زيارة خاصة

عبد الحميد مهري

اعتقال عبد الحميد مهري وقت اندلاع الثورة الجزائرية، بداية الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي، تفجر الصراع بين قادة الثورة في الداخل والخارج، اختيار أحمد بن بيلا كأول رئيس للجزائر.

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

عبد الحميد مهري: قيادي في جبهة التحرير الجزائرية

تاريخ الحلقة:

17/11/1999

– اعتقال عبد الحميد مهري وقت اندلاع الثورة الجزائرية
– بداية الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي

– تفجر الصراع بين قادة الثورة في الداخل والخارج

– تشكيل الحكومة المؤقتة في الجزائر عام 1958

– اختيار أحمد بن بيلا كأول رئيس للجزائر

– أسباب سيطرة الجيش على الأوضاع في الجزائر

– أخطاء التعامل مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ

– أسباب انقلاب جبهة التحرير على عبد الحميد مهري

undefined
undefined

سامي كليب: عام 62 حصلت الجزائر على استقلالها، وعام 92 وقعت الحرب الأهلية المستمرة حتى اليوم.

ما الذي حصل خلال السنوات الثلاثين الماضية؟ لماذا بقي الجيش سيد اللعبة السياسية؟ ولماذا تحرك الشارع الجزائري على وقع الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟

كان لابد للإجابة على هذه الأسئلة من إيجاد شخصية لعبت دوراً في الثورة، وتولت شؤوناً سياسية ودبلوماسية، وتولت الأمانة العامة لجبهة التحرير، أي للحزب الذي حكم الجزائر طويلاً منذ الاستقلال وحتى التعددية السياسية، ضيفنا اليوم في (زيارة خاصة) هو عبد الحميد مهري.

عبد الحميد مهري تاريخ قائم بذاته، فهو قاتل في الثورة الجزائرية، وعاصر أهم اجتماعات قادتها، لكنه اختلف مع بعض هؤلاء القادة لاحقاً على الأسلوب، تولى وزارة الإعلام وعمل في الصحافة والتعليم، وكان سفيراً في المشرق العربي وأوروبا، ليصل بعد ذلك إلى الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير.

حزبه الذي كان قاد الجزائر منذ الاستقلال عام 62 حتى التعددية السياسة قبل التسعينات عاش قبضات كبيرة، ولأن مهري سعى لبعض التمايز والاستقلال فقد استقال أو بالأحرى أقيل من منصبه الأخير، هذه بداية قراءة للحاضر بعين التاريخ، فأين كنت خلال الثورة؟

عبد الحميد مهري: في اندلاع الثورة كنت في الجزائر العاصمة.

سامي كليب: ماذا كانت مهمتك؟


اعتقال عبد الحميد مهري وقت اندلاع الثورة الجزائرية

عبد الحميد مهري: وبالطبع كنت شاركت في الحركة الوطنية قبل الثورة، فعاصرت التحضيرات للثورة، وبعد شهر وعشرين يوم اعتقلت في الجزائر العاصمة، بقيت حوالي ستة أو سبع أشهر بالسجن.

سامي كليب: كيف حصلت عملية الاعتقال؟

عبد الحميد مهري: عملية الاعتقال كانت في نطاق حملة واسعة لاعتقال كل السياسيين الجزائريين المعروفين بالميول لوطنهم، بدون تمييز وبدون البحث عن السبب المباشر.

سامي كليب: من كان معك في تلك الفترة ممن اعتقلوا أيضاً؟

عبد الحميد مهري: ممن اعتقل كان منهم مثلاً يوسف بن خلا اللي أصبح رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن تايوان، أحمد بودة،كثير يعني من قادة الثورة.

سامي كليب: هل قاتلت عسكرياً ضد الفرنسيين؟

عبد الحميد مهري[مقاطعا]: لم يُكتب لي أن حملت السلاح، كنت دائماً في القيادة السياسية.

سامي كليب: طبعاً السؤال حول القتال أو عدم القتال، والداخل والخارج سنعود إليه بعد قليل، ولكن مع اندلاع الثورة الجزائرية هل كل الذين شاركوا في الثورة أصبحوا فيما بعد مسؤولين، أم أن جزءاً من الذين لم يشاركوا أصبحوا مسؤولين وانضموا إلى الثورة في اللحظات الأخيرة؟

عبد الحميد مهري: هناك من الجزائريين من التحق في السنوات الأخيرة للثورة.

سامي كليب: وليس في الأشهر الأخيرة أو الأيام الأخيرة..

عبد الحميد مهري[مقاطعاً]: أوحتى في الأشهر الأخيرة، و هناك حتى في الأيام الأخيرة في كل الأحداث التاريخية الكبرى.

سامي كليب: في الواقع أنا أسألك عن هذا الموضوع لأنه مهم جداً بالنسبة للثورة وما بعد الثورة، قيل آنذاك أن الفرنسيين أيضاً هم الذين شجعوا بعض الذين عملوا معهم على الاندماج في الثورة، ليصبحوا فيما بعد مسؤولين في الجزائر، هل فعلاً استطاعت فرنسا أن تدخل عناصر عسكرية في قلب الثورة أصبحوا فيما بعد مسؤولين كبار؟

عبد الحميد مهري: الواقع هذا تشهير لأحداث واقعة، لكن الثورة عملت على أن ينضم كل الجزائريين، وخاصة حتى المتعاونين مع .. مع.. مع الفرنسيين إذ ذاك، سواء كانوا في الإدارة أو في الجيوش أو في الشرطة، عملت كل ما تستطيع حتى تسحبهم من تأييد فرنسا إلى صفوف الثورة، وبالطبع من الصعب تصنيف من أتى طوعاً، ومن أتى انصياعاً لأمر الثورة، ومن أتى مدسوساً.


بداية الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي

سامي كليب: في تشرين الثاني أكتوبر من العام 54 تم تأسيس جبهة التحرير وجيش التحرير، كان هناك حركات سياسية عديدة، وعسكرية عديدة في الجزائر، هل تأسيس الجبهة خلق نوعاً من الصراع السياسي بين أبناء الثورة أنفسهم؟ هل كان هناك من يعارض قيام الجبهة؟

عبد الحميد مهري: لم يكن هناك من يعارض الثورة بمعنى المعارضة كان هناك من يؤمن بأن الوقت قد حان للانتقال لمرحلة الكفاح المسلح، وهناك من كان يشك في فاعلية وقدرة الجزائريين على الصمود في معركة مواجهة فرنسا، هذا… لكن بعد اندلاع الثورة وصمودها في العام الأول أصبح كل الجزائريين مقتنعين بأن واجبهم هو الانضمام للثورة، بما فيهم الهيئات والأحزاب اللي كانت تظهر أنها معتدلة.

