رئيس منتدى الفكر والحوار
ضيف وقضية

العرب والزنوج في موريتانيا

وجود العنصر الزنجي في المجتمع الموريتاني مشهد عادي في الحياة اليومية، بعضهم من موريتانيا، لكن غالبيتهم من العمالة الوافدة من دول الجوار الإفريقية، ويعملون في ميادين لا يرغب الموريتاني في العمل فيها.

undefined
undefined

محمد كريشان:

وجود العنصر الزنجي في المجتمع الموريتاني مشهد عادي في الحياة اليومية، بعضهم من موريتانيا، لكن غالبيتهم من العمالة الوافدة من دول الجوار الإفريقية، ويعملون في ميادين لا يرغب الموريتاني في العمل فيها.

قضية العلاقة بين العنصرين العربي والزنجي في موريتانيا مرت بمراحل، بعضها هادئ وبعضها الآخر متوتر وحتى صدامي، لكن القضية تحتاج إلى إدراجها في سياقها التاريخي هنا في موريتانيا، وهو ما يسعى للقيام به ضيفنا لهذا الأسبوع أحمد الوافي رئيس منـتدى الفكر والحوار في موريتانيا.

صوت معلق:

أحمد الوافي

– من مواليد عام 42 بمدينة النعمة جنوب شرقي البلاد

– درس الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأكمل تعليمه في القانون العام في جامعة "محمد الخامس" بالمغرب عام 72.

– أسس الصندوق الوطني للتنمية، وظل المدير العام له حتى عام 84.

– انتقل بعد ذلك إلى العمل في هيئات العمل العربي المشترك، أولا في الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، ثم في المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

– عضو في منتديات الفكر العربي المختلفة، منتدى الفكر العربي بعمان، ثم المؤتمر القومي العربي في بيروت.

– من المتابعين للعمل القومي العربي.

محمد كريشان:

سيد أحمد الوافي.. أهلا وسهلا.

أحمد الوافي:

أهلا بك.

محمد كريشان:

قبل أن نخوض في خصائص العلاقة التي كانت بين العرب والزنوج في موريتانيا.. لو نبدأ أولا بتعريف بدايات العرب هنا قبل أن ننطلق إلى بدايات الزنوج، ومن ثم الحديث عن العلاقة التي كانت بينهم.. ماذا عن بدايات العرب في هذه الربوع؟

أحمد الوافي:

شكرا جزيلا.. لكي تتضح الصورة أمامنا لا بد أن نعود إلى الخصائص الجغرافية أو المناخية لهذه المنطقة.. هذه المنطقة اسمها منطقة غرب الصحراء الكبرى، ومنطقة الصحراء الكبرى منذ قديم الزمان كانت مجال نما فيه الجمل والإنسان الصحراوي، وكانا توأمان في هذه الأرض، وهذا أردت أن أقوله لكي أبين العلاقة ما بين الإنسان والأرض اللي موجود فيها.

إذن هذه الأرض منذ أن كانت صحراء، وهذا المجال منذ أن كان صحراء، في حدوده الجنوبية مصب الأنهر الكبرى، اللي هو نهر "صنهاجة"، والذي هو الآن أصبح يسمى الآن بنهر السنغال، لأن كلمة صنهاجة حرفت إلى كلمة سنغال.. أما الأصل فهو نهر صنهاجة، ونهر النيجر أيضا الذي كان يسمى "النيج" سماه ابن خلدون، والمحيط الأطلسي، والشمال: الأودية الكبرى مثل وادي..، والأودية الكبرى في شمال إفريقيا.

هذه المنطقة بهذه الحدود المناخية: عاش فيها وترعرع وتربى الإنسان الصحراوي عمومًا، أصله بربري أو عربي، فهذه المسألة أتركها للمؤرخين، لكن هذا الإنسان بهذه الملامح وبهذه الصورة هو الذي عاش في هذه المنطقة، وهو الذي يعرف مسالكها وإلى اليوم.

لا أريد أن أنكر وجود آخرين، ولا أريد أن أنكر ذلك، ليس الهدف، ولكن الهدف أساسا نبين كيف وجد هذا الإنسان؟ وكيف نما في هذه الأرض؟ وكيف تحكم فيها، ولا يزال حتى الآن قبل ذلك؟

يبقى بعد ذلك الصورة -اللي عندنا- التاريخية بالقرن الثامن الميلادي لجأوا المؤرخين يكتبوا، وجاءت الصور الأولى لكتابات الرحالة العرب الأولين: ابن حوقل والإدريسي، والرحالة الأولين اللي كتبوا عن هذه المنطقة، كتبوا عن هذه المجتمعات العربية البربرية -إن صح التعبير-، لكن هذه المجتمعات العربية اللي كانت موجودة هنا وكتبوا عن حياتها، وكتبوا عن العلاقة ما بين -وهذه نقطة البداية أساسا- العلاقة ما بين دولة.. أو المجتمع الصنهاجي اللي كان موجود في الصحراء والعلاقة بينه والإمبراطورية الغانية، هذا المجتمع الصحراوي -هذا المجتمع الصنهاجي- عمقه في الصحراء، وتمتد أطرافه إلى الحدود الرطبة.

محمد كريشان:

الإمبراطورية الغانية هي امتدت حتى إلى داخل التراب الموريتاني الآن؟

أحمد الوافي:

لا أقول داخلها، وإنما طرف، لا أقول داخلها، وإنما طرف.

محمد كريشان:

يقال إن عاصمتها كانت حتى في وسط شرق البلاد يعني؟

أحمد الوافي:

في شرق البلاد، في "كومبي صالح" وهي منطقة في الحدود بين موريتانيا ومالي، لكن هذا الموضوع أتركه للمؤرخين، لكن اللي أريد أن أشير إليه أن هذه المنطقة بهذه الملامح الصحراوية، وبقساوة الصحراء، وبوجود الجمل كسفينة الصحراء اللي كان يسكنها أهل الصحراء.

