الجيش الباكستاني اللاعب السياسي الأكبر في البلاد
باكستان دولة توصف بالديمقراطية، وتتم فيها الانتخابات لاختيار البرلمان الاتحادي والبرلمانات الإقليمية التي تؤدي دورها في تشكيل الحكومات، ومع كل ذلك فإن العسكر دائما حاضرون في أي معترك سياسي باكستاني، أو تحدّ خارجي أو داخلي. فما الدور المنوط بالجيش في الدولة الباكستانية؟
أدلى الباكستانيون الأسبوع الماضي بأصواتهم في الانتخابات العامة، وأسفرت النتائج شبه النهائية عن فوز واضح لأنصار رئيس الوزراء السابق المعتقل عمران خان بأكثر من 93 مقعدا من أصل 266 مقعدا جرى عليها الاقتراع، وحل حزب الرابطة الإسلامية الذي يقوده نواز شريف ثانيا بالحصول على 75 مقعدا، ثم وحزب الشعب بزعامة آصف علي زرداري ثالثا بـ54 مقعدا، وتوزعت المقاعد المتبقية على أحزاب صغيرة ومستقلين.
وراج مؤخرا بأن نواز شريف أو شقيقه شهباز شريف سيكون رئيس الوزراء المقبل مرة أخرى؛ لأن الجيش يريد ذلك.
ومثل عمران الآن، أدين نواز شريف سابقا بالفساد، مما أدى إلى تنحيه عن منصب رئيس الوزراء في 2017 وغادر البلاد بعد ذلك.
ويعتقد في باكستان وعلى نطاق واسع أن الجيش هو الذي ضمن وصول شريف إلى السلطة وخسارة السلطة في وقت سابق؛ وهو الذي دفع إلى صعود عمران خان -أيضا- في 2018 ثم إسقاطه في 2022.
الجيش منذ إنشاء باكستان
ومنذ إنشاء باكستان في 1947 لم يتمكن أي رئيس وزراء حتى الآن من إكمال فترة كاملة تمتد 5 سنوات حسب الدستور، كما نُفّذت 3 انقلابات عسكرية.
وفي أول حكومة باكستانية خصص رئيس الوزراء لياقت علي خان 75% من الميزانية الأولى لعام 1948 للدفاع، ولتغطية رواتب وتكاليف إعداد القوات.
وكان الجيش دائما مدفوعا بالتهديد من الهند، ليحفز على عسكرة الدولة، وهو ما وفّر السياق للجنرالات لزيادة نفوذهم في السياسة الداخلية وسياسة الأمن.
ثلاثة انقلابات
الانقلاب الأول في 1958، في ظل أزمة اقتصادية وسياسية عاشتها البلاد، نحّى الجنرال محمد أيوب خان الحكومة جانبا، وعلّق النشاطات السياسية. وكان هناك شعور بدعم الناس للجيش، وهو ما أضفى الشرعية على الاستيلاء على السلطة.
الانقلاب الثاني في 1977، عاشت باكستان حالة من الانتكاسة بعد هزيمتها بالحرب أمام الهند، وتقسيم البلاد إلى باكستان وبنغلادش في 1971.
وأثارت نتائج انتخابات 1977 مزاعم بالتزوير ضد حزب الشعب الباكستاني الذي يتزعمه ذو الفقار علي بوتو من التحالف الوطني الباكستاني المعارض، ما دفع لفرض الأحكام العرفية حيث استولى قائد الجيش الجنرال ضياء الحق على السلطة في انقلاب 1977، وأُعدم بوتو في 1979 بعد محاكمته.
الانقلاب الثالث، في 1999، حيث نحّى قائد الجيش الجنرال برويز مشرف رئيس الوزراء نواز شريف.
الجيش مضطر للتدخل
وإزاء ذلك يقر وزير الدفاع السابق الجنرال المتقاعد نعيم خالد لودهي بتدخل الجيش في الحياة السياسية في باكستان، مشيرا إلى أنه كان مضطرا لذلك حرصا على المصلحة العليا للبلاد، وللحفاظ على الأمن وحمايتها من المتربصين بها خارج الحدود.
وفي حديث للجزيرة نت بين لودهي أن سوء الإدارة من بعض رؤساء الحكومة والقادة السياسيين وفساد بعضهم، دفع الجيش لتوسيع سلطاته والتدخل في الحكم بهدف حماية مصالح ووحدة البلاد.
