الواقع العربي

لماذا يختلق الإعلام المصري أحداثا غير حقيقية؟

يلاحظ المتابع لوسائل الإعلام المصرية ابتعاد بعضها عن المعايير المهنية المتعارف عليها دوليا واعتماد بعضها على اختلاق أحداث ووقائع لا أساس لها واستشهادها بمصادر لم تتطرق أصلا لتلك الأحداث المفتعلة.

اختلاق عدد من وسائل الإعلام في مصر أحداثا غير حقيقية وتضخيمها وتقديمها للجمهور بتفاصيل وإسنادها لمصادر، ثم ثبات زيفها، يثير تساؤلات عن الأهداف التي يسعى إليها هذا الإعلام، وهل يستقيم هذا الأسلوب من الدعاية في القرن الحادي والعشرين؟

حلقة الجمعة (5/9/2014) من برنامج "الواقع العربي" تناولت هذا الموضوع من الزاوية المهنية والاجتماعية، في ضوء مخالفة هذا الأسلوب لأبسط المعايير المهنية المتعارف عليها في مجال الصحافة والإعلام.

ويجد المتابع لوسائل الإعلام المصرية ابتعاد بعضها وبشكل كبير عن المعايير المهنية المتعارف عليها دوليا والتي تشير إلى أن الإعلام يلعب دورا محوريا في حياة المجتمعات، من خلال قيامه بمهمته الأساسية المتمثلة في تثقيف وتوعية الجمهور بشأن قضايا الساعة وإطلاعه على حيثياتها، لكي يتمكن الجمهور من تحديد مواقفه من تلك القضايا, لكن في مصر تعتمد بعض وسائل الإعلام على أساليب اختلاق أحداث ووقائع لا أساس لها على أرض الواقع واستشهادها بمصادر لم تتطرق أصلا لتلك الأحداث المفتعلة.

ولعل أحدث مثال على ذلك خروجُ إعلامي مصري للإعلان عن اعتراض القوات المصرية الأسطول السادس الأميركي في المياه الإقليمية المصرية وأسر قائده، مستشهدا بمذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون.

وعرض البرنامج تقريرا للزميل وليد العطّار استعرض فيه بعضا من الأمثلة عن خروج بعض وسائل الإعلام المصرية عن معايير الموضوعية والدقة في نقل الأخبار، لدرجة أن أحدهم يعترف على الهواء بأنه "لا موضوعية" ليوضح حالة الانحياز الفج لطرف دون آخر.

لكن المسألة فيما يبدو تجاوزت عدم الموضوعية ونشر الكراهية الشخصية، وبلغت حد عرض أكاذيب مختلقة من الأساس، يعيش المصريون صباح مساء على مثل هذه المجالس التي تُغتال فيها أبسط الحقائق، ويُفرض على شعب أكبر دولة عربية أن تُحشى مداركه بأقصى ما يُتوقع من ابتذال لأبجديات الصدق والموضوعية.

اللافت أنه رغم مرور أكثر من عام على الانقلاب العسكري في مصر، واستتباب الأمر لقائده عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح رئيسا وفق خريطة طريقه التي رسمها، هو التمادي المستمر والإصرار من قبل الإعلام والنخبة المتصدرة في العصر الجديد على اختلاق الأكاذيب ومجافاة الموضوعية، وهي مسالك يفترض استغناؤهم عنها بعد إقصاء خصومهم ووجود قطاع لا بأس به من الشعب يلتف حولهم.

الغريب أيضا أن تباهي هذا الفريق من الإعلاميين المصريين بمجاوزة الموضوعية قد يُعد انتحارا مهنيا لمنظومة بأسرها، لكن المدهش أن يصر كثيرون على تصديق هؤلاء الإعلاميين رغم ذلك. 

الكذب فكرة
يقول الكاتب الصحفي المصري محمد القدوسي، محاولا تفسير سبب لجوء الإعلام المؤيد للانقلاب في مصر إلى اختلاق الأكاذيب، "ليس هناك في الصدق ما ينقذ الانقلاب، خاصة وأن فكرته مبنية على كذبة كبيرة"، مشيرا إلى وعود الانتخابات المبكرة وخريطة الطريق، وصولا إلى مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بشكل لافت، وأخيرا شهادات الاستثمار الخاصة بمشروع قناة السويس التي وصفها بأنها "سُريقة السيسي".

ويشير القدوسي إلى ما أسماه "ابتكارا جديدا" للإعلام في مصر، وهو طرح الرأي والتحليل في صورة أخبار حقيقية.

وردا على سؤال عن أسباب لجوء الإعلام لهذه الأساليب طالما أحكم النظام قبضته على الشرطة والقضاء والإعلام وغيرها، قال القدوسي إن النظام لم يحكم قبضته ولن يستطيع حكم شعب بالإجبار، لكنها طريقة الحكم الدكتاتوري في صناعة فزاعة لتخويف الشعب من مصير أسوأ.

ولفت إلى أنه يمكن للمواطن الذي يشاهد هذه الأكاذيب أن يتحقق بسهولة منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت عبر تجميع ما تقوله قنوات الإعلام ووضعها في سياق واحد ليكشف كذبها وزيفها ومحاولتها خداع الشعب.

أسلوب دعائي
من جانبه يرى الباحث في علم النفس الاجتماعي عبد الباسط الفقيه أن هذا الأسلوب معتمد في الدعاية منذ بدايتها في الحرب العالمية الأولى ومع النازية في ألمانيا وخلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.

ويضيف أن الذين يبثون مثل هذه الأكاذيب يحاولون سد فراغ إعلامي، ولا يشترط أنهم يتوقعون أن يصدقها الناس، لأن الأكاذيب التي أذيعت في مصر مؤخرا أصبحت مضحكة خاصة فيما يتعلق بأزمة انقطاع الكهرباء.

واعتبر الفقيه أن ما يتناوله الإعلام المصري في هذا الشأن يناقض كل أبجديات العمل الصحفي والإعلامي، مشيرا إلى أن الإعلاميين المصريين أهدروا فرصة الارتقاء بأنفسهم ومهنتهم واكتساب ثقة الجمهور فيهم.

ولأن المتلقي اليوم أصبح أكثر ذكاء وقدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال والتوثق بسهولة من المعلومات، ووصف هذا الأسلوب بأنه "من الأعمال العبثية التي لا يرجى منها شيء، خاصة بهذه البساطة والسذاجة".