محمد كريشان:

ولكن بدايات تداخل الزنوج مع العنصر العربي البربري -إن صح التعبير مثلما ذكرتم- هل كان بداياتها مع الإمبراطورية الغانية؟ هل كان هذا هو المدخل الحقيقي لوجود الزنوج في موريتانيا؟

أحمد الوافي:

لا، الاحتكاك الأول تاريخيا كان بين الإمبراطورية الغانية فعلا وسكان صنهاجة، وفعلا المؤرخين يشيروا إلى ذلك، ولكنه احتكاك وليس اختلاط، وليس اختلاط عرقي ولا اختلاط، وإنما الاحتكاك بالتجارة وبالحروب وبالتنقلات، ولكن ليس بالاختلاط، بمعنى التساكن وبمعنى الإقامة.

محمد كريشان:

الاختلاط بهذا المعنى.. متى بدأ؟

أحمد الوافي:

هذا الكلام اللي قلته لك في القرن السابع والقرن الثامن الميلادي، بعد ذلك بدأت تتشكل ملامح المجتمع، وجد أول ما وجد وجدت دولة المرابطين، ودولة المرابطين كانت عاصمتها على النهر، وهذا الكلام أريد أن أقوله الآن وأتحمل مسؤوليته؛ لأن اللي عاد إلى ابن خلدون في وصفه للرباط عندما ذهب "يحيى بن إبراهيم البدالي" إلى المشرق حاج ومر بتونس وبمدينة القيروان وتلقى مع أستاذه "أبي عمران الفاسي" طلب منه أن يمده بأحد تلاميذه ليعلم قومه ويفقههم في الدين، فكتب له إلى أحد تلاميذه في غرب المنطقة، وجاءه بعبد الله بن ياسين، وذهب إليه، وعندما بدأت بداياته الأولى كانت بدايات متشنجة في احتكاكه بالمجتمع هنا، فذهب مع الأمير يحيى بن إبراهيم وعملوا مكان الرباط، قالوا: نذهب إلى مكان يكون الماء فيه في جزيرة في شبه جزيرة، نمر على أقدامنا ويكون الماء يحيط بنا من جميع الجهات.

هذا الوصف عاد إليه ابن خلدون، وهذه نقطة مهمة، وقال: حيث البحر ضحضاحا في الشتاء، رقراقا في الصيف.. ما معنى ذلك؟ بعض المؤرخين ذهبوا إلى أنه المحيط، والمحيط عملية المد والجزر ما هي بحسب الفصول، عملية المد والجزر بأربعة وعشرين ساعة، بينما في النهر عملية المد والجزر تتم حسب الفصول، إذن الثابت تاريخيا -وهذا الكلام أتحمل مسؤوليته- أن هذا الرباط كان على نهر صنهاجة اللي هو الآن يسمى نهر السنغال، وبالتالي هذه هي عاصمة المرابطين، بدأت تتكون الدولة المرابطية، وبدأت تتكون ملامح المجتمع، ملامحه نقصد بها شكل من أشكال السلطة، ولا تزال آثاره حتى القائم، ما بين الحاكم كمسؤول في السلطة التنفيذية، وما بين القاضي كمسؤول عن التشريع وعن القضاء.

محمد كريشان:

نعم.. أشرت إلى الاحتكاك الأولي بين العرب والزنوج من خلال الإمبراطورية الغانية، يعني ربما لا نريد الخوض في الموضوع وكأنه موضوع تاريخي، وإنما كظاهرة ثقافية وحضارية هنا في موريتانيا، يعني هذا لا نقول الازدواجية، ولكن وجود العنصر العربي ووجود العنصر الزنجي، يعني لماذا ربط البعض وجود الزنوج هنا في موريتانيا بالحقبة الاستعمارية ومع وجود الاستعمار الفرنسي؟

أحمد الوافي:

هذا الاستعمار الفرنسي جاء بجنوده، وجاء بإدارة، وجاء بموجات عنف قوية، هذي موجات العنف مع الأسف، هذي الجنود كانوا هم الحطب للاستعمار، كانوا جنود هم أنت تعرفهم في شمال أفريقيا اللي يسموهم (ديتاراييه سنغال) -الرماة السنغاليين-، هم جنود المستعمر الذي غزا بهم وحدهم، لم يكن هنالك جنود آخرين من القومية العربية اللي موجودة، وإنما كانوا فقط جنود جاءوا من السنغال وبهذا الاسم (ديتاراييه سنغال).

محمد كريشان:

القادة فقط كانوا من الفرنسيين؟

أحمد الوافي:

القادة فقط كانوا فرنسيين، وتوغلوا الفرنسيين، وحصلت معارك، واستمر القتال لمدة 36 سنة، من بداية القرن حتى 1936، معارك في كل موقع، وأحكي لك قصة ربما يعرفها المشاهدين، حكاها لي أبي، كانوا في العشرينات من القرن ذاهبين في الصحراء، إذا به أثر قافلة في الصحراء، فأحد الأدلاء الأقوياء الموجود معهم قال لهم: هذه القافلة لا يوجد فيها عربي.. قالوا له.. ما صدقوا هذا الكلام، مشى، فجأة إذا به معسكر من الرماة السنغاليين ومعهم فرنسي واحد وهو قائدهم.

محمد كريشان:

كيف عرف؟

أحمد الوافي:

قالوا له كيف عرفت؟ قال لهم: لأنهم لا يعلمون كيف يسيرون في الصحراء، لا يعرفون مفاصل الأرض.

محمد كريشان:

يمشون على غير هدى.