وعدّ لودهي أن لباكستان خصوصية تحتم عليها أن يكون للجيش مكانة عُليا، فهناك عدو عملاق بجوارها (الهند) يتربص بها، كما أن هناك تحديات أمنية خاصة على الحدود مع أفغانستان وإيران.
وعن الشخصية التي يرى أنها جديرة بقيادة البلاد من السياسيين، قال إنه رغم احترامه لكل من نواز شريف وآصف زرداري، فإن حزبيهما حكما البلاد في فترات سابقة عدة، وفي كل مرة يتهمون بالفساد وسوء الإدارة إضافة إلى التوريث العائلي في حزبيهما، معدّا أن عمران خان هو الشخصية الأفضل في المرحلة الحالية لقيادة البلاد، خاصة أنه مشهود له بالنزاهة رغم الاتهامات التي تلاحقه.
ورغم إقراره بأن الجيش وراء الإطاحة بعمران خان في 2022 وأن الجهاز العسكري غير راغب بعودته للسلطة، فإنه صوّت في الانتخابات الأخيرة لصالح أنصار عمران خان.
مرهون برضا الجيش
من جهته عدَّ مدير مركز إسلام آباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه، أنه منذ 1985 كل الذين تولوا منصب رئاسة الوزراء يأتون برضا الجيش، وعندما يرى الجيش أن هذا المسؤول بدأ يخرج عن طوعهم يطيحون به.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن هذا ما يفسر أن أيا من الحكومات الباكستانية منذ نشأة البلاد لم تكمل فترة السنوات الخمس من الحكم التي يقرها الدستور.
واستدرك بالقول إن الحزبين الرئيسين في البلاد (حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية) أساءا خلال تناوبهما على السلطة في البلاد على مر السنوات، وزادا من الأوضاع السيئة في البلاد، وهو ما أتاح المجال لحزب حركة إنصاف بقيادة عمران خان للفوز بشكل بارز في انتخابات 2018، وكان السبب الرئيس في ذلك كرهه للحزبين التقليديين اللذين كانا متهمين بالفساد دائما، بالإضافة لوعود عمران بمحاربة الفساد وتحسين أوضاع البلاد.
وعن الانتخابات الأخيرة، ورغم القيود الكثيرة والكيد الكبير ضد عمران خان، فإن أنصاره حققوا فوزا واضحا فيها، وهو ما جاء محرجا للجيش الذي أطاح به، فدعا لتحالف بين حزبي الشعب والرابطة الإسلامية إلى جانب أحزاب صغيرة لتشكيل الحكومة المقبلة.
الجيش حد من الديمقراطية
أما الكاتبة والمحللة السياسية عاصمة ودود فترى أن الجيش كان دائما يتدخل بالسياسة، وهو ما حد من مستوى الديمقراطية في البلاد بشكل ملحوظ، وأضعف المؤسسات الحكومية.
ورأت في حديث للجزيرة نت أن حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف استغل الخلافات بين عمران خان والجيش، للسعي للعودة إلى السلطة من خلال الانتخابات التي جرت مؤخرا، مقرا بالتبعية.
وأضافت أنه ورغم المحاولات الحثيثة من الجيش وخصوم عمران لخسارة الأخير في الانتخابات، فإن أنصاره فازوا بشكل ملحوظ، وحققوا أعلى تصويت بين الأحزاب المتنافسة، رغم عمليات التزوير التي جرت.
وقالت عاصمة إن الشعب الباكستاني في الانتخابات الأخيرة صوّت ضد الأحزاب العائلية التوارثية، في إشارة إلى حزبي الشعب والرابطة الإسلامية، والمشاركة غير الدستورية للجيش في السياسة.
وأعربت عن أسفها بأنه بدلا من الإقرار باختيار الشعب، دفع الجيش الأحزاب التي تعدّ تاريخيا في حالة نزاع فيما بينها لتشكيل حكومة ائتلافية، معدّة أنها مرفوضة شعبيا.
وواصلت القول إنه مع جلوس الأغلبية في المعارضة، سيكون من المستحيل على الحكومة إصدار تشريعات أو تعديلات دستورية دون دعم المؤسسة العسكرية، وهو ما سيفرغ البرلمان من مضمونه ويهدد الاستقرار السياسي في البلاد.