خارج النص

مجلة الحوادث.. الجريئة التي قتلت ناشرها

يكون للقلم أحيانا أثر أكبر من أثر الجيوش، مجلة الحوادث كيان صحفي بلغ من الانتشار عند العرب في أواخر القرن الماضي ما لم تبلغه مجلة سياسية قبلها، إذ كانت من رواد الاستقصاء الصحفي في العالم العربي.

وتابعت حلقة الأحد من برنامج "خارج النص" (2021/9/12) مسار مجلة الحوادث، وهي من أولى المجلات التي خصصت مركزا للمعلومات والتحليل لتطرق أبواب مواضيع حساسة وضعتها في مقدمة قوائم القراء العرب، مما جعلها ورئيس تحريرها الشهير سليم اللوزي محط انتباه الساسة ورقابتهم، ودفع بها إلى دوامة من الجدل والتهديد.

كما مُنعت أعداد كثيرة منها في بعض الدول العربية، خاصة أن بعض المؤرخين رأوا أن سياسية التمويل الخارجي للمجلة لعبت دورا كبيرا في تحديد مواقفها، وكذا وقوعها في التناقضات وتغيير المواقف.

وعن المجلة وناشرها، يقول رئيس تحرير مجلة "كل العرب" على المرعبي إن اللوزي تمكن من بناء شبكة من العلاقات الواسعة مع المسؤولين في الدول العربية والغربية، ولذلك كان يحصل على السبق الصحفي ومصادر معلومات يوظفها بآراء وتحليلات أكسبت المجلة شعبية كبيرة، مشيرا إلى أن اللوزي أخذ منحى معارضا شرسا ضد النظام السوري وعمل على تصعيد موقفه.

تحولات قاتلة

وقد مرت مجلة الحوادث اللبنانية بتحولات كثيرة، انتقدت فيها أنظمة، وحاربت فيها أجندات سياسية متعددة، لكن تبقى حرب المجلة على النظام السوري ووجوده في لبنان من أخطر التجارب التي خاصتها.

ويذكر أنه في عام 1976 دخل الجيش السوري إلى لبنان، وبدأ تشكيل واقع سياسي وعسكري جديدين على أراضيها، وكان اللوزي رافضا التدخل السوري في لبنان؛ فدخل عن طريق مجلته في حرب شرسة مع النظام السوري، وسخر قلمه للمواجهة والنقد اللاذع، خاصة بعد اتهامه النظام السوري بقتل أخيه.

وقد أوقعت هذه المعارك الصحفية المجلة واللوزي نفسه أمام خطر كبير، تجلى في تدمير مبنى المجلة وقصفه من قبل مجهولين، وهو ما اضطر اللوزي لنقل كيان المجلة إلى لندن، ومن هناك واصل هجومه على النظام السوري. وكتب مقالا بعنوان: "وغدا إذا اغتالتني المخابرات العسكرية، أكون قد استحققت هذا المصير لأنني أحببت بلدي وأخلصت لمهنتي".

لم تكتف مجلة الحوادث بخصومتها مع النظام السوري، بل استمرت أيضا في نقدها للفصائل الفلسطينية، إضافة إلى فتح ملفات خاصة بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي، مما خلق لها خصوما كثيرين في الساحة العربية، وأثار الحديث حول الجهات التي تمولها.

واجه اللوزي بقلمه الحاد أنظمة عربية عرفت بعنفها المفرط في التعامل مع المعارضين، وفي 25 فبراير/شباط 1980، بينما كان اللوزي في طريقه إلى المطار بعد أن تلقى التعازي في وفاة والدته، تم الإعلان عن اختفائه بعد تعرضه لعملية خطف، ليعثر على جثته بعدها بأيام في الرابع من مارس/آذار، وقد تم التمثيل بها وتشويهها، لتنتهي مسيرة صحفي حارب بقلمه من دون أن تعرف هوية قاتله حتى الآن.