سامي كليب: كل ما حُكي في فترة معينة، وما أثير مجدداً ربما السنوات الأخيرة عن ما يسمى بحزب فرنسا.

عبد الحميد مهري: نعم.

سامي كليب: هل ذاك صحيح؟ هل هناك من في السلطة الجزائرية من ينتمي إلى ما يسمى بحزب فرنسا؟

عبد الحميد مهري: لكن من الصعب التمييز، ومن الصعب وضع شارة على كل اسم، هناك مناخ عام لمجموعة من الإطارات القديمة في الإدارة الفرنسية؟ اللي.. التي بقيت ثقافياً، وتقليدياً أكثر ميل للاستجابة للنقد الفرنسي في العمل والحياة والتصور..

سامي كليب[مقاطعاً]: مع هذا.. مع الإخلاص للجزائر و استقلال الجزائر .

عبد الحميد مهري[مستأنفاً]: يعني أنا قضية الإخلاص أعتقدها إنها حاصلة، إلا في أفراد عديدة يعني.. أفراد محدودة.. محدودين عددها يعني، أما هناك من يخلص للجزائر ويكون مشربه وتوجهاته غربية وهو يعتقد أنه يخدم الجزائر بهذه الطريقة.

سامي كليب: طبعاً كانت الثورة الجزائرية آنذاك ثورة وليدة، طفلة -إذ صح التعبير- لم تكن لديها تجربة سياسية كبيرة، ولكن في العام.. في آب/ أغسطس من العام 56عُقد مؤتمر الحزب، وكان هناك أولويتان، الأولوية الأولى تقديم السياسي على العسكري، وتفضيل الداخل على الخارج.

عبد الحميد مهري: نعم.

سامي كليب: هل كان ذلك سبباً للصراع فيما بعد بين أبناء الثورة أنفسهم، خصوصاً بالنسبة للداخل والخارج والعمل العسكري والعمل السياسي؟

عبد الحميد مهري: قبيل الثورة الخلاف كان واقع حان الوقت للكفاح المسلح ضد الوجود الفرنسي، وهل يمكن أن الجزائر تكسب استقلالها بواسطة السلاح؟ هذه كانت يعني نظرية مختلف عليها كثير يعني، مختلف عليها كثير، وهذه انجرت فيما بعد، وأصبح كل من ينادي لأولوية العمل السياسي وإعطاء العمل السياسي الأولوية في الحكم على الأشياء وعلى النتائج، أصبح المرجع إليه وكأنه من أنصار الذين لا يريدون الكفاح المسلح ويريدون إيقاف الكفاح المسلح.


تفجر الصراع بين قادة الثورة في الداخل والخارج

سامي كليب: من هم الشخصيات الني كانت تتصارع فيما بينها ما بين الداخل والخارج تحديداً؟

عبد الحميد مهري: نعم، مثلاً وجود رجل مثل أحمد بن بيلا في الخارج وعبد الله… في الداخل، هما شخصيتان بارزتان في الحركة الوطنية وفي الثورة الجزائرية، فعل ها النقاش اللي هو سياسي بالأساس يتشخص.

سامي كليب: هل هذا الصراع -سيد عبد الحميد المهري– اليوم مثلاً نتحدث التاريخ في الواقع- هو الذي أدى إلى مقتل عدنان رمضان؟

عبد الحميد مهري: عندما تطرح عدة قضايا ولا يصل فيها الإنسان إلى حلول ترتضيه الجميع هذا يصبح من الصراع، والصراع ليس هناك مرجع للاحتكام لهذا الصراع، فهذا الطريق المغلق هو الذي أدى إلى تصفية مثل..

سامي كليب[مقاطعاً]: عدنان رمضان.

عبد الحميد مهري[مستأنفاً]: عدنان رمضان.

سامي كليب: بالسجن.

عبد الحميد مهري: واللي يؤدي حتى في الأنظمة.. في أنظمة العالم الثالث إلى أشياء تشبه القيادات المغلقة التي ليس لها مرجع، وليس لها قاعدة تعينها ديمقراطياً وتحسبها ديمقراطياً ينتهي دائماً بمأزق، والمأزق هو خلافات، بين القادة يشعر الإطار تدريجياً إما ينفرد به شخص أو تنفرد به مجموعة صغيرة، والمجموعة الصغيرة يقع بيها خلاف مع ما ينتهي به..

سامي كليب: طيب في.. في الفترة نفسها، يعني 56 ،57.. عام 57 عُقد مؤتمر في القاهرة، في مؤتمر القاهرة برئاسة فرحات عباس أُعلنت أولويات أخرى، أولوية العسكر على السياسة، في مقابل أيضاً الخارج على الداخل، هل كان ذلك أيضاً جزء من الصراع؟

عبد الحميد مهري: في الواقع ما وقع في القاهرة هو ليس مؤتمر، لكن هو اجتماع للمجلس الوطني للثورة الذي انبثق عن مؤتمر الصومال، والقرار ليس قلب الاختيارات، لكن شطب الموضوع من النقاش، إنه ليس هناك اختيار وأفضلية للسياسة على العسكرية، أو العكس، وليس هناك أفضلية للداخل على الخارج، أو العكس، وهناك من رأى أن إثارة مثل ها المشاكل اللي أساسها نظري يحدث شروخ في الثورة..، القرار هو الرجوع إلى نوع من السلفية المطلقة، بلا نعين الأولوية للعمل السياسي أو العمل العسكري، أو القيادة تكون في الداخل وفي الخارج، هذا الشيء يبقى عليه باتفاق.