أحمد الوافي:

يمشون على غير هدى.. أزمّة جمالهم مرخية، إذن معنى هذا الكلام بأن هؤلاء الجنود -الرماة السنغاليين- هم الذين غزا بهم الفرنسيون، وعندما استقر الحال للفرنسيين في المراكز الحضارية نفروا الموريتانيين ورفعوا شعار "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" ورفعوا شعار مقاومة ثقافية.

محمد كريشان:

تركوا المدن واتجهوا إلى..

أحمد الوافي:

كل المراكز الحضارية، وبقوا الفرنسيين الحكام الغزاة هم أصحاب المدينة، ومعاهم الجنود والخدم والطباخين والمترجمين والكتبة، كلهم جاؤوا بهم من إدارتهم المركزية في السنغال أو في مالي، حسب المنطقة المقابلة لهم…

محمد كريشان:

يعني أهل البلاد لجأوا إلى البادية واستقر بالمناطق الحضرية إدارة وجنودا؟

أحمد الوافي:

هذا التمكن للإدارة الفرنسية، عن طريقها هو الذي جعل أن تبدأ فعلا موجة قوية من الهجرة من الجنوب إلى الشمال.

محمد كريشان:

يعني بداية استقرار بعض الزنوج تاريخيًّا في موريتانيا بدأ مع الاستعمار الفرنسي أساسًا؟

أحمد الوافي:

تمام.

محمد كريشان:

لماذا ربطتم فقط استقرار الزنوج بوجود المستعمر الفرنسي، تاريخيًّا هل هذه مؤكدة؟

أحمد الوافي:

هذه حقائق أمامنا، وأمامنا دلائلها، احنا نعرف نشأة المدن الموجودة، ونعرف نشأة القبائل اللي موجودة هنالك هنا في هذا البلد، لا يسجل لنا التاريخ، أنا لا أنفي لك أن ليست هنالك احتكاك مستمر، والاختلاط ووحدة العقيدة بين الناس، لكن الاستقرار الفعلي اللي نجد له أثر وجد مع الفرنسيين، قبل ذلك كانوا عندما يجتازوا النهر في هذه الناحية يدفعوا غرامة للمشايخ اللي هنا يسموها "مدة الحرمة" تحت حرمتهم تحت سيطرتهم، وعندما يعودوا يستقبلوهم أيضا في موسم الصيف في الضفة الأخرى من النهر أيضا من أجل المياه ومن أجل أيضا التساكن..

محمد كريشان (مقاطعا):

نعم.. زمن الاستعمار الفرنسي كانت حتى عاصمة موريتانيا التي تشكلت حديثًا توجد في التراب السنغالي، مدينة "سان لوي"، هل وجود الاستعمار الفرنسي بذراع سنغالية -إن صح التعبير-هنا كان هو بداية الحزازات بين العرب والزنوج؟ هل هي البداية الحقيقية؟

أحمد الوافي:

هذه تماما هي النقطة نقطة البداية؛ لأنه مثل ما قلنا بأن الغزو كان بالرماة السنغاليين، ولم يكن غزو سلمي -عكس ما يقولونه هم-، إنما كان غزو مسلح ومعارك دامية، من هو كان حطب هذا؟ كانوا مع الأسف كانوا الموريتانيين اللي هنا اللي يدافعوا عن أرضهم، وكان الطرف الآخر اللي يشاهدوه واللي يحتكوا به في المعارك العسكرية كانوا هم الرماة السنغاليين، هم هؤلاء الزنوج، وبالتالي هذا واضح جدا أنه خلق نوع من الحزازية بأن هؤلاء هم الذين غزونا، بينما في الحقيقة هم قد يكونوا "أبرياء" إن صح التعبير بين قوسين، لكن أيضًا نشأت حالة أخرى تدل على ذلك، هذه المقاومة التي حصلت للفرنسيين في المواقع كلها في موريتانيا لا يذكر التاريخ أن فيها أحد الإخوان الزنوج، لا القبيلة الفلانية ولا القبيلة الفلانية ولا القبيلة الفلانية ولا البطل الفلاني، مقاومة الفرنسيين عند دخولهم، لماذا؟ هم يدافعون عن أرضهم، الناس كلهم يدافعوا عن أرضهم، هذا يدل تماما، وبرهان تماما ساطع على أن هؤلاء ما كانوا في ذلك الوقت بعد قد استقروا. لكن لا ننكر أيضا ولا نريد أن ننكر بأنهم عادوا للاستقرار فيما بعد، وأصبحت لهم حقوق مثل المواطنين، ذلك موضوع آخر سنـتطرق إليه ربما.

محمد كريشان:

نعم.. إذن لم يكن هناك استقرار للزنوج في هذه المنطقة قبل الاستعمار، وبالتالي لم يكن هناك شعور بالانتماء، الشيء الذي يفسر غياب المقاومة، ولكن بعد رحيل الاستعمار، أكيد بقي بعض الزنوج هنا.. كيف كانت طبيعة التعامل معهم؟ هل هي بداية ما يصفه البعض بالعداء بين العنصر العربي والعنصر الزنجي كتصفية حسابات ربما؟

أحمد الوافي:

