟ كيف كان أولها؟ هل كانوا شيع وأحزاب، فرق، عقائد شتى، واحد بيتمسح بالقبور، واحد يستغيث بالقبور، واحد ينفي صفة العلو، واحد ينفي صفات الله، واحد يثبت ما أدري أيه، هل (…) في الصدر الأول كانت فيها مثل هذا..

ماهر عبد الله: أخ أبو عبد الرحمن، يبدو فقدنا الاتصال بالأخ عبد الرحمن، بس أعتقد جوهر فكرته وصل.

د. حسن الشافعي: وصل.

ماهر عبد الله: بس يعني لابد من تنبيه صغير، إذا سمح لي الدكتور، إحنا في هذا البرنامج لا نزعم أبداً أنا قطعاً لا أزعم أننا نتحدث باسم الإسلام ولا أستضيف من يزعم أنه يتحدث باسم الإسلام، لن أستضيف من يقول أنه يتحدث باسم الإسلام، وأنا قطعاً في (الشريعة والحياة) يعني يتعرض لقضايا الإسلام، لكن من وجهة نظر مسلمين يخطئون قبل أن يصيبوا، يخطئون ويصيبون، ولا يصيبون ويخطئون، يخطئون ويصيبون، إلا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- واستضافته لهذا البرنامج صعبة، فنحن حريصون على أننا مسلمون نفهم الإسلام بطريقة، نستضيف من يفهم الإسلام بطريقة، لا يتحدث باسم الإسلام، وسنستكثر وسنستهجن من كل من يقول إنه يتحدث باسم الإسلام، فأرجو أن تكون النقطة واضحة عند الأخ أبو عبد الرحمن، كلنا من شيخ الأزهر إلى أدنى جاهل في هذه الأمة نحاول أن نفهم الإسلام كما فهمه الجيل الأول، لكننا قطعاً لا نتحدث باسمه، ولا يمكن لأحد بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يتحدث باسمه، وأنا أعتقد هذه يجب أن تصبح من ثوابت فهمنا لهذا الدين، عندما نختلف مع الدكتور، عندما نختلف فيما بيننا، نختلف في رؤانا لهذا الدين لا نختلف في هذا الدين.

سيدي، ما بأعرف أحب بس تضيف على ها الموضوع هذا، باختصار شديد إحنا معانا دقيقتين.

د. حسن الشافعي: في الحقيقة ما تعرض له الأخ الأستاذ صلاح عبد الحي من أن إنقاذ الأمة باتباع النبي لا خلاف على ذلك قطعاً، وأن المشكلة في الجهل والهوى نعم، ولكن أنا أقول له، وهو تحدث عن فهم الواقع وأن.. وتنزيل الأحكام الشرعية على الواقع، من القادر على أن يفقه الواقع وأن يفقه الأحكام الشرعية، ثم يكون قادراً على تنزيل أحكامها على مشكلات الواقع؟

هذا هو ما نتكلم عنه من محاولات إيجاد دين جديد يتعلم الأحكام الشرعية بأسلوب مناسب في العصر الحاضر، ويستطيع أن يجيب عن المشكلات التي تعانيها الأمة، نحن متفقون إذا كانت المسألة على هذا النحو، أما إذا كان هناك من يملك خزائن السُنة، وأنه هو وحده الذي يحدد الطريق إلى المستقبل فلا يوجد مثل هذا الإنسان.

ماهر عبد الله: سيدي بدقيقة، الأخت سارة حسن والأخ عبد العظيم المراغي رجعونا لموضوع اللي نتحدث فيه كنا هنتحدث فيه بس الوقت أدركنا، ما رأي.. جيل الشباب المسلم في بعض الدول يعانون من جهل ثقافي وإسلامي، وهذا سبب رئيسي للتطرف في اعتقاد الأخت سارة، والأخ عبد العظيم يقول تحت بند التطوير بالتعليم الأزهري يضيف الكثير من المواد الثقافية على حساب القرآن الكريم مما قلل حصص القرآن، فهل في ذلك في صالح الأزهر، أم هو مؤامرة علينا من الغرب؟ للأسف عندي خمسين ثانية، مجمل رؤاك لهذه الجامعات الخاصة للإصلاحات التعليمية في الأزهر وغيره، خمسين ثانية مش خمسين دقيقة.

د. حسن الشافعي: طيب كان هناك تعقيب على الأخ عبد الله والأخ أبو عبد الرحمن محمود لكن لا يتسع المجال، وأود أن أقول أن هذه التجربة الجديدة التي سُميِّت بالجامعات الإسلامية إنما هي محاولة لتخريج قادة جُدد أولاً: لا يخضعون أو لا يتعصَّبون لمذهب واحد؟ يدرسون كل المذاهب الإسلامية، كل الأفكار الإسلامية، كل الاتجاهات الإسلامية على سواء.

وأيضاً أنهم إلى جانب ذلك يتعلمون اللغة العربية، يتلقون الكتاب والسُنة مباشرة أو يملكون الرجوع إلى المصادر الأساسية للإسلام على نحو ما جاء.

وثالثاً: أنهم يحاولون فهم هذا الواقع عن طريق فهم العلوم المعاصرة، لأن الواقع لا يُفهم إلا بمحاولة استيعاب هذه العلوم المعاصرة إنسانية واجتماعية لكي يمكن تنزيل الأحكام الشرعية على ذلك الواقع.

ماهر عبد الله: دكتور حسن الشافعي، شكراً جزيلاً لك، وشكراً جزيلاً لكم أنتم ومعذرة لكل من لم يتسع لنا الوقت للرد على مساهماتهم، إلى أن نلقاكم الأسبوع القادم، تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.