سامي كليب: يعني نعرف أنه في الجزائر مع ثورة عبد القادر الجزائري أو غيره من المسؤولين كان هناك نوع من المتصوفية الإسلامية.. حركة التصوف وحركة المرابطين، بعيداً عن حركة الإخوان المسلمين التي أتت على ما أعتقد فيما بعد إلى الجزائر، أود أن أسألك عن هذا المفهوم بالضبط، يعني بين إسلام وإسلام، هل مفهوم الإخوان المسلمين بالمعنى السياسي جاء خلال الثورة الجزائرية؟

عبد الحميد مهري: لا، يعني لما نعود إلى حركة المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر، ثم عدة ثورات شعبية أخرى، مفهومها للإسلام كان تقريباً مفهوم فطري وسلفي.. حركة الإخوان المسلمين أتت في وقت متأخر، وهي فيها حليفة لإعطاء الإسلام دوره في المجتمعات الإسلامية، هذه الحركة كان عندها في فم المغرب العربي، من يعطف عليها، لكن دون تبني حركة الإخوان لا تنظيمياً، أو سياسياً.

سامي كليب: عام 58 ذهب الجنرال ( شارل ديجول) وأعلن عبارته الشهيرة.. فهمتكم.

عبد الحميد مهري: نعم.

سامي كليب: آنذاك هل صدرت أصوات داخل الجبهة، وداخل مجموعة المناضلين تقول يجب أن نوقف القتال، وأن نتجاوب مع دعوة الجنرال شارل ديجول؟

عبد الحميد مهري: لأ، على الإطلاق، في سنة 58 كان الروح المطلق، لكن فيما بعد المصالح الفرنسية استطاعت أن تستدرج بعض القادة من الداخل القادة العسكريين.

سامي كليب: مثلاً هل من أسماء معينة؟

عبد الحميد مهري: ما .. مثلاً الشيخ الصالح المعروف في الولاية الرابعة صالح، وجيئت بهم.. جاءت بيهم مصالح إلى فرنسا وقابلوا الجنرال ديجول، لكن الجنرال ديجول في اعتقادي عملها مناورة أكثر منها حقيقة، هو كان يريد الضغط بها على الحكومة المؤقتة لتقبل التفاوض بشروطه.

سامي كليب: من كان يقوم بالاتصالات المباشرة السياسية؟

عبد الحميد مهري: الاتصالات، عدة جهات، يعني كانوا الفرنسيين يحاولوا في القواعد، يحاولوا مع القيادات الجوية، يحاولوا مع شخصيات، يحاولوا..لكن كلها كانت تنتهي إلى القيادة المركزية، و.. لم نقاطع أي اتصالات، كنا نقبل أي اتصال، وكنا دائماً نطرح شروطناً إلى آخر اتصال اللي هو ( إيفيو) وفكرة الاستقلال.


تشكيل الحكومة المؤقتة في الجزائر عام 1958

سامي كليب: بعدها تم تشكيل الحكومة المؤقتة في التاسع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر، هل كنت من مؤيدي تشكيل هذه الحكومة ؟. وهل كان الظرف مؤات لتشكيل حكومة مؤقتة آنذاك، خصوصاً أننا رأينا فيما بعد أنها ربما عقدت الأمور أكثر مما حلتها؟

عبد الحميد مهري: هذه وجه نظر، لكن أنا وكثير من الإخوان يعني اللي كنا متحمسين لإنشاء حكومة مؤقتة في الجمهورية الجزائرية، وكانت في رأيي ضرورة تاريخية، ضرورة تاريخية لأن مجيء الجنرال ديجول للحكم كان من آثاره المباشرة تنظيم المواجهة العسكرية اللي طالعة، بحيث الحرب الحقيقية عسكرياً بدأت مع الجنرال ديجول.

سامي كليب: يغير.. هذا طبعاً بين هلالين يغير المفاهيم الواردة و الدارجة في العالم العربي من أن الجنرال ديجول هو الذي منح الاستقلال.

عبد الحميد مهري: متشكرين، نعم، الجنرال ديجول سلم لاستقلال الجزائر لما استنفذ كل الوسائل للمقاومة، وفي الميدان العسكري كان هو الوحيد اللي قام بحرب حقيقة حرب شاملة (…) الجزائر، ومن الناحية السياسية هو الوحيد اللي وضع استراتيجية لخلق الثورة الجزائرية، لكن ما فيه، حاول أن يقترب من الكتلة الاشتراكية، ويعمل على إخماد الاتحاد السوفيتي أو تحييده على الأقل ببعده عن أميركا، هو موقفه الموقف الحياد، والدليل بعض القضايا التي كان يعلق عليها المعسكر الاشتراكي أهمية مع خلق مثلاً (…) في .. في أوروبا.. وفي المغرب العربي حاول استمالة تونس والمغرب بحل بعض القضايا الأساسية اللي كانت عالقة..

سامي كليب: عام59 مرة تانية وعد الجنرال ديجول -وهذا كان تمايز آخر- حق الشعب الجزائري في تقرير المصير، ولكنه استخدم أيضاً عبارة بعد انتصار أو فوز الجيش الفرنسي، في ذاك الوقت هل بدأ تفكير جديد داخل الثورة من أجل وقف القتال أم لا؟

عبد الحميد مهري: التفكير في وقف القتال كان غير وارد إطلاقاً في الثورة الجزائرية، لأن من الحاجات التي حُسمت في البدء، أن إيقاف القتال يكون فقط بعد الوصول إلى التسليم باستقلال الجزائر؟

سامي كليب: كم قُتل في الجزائر؟ يعني نحن نسمع أن طبعاً بلد المليون شهيد، ولكن يقال أيضاً مليون ونصف، يقال أكثر هل هناك أرقام محددة؟ خصوصاً أنتم في جبهة التحرير هل توصلتم إلى أرقام محددة حول قتلى الثورة الجزائرية؟

عبد الحميد مهري: أرقام محددة نطمئن لها علمياً ما فيش، لكن فيه تقديرات عامة.. تقديرات عامة أن القتلى أكثر، من مليون يعني ، مليون مليون ونصف، من الصعب لأن القتل كان جماعي، ولأن القتل لم يكن مقصور على الجيش وحده، كان يشمل المدنيين، الضحايا أيضاً فيهم كثير من الجرحى، بحيث من الصعب الوصول إلى رقم، لكن تقديري أن التضحيات اللي قام بيها الشعب الجزائري كبيرة جداً، خلال السبع سنوات من الحرب في مواجهة فرنسا، دولة عظمى.. دولة عظمى، الحذاء الطرفي مع مساندة الحذاء الطرفي، وأسلحة الدمار اللي كانت موجودة يعني، وتعمل بكل حرية يعني…

سامي كليب: سننتقل إلى المرحلة الثانية، مرحلة ما بعد الثورة، ولكن أقترح عليك أولاً أن نخرج إلى الهواء الطلق.