في هذا الوقت لا نتكلم عن عداء في الحقيقة للأمانة، لا نتكلم عن عداء بل بالعكس نتكلم عن الأخوة؛ لأنه أيضا لا تنسى أنه في المقابل حدثت موجة هجرة أيضا نحو الجنوب، لأنه تنقل البشر في هذه المنطقة أساسا المدد التاريخي يأتي من الشمال، تاريخيا من الشمال نحو الجنوب، ولأول مرة تعكس الهجرة، موسم الهجرة يـبدأ من الجنوب نحو الشمال مع.. كان العكس.. كان العرب انتقلوا – أيضا – نحو الجنوب، وقطعوا النهر، وتمددوا في السنغال وفي مالي وفي غينيا، وتمددوا حتى نيجيريا، ونشروا الإسلام، وتمددوا أيضا كتجار، ليس فقط كدعاة وإنما كتجار؛ ولذلك كانت هنالك موجة أيضًا بالمقابل موجة نحو الجنوب، لكن هذه الموجة كانت بصورة طبيعية، ليست وراءها خلفية الاستقرار، ولا وراءها خلفية السيطرة، ولا وراءها خلفية البقاء. لأنه الحقيقة الخيط الأساسي لمسألة الاستقرار ومسألة خلق الحزازات هو جاء من وراء الاستعمار ومن وراء الفرنسيين، وأنا لا أريد من هذا أن نثير نظرية المؤامرة مثل ما بيقولوا: إن كل شيء وراءه الاستعمار، ولكن هذه حقائق أمامنا تاريخية. بالدليل على أن الموريتانيين الذين انتقلوا نحو السنغال، وتمددوا فيه، وعملوا كل اللي يعمله المواطنين: من التجارة ومن الدعة.. ما كان هناك نية استقرار، ولا تملّك الأرض، ولا نصر أي حزازية، بينما نية الفرنسيين من البداية أنهم يخلقوا عازل في هذه المنطقة ما بين الشمال وما بين الجنوب، ونيتهم دائما أن يكونوا فعلا هذا سيستخدموه في يوم من أيام التاريخ مثل ما سنرى.

الخلاصة من هذه النقطة أنه لا نتكلم في هذه الفترة حتى بعد فترة الاستعمار إلى أن نأخذ الاستقرار والهدوء، لا نتكلم عن العداء.

محمد كريشان:

إذن متى بدأت الحزازات الصارخة إن صح التعبير؟

أحمد الوافي:

سيأتينا بعد ذلك متأخرا، في أواخر الخمسينات بدأت تهب على المنطقة ريح الشمال، ريح التحرر من الشمال، خصوصا الثورة الجزائرية، وحركة الاستقلال في المغرب وحركة الاستقلال في تونس، بدأت تهب على المنطقة ريح الشمال، فبادروا الفرنسيين بما هو معروف في التاريخ بعملية الاستقلال، فكان نصيب موريتانيا أيضا استقلال على عجل -إن صحت هذه العبارة- وخلقت.. وهذا كان -أعتقد أن القضية ليست سر تاريخي- هذا كان أساسا تسابق مع الزمن بالنسبة للمستعمرين في ذلك الوقت، أنهم يريدوا أن يخلقوا دولة في فلكهم، قبل أن يستفحل موضوع تمدد..

محمد كريشان (مقاطعا):

الحركة.

أحمد الوافي:

تمدد الحركة الاستقلالية، وتمدد الثورة اللي موجودة في الشمال. خلقت الدولة الموريتانية -لأننا سنأتي إلى هنا نقطة مهمة- نشأت الدولة الموريتانية، ونشأت على عجل بدون كوادر، لأنه في فترة الاستعمار تكلمنا عن الهروب عن الفرنسيين، وبالتالي مقاطعة المدارس، ما تكون الموريتانيون في المدارس الحديثة، كان تعليمهم التعليم الأصلي فقط، وعندما واجهوا مسألة الدولة الحديثة من اللي كان يدخل المدارس؟ هم أبناء إخواننا اللي جاؤوا من الجنوب، اللي كنا نتكلم عنهم، واللي كانوا يدخلوا المدارس، وكان مستوى التعليم فيهم نسبيا عالي؛ نسبيا ولا أقول عنه عالي بمعناه المطلق، وإنما نسبيا بالنسبة للآخرين.. واحد على الستة على سبيل المثال.. كانوا بالنسبة للعرب 1% فقط، بينما الآخرين يصلوا إلى نسبة 6% بالنسبة للكل، وهذا كان نسبيا مستوى تعليم عالي.. هذا بالإضافة إلى أ، أيضا تنقل السنغاليين الذين درسوا في السنغال، والسنغاليين وجودهم كان سهلا، عندما انتقلوا.. انتقلت العاصمة اللي أنت أشرت إليها من "سان لوي" اللي هي كانت عاصمة الإقليم الموريتاني كانت في سان لوي انتقلت بدمها ولحمها، يعني..

محمد كريشان:

بإدارتها بكل ما..

أحمد الوافي:

وبقوانينها، وذلك هو أعني بدمها بقوانينها وبموظفيها، وبكل شيء انتقلت، واستقرت وبدأت تنشأ العاصمة الجديدة في موريتانيا.

محمد كريشان:

إذن نشأت العاصمة بعناصر غير موريتانية.. هل هذا -أيضا- كرس نفس الانطباع بأنه ربما الاستعمار متواصل بشكل مختلف؟

أحمد الوافي:

تماما، واللي حصل شيء، أن هنالك مسائل عملية أن الذي بنى.. العمال الفنيين اللي بنوا هذه العاصمة واللي كانوا يحتاج لهم البناء العصري كانوا فقط يأتون من الإخوان السنغاليين مرة أخرى، وعمال الإدارة ليس فقط، وعمال الإدارة بكل ما تعني الكلمة.. كلهم انتقلوا واستقروا، وكانت هذه -أنا أعتبرها- الموجة الثانية من موسم الهجرة الجنوبي، استقروا وتكونت الدولة الموريتانية الحديثة، وإلى حد هذه اللحظة لا نتكلم كثيرا عن احتكاك وعن مسألة عداء، لأن كانت تغطية الجانب الفرنسي كانت أقوى بالنسبة للطرفين.

