المشاء

المغرب.. حجَر فلسفي في كل مدرسة

ناقش “المشاء” في هذه الحلقة التجربة المغربية الرائدة في تدريس الفلسفة بدءا من المراحل الدراسية ما قبل الجامعة، متطرقا إلى مراحل هذه التجربة وما اعترضها من تحديات واعتراها من تطورات.

أنتجت التجربة المغربية في تدريس الفلسفة -بدءا من المراحل التعليمية ما قبل الجامعة- نخبة مغربية لا تكف عن طرح أسئلة جوهرية، إذ جعلت هذه التجربة الطلاب يشرعون في التفكير منذ الصغر بعد أن فتحت أمامهم أبواب التفلسف ومكنتهم من أدواته النظرية، فكان ذلك درعا لهم تحميهم من غول التكرار والاجترار.

وتوضيحا لبعض معالم هذه التجربة؛ يقول أستاذ الفلسفة والكاتب المغربي محمد أحَدّو إن مسار تجربة تدريس الفلسفة في المغرب مرتبط بهوية الدرس الفلسفي المغربي خلال 50 سنة من تقديمه، فهو درس يبحث عن هويته من خلال الاستفادة من التراكم الناتج عن تجارب الفلسفة الأوروبية والمزج بينها وبين الثقافة والحضارة الإسلامية.

وأضاف أحَدّو -في لقاء مع برنامج "المشاء" ضمن حلقته ليوم 2019/3/14- أن هذا المزج أغنى الدرس الفلسفي عبر مساره التاريخي الذي يمتد زمنيا على خمس فترات هامة، هي:

– المرحلة الأولى 1940-1970: وكان فيها حضور واضح لثقل المنهاج الفرنسي لأن اللغة الفرنسية كانت لغة التدريس طوال فترة الاستعمار، وكذلك كان الكادر التدريسي فرنسيا، والمضمون كان مشبعا بالأفكار الفرنسية. ولكن عند الاستقلال عام 1956 بدأت محاولة بناء هوية عربية مع الانفتاح على الفكر الإسلامي.

– المرحلة الثانية 1971-1975: وقد تم خلالها النص على ضرورة تدريس الفلسفة بالعربية، وتعميم برنامجها على كل المغرب كمادة فلسفة مع فصلها عن مادة الفكر الإسلامي.

– المرحلة الخامسة وهي فترة الثمانينيات: وفيها بدأت المدرسة العليا للأساتذة تأخذ صفة الممر الضروري لتكوين أساتذة الفلسفة عبر مناهج تربية خاصة، وتم إحداث تحول تربوي في تدريسها بالابتعاد عن المضمون التاريخي والاعتماد في التدريس على النصوص الفلسفية.

– المرحلة الرابعة 1991-1995: حيث بدأ تدريس الفلسفة من خلال النصوص.
– المرحلة الخامسة بدأت 2004: وفيها تم تعميم تدريس الفلسفة على التعليم الثانوي، ووضع المناهج المتعددة على مستوى الكتب المدرسية، كما تم –بدءا من عام 2006- النص على ضرورة اعتبار الكتاب المدرسي خاصا بالتلميذ.

تحديات التجربة
وأكد أحدّو أن درس الفلسفة اليوم في المغرب درس متقدم في مضمونه، وهمّه الأول هو الإنسان الذي ينظر إليه ككائن يجمع بين الطبيعة والثقافة. وأشار إلى أن العثرات في هذه التجربة كانت مسألة أساسية لتطوير الدرس، ولكنها تحتاج آليات تضبط تطوير الدرس الفلسفي عبر التمسك بالمقاربة التجديدية لرفع جودة المتدخلين في الدرس الفلسفي، ولا بد من مصالحة حقيقية بين المدرسة والفلسفة وتحويلها إلى درس حضاري.

أما المفتشة العامة للتربية والتكوين سابقا خديجة شاكر فأكدت أن رسالة الدرس الفلسفي في المغرب هي السعي لترسيخ القدرة على طرح "سؤال الدهشة الفلسفية" لدى كل الأجيال، وحثها على تنمية الرغبة في التأمل في الأحداث والوقائع عبر طرح الأسئلة التي تؤرقها وتعطيها اليقظة الفكرية التي تحارب بها عقلية الرأي الواحد والديماغوجية.

وأوضحت خديجة أنه لا بد من النظر إلى المنهاج الفلسفي ومضامينه المعرفية في بعده الشامل والتأكد من حضور الإنسان فيه، وأن تعطي هذه المضامين للطلاب حرية إبداء الرأي وإصدار الأحكام، مشيرة إلى أن حجر الأساس الذي كان دائما غاية وحاجة هو التكوين المتين لأساتذة الفلسفة، لأن تدريسها –في النهاية- يبقى محصورا داخل فضاء المدرسة ولا يتمدد في الفضاء الثقافي العام.