عبد الحميد مهري: أهلاً وسهلاً، شكراً، أهلاً.

سامي كليب: أول رئيس للاستقلال كان أحمد بن بيلا، هل أنت شخصياً كنت من مؤيدي انتخاب بن بيلا رئيساً للجمهورية الجزائرية المستقلة؟


اختيار أحمد بن بيلا كأول رئيس للجزائر

عبد الحميد مهري: هو قبل انتخاب الرئيس أحمد بن بيلا نُصِّب الأخ أحمد بن بيلا كزعيم لجبهة التحرير الوطنية قبل أن يصبح رئيساً منتخباً، وكان هذا على إثر خلاف وقع في المجلس الوطني للثورة، وأنفض المجلس بدون حسم الخلاف، وكان من رأيي..

سامي كليب: خلاف على الشخص؟

عبد الحميد مهري: خلاف عدة حاجات، عدة قضايا، يعني المجلس كان وقع طرح تجربة 7 سنوات بكل مشاكلها، وحرب بكل مشاكلها، كان من رأيي أن تعطي الأولوية لمؤتمر يدرس -بموضوعية- التجربة ويبقى على صيغة جبهة التحرير الوطني.

سامي كليب: هل كنت يعني تؤيد رئاسة جماعية للجزائر؟

عبد الحميد مهري: الواقع الموضوع لم يكن اختيار رئاسة جماعية، كان الموضوع اختيار صيغة لاستمرارية جبهة التحرير الوطني، كان من رأيي أن بعد التحصيل على الاستقلال تعطى الأولوية لتنظيم مؤتمر عام، تدرس فيه التجربة القاسية، ونتائج حرب استمرت سبع سنوات بكل سلبياتها وإيجابياتها، لكن يبقى على الصيغة التي عملت بها جبهة التحرير الوطني، أي صيغة توافقية بين مجموع العائلات السياسية الجزائرية لفترة معينة.

سامي كليب: ومن كان في الرأي الآخر؟

عبد الحميد مهري: الرأي الآخر اللي هو اتجاه غالب أن بعد الاستقلال يجب التخلص من الصيغة التوفيقية، وبناء حزب طلائعي لا يضم إلا العناصر القوية بالمفهوم الذي كان شائعاً آنذاك، واعتقادي أن هذا كان خطأ، و لهذا التزمت نوع من الحياد تجاه الخلافات التي كانت قائمة إذ ذاك..

سامي كليب: عن خلاف -إذا صح التعبير- بين استخبارات الجيش وبين الجيش نفسه، وقيل أن الولايات المتحدة الأميركية شجعت الاستخبارات ضد الجيش في فترة معينة، ما هي صحة هذه الأقوال، وتحديداً الخلاف بين الاستخبارات والجيش؟

عبد الحميد مهري: أعتقد هذه التفسيرات وقراءات للأحداث بعد وقوعها، الشيء الذي كان واضحاً هو أن الجيش أو العناصر التي تنتمي للرعيل الذي قام ببدء الثورة المسلحة، وفيه من المدنيين من أصبح ينتسب للجيش، هذا كان عنده الكلمة الأولى في سياسة القرار، والاختيار الذي قام به الجيش.. الذي حدده الجيش هو اختيار بن بيلا كزعيم للثورة.

سامي كليب: لماذا اختار بن بيلا تحديداً؟

عبد الحميد مهري: هو استنتج بعض القادة التاريخيين، وأعتقد أن بعضهم رفض مثل محمد بو ضياف رفض أن يكون امتداد لاختيار الجيش، وأحمد بن بيلا قبل هذا الاختيار باعتبار أن الجيش هو الأداة الأساسية للثورة.

سامي كليب: هل كان أحمد بن بيلا -برأيك الشخصي -أضعف من غيره حيال الجيش؟ هل كان الجيش يعتقد أنه يستطيع أن يملي على بن بيلا قرارات لا يستطيع أن يمليها على محمد بو ضياف مثلاً أو غيره من قادة الثورة؟

عبد الحميد مهري: لم يكن هذا المفهوم بهذا الوضوح مثل ما هو الآن، لكن اللي.. الذي كان سائد من.. من الجيش أن بن بيلا هو أقرب الناس إلى الأطروحات التي يؤمن بها الجيش.

سامي كليب: أحمد بن بيلا اختير رئيساً للجمهورية، ثم الذي اختاره انقلب عليه، الرئيس بومدين وصف أحمد بن بيلا بأنه ديكتاتور، بالرغم من أن بن بيلا هو الذي كان عينه وزيراً للدفاع، برأيك أنت شخصياً ووفق معلوماتك ما هي الأسباب التي دفعت الجيش للانقلاب على بن بيلا بشخص بومدين طبعاً؟

عبد الحميد مهري: أولاً أن بومدين لم يكن يعرف الرئيس أحمد بن بيلا المعرفة التي تجعله يقدر ردود فعله و تصرفاته عرفه في القاهرة، لكن لم يرافقه مثلاً في الكفاح.. في الكفاح السياسي في حزب معين مثل حزب جبهة التحرير الوطني، الثاني هو أن الفترة الأولى من الاستقلال كانت في غاية الصعوبة والدقة، فقد .. إجراءً وضعاً مضطرباً إلى أبعد حدود الاضطراب بعد انسحاب كل الفرنسيين من الجزائر، الجيش والموظفين والمعلمين و.. ورجال الأعمال بحيث تركوا البلد، سافروا في(..) بعضها، كل المرافق معطلة بسبب اللي.. فالميراث كان ثقيلاً، والقيادة كلها.. قيادة جبهة التحرير الوطني لم تكن مهيأة لمواجهة الوضع في مثل هالفوضى وفي مثل هذه الخطورة، فالرئيس أحمد بن بيلا جاء مزوداً بأفكار عامة وطموحات عامة، والممارسة لم تكن موفقة على الإطلاق مثلاً في تطبيق ما كان يُدعى إذ ذاك بالاشتراكية، تطبيق الاشتراكية في وضع فوضوي وُرث عن انسحاب يعني الدولة المستعمرة، وترك البلاد يعني بدون أي إدارة أو قيادة لم يكن من السهل،(…) الأول هو وضع.. وضع صعب، وتخبط، أنت تعرف متخبطة، وهذا التخبط أعطى الصورة صورة غير مطمئنة للرأي العام الجزائري ولقادة الجيش.