بعد دولة الاستقلال حصلت مفارقة عجيبة، انتقلوا الموريتانيون فجأة إلى المدارس، لأن المدرسة لم تعد فرنسية، رغم أنها لتوها تفرنست، لتوها أصبحت مدرسة من ناحية اللغة، انتقلوا إليها، وبدأت مجموعات، موجات فعلا من التعليم -نسبيا- من بداية الستينات؛ لأنه لا ننسى أن انتقال العاصمة هنا لم تكن هنا مدرسة واحدة كانت مدرسة ابتدائية فقط، أول مدرسة ثانوية أنشئت مع الاستقلال سنة 1960، وإعدادية.. 

محمد كريشان (مقاطعًا) :

إذن عندما يتحدث البعض خاصة في الخارج، أو حتى أطراف سياسية مختلفة عن (نوع من الاضطهاد) -بين قوسين- للسود في موريتانيا، بداية هذا الحديث ما جذوره طالما الأمور صارت بهذا الشكل التاريخي الذي كنت تسرده الآن؟ ما هي الأشياء التي بررت للبعض أن يتحدث عن نوع..

أحمد الوافي:

اسمح لي سنعود إلى هذه النقطة لاحقا، سنعود إليها سنعود إلى هذا السؤال لاحقا، فقط كنت أريد أن أقول إنه هنا حصلت موجة أخرى من الهجرة، وفي هذه الفترة فتحت مناجم الحديد في  الشمال وكانت تحتاج أيضا إلى يد عاملة ماهرة، لأنه استغلال حديد المناجم، أيضا تدعمت هذه الموجة عن طريق ظاهرتين: ظاهرة بناء العاصمة الحديثة، وما يعنيه البناء من خبرة فنية، وظاهرة استغلال المناجم في الشمال وما يعنيه ذلك أيضا من خبرة فنية، ولم يكن هنالك بد من استغلال هذا، لكن الذين انتقلوا لم ينتقلوا كمهاجرين فقط، وإنما انتقلوا كمستقرين وبجنسيتهم وباستقرارهم، وبالتالي حصل ضمن وجودهم من جديد تعايش ما بين العرب والزنوج. بل أكثر من ذلك نستطيع أن نقول في تلك الفترة كانت الأغلبية من هؤلاء، ننتقل إلى منتصف الستينات إذا بهنالك تململ، يظهر تململ، إنه نحن عكس العرب نحن مظلومين، نحن مبعدين، لا وجود لنا في الإدارة، هذه الدولة الحديثة لا تتجاوب مع طموحنا..

محمد كريشان:

يسيرها أناس آخرون.

أحمد الوافي:

يسيرها أناس آخرون، وحتى المسيرين الوطنيين لا علاقة لهم بالأحداث، التي تجري في المنطقة العربية ككل، بدأ هناك شعور أننا سلخنا من جسدنا الأصلي، وبالتالي ألقينا في جسد آخر غير جسدنا..

محمد كريشان:

وأن الاستقلال في النهاية لم..

أحمد الوافي:

لم يكن هنالك استقلال، كانت هنالك في الشمال كتلة الدار البيضاء، التي تكونت أساسا من الحركة الاستقلالية في ذلك الوقت في المغرب ومصر (جمال عبد الناصر) والحكومة المؤقتة بالجزائر، بينما في الجنوب كانت مجموعة  "اللوكامب" ومجموعة "مدغشقر" اللي هي المجموعة الإفريقية اللي سائرة في فلك الاستعمار.

محمد كريشان:

التململ كيف بدأ ينعكس عمليا في حياة الناس في موريتانيا؟ هذا التململ الذي تشير إليه؟

أحمد الوافي:

من منتصف الستينات بدأ بإضراب المدارس، وبدأ بحركة الإضراب، وبدأت تتكون الحركات، حركة نقابة التعليم العربي على سبيل المثال، في ذلك الوقت كان يسمى التعليم العربي فقط، بدأت تتكون حركات سرية، بدأت حتى الحركات العربية القومية تجد لها مكان لأن التربة أصبحت.. المناخ أصبح مناسب.

محمد كريشان:

يعني كرد فعل على..

أحمد الوافي:

رد فعل على التغريب، حالة التغريب التي كان في هذا المجتمع.

محمد كريشان:

يعني كانت الصورة مطروحة كتغريب ولا كبعد بين قوسين "عنصري" على أساس أن هؤلاء سود أتوا من الجنوب واستحكموا في مصائر الموريتانيين؟

أحمد الوافي:

الصورة فيها تداخل.

محمد كريشان:

الذين بقوا في الإدارة الموريتانية هنا وهم من أصل سنغالي، هل ظلوا محافظين على جنسيتهم السنغالية أم أصبحوا موريتانيين؟

أحمد الوافي:

بعضهم أصبح جنسيته موريتانية وبدون شك، والبعض ظل محتفظ بجنسيته السنغالية، ومنهم من عاد إلى السنغال، تولى منصب هنا وزير لفترة من الزمن، وعاد إلى السنغال ليتولى منصب آخر في السنغال، موجودة حالات من هذا.

محمد كريشان:

هذا التداخل بين البعدين القومي والعرقي -إن صح العبير- متى رجحت هذه الكفة أو تلك؟

أحمد الوافي:

نصل لمنتصف الستينات إذا بنا نواجه حالة انتفاضة، تسمى سنة 66 حالة انتفاضة، بأنه نحن مفروض علينا اللغة الفرنسية اللي فيها التدريس، واللغة العربية مبعدة، نحن مسلوخين من جلدنا العربي، لا علاقة لنا بما يجري في المشرق، ولا علاقة لنا.. وهذا لا يدوم، وبالتالي بدأت تتكون هذه..، سنة 1966م إذا بنا أمام انتفاضة، أمام انتفاضة مسلحة إلى حد ما، إلى درجة الفوضى في الشارع، إلى درجة أن الجيش استلم لعدة أيام السلطة لكي يهدئ، بعد ذلك بدأ الأمور لا يمكن أن تمشي في هذه الحالة، وبدأت شبه المواجهة، إضرابات يوميا، عمال المناجم اللي كنا نقول في الشمال بدؤوا أيضا يدخلوا، طبعا العمال الآخرين، ليسوا فقط السنغاليين، وإنما العمال الوطنيين، وبدأت أحداث مذبحة "الزويلات" سنة 66 في المناجم، كل هذه الأحداث بدأت تكون حالة قوية جدا من التململ، نصل إلى نهاية الستينات، وبعد -بالذات- أحداث 67 أيضا في المشرق، اللي هي الهزيمة في المشرق العربي، كانت انعكاسة شديدة أيضا هنا، كانت رد الفعل شديد، طبعا اضطرت الحكومة في ذاك الوقت أن تقطع العلاقات مع الدول المسؤولة عن تلك الهزيمة، ولكن الأحداث كانت… رد الفعل كان شديد، نصل إلى بداية السبعينات وإذا بنا أمام حالة من التحول نسبي، حالة من التحول نسبي، بدأ نظام الحكم نفسه يتغير، بدأ في تجديد، وكان في ذلك الوقت بمساعدة وبدعم من الجزائر، بعد أن توطد النظام الوطني في الجزائر بقيادة "بومدين" وبدأت يعاد تشكيل الدولة الموريتانية المستقلة هنا.

محمد كريشان:

سيد أحمد منذ البداية قدمت لنا الصورة، وكان الانطباع هو أن أهل البلد كانوا مظلومين من وجود زنجي ارتبط في البداية بالاستعمار، ثم ارتبط لاحقا ببداية تشكل الدولة الحديثة في موريتانيا بإدارة ليست من أهل البلد، ولكن المفارقة عندما يتحدث البعض خارج موريتانيا عن ظلم للسود في موريتانيا، أو عندما يتحدث البعض حتى عن وجود رق في موريتانيا، يعني هنا تصبح المفارقة واضحة وفاضحة، أنت تتحدث عن أهل بلد مظلوم تاريخيا، والبعض الآخر يتحدث عن سود مظلومين، متى بدأ الحديث عن ظلم للسود هنا في موريتانيا؟ بين قوسين وبكل تحفظ، متى تحول الضحية إلى جلاد إن صح التعبير؟ هل الصورة يمكن أن تطرح بهذا الشكل؟

أحمد الوافي:

موضوع ما يسمى بالعبودية، وموضوع كون الزنوج مضطهدين: هذان منفصلان، موضوع العبودية موضوع يطرح في المنطقة تاريخيا، ليس على العرب وحدهم، وإنما على كل المنطقة، حتى القبائل الزنجية كانت توجد فيها هذه الظاهرة التاريخية، هذا يجب أن نسجلوا، ويجب أن يدركه الجميع، هذه الظاهرة ربما كانت في البشرية بكاملها، وخفت حسب التطور البشري.. هذه المناطق كان حظها من التطور كان بطيء، كانت موجودة هذه الظاهرة، موجودة في القبائل كلها اللي تعيش في المنطقة كلها في غرب إفريقيا..

محمد كريشان:

ليست بين عرب وسود؟

أحمد الوافي:

أبدا وإنما موجودة ما بين القبائل الزنجية نفسها..

محمد كريشان:

لديها عبيد؟

أحمد الوافي:

نعم، لديها عبيد أو من الدرجة الثانية، وحتى يطلق عليهم كلمة عبيد كمان، فإذن لديهم تاريخيا هذا، لكن هذا موجود أيضًا، لنقل -لمن يملك الشجاعة- كان موجودًا أيضًا بالنسبة للعرب؛ لأنه كان موجودًا في المنطقة كلها، لكن هذه مسألة أصبحت من مسائل التاريخ دونت مع التاريخ، لم تعد..

محمد كريشان:

انتهت بالكامل يعني؟

أحمد الوافي:

لم يعد لها وجود، الموجود هو بقايا مخلدة موجودة حسب التطور، لذلك لا تجد لهذه الظاهرة أي أثر..

محمد كريشان:

ما معنى مخلفات يعني مثلا عمليا وجود بعض العناصر التي ما زالت تعتبر بشكل أو بآخر وكأنها من العبيد؟

أحمد الوافي:

لا، المخلفات الموجودة موجودة في التكوين الطبقي في المجتمع، ولنقل ولنترك مثلا القبائل الزنجية، وإنما نعود إلى التكوين الطبقي للمجتمع الموريتاني، أو التكوين الفئوي -إن صح هذا التعبير-، هذا المجتمع يتكون من فئات كلها ينحدر من أصول، فيه فئة الزوايا يعتبر إنو منحدر من أصول بربرية، وفيه فئة العرب يكونون منحدرين من أصل عربي، وقد يكون أيضا العكس، قد يكونوا أيضا عرب منحدرين من أصل بربري، وقد يكونون أيضا زوايا منحدرين أيضا من أصل عربي، فيه فئات أخرى، فئة المغنيين، فيه فئة الحدادين اللي -أيضا- كانت لهم الحرف، وفيه فئة "الحراطيم" وهذا هو.. -شيل كلمة المخلفات- التي كانت أيضا منحدرة من أصول يمكن أن يكون جرى عليها في يوم من الأيام هذا الرق.

هذه هي ما نسميه بالمخلفات، هذه مسائل موجودة كانت وجدت تاريخيًّا، المجتمع نفسه وحركته وحركة الحداثة هذه تقضي على هذا، تطحنه طحنا، تنهيه..