أسباب سيطرة الجيش على الأوضاع في الجزائر

سامي كليب: عرفنا في الجزائر منذ الاستقلال حتى اليوم أحمد بن بيلا، هواري بومدين، ثم علي كافي لفترة معينة، فالرئيس شاذلي قبله، ثم محمد بو ضياف، كان دائماً.. في الواقع نعود إلى مسألة الجيش، كان دائماً الجيش هو الذي يختار، والجيش هو الذي يعزل، ولاحظنا أن وزراء الدفاع.. يعني بومدين كان وزيراً للدفاع أقال أحمد بن بيلا، ثم خالد نزار أقال تقريباً الشاذلي بن جديد، لماذا كانت كل تلك السطوة للجيش على كافة الجبهات؟

عبد الحميد مهري: المنشأ التاريخي هو ما كنت أشرت إليه في السابق أن القضية اللي كانت مطروحة قبل اندلاع الثورة هو هل نعطي الأولوية للكفاح المسلح أو نستمر في الكفاح السياسي؟ فالمجموعة التي نادت بالأولوية للعمل السياسي المسلح.. الكفاح المسلح، والتي أثبت التاريخ أنها كانت محقة في ها الطرح، هذا الاعتقاد جعلها تنتقل من صحة مقولة ظرفية إلى أنها مؤهلة دائماً لأن يكون الحق بجانبها.

سامي كليب: عرفت الجزائر فيما بعد -سيد عبد الحميد مهري- العديد من الخضات، بدأت في العام .. تحديداً التي عُرِّفت أكثر من غيرها عام88 حين اندلعت المواجهات في كل مكان في الجزائر تقريباً، ثم ما عرف بربيع البربر، ثم الحركات المناهضة لعمليات التعريب، وصولاً إلى العلاقة الصعبة بين الجيش والرئيس الشاذلي.

عبد الحميد مهري: نعم.

سامي كليب: أولاً هل كنت على علم بما يجري بين الشاذلي وبين الجيش تحديداً في كل تلك الفترة؟

عبد الحميد مهري: قسم كبير من الجيش لم يهضم التغيير الذي طرأ على نظام الحكم، محاولة تغييره من نظام حكم يعتمد على الحزب الواحد إلى نظام تعددي.

سامي كليب: حسب معلوماتك سيد عبد الحميد مهري -سنعود قليلاً إلى علاقة الجيش بالشاذلي- ما هي الأسباب التي دفعت الجيش إلى اتخاذ ذاك الموقف من الشاذلي؟ وهل فعلاً دُفع دفعاً للإقالة وليس للاستقالة؟

عبد الحميد مهري: الواقع أن الجيش كغيره من القوى الاجتماعية أصبح يشعر بأن النظام لم يعد يكفي بحاجات المجتمع، وأن فيه تذمر المجتمع من نظام استمر فترة وأعطى إيجابيات كثيرة، لكن وصل إلى مرحلة تاريخية يجب أن يغير، والفكر الذي كان سائداً إذ ذاك أن التغيير يجب أن ينطلق من القمة، وأن تغيير الرئيس يكفي لتغيير النظام.

سامي كليب: هل كانت مسألة نظام فقط، أم حُكي كثير عن موضوع الإسلاميين أن الرئيس الشاذلي حاول أن يلقى صيغة مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟

عبد الحميد مهري: طبعاً قبل.. قبل هذا، يعني اعتقادي أن الشعور بالتغيير عند الكثيرين من المسؤولين الذين تحملوا مسؤوليات في النظام القديم كانوا يعتقدون أن تغيير الرئيس هو الذي.. هو الذي يأتي بالتغيير الحقيقي.

سامي كليب: ولكن.. نعم.

عبد الحميد مهري: والقليل منهم من كان يطرح قضية تغيير النظام نفسه، الانتقال من نظام القائم على الحزب الواحد إلى نظام ديمقراطي يعتمد التعددية الحزبية.

سامي كليب: ولكن النقمة آنذاك تركزت تحديداً على جبهة التحرير، وكنت أنت الأمين العام للجبهة و صدرت اتهامات كثير لا مجال لذكرها جميعاً، تتوقف فقط عند الشخص الذي رديت عليه فيما بعد هو عبد الحميد الإبراهيمي رئيس الوزراء، والذي اتهم الجبهة بأنها هربت ما يقارب 26 مليار دولار من الجزائر.

عبد الحميد مهري: ها النقمة على جبهة التحرير الوطني، هناك من وجه النقمة على النظام إلى جبهة التحرير الوطني، لكن تقديرات كان جزء من النظام، ولم تكن الطرف الفاعل في النظام، فهناك كثير من القوى السياسية المعارضة و أحزاب سياسية ناشئة، وجهت النقمة إلى جبهة التحرير الوطني لأنها هي الواجهة المعروفة للنظام.

سامي كليب: تتصور عبد الحميد مهري أن أحداث أكتوبر كانت موجهة ضد جبهة التحرير؟

عبد الحميد مهري: وجهت.. وجهت، النقمة كانت حقيقية، ونقمة كانت..

سامي كليب[مقاطعاً]: هل كانت مفتعلة تلك الأحداث برأيك.

عبد الحميد مهري: أعتقد فيها جزء مفتعل.. فيها جزء مفتعل.

سامي كليب: من قبل أحزاب أم من قبل أيضاً…؟

عبد الحميد مهري[مقاطعاً]: لكن .. لكن الافتعال .. الافتعال يعني عنده مصادر مختلفة يعني، فيه قوى سياسية معارضة، فيه قوى إسلامية معارضة، وفيه قوى ماركسية، وفيه.. يعني اللي يحاولوا يترجموا النقمة الاجتماعية ويوجهوها بالأساس ضد جبهة التحرير الوطني، وضد جبهة التحرير الوطني لأنها هي الوجهة المعروفة من النظام.

سامي كليب: هل كانت موجهة ضد جبهة التحرير.. يعني ضد الجيش، أم أيضاً عناصر من الجيش وضباط من الجيش وجهوا النقمة ضد الجبهة حين أصبح…؟نعم.

عبد الحميد مهري[مقاطعاً]: حتى.. حتى.. حتى عناصر من الجيش حاولوا أن يوجهوا نقمة ضد جبهة التحرير الوطني.

سامي كليب: لماذا ؟ هل لأنك حاولت أن تستقل بالقرار السياسي؟

عبد الحميد مهري: لأ حتى قبل ..قبل.. قبل مجيئي، أما بعد مجيئي فهذا أصبح واضح، لأن جبهة التحرير الوطني أرادت بكل بساطة أن تتبنى التغيير، أو .. يعني أراد المسؤولون إذ ذاك في جبهة التحرير الوطني في المستوى الأنظمة السرية المكتب السياسي الذين عملت معاهم أن يجعلوا جبهة التحرير الوطني تتبنى بصدق تغيير نظام الحكم إلى نظام ديمقراطي.

سامي كليب: يعني نظام تعددي وسياسة مستقلة عن ذلك.

عبد الحميد مهري: ديمقراطي حقيقي، وأن يلتزم الجيش بالمنطق الذي يمليه النظام، وكان عنده مهام أوكلت إليه، أو أرغم على القيام بمنطق الحزب الواحد، فلما انتهى الحزب الواحد كان المفروض أن الجيش.. الجيش الشعبي الوطني، جبهة التحرير الوطنية تتخلى عن المهام التي أسندت إليهما في منطق الحزب الواحد.

سامي كليب: يعني سيد عبد الحميد مهري قراءة متواضعة لما تقوله ولما حصل فيما بعد يمكن أن يقودنا إلى القول إن الجيش ساهم بصعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أجل تحجيم جبهة التحرير؟

عبد الحميد مهري: هو هناك أطراف كثيرة في المعارضة حاولت تركيز النقمة ضد جبهة التحرير الوطني . وتحالفت حتى مع الإسلاميين، فأحزاب المعارضة كلها في فترة من الفترات تحالفت مع الإسلاميين، لأن..

سامي كليب[مقاطعاً]: ولكن الجيش.

عبد الحميد مهري: نعم.

سامي كليب: و لكن الجيش يعني يتحدث عن الحاكم الفعلي، عن صاحب القرار الفعلي، هل تعتقد أنه وقف ودعم الجبهة الإسلامية أو أطراف من الجبهة لتحجيم جبهة التحرير، بعد أن حاولت أن تستقل بالقرار السياسي؟

عبد الحميد مهري: اعتقادي أن سنة 90 وحتى في انتخابات.. انتخابات التشريعية 91 السلطة ممثلة في الحكومة أو في مصالح الأمن شنت.. نظمت للانتخابات، وشنت الحملة ضد جبهة التحرير الوطني ما عدا الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بما فيها رئيس الحكومة، ومسؤولين نافذين في السلطة، الانتخابات التشريعية التي ألغيت كانت الحكومة والسلطة مجندة ضد جبهة التحرير الوطني، ولم تكن مجندة ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، هذا المعروف ولو…

سامي كليب: هل تعتقد.. نعم.

عبد الحميد مهري: لماذا.. لماذا؟ سؤال يبقى مطروح.

سامي كليب: هل تلقيت تهديدات معينة شخصية أنت خلال محاولتك الاستقلال، خصوصاً أن هذه التهديدات وصلت إلى مرحلة نوع من الانقلاب الداخلي في جبهة التحرير ضدك؟

عبد الحميد مهري: الانقلاب .. يعني هو الضغوط كثيرة، مش عليَّ أنا شخصياً فقط، على مجموع الحزب عندما تبنى منطق المعارضة، والضغوط كانت من القمة إلى القاعدة لم يسلم منها أي واحد يعني يظاهر برأيه، وبعد اليأس من تغيير خط جبهة التحرير الوطني من داخل.. استولى عليها انقلاب من الخارج بواسطة أجهزة النظام.

سامي كليب: سيد عبد الحميد، هل تعتقد أن الرئيس شاذلي حاول في فترة معينة أن يفتح خطاً فعلياً مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ تفادياً لسطوة .. لسطوة الجيش؟

عبد الحميد مهري: هذا غير صحيح بالمرة، يعني شعارات رُفعت لتقرير الانقلاب، والذي أعلمه حقيقة أنه لم يكن شيء من هذا على الاطلاق، إنما رفض الرئيس الشاذلي إلغاء الانتخابات وحرصه على تطبيق الدستور الذي ينص على أن الحكم يتولاه حزب الأغلبية، هو الذي فسر بطريقة غوغائية أن الشاذلي يريد اقتسام الحكم مع الإسلاميين.

سامي كليب: طيب حصل اجتماع بين مجموعة من الضباط والرئيس شاذلي بن جديد هل تعلم ما الذي حصل تحديداً آنذاك لكي يُقال فيما بعد أو يستقيل بالصورة الرسمية التي خرجت؟

عبد الحميد مهري: لأ، والله ما أعرف.. ما أعرف يعني، هو الرئيس.. نعم.

سامي كليب: لم تعرف أم لا تريد أن تقول لنا؟

عبد الحميد مهري: لا..لا..لا أعرف، لا..لا لا أعرف ما حدث بالضبط هو.. هذا موضوع الرئيس الشاذلي نفسه لا يريد الحديث عن..

سامي كليب: جيء بعد ذلك طبعاً برئاسة مؤقتة، لم تستمر طويلاً، ثم ذهب وزير الدفاع خالد نزار آنذاك إلى المغرب وجاء بالرئيس محمد بو ضياف رئيساً للجمهورية بحثاً عن شرعية تاريخية دائماً، بعدها حاول الرئيس محمد بو ضياف الاستقلال السياسي أيضاً، حاول تأسيس المجلس الأعلى للدولة.. وتأسس كان سابقاً، ولكنه حاول تأسيس حزب سياسي، هل تعتقد أن محاولاته للاستقلال هي التي أدت إلى قتله أو اغتياله فيما بعد؟

عبد الحميد مهري: محمد بوضياف على ما أعرف، وأعتقد أنني من المناضلين الذين عرفوه، لا يقبل دور صوري، والذين أتوا به ربما كانوا يجهلون هذه الناحية واعتقادي أن إرادته في القيام بدور كرئيس فعلي هو اللي سبب المشاكل.

سامي كليب: هل شعرت -طبعاً دائماً نحن اليوم نتحدث كما قلنا للتاريخ، وربما يفيد المستقبل- هل شعرت أنه فعلاً منزعج من ضغوط معينة عليه في ممارسته السياسية الحرة التي أرادها؟

عبد الحميد مهري: لم أعرف منه ذلك مباشرة، لكن كما أتذكر إنه مش (..) أبلغوني أنه بدأ بالفعل يشعر بالضيق من بعض التصرفات، وهو في محيط الرئاسة.