محمد كريشان (مقاطعًا):

يعني يمكن أن تطحنها رغم وجود -مثلا- بعض الأحداث التي ستترك أو تركت بالفعل جروح أكثر مما تتجه نحو.. مثلا مما يذكر أنه في سنة 90 – 91 جرى نوع من التصفية أو نوع من حملة تنظيف داخل المؤسسة العسكرية، وقيل وقتها إن زهاء خمسمائة ضابط من السود تم إبعادهم بشكل تعسفي، وتعرضوا -حتى- لكثير من التنكيل، لنسرد ما يقال على الأقل سواء كما يقول المعارضون، أو كما تقول منظمات حقوق الإنسان، يعني وحتى الذين مارسوا بعض الاضطهاد على السود داخل المؤسسة العسكرية لم يحاسبوا، وإنما صدر عنهم عفو، والبعض يطالب بمراجعة هذا العفو، ألا تعتقد بأن مثل هذه الممارسات يمكن أن تخلق حزازات تجعل هذا الجرح يستمر، حتى وإن كان من مخلفات التاريخ؟

أحمد الوافي:

لا، شوف، انتهينا من موضوع قضية العبودية بمعناها، وكيف المخلفات اللي قلنا.. أما بالنسبة لموضوع قضية الزنوج وكيف تنعكس هذه الآية قلت بأن..

محمد كريشان:

في الجيش أيضا في الجيش.

أحمد الوافي:

قلت بأن المعادلة كانت بهذا الشكل، من بداية السبعينات بدأت يعاد تشكيل الدولة من جديد، وبالتالي فعلا لم تعد السلطة كما كانت فقط محصورة على عنصر معين، وإنما أصبحت السلطة بحسب تشكيلة..

محمد كريشان:

يعني أصبح هناك فرز جديد للمجتمع، ولمؤسساته؟

أحمد الوافي:

تماما.. الكلام هذا  من بداية السبعينات، طبعا دخلت البلاد بسرعة كبيرة جدا حرب الصحراء، ونتج عن هذا -حرب الصحراء- انقلاب عسكري، وأطيح بالنظام الأول، هذا الانقلاب العسكري كان له ضحايا، في ذلك الوقت، يمكن في بدايته كان انقلاب سلمي، ولا كانت له ضحايا، ولكن كانت مرحلة أيضا لتوطيد واقع المجتمع؛ لأنه كانت هنالك وراء هذا خلفية، حركة المجتمع نفسه من أجل إعادة التشكيل الذي بدأ سنة 70.

محمد كريشان:

لكن ما علاقة ذلك بضرورة تصفية العنصر الأسود في الجيش؟ هل كان مشكوك في ولائه؟

أحمد الوافي:

سنأتي.. لما حصل هذا الانقلاب، وبدأ نظام غير النظام الذي كان موجود في السابق، الفرنسيون بالذات لم يرضوا عن هذا، لم يرضوا عن هذا انقلاب لم يشاركوا فيه، وبالتالي بدأوا يحيكوا انقلاب مضاد، وحصل انقلاب مضاد وفشل، ولكنه كان ضمن المجموعة العربية، وكان له ضحايا، الانقلاب الثاني الآخر المضاد كان له ضحايا، وماتوا منهم ناس، لكن لا يتكلم أحد عنهم كلمة..

محمد كريشان:

إذن ما ذنب السود في النهاية؟

أحمد الوافي:

نهاية سنة 89 حصل تغيـير أيضا سنة 85 ومشى في اتجاه لا يرضوا هم عنه، حركوا مرة أخرى، لكن في هذه المرة حركوا انقلاب من الجيش -من ضباط وجنود في الجيش-، وفعلا حصل انقلاب، وهذا الانقلاب فشل، أي انقلاب في الدنيا من بدايته إلى نهايته يفشلى لا بد من أن القائمين به يكون لهم عقاب، ويكون له ضحايا، لا بد. فهذا الذي حصل، وهي ضحايا محدودة وبشكل محدود، حصلت ضحايا..

محمد كريشان (مقاطعًا) :

يعني خمسمائة ضابط ليس عددا محدودا؟

أحمد الوافي:

من قال خمسمائة ضابط؟ الجيش الموريتاني كله ليس فيه خمسمائة ضابط.. هذا الكلام..

محمد كريشان:

أو خمسمائة من الكوادر؟

أحمد الوافي:

هذا الكلام يقال فقط، ليس هنالك خمسمائة ضابط.

محمد كريشان:

هل حوسبوا على أساس انتمائهم العرقي، يعني أن كل أسود مشكوك فيه بالمشاركة في الانقلاب؟

أحمد الوافي:

لا.

محمد كريشان:

وبالتالي تمت عملية فرز عرقي داخل المؤسسة العسكرية..

أحمد الوافي:

لا لا لا.. اللي أعرفه أنا -وأنا لست في السلطة ولست…- أنه كان هنالك انقلاب أو محاولة انقلاب، وكانت -مع الأسف- لأول مرة تقوم محاولة انقلاب عنصري ضد معين واللي كان وقتها، هذه المحاولة فشلت، وعندما فشلت نشأت من وراء ذلك حركة سياسية أيضا، فنتيجة لتصفية الانقلاب ونتيجة لتصفية الحركة السياسية، أنا لا أقول إنه صفي بالطريقة الديمقراطية.. نتيجة لها قطعا خلفوا ضحايا، كم عددهم؟ لا أعتقد أنه بهذا الشكل، وأعتقد أنه مبالغ فيه، ولا أعتقد أن الجيش الموريتاني فيه خمسمائة ضابط، وإذا كان به خمسمائة ضابط فليس كلهم من الزنوج.. هذا كلام فيه كثير من المبالغات، لكن الذي وراء هذا نقطة أساسية بأنه كان هنالك أيضا مخطط آخر أن يحرق هذا خط التماس ما بين العرب والزنوج في كل إفريقيا ابتداء من الصومال وإثيوبيا والسودان وتشاد ومالي إلى السنغال، كان هنالك مخطط، وهذه معروفة، وليست مواريث مؤامرة، هذه مسائل ملموسة ومعروفة، هذا خط الجوار، خط التماس ما بين العرب، كانت هنالك مخطط من أجل حرقه نهائيا، ومن أجل إدخاله في دوامة من العنف، حدث من ذلك فعلا أن امتد ذلك إلى هذه المنطقة.. كيف يمتد؟ سيقول: إن هؤلاء الزنوج مظلومين وإنهم كذا.. مسألة العنصرية، وأن هنالك تعاليا، هذه المسألة ليست موجودة بالمجتمع الموريتاني.. المجتمع الموريتاني لا يعرف قضية الألوان، نحن سواء كنا بيض أو سمر أو سود، هذه بالنسبة لنا مسألة حالة اجتماعية نتعايش ونفتخر بها.