أخطاء التعامل مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ

سامي كليب: في العلاقة مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ محمد بو ضياف كغيره من المسؤولين الجزائريين آنذاك رفع شعار اقصيت -إذا صح التعبير- الجبهة الإسلامية سياسياً، هل تعتقد أن الجبهة عوملت بالشكل الذي كان ينبغي أن تعامل به تفادياً للحرب التي حصلت لاحقاً؟

عبد الحميد مهري: حقيقة أن الخطأ في معالجة ظاهرة الإسلام السياسي في الجزائر، أنها دُفعت إلى العنف بأخطاء ارتكبها النظام، في مؤتمر( باتنا) مثلاً كان هناك تيار غالب.

سامي كليب: في اتجاه الحل السياسي.

عبد الحميد مهري: باتجاه المشاركة السياسية،والمشاركة في الانتخابات وتبني العمل السياسي لتغيير النظام، وكانت أقلية من الجماعات التي انضمت للجبهة الإسلامية للإنقاذ، والتي كانت دائماً تؤمن بأن التغيير لا يكون إلا عن طريق الجهاد، هذه كانت معارضة لاختيار الحل السياسي ومشاركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ.. للإنقاذ، وكانت تقول أن الديمقراطية يجب، وليس من المسؤولين ومن الأنظمة، لأن الديمقراطية إذا أعطيت نتائج معاكسة لرغبات المسؤولين فإنها تلغى، وهذا بالضبط ما فعله النظام عندما نجحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات، فإذن إلغاء الانتخابات ركز ورسخ وأعطى المصداقية للأقليات التي كانت تقول بأن الحل الوحيد هو العنف.

سامي كليب: طيب آنذاك مع صعود الحركة الإسلامية حصل شيء معين بينك وبين مولود حمروش الذي كان عملياً من قادة الجبهة، ثم تولى رئاسة الحكومة، واُقيل أو استقال من رئاسة الحكومة، هل حُرِّك مولود حمروش ضدك داخل الجبهة –تعتقد- من قبل الجيش؟

عبد الحميد مهري: متى؟

سامي كليب: في 91.

عبد الحميد مهري: لأ، ما وقع بينا أبداً شيء هو كان عضو في المكتب السياسي، كان معايا عضو في المكتب السياسي.

سامي كليب: ولكن كان هناك يعني كان واضحاً أن هناك نوع من التباين في طرحك السياسي وفي طرحه ، وحتى صدرت في بعض الصحف، لدي بعض مقالات كنتما تتحدثان باتجاهين معاكسين تماماً.

عبد الحميد مهري: ما كان لي.. لا أكثر.

سامي كليب: بالنسبة للمشاركة في الحكومة، بالنسبة لموضوع الانتخابات، بالنسبة للعلاقة مع الإسلاميين، حتى مولود حمروش فيما بعد يعني قيل أنه سعى للتسوية مع الإسلاميين وللوساطة مع الإسلاميين، وكان أقرب لهم منك أنت، هل ذلك صحيح؟

عبد الحميد مهري: لأ هذا غير صحيح، غير صحيح لأنه عملنا بالشق المنسق في جبهة التحرير الوطني و في المكتب السياسي، خاصة في الفترات 90-91، واستمر العمل داخل الجبهة بشكل جماعي منظم، وبقطع النظر على خلافات في الرأي ثانوية، لم يكن هناك خلاف جذري لا مع مولود محروش أو مع بقية أعضاء جبهة التحرير.

سامي كليب: هل كنت تلتقي بقادة الجبهة الإسلامية؟ هل تعرفت على عباس مدني شخصياً؟

عبد الحميد مهري: التقيت بقادة الجبهة.. المرة الوحيدة والأخيرة بعبد القادر الحشاني، ورابح كتير ومحمد السعيد الذي قتل بطلب من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبشر.. إلغاء الانتخابات ولكن هذا بطلب منهم، المرة الوحيدة الذي التقيته وكان لقاء هام على ما أعتقد، لأننا طرحنا.. وكنت.. فيه وفد معي الأخ مولود حمروش..، وطرحنا تلات قضايا.

أولاً : مهما كانت الظروف، عدم اللجوء للعنف.

ثانياً: حل كل المشاكل عن طريق الحوار.

ثالثاُ: المحافظة على الوحدة الوطنية و..

سامي كليب[مقاطعاً]: من كان المحاور في الاتجاه الآخر؟

عبد الحميد مهري: كان عبد القادر حشاني، ورابح الكبير، ومحمد السعيد.

سامي كليب: وعباس.. وعباس مدني؟

عبد الحميد مهري: لأ، لم يكن ، كان إذ ذاك هو في السجن. وخرجنا مطمئنين بأن الجماعة وافقوا على الطرح.

سامي كليب: هل تعتقد أن..

عبد الحميد مهري[مقاطعاً]: وبلغت الأخ حسين أحمد.. حسين .. حسين عيد أحمد بالمقابلة، وقام هو من جهته بمقابلتهم، ووجد نفس التجاوب، وأبلغت المسؤولين في الجيش بالموضوع، ولكن الجواب الذي أتاني هو أننا لا نرى استراتيجية أخرى في حل المشاكل، وهذا موضوع تجاوز الزمن.

سامي كليب: هل يمكن أن نسألك من هم ضباط الجيش الذين اتصلت بهم من أجل إبلاغهم بتلك الرسالة؟

عبد الحميد مهري: اتصلت بخالد نزار بالضبط.

سامي كليب: هل كنت تشعر آنذاك أن الجبهة الإسلامية لا تنحو فعلا باتجاه الحل العسكري حتى بعد اعتقال عباس مدني وعلي بلحاج، و ربما أثني عشر ألف شخص وفق ما قالته المعلومات؟

عبد الحميد مهري: أنا اعتقادي أن هذا كان ممكن ، فلأن هذا الكلام ممكن تجنيب الجزائر مجابهة مسلحة بين الجزائريين، ولكن الطريقة التي عولجت بها الأزمة وحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ.. حل القيادة السياسية، واعتقال حوالي 12 ألف من إطاراتهم، ووضعهم في مخيمات في الصحراء، هذا ترك الآثار البسيطة تحت تأثير الجماعات الأكثر تطرفاً.

سامي كليب: من الذين اغتيلوا أيضاً من الأسماء المعروفة قصدي مرباح، الذي كان رئيساً للحكومة، وقبل ذلك رئيساً جهاز الاستخبارات، برأيك لماذا قتل قصدي مرباح؟

عبد الحميد مهري: في مثل هالحالات صعب الجزم، لأن.. لكن الشيء اللي أعرفه معرفة..معرفة .. يعني معرفة يقينية أن مرباح كان يحاول القيام باتصالات مع الإسلاميين لإيجاد حل.

سامي كليب: هل كنت على علم بتلك الاتصالات؟هل كنت تعرف اتصالات؟

عبد الحميد مهري: أيوه، نعم، كنت أعرف منه مباشرة أنه قائم بعمل من ها النوع.


أسباب انقلاب جبهة التحرير على عبد الحميد مهري

سامي كليب: طيب نعود إلى تجربتك في جبهة التحرير، لماذا حصل هذا النوع من الانقلاب ضدك.. ضدك داخل الجبهة؟

عبد الحميد مهري: ببساطة لأن جبهة التحرير الوطني من.. باعتقادي أننا ما دمنا اتجهنا إلى نظام ديمقراطي متعدد فإن جبهة التحرير الوطني يجب أن تستقل برأيها عن الجيش .

سامي كليب: أستاذ عبد الحميد، أنت تعرف كما نعرف جميعاً أنك لو سألت اليوم مواطناً جزائرياً أو منذ أربع سنوات أو خمس سنوات ما هي أسباب نقمتك على جبهة التحرير؟كان هناك صوت واحد يقول: أولاً: معظم جبهة التحرير أصبحوا من الأغنياء لأنهم ربما أخذوا أموال السلطة منذ الاستقلال حتى اليوم، يعني كان كل الاتهامات بالنسبة للفساد بالنسبة للحصول على الأموال، بالنسبة لعدل.. سوء الإدارة تحمل إلى جبهة التحرير، هل تعتقد أن جبهة التحرير كانت بريئة من كل تلك التهم؟

عبد الحميد مهري: جبهة التحرير الوطني جزء من المجتمع، وظاهرة الثراء السائد.. الثراء غير المشروع لم يكن مقتصراً على مناضلين في جبهة التحرير، مست هذه الظاهرة العديد من المسؤولين في الدولة، لكن الذين يُشار إليهم بالبنان هما منتسبون لجبهة التحرير الوطني، لأن المفروض فيهم.. الشعب يفترض فيهم النقاء، لا يتحدث عن البقية.

سامي كليب: هل تعتقد أن الرئيس زروال كان يريد فعلاً فتح حواراً جدياً مع الإسلاميين خصوصاً أنه أرسل -على ما يبدو- بعض الموفدين عنه، وهو نفسه قبل أن يصبح رئيساً التقى مسؤولي الجبهة الإسلامية، هل أراد إيجاد حل ومُنع من تطبيق هذا الحل؟ وهل ناقشت معه أنت شخصياً هذا الموضع؟

عبد الحميد مهري: كان لي فرص عديدة لمناقشة الرئيس زروال في جملة من المواضيع، منها ها موضوع بالذات، مبادرته كانت قبل أن يصبح رئيس للدولة.

سامي كليب: يعني حين ذهب بنفسه للقاء الشيخ عباس حين ذلك.

عبد الحميد مهري: نعم، وقتها لم يكن رئيس الدولة و لا رئيس جمهورية منتخب، كان وزير للدفاع، واعتقادي أن.. أنه كان يقوم بالمبادرة يتفق عليها المجلس الأعلى للدولة إذ ذاك، لكن الذي كنت أعرفه وألمسه أنه لم تكن لدى الجيش نية صادقة في حل تفاوضي مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأعتقد أن هذا الرفض ما زال قائماً بعض الشيء حتى الآن، أي أن دور الشخص .. دور رئيس الجمهورية في النظام الحالي إذ لم يتغير دور نسبي.

سامي كليب: الجماعات الإسلامية المسلحة.

عبد الحميد مهري: نعم.

سامي كليب: هل كلها من الجماعات الإسلامية المسلحة؟

عبد الحميد مهري: لأ..لأ..لأ، الجماعات الإسلامية المسلحة أولاً المشكل في العنف أنه انطلق.. لم ينطلق من قرار مركزي، انطلق من جماعات بعضها معروف، وبعضها غير معروف، والجبهة الإسلامية للإنقاذ وجدت نفسها أمام وضع لقادتها صعب، حتى لما أخرجوا من السجن للمساعدة في.. في حل المشكل كانوا أول من اشتكى من المظالم اللي واقعة، ومن التعديل اللي وقع، وطالبوا بإصدار فتاوى للحد من الغلو والحد من.. لكن عدم معالجة القضايا السياسية خلى موضوع الجيوش يدخل من جماعات بعضها معروف وبعضها –مع الأسف الشديد- هو غير معروف الهوية ، لكن المجازر التي وقعت كان معظم ضحاياها من الإسلاميين ، وهذا يطرح عدة أسئلة. طبعاً قيل أن هناك جماعات متناحرة.

سامي كليب[مقاطعاً]: في السياسة أو جماعة.

عبد الحميد مهري[مستأنفاً]: تصفية حسابات، لكن هذا في بعض الحالات غير مقنع، فمثل ما عرفنا في لبنان بعض الأحيان تصدر حاجات من مصادر غير معروفة، ولعل هدفها هو إبقاء العنف مشتعل.

سامي كليب: هل تتوقع أن تستمر الحرب طويلاً؟

عبد الحميد مهري: مع الأسف إذا لم يقع حل سياسي جماعي ليجمع كل قوى الشعب، ويحدث ديناميكية سياسية حقيقية، تتفاعل مع الجماهير، فالعنف يمكن أن يستمر، العنف حتى وإن كان قليل يضر بسياسة البلاد، ويعوقها عن معالجة المشاكل العامة.

سامي كليب: من عنف حرب التحرير إلى الاستشهاد للحصول على الاستقلال، إلى عنفها الحالي، تبقى الجزائر في عينيِّ عبد الحميد مهري وعيوننا كامرأة تعيش مخاضاً عسيراً على أمل أن تلد يوماً الطفل الجميل الذي طال انتظاره، فنهر السين الفرنسي لم ولن يضاهي زرقة بحر عنابة.