محمد كريشان:

سيد أحمد آخر الأرقام الرسمية بالنسبة لنسبة الزنوج في المجتمع الموريتاني تشير إلى أنها في حدود الـ18% تقريبا، هذا هو الإحصاء الذي تم في آخر إحصاء موريتاني وإن لم ينشر بشكل رسمي، يعني هذه النسبة هل تعتقد بأن لها حظوظ متساوية في المجتمع الموريتاني؟ يعني المعروف -مثلا- أن أغلب العمالة في الأعمال اليدوية أو الحرفية هنا في موريتانيا أغلبها يمارسها سود، سواء كانوا من السود الموريتانيين أو من سود أتوا من السنغال ويعملون هنا كعمال أجانب، هذه النسبة هل تحظى بنفس الفرص المتكافئة التي يحصل عليها العربي أو غيره؟

أحمد الوافي:

أولا هذه النسبة الموجودة بالإحصاء -مثلما قلت- كانت بالنسبة للإحصاء حول السكان المقيمين الـ18%. وكان هنالك إحصاء آخر ثانوي بالنسبة لهذا لتقدير عدد غير… المقيمين من غير الوطنيين بنسبة 5%، عليك أن تنـزع 5% من الـ18% حتى تصل إلى التقدير المعقول اللي هو 13%، وإن كان هذا اجتهاد مني لكن هذا مبني على هذه الحقائق، وفعلا -كما قلت- كانت النسبة 18% لكن 5% منهم مقيمين غير وطنيين. ومعروف أن المقيمين من الزنوج اللي ليسوا فقط من التخوم السنغالية وإنما من كل البلاد الإفريقية، ولا يزالون إلى الآن موجودين.

محمد كريشان:

نعم، لا يزالون.

أحمد الوافي:

أما حظوظهم بالنسبة لهذا في للتعليم، أعتقد بأنك خذ الرقم، واطلب كم عدد الوزراء في موريتانيا، وشوف النسبة، ستجد الحظوظ نسبتها أكثر من الـ13% اللي قلنا عليها، لكن مع الأسف عملية الضغينة زرع الضغينة ما بين العرب والزنوج، والتي مصدرها أساسا كما أشرت إليه هو القوى التي كانت تقف وراء حرق خط التماس ما بين العرب والزنوج، هي التي غذت هذا، وغذت قضية العبودية، بينما قضية العبودية لا علاقة لها أصلا بالمجتمع العربي، هي قضية تاريخية وقضية موجودة في المنطقة ككل تمارسها تاريخيا القبائل اللي كانت موجودة هناك.

محمد كريشان:

على ذكر حرق خط التماس، موضوع التعريب هل كان -أيضا- بدوره في فترة من الفترات.. في موريتانيا كانت هناك مدارس معربة بنسبة 100% وعلى المواطن الموريتاني العربي أن يدخلها دون غيرها، وكان على البقية الذين هم ليسوا من أصول عربية ويتحدثون اللغة الفرنسية ربما بشكل أساسي أن يتوجهوا إلى مدارس أخرى، هل هذا -أيضا- ساهم في حرق خط التماس من الناحية الثقافية ليس من الناحية الاستراتيجية أو من الناحية السياسية؟

أحمد وافي:

قد يكون قد يكون قد يكون قد يكون، لأنه في بداية الثمانينات وأواخر السبعينات كان هنالك تململ شديد جدا من قضية فرنسة التعليم، وكان هنالك قرار بأنه يكون هنالك اختيار للتمليذ حسب لغته الأم، يعني التلميذ اللي لغته الأم اللغة العربية عليه أن يدخل المدارس المعربة فقط والآخر يكون له الاختيار، نشأ من هذا أن يكون له الاختيار ليس فقط ما بين اللغة الفرنسية، وإنما حتى اللغات الإفريقية، يعني اللغات الإفريقية كانت تدرس لنا في المدارس في ذلك السن، لكن -أيضا- الذين وراء حرق خط التماس هم الذين كانوا يعتبرون بأنه هذا تحول عنصري، بينما اللغة العربية هي لغة الإسلام، وهي اللغة الجامعة، اللغة اللي يصلوا بها جميعا، واللغة التي نقرأ بها ديننا، وهي لغة وطنية، لا يمكن تساويها ووضعها في الكف مع أي لغة أجنبية هي فعلاً لغة المستعمر، ليس معنى ذلك أن نكون ضد هذه اللغة، يجب أن تدرس، ويجب أن ننفتح على العالم وهذا ما تم تصحيحه، ولكن كون أنه يقال بأن اللغة العربية فقط إنها فرض عنصري، هذا أعتقد فيه الكثير من الإجحاف، وكثير من عدم الإنصاف، اللغة العربية لغة وطنية ولغة قومية ولغة دينية جامعة بين فئات المجتمع كله.

محمد كريشان:

نعم سيد أحمد الوافي شكرا جزيلا.

أحمد الوافي:

شكرا لكم.